رقم مذهل: بكم طريقة يمكن ترتيب 128 كرة تنس؟

كرات تنس.

المصدر: (Atomic Taco/ Flickr )


توصّل الباحثون إلى حلِّ تلك المشكلة الفيزيائية الصَّعبة التي تعتمد على بعض الأعداد الهائلة، إذ تتطلب المشكلة باختصارٍ أن تتخيَّل بأنك تملك 128 كرة تنس، ويمكنك ترتيبها بأي طريقةٍ تُريد. التحدي هنا هو أن تكتشف كم عدد الطرق الممكنة لإعادة ترتيبها، ووفقاً للبحث، الإجابة هي حوالي \(10^{250}\)، والمعروفة باسم (ten unquadragintilliard) وهو عددٌ كبيرٌ جداً لدرجة أنه يتجاوز عدد الجسيمات الموجودة في الكون مجتمعة.

على الرغم من أن هذه الدراسة معقدة، إلا أنها مثالٌ عمليٌّ لكيفية "الترتيب العشوائي" (configurational entropy) التي قد تُحسب في "فيزياء الحبيبات" (granular physics). هذا يعني في الأساس مسألة قياس مدى اضطراب الجسيمات في النظام أو الهيكل. يقدم هذا البحث نموذجاً جديداً لهذا النوع من الرياضيات، الذي سيساعد في حل تلك المشاكل الكبيرة التي لا تزال موجودة، بدءاً من توقُّع الانهيارات الجليدية وحتى خلق أنظمة ذكاء اصطناعي ذات كفاءة عالية.


حل المشكلة


على ما يبدو أنه قد تمَّ حلُّ هذه المشكلة الفيزيائية المحيِّرة، من قبل الباحثين في تلك الدراسة التي توفر الأساسات الرياضية لفهم المسائل التي تبدأ من التنبؤ بتشكيل الصحاري، لجعل الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة.

في بحثٍ أُجري بجامعة كامبريدج، طوَّر الفريق برنامج الكمبيوتر الذي من شأنه أن يُجيب عن هذا اللغز: تخيل أن لديك 128 كرةً مطاطيةً شبيهةً بكرات التنس، وبإمكانك رصُّها معاً بعدة طرقٍ مختلفة، كم عدد الترتيبات المختلفة والممكنة لفعل ذلك؟


الجواب كما تبين، هو عدد مثل هذا \(10^{250}\) (1 يتبعه 250 صفراً)، وهو ضخمٌ جداً لدرجة أنه يتجاوز العدد الكلي للجسيمات الموجود في الكون.
على أية حال، الأهم بكثيرٍ من الحل نفسه هو حقيقة أن الباحثين قادرون على الإجابة عن ذلك السؤال. الطريقة التي توصَّل إليها الباحثون يمكن أن تساعد في حساب ما يسمَّى "الترتيب العشوائي" (configurational entropy)، وهو مصطلحٌ يُستخدم لوصف ما مدى عشوائية هيكلة الجسيمات في نظامٍ فيزيائي.


كونك قادراً على حساب الترتيب العشوائي، من شأنه من الناحية النظرية أن يُجيب على مجموعةٍ من المشاكل التي تبدو مستحيلة، مثل التنبؤ بحركة الانهيارت الثلجية، أو توقُّع حركة الكثبان الرملية وكيفية إعادة تشكيل نفسها مع مرور الوقت.


فيزياء الحبيبيات


هذه الأسئلة تنتمي إلى مجال "فيزياء الحبيبات" الذي يتعامل مع سلوك وأداء المواد مثل الثلج والتربة والرمل، إنها أنواعٌ مختلفةٌ من المشكلة ذاتها. على أي حال، توجد العديد من المجالات الأُخرى مثل "نظرية الأوتار" (string theory)، و"علم الكون" (cosmology)، و"التعلُّم الآلي" (machine learning)، ومختلف فروع الرياضيات. 


ويُظهر البحث كيف يمكن توجيه تلك الأسئلة عبر تلك التخصُّصات وحلها يوماً ما.



من أجل التنبؤ بالانهيارات الثلجية


شرح الباحث الجامعي ستيفانو مارتنياني Stefano Martiniani، المساهم في كلية سانت جون في جامعة كامبريدج، والذي نفذ تلك الدراسة مع زملائه في قسم الكيمياء، قائلاً: "المشكلة رائجةٌ جداً. فـ"المواد الحبيبيّة" (Granular materials) ذاتها هي ثاني أكثر الأنواع المعالجة من المواد الخام في العالم بعد الماء، وحتى أننا نستطيع توصيف شكل سطح الأرض عن طريق معرفة سلوكها".

ويضيف: "من الواضح أن قدرتك على التنبُّؤ بكيفية تحرُّك الانهيارات الثلجية أو الصَّحاري هو أمرٌ بعيد المنال، ولكننا نودُّ يوماً ما أن نكون قادرين على حل هذه المشاكل، هذا البحث قائمٌ على هذا النوع من الحسابات التي سنحتاج إليها لنكون قادرين على فعل ذلك".


فكرة العشوائية


في قلب تلك المشاكل تكمن فكرة العشوائية، وهو المصطلح الذي يصف كيفية اضطراب الجسيمات في النظام. في الفيزياء، يُعرف "النظام" (system) بأنه أي مجموعةٍ من الجسيمات التي تحتاج إلى دراستها، على سبيل المثال، يمكن أن يعني ذلك كل الماء الموجود بالبحيرة، أو كل جزيئات الماء الموجودة بمكعب الثلج الواحد.

عندما يتغيَّر النظام -بسبب التغيُّر في درجات الحرارة مثلاً- ينتج عن ذلك اختلافُ ترتيب الجسيمات. مثال آخر على ذلك، إذا سُخِّن مكعب الثلج حتى أصبح سائلاً، ستصير جزيئاته أكثر اضطراباً، لذلك يقال أن مكعبات الثلج التي لديها بنية أكثر إحكاماً تعد أقل عشوائيةً من الماء السائل المضطربة جزيئاته.

في أغلب الأحيان على المستوى الجزيئي، حيث تهتز كل الأشياء باستمرار، من الممكن أن نرصد ونقيس ذلك بشكلٍ واضحٍ تماماً. في الواقع، تنطوي العديد من العمليات الجزيئية على الزيادة التلقائية في العشوائية حتى تصل إلى حالة الثبات والاستقرار.

في فيزياء الحبيبات والتي تتضمن غالباً تلك المواد التي تُرى بالعين المجردة، لا يحدث التغيير حينها بنفس الطريقة. الكثبان الرملية في الصحراء لا تتغير هيئتها من تلقاء نفسها، بل تحتاج إلى عاملٍ خارجيٍّ مثل الرياح لكي يحدث ذلك.

هذا يعني أنه في الوقت الذي يمكن فيه التنبؤ بما سيحدث في العديد من العمليات الجزيئية، لن نستطيع بسهولةٍ صنع توقعاتٍ متكافئةٍ ومناسبةٍ حول كيفية تصرُّف النظام في فيزياء الحبيبات.


يتطلب القيام بذلك الأمر أن نكون قادرين على قياس التغيُّرات في الاضطراب الهيكلي لجميع الجسيمات في النظام، ما يعرف بالترتيب العشوائي.

أيضاً من أجل القيام بذلك، يحتاج العلماء إلى معرفة عددٍ الطُّرق المختلفة التي تستطيع هيكلة النظام في المقام الأول، الحسابات التي تتضمن ذلك معقدةٌ للغاية، حيث أنه تم تجاهلها لأنها عديمة الجدوى لأيِّ نظامٍ يحتوي على أكثر من 20 جسيماً.


التحدي لفك اللغز


رغم ذلك، تحدَّت دراسة كامبريدج ذلك عبر تنفيذ هذا الحساب بالتحديد للنظام، ونمذجته على الكمبيوتر، حيث كانت الجسيمات عبارة عن 128 كرةً لينةً ككرات التنس.

ويضيف مارتنياني: "القوة الغاشمة لعمل الحسابات هي تغيير النظام باستمرارٍ وتسجيل كل الترتيبات. لسوء الحظ، سيستغرق الأمر سنواتٍ طويلة قبل أن نسجِّل كل شيء، بالإضافة إلى أنه لا يمكن حفظ الترتيبات؛ بسبب عدم توافر المادة الكافية في الكون للقيام بذلك".

بدلاً من ذلك، ابتكر الباحثون حلاً بإمكانه الاعتماد على عينةٍ صغيرةٍ من كل الترتيبات الممكنة، والبحث حول احتمال حدوث أحدهم، أو بصيغةٍ أخرى، عدد الترتيبات التي من شأنها أن تؤدي إلى ظهور تلك الترتيبات المعينة.

وبناءً على هذه العيِّنات، لم يكن من الممكن استنتاج عدد الطُّرق التي يمكن للنظام بأكمله أن يترتب عليها وحسب، بل وما مدى ترتيب حالةٍ معينةٍ بالمقارنة مع حالةٍ أخرى، بصيغةٍ أخرى، ما مدى الترتيب العشوائي للنظام بأكمله.

وأضاف مارتنياني أن الطريقة المستَخدمة لحل تلك المسألة يمكن أن تُستخدم لمعالجة جميع أنواع مسائل الفيزياء والرياضيات. على سبيل المثال، يعمل مارتنياني حالياً على بحث التعلم الآلي، حيث توجد أحد المسائل المعروفة وهي كم عدد أساليب النظام المختلفة التي بإمكانها معالجة المعلومات بكفاءة.

وقال أيضاً: "بسبب اعتمادنا غير المباشر على مراقبة العيِّنات الصغيرة من كل الترتيبات الممكنة، فالإجابات التي سنحصل عليها هي تقريبيةٌ فقط، ولكن الاستنتاج جيدٌ للغاية"، وأضاف: "بإجابتنا على هذه المسألة نكون قد أسَّسنا أرضاً جديدة، هذا النهج يمكن استخدامه في أي مكانٍ حيث يحاول الناس العمل على إيجاد العديد من الحلول الممكنة لمسألةٍ ما".

نُشرت هذه الورقة البحثية بعنوان: "تحويل الحسابات الصعبة إلى عيّنات: حساب الترتيب العشوائي لحزم متراكمة ثلاثية الأبعاد" (Turning intractable counting into sampling: computing the configurational entropy of three-dimensional jammed packings) في مجلة Physical Review E.

ستيفانو مارتنياني هو باحثٌ متعاونٌ في كلية سانت جون وباحثٌ في مركز جيتس في جامعة كامبريدج.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • تعليم الآلة (machine learning): تعلم الآلة هو أحد أنواع الذكاء الاصطناعي، يمكّن التطبيقات البرمجية من التنبؤ بنتائج أكثر دقة دون برمجتها بشكل صريح. ويتم ذلك عن طريق بناء خوارزميات تتلقى بيانات الإدخال وتستخدم التحليل الإحصائي للتنبؤ بقيمة المخرجات ضمن نطاق مقبول.
  • الإنتروبي (entropy): هو كمية الطاقة غير المتاحة للقيام بعمل في نظام فيزيائي، وقد أطلق عليه كلاوزيوس مصطلح الإنتروبي ملهماً بكلمة tropi التي تعني التحول، واختيرت لتكون أقرب ما يُمكن من كلمة الطاقة (energy)، ويقول أشهر قوانين الطبيعة المعروف بالقانون الثاني في الترموديناميك "لا يُمكن لانتروبي نظام فيزيائي مغلق أن يتناقص أبداً".

اترك تعليقاً () تعليقات