أحد أقوى انفجارات السوبرنوفا مذكور في نصّ عربي قديم

صورة التقطها مرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية Chandra X-ray Observatory التابع لوكالة الفضاء ناسا تُظهر بقايا انفجار النجم الساطع كما رآه القُدماء في عام 1006 ميلادية.


حقوق الصورة: ناسا/ مرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية/معهد ميديلبوري/أف. وينكلر


اكتشاف جديد: مخطوطات عربية قديمة تمت ترجمتها إلى الإنجليزية مؤخراً تعود لعلماء عرب يذكرون فيها تفاصيل مُثيرة للاهتمام حول واحدٍ من ألمع وأقوى انفجارات النجوم في تاريخ البشرية والمُسمّى بـ SN 1006.

شهد عام 1006 ميلادية حدوث ظاهرة كونية فريدة تمثّلت بانفجار نجم ساطع ظهر فجأة ومن دون إنذار في سماء ليلِ أبريل/نيسان من ذلك العام ثم بدأ بالخفوت شيئاً فشيئاً على مدار عدة أشهر حتى اختفى في النهاية. وقد أفاد الراصدون القدماء أن ذلك الانفجار كان أشّد سطوعاً في سماء الليل من كوكب الزهرة عندما كان في ذروته بالرغم من أنه كان على مسافة 7,200 سنة ضوئية من كوكبنا عندما وقع.


هذا وقد وصف العديد من شُهود العيان في ذلك الوقت تلك الظاهرة الرائعة في العديد من النصوص القديمة في آسيا، والشرق الأوسط وأوروبا، وُربّما حتى في النقوش الأمريكية الشمالية. وبفضل هذه الملاحظات المتنوعة التي سجّلها القدماء تمكّن علماء الفلك المعاصرين من تحديد ماهية ذلك الجرم السماوي، إذ أكّدوا بأنه كان انفجار سوبرنوفا (supernova) وأطلقوا عليه اسم SN 1006.


لكن أثناء بحثهم العميق في عددٍ من النصوص القديمة عثر علماء الفلك مؤخراً على سجلّين ضائعين يُوثّقان ذلك الانفجار النجمي الأقوى في تاريخ البشرية. في تلك الأثناء، كان عالم الفيزياء الفلكية رالف نويهويزر Ralph Neuhäuser، من جامعة جامعة فريدريش شيلر ينا في ألمانيا، عاكفاً على دراسة أعمال العالم الفارسي الشهير ابن سينا Ibn Sina، والمعروف لدى الغرب باسم أفيسينا Avicenna. كان ابن سينا من العلماء الذين اشتُهروا بغزارة إنتاجهم العلمي، وقد عاش في الفترة الممتدة من عام 980 حتى عام 1037 ميلادية. سافر إلى مختلف البلدان وكتب حول العديد من المواضيع من بينها الفلك والطب.


من بين مُؤلفات ابن سينا المشهورة كتابه الذي يحمل عنوان "كتاب الشفاء" "Book of Healing". وفي هذا الكتاب وضع ابن سينا ملاحظة مهمة حيث ذكر فيها رصده لجرم سماويّ عابر (المقصود بذلك: جرم سماوي مؤقت أو غير دائم الظهور) حيث قال إن لون ذلك الجرم تغيّر مع مرور الوقت وأنه "بدا وكأنه يرمي الشرر" أثناء اختفائه تدريجياً. 


ووفقاً للعالم نويهويزر وزملائه فإن ذلك الجرم السماوي، والذي اعتقد الناس لفترة طويلة أنه مذنّب، لم يكن سوى انفجار السوبرنوفا SN 1006 الشهير نفسه. ومن المُرجّح أن ابن سينا قد شاهد هذا الحدث الفلكي عندما كان مُقيماً في شمال إيران.


حدثٌ فلكيٌ مُلوّن


وعلى الرغم من أن انفجار السوبرنوفا SN 1006 قد وُصِف في كتب القدماء بشكل ممتاز إلّا أن ملاحظات ابن سينا المُكتشفة حديثاً تُضيف بعض التفاصيل الجديدة التي لم يرها العلماء في النصوص الأخرى. هذا وتُظهر الترجمة التي قام بها الفريق العلمي أن ابن سينا كان قد رأى انفجار السوبرنوفا في بداية حدوثه حيث ظهر في السماء كبقعة صفراء مُخضرّة خافتة تتلألأ بشكل عنيف عندما كان الانفجار في ذروته، ثم تحوّل لونها إلى الأبيض تقريباً قبل أن تختفي بشكل نهائي.


وفي هذا الصدد يقول نويهويزر: "ما يُميّز ملاحظات ابن سينا أنه يذكر تطوّر وتغيّر لون الانفجار، وهي ملاحظة لم يذكرها أحد غيره في ذلك الوقت". وقد أدرج فريق نويهويزر العلمي ملاحظات ابن سينا ضمن ورقة علمية سيتم نشرها في مجلة الملاحظات الفلكية Astronomical Notes.


ملاحظات ابن سينا التي سجّلها في كتابه فيما يتعلق بتغيّر ألوان انفجار السوبرنوفا وأيضاً دراسته لدرجات سطوع الانفجار مع مرور الوقت مهمة جداً إذ أنها ستُساعد علماء الفلك المعاصرين على فهم هذا النوع المُميز من انفجارات السوبرنوفا، والمعروف باسم انفجار السوبرنوفا من نوع Ia، بشكل أفضل.


تحدث مثل هذه الانفجارات النجمية في الأنظمة النجمية التي تتكوّن من نجمين يدوران حول بعضهما، وفي بعض الحالات يكون هناك أكثر من نجمين. وإذا تحوّل أحدُ هذين النجمين إلى نجمٍ قزم أبيض (white dwarf) ذي كُتلةٍ هائلة، عندها يبدأ الأخير بسحب الغاز من رفيقه.

 

وما أن تتراكم كمية كافية من المادة في النجم القزم فإنه ينهارُ على نفسه ثم ينفجر. ولأن الوَهَج الناتج عن انفجار السوبرنوفا من نوع Ia دائماً ما تكون له درجة سُطوعٍ ثابتة، فإن علماء الفلك اليوم يستخدمون هذا النوع من انفجارات السوبرنوفا المنتشرة عبر أرجاء الكون من أجل تتبّع وقياس حركة الكون والمسافات فيه.


أما بالنسبة لانفجار السوبرنوفا SN 1006، فيقول علماء الفلك إن هذا الانفجار كان من نوع Ia وأنه قد نتج عن نجمين قزمين أبيضين. فأثناء دورانهما حول بعضهما خسر هذان النّجمان طاقتهما على شكل موجات ثقالية (gravitational waves) وانتهى الأمر باصطدامهما ببعضهما ما أدّى إلى تشكّل انفجارٍ هائل جداً ذو سطوعٍ أكبر بكثير من سطوع انفجارات السوبرنوفا الأخرى. لذا فمن المهم لعلماء الفلك أن يحاولوا فهم هذه الانفجارات التي تحمل كميات هائلة من الطاقة لأنهم يستعملونها كأدوات قياس كونية.

ضيفٌ مُبكّر


وبالإضافة إلى ملاحظات ابن سينا حول انفجار السوبرنوفا SN 1006، عثر العالم نويهويزر مؤخراً على دليلٍ آخر مرتبطٍ بهذا الانفجار وجده في أعمال مُؤرّخٍ يمني قديم يُدعى اليمني من مدينة صنعاء في اليمن. ويُشير هذا النص إلى أن الراصدين في ذلك الوقت كانوا قد شهدوا ظهور انفجار السوبرنوفا في وقت أبكر مما كان يُعتقَد، وهو ما سيؤثر على كيفية فهم العلماء المعاصرين لتطوّر ذلك الانفجار.


وفي هذا السياق يقول معظم الخبراء إن انفجار السوبرنوفا SN 1006 قد ظهر بتاريخ 28 أو 30 أبريل/نيسان من عام 1006 طبعاً اعتماداً على الكيفية التي يُحوّلون فيها أنظمة أيام السنة القمرية (lunar calendrical systems) التي كان الراصدون القُدماء يستخدمونها، بالإضافة إلى غياب الدقة في تحديد الراصد لتاريخ ذلك الحدث الفلكي. لكن بحوث العالم نويهويزر تُشير إلى أن تاريخ حدوث الانفجار كان في 17 أبريل/نيسان أو قبله أو بعده بيومين.


أما نصوص اليمني فتذكر أن مشهد انفجار السوبرنوفا كان قد ارتفع في السماء بعد غروب الشمس بحوالي نصف ساعة. وموضع الانفجار في السماء في ذلك الوقت يُشير إلى أنه حدث في أواسط شهر أبريل/نيسان، لأن بروز مشهد الانفجار بعد غياب الشمس بنصف ساعة لا يمكن أن يكون قد حدث في أي وقت آخر من السنة سوى في أواسط شهر أبريل/نيسان.


كذلك تُشير نصوصه إلى أن المكان والوقت اللذان شُوهد فيهما الانفجار بالنسبة للقمر لا يحدث إلاّ في أيام معينة في السنة وهي 15 و18 أبريل/نيسان اعتماداً على مواضع معروفة للقمر في ذلك الوقت [1]. ووفقاً للعالم نويهويزر فإن السجلات التي عُثر عليها في الصين واليابان وسويسرا تدعم التاريخ الذي حدده هو (أي 17 أبريل/نيسان 1006، أو قبله أو بعده بيومين) في حال تم تفسيرها بطريقة معينة>


ملاحظات 


[1] المقصود أن مكان انفجار السوبرنوفا في السماء بالنسبة للقمر في ذلك الوقت يُشير إلى أنه قد ظهر في أيام معينة وهي 15 و18 أبريل/نيسان. 


من جهة أخرى، يقول براد شيفر Brad Shaefer، أستاذ الفيزياء وعلم الفلك في جامعة ولاية لويزيانا، والذي درس توقيت أحداث انفجارات السوبرنوفا على مدار التاريخ، إن عمليات الرصد القديمة يمكن أن تكون مفيدة للعلماء إذ ستساعدهم على معرفة متى وصلت تلك الانفجارات إلى ذروة سطوعها.


لكنه غير مقتنع بأن بيانات الألوان التي ذكرها ابن سينا ستكون مفيدة للعلماء، فهو يزعم أن انفجار السوبرنوفا كان قريباً من الأفق بالنسبة للزاوية التي كان ابن سينا واقفاً فيها، لذا قد تكون الألوان التي رآها ناتجة عن تأثير الغلاف الجوي للأرض.


كما يُحذّر براد من أن أي شخص يحاول ربط سجلات ذلك الانفجار معاً سيكون عليه أن يأخذ بعين الاعتبار أن درجات سطوع ذلك الانفجار قد اختلفت من راصد وآخر. يقول براد: "فعلى سبيل المثال، قال أحد الراصدين إن سطوع ذلك الانفجار كان شبيهاً بسطوع كوكب المريخ، في حين أن راصداً آخر أفاد بأن سطوع الانفجار كان مساوياً لسطوع كوكب الزهرة، بينما قال آخر أن سطوعه شبيه بسطوع القمر عندما يكون في مرحلة التربيع".


أما العالم نويهويزر فيعتقد أن عملية الرصد التي سجّلها المؤرخ اليمني قد تكون هي الأكثر فائدة للعلماء لتمكينهم من دراسة تاريخ انفجار السوبرنوفا، وهو ما سيساعدهم على تحسين وتنقيح النماذج الفيزيائية الفلكية المعاصرة.


وختاماً يقول نويهويزر: "أحاول أن أحقق في عمليات الرصد القديمة من أجل استخدامها في حل المسائل والمشاكل التي تُواجهنا في حقل الفيزياء الفلكية اليوم".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا
  • القزم الأبيض (White dwarf): هو ما ستؤول إليه الشمس بعد أن ينفذ وقودها النووي. عندما يقترب من نفاذ وقوده النووي، يقوم هذا النوع من النجوم بسكب معظم مواده الموجودة في الطبقات الخارجية منه، مما يؤدي إلى تشكل سديم كوكبي؛ والقلب الساخن للنجم هو الناجي الوحيد في هذه العملية.
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات