العثور على اللبنات الأساسية للحياة داخل المركبات العضوية على المُذنب 67P

 اللبنات الأساسية لبناء الحياة مُختبئة داخل السطح المُظلم والقاحل للمذنب 67P

المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية، بعثة روزيتا/الكاميرا الملاحية 


كشف تحليل العلماء لأحدث البيانات الآتية من مُذنب شيرموف جيراسمينكو (Comet 67P Churyumov-Gerasimenko)، عن وجود مجموعةٍ من الجزيئات التي تدخل في تركيب السُكّر والأحماض الأمينية (amino acids) والتي تُعتبر اللبنات الأساسية أو حجر الأساس لقيام الحياة التي نعرفها. وعلى الرغم من أننا لا نزال بعيدين جداً عن العثور على الحياة نفسها هناك، إلا أن هذه البيانات أظهرت أن هذه المركّبات العضوية يمكنها التحول في نهاية المطاف إلى كائنٍ عضوي. وقد وُجدت هذه الكائنات العضوية على كوكب الأرض أثناء بداية تشكل النظام الشمسي.


هذا وقد نُشرت نتائج هذا التحليل في مجلة Science في دراستين منفصلتين، وذلك بناءً على البيانات المستقاة من جهازين مختلفين موجودان على متن مسبار فيليه Philae الذي حط على سطح المذنب. أحد هذين الجهازين هو المسبار المستخدم في أخذ العينات والتراكيب المتعلقة بالمذنبات COSAC، والذي يقوده فريق باحثين من ألمانيا. أما الآخر فيقوده فريق بطليموس Ptolemy من المملكة المتحدة. 


وقد سلطت هذه الدراسة الضوء أخيراً على الأسئلة التي طرحتها وكالة الفضاء الأوروبية منذ 22 عاماً. فعندما تمت الموافقة على بعثة روزيتا Rosetta mission عام1993 ، كان أحد الأهداف المعلنة لها هو تحديد بنية المركبات (الأجسام) الطائرة الموجودة في نواة المذنب. لكننا حصلنا الآن على أجوبةٍ لتلك الأسئلة العالقة منذ زمن. تتألف بنية تلك المركّبات من عددٍ من الجزيئات المختلفة، كالماء وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون. لكن هذا الأمر ليس مُفاجئاً لنا، بالنظر إلى أنه كان قد تم الكشف عن وجود هذه الجزيئات سابقاً في مداراتٍ حول المذنبات عدة مرات. وقد وجد كل من فريقي COSAC و Ptolemy مجموعةً واسعةً من المركبات الإضافية التي تحتاج إلى بذل القليل من الجهد كي يتم التعرف عليها.


وفي هذه المرحلة أجد نفسي مضطرة إلى إظهار معلومةٍ قد تحمل بعض أوجه الاتهام إلي، فأنا باحثة مشاركة في فريق Ptolemy ولكنني لست المؤلفة الرئيسة للدراسة. أما الباحث الرئيسي في الفريق والمؤلف الرئيس للدراسة فهو زوجي إيان رايت Ian Wright وبما أنني قد أوضحت هذا الموضوع الآن فإنني آمل أن يكون القُرّاء على ثقة بأنني لن أوجه نقداً لاذعاً ضد مجموعة البيانات التي قدمها الفريق الأخر، أو أكيل المدح والثناء إلى فريقي. ما أريد القيام به هنا هو فحص النتائج التي توصل إليها الفريقان. ويعود سبب ذلك إلى قيام كل فريقٍ بتقديم تفسيرٍ مختلفٍ للنتائج التي توصل إليها، وذلك على الرغم من أن كليهما توصلا إلى قياسات متشابهة في أوقات متشابهة. ولا يعتبر هذا انتقاصاً من جُهد العلماء، ولكنه يعكس بوضوحٍ مدى التعقيد الموجود في هذه البيانات، وكمّ الصعوبات الهائل الذي يتضمنه تحليل طيف الكتلة.


تحليل البيانات:


تُظهر الصورة أماكن هبوط مسبار فيليه على المُذنب، وقيامه بأخذ القياسات المطلوبة المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية، بعثة روزيتا/الكاميرا الملاحية.
تُظهر الصورة أماكن هبوط مسبار فيليه على المُذنب، وقيامه بأخذ القياسات المطلوبة المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية، بعثة روزيتا/الكاميرا الملاحية.

 

ما هي طبيعة هذين الجهازين؟ أو دعنا نسأل بطريقة مُحددة أكثر، ما هي البيانات التي يقومان بتحليلها؟. يمكن لكلّ من COSAC و Ptolemy أن يعملا كأجهزة استشراب غازي gas chromatographs ، أو كأجهزة قياس مِطياف الكتلة mass spectrometers . 


وعندما يعملان كجهاز مِطياف الكتلة، يمكن التعرف على العناصر الكيميائية في المركبات المُتبخرة عن طريق تجريد الجزيئات من إلكتروناتها ومن ثم حساب كلّ من الكتلة والشُحنة للأيونات الناتجة (نسبة الكتلة إلى الشحنة). أما عند العمل كجهاز استشراب غازي، فيقوم الجهازان بفصل المزيج بناءً على المدة الزمنية التي يستغرقها كل مُكونٍ فيه للانتقال عبر عمودٍ طويلٍ ورقيق إلى حُجرة التأين والكاشف.

ويكون الناتج في كلتا الحالتين هو صورة طيف كُتلي توضح كيفية انفصال مزيج العناصر في المركب إلى مكوناته الفردية، وذلك بناءً على قاعدة نسبة الكتلة الجزئية إلى الشحنة m/z.

للأسف، لا تنتهي المهمة هنا. لو كانت الأمور بهذه البساطة، لأصبح علماء الكيمياء العضوية عاطلين عن العمل بسرعةٍ. تتفكك الجزيئات الكبيرة وتتحول إلى جزيئات أصغر، مع أنماط تجزئةٍ وتشظٍ تعتمد على الروابط الأصلية في الجزيء الأصلي. على سبيل المثال، تبلغ نسبة كتلة الإيثان C2 H6 إلى الشحنة فيه 30 m/z، ويُمكن رؤية ذلك على مقياس الطيف. لذا قد تكون الذروة من الإيثان، أو ربما من جزيءٍ أكبر كان قد تفكك في غرفة التأين ما أدى إلى إنتاج الإيثان بالإضافة إلى عناصر أخرى.



وربما تكون من غاز ثنائي أكسيد الكربون عديم اللون، أو من تفكك مركب بولي أوكسيميثيلين polyoxymethylene. كما يُمكن أن تكون من أي عنصر من الـ 46 صنفاً الأخرى التي تبلغ نسبة الكتلة إلى الشحنة فيها 30 m/z. لذا فإن تحديد واكتشاف ماهيته هو أمر بالغ التعقيد بسبب وجود العديد من المركبات التي يتوجب دراستها. وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعلني أهجر دراسة الكيمياء العضوية بعد سنة فقط. 



بالطبع لايقوم الفريقان برصد كل ذُروةٍ بمعزل عن الأخرى، فهم يقومون بدراسة سلسلة الذروات التي تنتج عن حالة التشرذم. وهذا يساعد بعض الشيء على اعتبار وجود العديد من مجموعات المركبات وأجزاء المركبات التي يمكن مطابقتها.



إذاً أين يضعنا هذا الاكتشاف؟. في الواقع كما يقول المثل الوفرة تُسبب ورطة وحيرة. هل توصل الفريقان إلى الخلاصة نفسها؟ في الواقع، نوعاً ما. فقد قام كلاهما برصد مُركباتٍ مهمةٍ قادرةٍ على إنتاج السكر، الذي يشكل العمود الفقري للحمض النووي DNA، كما أنهما لاحظا انخفاضاً في أعداد الأصناف التي تحتوي على الكبريت sulphur، وهذا شيءٌ مثيرٌ للاهتمام على اعتبار أن الكبريت موجود بوفرةٍ في النظام الشمسي ويتميز بسهولة اندماجه واتحاده بالمركبات العضوية. 


ويشير فريق COSAC إلى أن الأصناف التي تحتوي على النتروجين يمكن أن تكون وفيرةً نسبياً، بينما قلّل فريق Ptolemy من عددها. وتُعد هذه النقطة جوهريةً باعتبار النتروجين عنصراً أساسياً لا غنى عنه لقيام الحياة، بالإضافة إلى أنه مُكونٌ أساسي للأحماض الأمينية التي تشكل في نهاية المطاف نواة الحمض النووي DNA. وعلى العكس من ذلك، وجد فريق بطليموس الكثير من غاز ثنائي أكسيد الكربون، في حين لم يستطع فريق COSAC رصده بكثرةٍ.



ويُمكن إرجاع هذه الاختلافات البسيطة في نتائج الفريقين إلى اختلاف الأماكن التي تم الحصول على عينات البحث منها. فقد اختار فريق COSAC مواد من أسفلِ مسبار فيليه، بينما ركّز فريق Ptolemy على استكشافِ مواد من الأعلى. هل أثرت الغازات الموجودة في المذنب على عمل فريق Ptolemy؟ أم هل أثر الغبار الناتج عن الهبوط على عمل فريق COSAC؟.إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن الاختبارات قد توصّلت إلى مجموعة متكاملة ورائعة من البيانات. 



والأهم من ذلك، ما أظهرته مجموعات البيانات حيث أشارت إلى أن مقومات الحياة كانت موجودة في الجسم الذي تشكّل في المراحل الأولى من تاريخ النظام الشمسي. حيث تلعب المذنبات دور الوسيط الذي يقوم بنقل الغبار والمياه عبر النظام الشمسي. ونحن نُدرك الآن وبشكلٍ مُؤكدٍ أن مُقومات الحياة قد تم رصدها على نطاقٍ واسعٍ خلال فترة 4.567 مليار سنة من تاريخ النظام الشمسي. ويكمن التحدي حالياً في إيجاد مناطق أخرى تتوفر فيها هذه المقومات. 

وما هو مؤكدٌ أيضاً أن كلا الفريقين يأمل في أن تبقى الاتصالات مستقرة بين روزيتا ومسبار فيليه، وذلك لكي يتمكنوا من المُضي قدماً في تحليلاتهم، فهذه ليست سوى البداية فقط.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات