نظام دفع جديد يوصلنا إلى المريخ خلال ثلاثة أيام، وربما يسمح بالسفر بين النجوم!

"لا يوجد أي سبب قد يمنعنا من القيام بذلك!"

رغم المشوار الطويل الذي قطعناه في استكشاف الفضاء، وحده بطء المركبات الفضائية يبقى عائقًا أمام سفرنا بين النجوم. وبينما يمكننا دفع الجسيمات في المختبر لدرجةٍ تقارب سرعة الضوء، فإنه يصعب علينا الوصول إلى ٣٪ من تلك السرعة عند محاولة زيادة سرعة المركبات الفضائية. وبذلك قد يستغرق وصول البشر إلى المريخ قرابة خمسة أشهر بالاستعانة بالتقنيات الحديثة.

لكن يعمل عالم وكالة ناسا فيليب لوبين Philip Lubin حاليًا على تطوير نظام ليزريّ لدفع المركبات الفضائية عن طريق أشرعةٍ عملاقة باتجاه الكوكب الأحمر، مما قد يُساهم في الوصول إلى المريخ خلال ثلاثة أيام فقط.

 

ومثلما حدث مع المركبة الفضائية المرفقة بأشرعةٍ شمسية، التي روَّج لها الشخصية العلمية المشهورة بيل ناي Bill Nye، فإن نظام الدفع الفوتوني هذا يعتمد في الأساس على ما يُعرف بـ "زخم الفوتونات" -أو جسيمات الضوء- لدفع المركبة إلى الأمام. ولكن على خلاف الفوتونات المستمدَّة من أشعة الشمس، يعتمد نظام لوبين على الدفع بليزر عملاق مصدره الأرض.

قد يبدو الأمر بعيد المنال، لكنّ لوبين شرح هذه التقنية وتوفّرها وإمكانية التحكم بها من خلال فيديو نُشر على قناة ناسا ٣٦٠ على موقع اليوتيوب. ويوضح لوبين: "هنالك تطورات حديثة يمكنها أن تحوِّل هذه الفكرة من الخيال العلمي إلى الواقع العملي". ويُضيف: "ما من سبب يمنعنا من القيام بذلك".

ولكن دعونا نتأمل قليلًا كيفية عمل هذا النظام. حاليًا، وعند إطلاق مركبةٍ فضائية ما، يعتمد الدفع على الحرق الكيميائي لوقود الصواريخ. لكن مصدر الوقود هذا من شأنه زيادة الوزن العام للمركبة، كما تُعتبر هذه الطريقة التقليدية غير فعّالة مقارنةً بالدفع الكهرومغناطيسي، المبني على استخدام الضوء أو إشعاعات كهرومغناطيسية أخرى لزيادة سرعة الأجسام.

يذكر لوبين في ورقة بحثية عن هذه التقنية: "إن زيادة السرعة بالدفع الكهرومغناطيسي تعتمد على سرعة الضوء فقط، بينما الأنظمة الكيميائية الأخرى تعتمد على الطاقة المنبعثة من عمليات الاحتراق الكيميائي".


وفي الوقت الذي يُمكننا فيه إجراء الدّفع الكهرومغناطيسي في المختبر بشكلٍ مباشر وبسهولة، إلا أن هذه العملية تتطلّب العديد من المعدات المعقدة وباهظة الثمن مثل حلقة مغناطيسية فائقة التوصيل كتلك المستخدمة في مصادم الهادرونات الكبير. هذا بالإضافة إلى أنه لم يكن من السهل حتى الآن تكبيرها بالحجم المناسب والملائم للسفر في الفضاء.

كما أن إحدى أنظمة الدفع المرشحة والمعروفة باسم EM Driv -رغم وصفها علميًا بأنها مستحيلة- قد نالت الكثير من الاهتمام بسبب الادعاء بأنها حققت بالفعل عملية الدفع الكهرومغناطيسي. ولكن العلماء في ناسا لم يتمكنوا حتى الآن من فهم كيفية عمل هذا النظام، أو إثبات أن الأمر لا يعدو كونه حيودًا تجريبيًا.

ومن جهة أخرى، فإن نظام الدفع الفوتوني يعمل نظريًا بغضّ النظر عن الحجم مما يجعله مرشحًا أكثر قابليةً للاستمرار. لكن يبقى السؤال: كيف تعمل الفوتونات على دفع أجسامٍ عملاقة كالمركبات الفضائية؟

تمتلك جسيمات الضوء طاقة وزخمًا خاصًا بها رغم انعدام كتلتها، ويتحول هذا الزخم (كمية الحركة) إلى قوة دفع حين تنعكس هذه الجسيمات الضوئية على الجسم. وبذلك فإنه من الممكن زيادة سرعة المركبة تدريجيًا عن طريق الأشرعة الكبيرة التي تعكس جسيمات الضوء.

وبالرغم من أن لوبين وفريقه لم يقوموا حتى الآن بتجربة هذا النظام، فإن الحسابات تدلُّ على أنه يمكن إيصال مركبة روبوتات بالدّفع الفوتوني إلى المريخ خلال ثلاثة أيام فقط.

لكن قد تستغرق المركبات من الحجم الأكبر -كتلك التي من الممكن أن يتنقل بها البشر- قرابة الشهر للوصول إلى الكوكب، ويُعتبر هذا خُمس الزمن الذي قد يستغرقه الصاروخ الأكثر قوة حاليًا والمعروف باسم Space Launch System   او اختصاراً
(SLS) للوصول إلى نفس الوجهة.

يشرح لوبين أنه خلال الدقائق العشر الأولى التي قد يقضيها نظام SLS في المدار، فإن نظام الدفع الفوتوني قد يتمكن من دفع المركبة الفضائية بما يقارب الـ ٣٠٪ من سرعة الضوء والذي يعُتبر أمرًا غير مسبوق. كما أنه سيستخدم كمية مقاربة من الحرق الكيميائي (أو بمعدل ٥٠ إلى ١٠٠ غيغاوات) للقيام بذلك.

لكن القيمة الحقيقية للدفع الفوتوني تكمن في المسافات الطويلة والتي توفّر للمركبة وقتًا أطول لزيادة سرعتها. وقد يمكّننا هذا من السفر خارج النظام الشمسي أو لنجومٍ أخرى مجاورة.

وللتوضيح، فإن النظام لم يتم تطويره لنقل البشر وسفرهم عبر النجوم لعدة عوامل، منها: أن الروبوتات مؤهلةٌ أكثر لهذه المهمة مقارنة بالإنسان، إضافةً إلى ثقل الوزن البشري. وبدلًا عن هذا النظام، يقترح لوبين مركبات فضائية أخف وزنًا، والتي من الممكن أن تصل إلى ما يقارب سرعة الضوء.

لكن يبقى إرسال الذكاء الاصطناعي لتلك الأنظمة الشمسية البعيدة -خاصة التي تتضمّن كواكب قابلة للسكن- أمرًا عظيمًا. يقول لوبين: "سيكون العامل البشري في عملية استكشاف النجوم الأقرب لنا والكواكب التي تقع خارج المجموعة الشمسية رحلة عميقة للبشرية، وستكون تداعياتها غير العلمية عظيمة جدًا. فقد حان وقت القيام بهذه الرحلة بعيدًا عن موطننا".


حصل لوبين وفريقه على منحة بحثية مقدَّمة من وكالة ناسا لإثبات إمكانية استخدام الدفع الفوتوني فعلًا للسفر في الفضاء. وبذلك من المتوقع أن نرى نتائج عملية قريبًا؛ فلنأمل أن يكون الواقع بحجم الدعاية لأننا متحمسون جدًا للأمر.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات