حياةُ العناقيدِ المجريّة

يتعلّقُ بعضُ أكبرِ الأسئلة التي يتأملها علماءُ الكون حالياً بكيفية تشكّلِ الكون، ومن هذه الأسئلة: "لو أن كل شيء بدأ مع الانفجار العظيم عندما كانت الأشياء ساخنةً جداً وناعمة جداً، فكيف أصبحت الأجسام متكتّلةً إذًا ؟" و"كيف بدأت المجرات بالتشكّل؟"

 

تُعتبر هذه الأسئلة من بين الأسئلة الأساسية جداً، لكنّ الإجابة عنها تبدو من الأكثر صعوبةً على الإطلاق. لقد مضت مليارات الأعوام على حصول الانفجار العظيم، وكذلك الأمر بالنسبة لتشكل أولى المجرات؛ فكيف يُمكننا النظر إلى ما نُشاهده اليومَ وتخمين ما حصل سابقاً إذًا؟

 

إنّ العناقيدُ المجريّة هي إحدى الأماكن التي يتوجّب علينا النظر إليها بحثاً عن الأجوبة، فهذه العناقيدُ عملاقةٌ جداً؛ إذ قد يصل عرضُ بعضها إلى عشرة ملايين سنة ضوئية، وهي تحتوي على آلاف المجرات، وفي كثيرٍ من النماذج الكونية تتشكّل هذه العناقيد فائقة الكتلة انطلاقاً من عناقيد مجريّة أصغر وأكثر شيوعاً.

وفيما لو كان ذلك صحيحًا فإنّ العناقيد المجرية المتشكلة منذ وقت طويل يجب أن تكون أصغر وسطياً من العناقيد الحديثة. ويجب أن يتغير تابع الكتلة الذي يصف عدد العناقيد كتابع للكتلة، بطريقة محددة مع مرور الزمن. لكن كيف يُمكنك النظر إلى العناقيد التي تشكلت منذ وقتٍ طويل جداً؟

 

 

يكمن الجواب في أن الضوء يتحرك عند سرعة محددة تماماً، والضوء الذي نشاهده اليومَ قادماً من بعض الأجسام، كان في الواقع قد غادر هذه الأجسام منذ ملايين السنين . وبسبب توسع الكون، ينزاح مثل هذا الضوء نحو المجال تحت الأحمر، وكلما كان الانزياح نحو الأحمر أكبر، كلما كان الضوء قد قطع مسافة أكبر ليصل إلينا، وهو ما يعني أن بإمكاننا العودة بالزّمن إلى الوراء عبر رصد الأجسام التي تنزاح نحو الاحمر كثيرًا.

 

وفي هذا الإطار تتجلى إحدى أكبرِ المشاكل في صعوبةِ النظر إلى الأجسام المنزاحة بشكلٍ كبير نحو الأحمر، فهي تميل إلى أن تكون خافتة جداً. وهذا الأمر صحيح بشكلٍ خاص عندما تُريد الحصول على عينة إحصائية كبيرة، كأن يأخذ المرء عينة من أجل الوصول إلى قانون عام حول النزعة المتعلقة بأحجام العناقيد المجريّة على مدار أعوام طويلة من الزمن، فمثل هذه النزعة مقبولة في حالة وحيدة فقط، وهي عندما ترصدها في الكثير من العناقيد.

 

  • معالجة السؤال

تستخدم مجموعتنا للأبحاث مراقبات الأشعة السينية لتطوير عمليات مسح للعناقيد المجرية وتابع لمعان الأشعة السينية الإجمالي لها (XLF)، فقياس هذا التابع بالنسبة لعنقود أبسط بكثير من قياس تابع كتلته MF، لكنّ تفسيره أصعب بكثير.

ولقياس XLF للعناقيد المجرية، بدأ مسح ROSAT واسع الحقل (أو اختصاراً WARPS ) العمل في مركز غودارد للطيران الفضائي. يُغطّي WARPS منطقةً صغيرةً من السماء، وبالتالي العناقيد الأقل غنى، لكنّ الخرائط الناتجة عنه تأخذ بعين الاعتبار اللمعان المنخفض جداً. ولإنجاز هذا المسح، نستخدم القمر الصناعي ROSAT.

 

• ما الذي تُقدّمه عمليات المسح للعناقيد؟


يُبين مسح تابع XLF آخر، يُعرف بمسح اينشتاين الموسع ومتوسط الحساسية (EMSS)، تقريباً عدم وجود اختلاف في توابع XLFs للعناقيد التي تمتلك قيمة انزياح نحو الأحمر z>0.3 وتلك التي تبلغ قيمتها z<0.3.

عند الحد الأعلى لتابع اللمعان، هناك إشارة على ميلٍ أقل لوجود العناقيد عند لمعان مرتفع وذلك عند انزياحات نحو الأحمر أكبر من 0.3. وهذا الأمر مناقض لما توقعناه بالاعتماد على أبسط النماذج الكونية التي تتنبأ بوجود عناقيد لامعة أكثر في المراحل المبكرة.

 

ماذا يُخبئ المستقبل؟


WARPS مشروع مستمر في العمل وقد اكتمل جزيئاً فقط، وعندما يتم الانتهاء من المشروع يُمكننا استخدامه من أجل توابع XLF بالنسبة للعناقيد منخفضة اللمعان.

يُقدم كل من WARPS وعمليات المسح الأخرى عينة من العناقيد للاستخدام كمدخلات للدراسات المستقبلية التي ستجري بوساطة مهمات الأشعة السينية كمرصد تشاندرا الفضائي، وتلسكوب نيوتن XMM ، وستكون هذه المهمات قادرة على قياس درجات حرارة الأشعة السينية للعناقيد بما في ذلك تلك الموجودة عند انزياح كبير جدا نحو الأحمر .

وستسمح قياسات درجة الحرارة للعناقيد بتحديد تابع درجة الحرارة (TF) لتلك العناقيد، فارتباط درجة الحرارة بالكتلة أبسط بكثير مما هو الحال مع اللمعان، ومن ثَمّ نتجنب الكثير من التعقيدات مثل الحقن الطاقي الناجم عن السوبرنوفات القديمة جداً. وستسمح مقارنة توابع TFs لكل من الانزياحات المرتفعة نحو الأحمر وتلك المنخفضة بالوصول إلى قيود أفضل بكثير بالنسبة للنماذج الكونية.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات