هابل يرصد تشتت غلاف جوي من كوكب خارجي بحجم نبتون

اكتشف علماء الفلك باستخدام تلسكوب هابل الفضائي التّابع لوكالتي الفضاء الأوروبية والأمريكية سحابةً هائلة من الهيدروجين تتشتت بسبب حرارة كوكب بحجم نبتون يدور حول نجمٍ قريب منه. هذا الذيل الغازي الهائل للكوكب له حجمٌ يقدر بحوالي 50 ضعف حجم نجمه الأم. وسَتُنشر النتائج في عدد 24 حزيران/يونيو من دورية "Nature".

لم يَسْبِقْ للعلماء رؤية ظاهرة كهذه بهذا الحجم الكبير حول كوكب خارجي صغير [1]. قد تُقدم هذه الظاهرة أدلّة حول كيفية ولادة الكواكب الأرضية الفائقة (superearths) ذات الحرارة العالية (وهي الكواكب الساخنة المشابهة للأرض ذات الكتلة الهائلة) حول نجوم أخرى.

يقول ديفيد إيرنرايش David Ehrenreich المؤلف الرّئيسي للدراسة من مرصد جامعة جنيف في سويسرا: "هذه السّحابة من الهيدروجين مذهلة للغاية! على الرّغم من أنّ معدّل التّبخر لا يهدّد الكوكب في هذا الوقت، فنحن نعلم أن النجم القزم الأحمر الباهت كان أكثر نشاطًا في الماضي، وهذا يعني أن الغلاف الجوي للكوكب تبخر بشكل أسرع خلال المليار سنة الأولى من وجوده. وبشكل عام، نحن نُقَدّر أنه قد خسر ما يصل إلى 10 في المائة من غلافه الجوي".

يُدعى هذا الكوكب غليس 436 بي (Gliese 436b)، ويُعتبر هذا الكوكب "نبتونًا حارًا" (warm Neptune) لأنه مشابه لنبتون من ناحية الحجم، لكنه أقرب لنجمه غليس 436 (Gliese 436) مقارنةً بالمسافة بين نبتون والشّمس. وعلى الرّغم من أنّ الغلاف الجوي للكوكب في هذه الحالة ليس معرضاً لخطر التشتت الكامل والتحول لنواة صخرية صلبة، إلا أن هذا السلوك قد يُفسر وجود الكواكب الأرضية الفائقة السّاخنة، والتي يكون مدارها قريبًا جدًا من نُجومِها، وعادةً ما تكون كتلتها أكبر من الأرض، ولكن أقل من كتلة نبتون (والتي تقدر بكتلة 17 أرضًا).

قد تُشكل الكواكب الأرضية الفائقة الساخنة النوى المتبقية من كواكب ذات كتلة أكبر، والتي فقدت أغلفتها الجوية الغازية الثخينة بشكل كامل، وذلك بنفس النوع من التبخر الذي رصده هابل حول غليس 436b.

بما أن الغلاف الجوي للأرض يمنع أغلب الأشعة فوق البنفسجية من الوصول لسطح الأرض، فقد احتاج الفلكيون إلى تلسكوب فضائي مزود بقدرة هابل للأشعة فوق البنفسجية ودقته المذهلة لرؤية السحابة. ويقول إيرنرايش: "لن تكون قادرًا على رؤية ذلك في مجال الموجيات المرئية، لكن عندما تدير عين هابل للأشعة البنفسجية باتجاه هذا النظام، فسترى تحوّلًا مذهلًا، يتحول فيه الكوكب إلى شيء وحشي".

يقترح إيرنرايش وفريقه أن من الممكن لسحابة ضخمة كهذه من الغاز أن توجد حول هذا الكوكب، وذلك لأن السحابة لم تسخن بسرعة وتُجرف بعيدًا بفعل الأشعة الصادرة عن النجم الأحمر القزم البارد نسبيًا. ويسمح هذا للسحابة بالبقاء حول الكوكب لوقت أطول.

من الممكن أن يكون مثل هذا التبخر قد حدث في تاريخ مبكر من النظام الشمسي، وذلك عندما كان للأرض غلافٌ جويّ غنيّ بالهيدروجين، وهذا الغلاف الجوي قد تبدد. وكذلك من الممكن أيضًا أن يحدث هذا الأمر للغلاف الجوي للأرض في نهاية حياة كوكبنا، عندما تتضخم الشمس لتصبح عملاقًا أحمرَ وتتسبب في تلاشي ما تبقى من غلافنا الجوي، قبل أن تبتلع كوكبنا تمامًا.

يتواجد غليس 436b قريبًا جدًا من نجمه غليس 436 (حيث يبعد عنه حوالي أربعة ملايين كيلومتر)، ويدور حوله خلال 2.6 يوم أرضي [2]، ويبلغ عمر هذا الكوكب الخارجي على أقل تقدير ستة مليارات سنة، ولكن علماء الفلك يعتقدون أنه أكبر عمراً إلى حدٍّ ما. أما حجمه فهو مماثل لحجم نبتون، حيث تعادل كتلته 23 ضعف كتلة الأرض. وهو واحد من أقرب الكواكب الخارجية المعروفة، حيث يبعد عن الأرض 30 سنة ضوئية فقط.

يوضح فنسنت بورييه Vincent Bourrier، وهو أيضًا من مرصد جامعة جنيف في سويسرا ومؤلفٌ مشاركٌ في الدراسة: "إن عثورنا على السّحابة الموجودة حول غليس 436b قد يُغير قواعد اللعبة في تحديد خصائص الأغلفة الجوية الموجودة حول كامل مجموعة الكواكب النبتونية والكواكب الأرضية الفائقة، والذي يتم عن طريق الرصد بالأشعة فوق البنفسجية [3]". ويتوقع بورييه أنّ الفلكيين سيعثرون في السنوات القادمة على آلاف الكواكب من هذا النوع.



ملاحظات


[1] لاحظ هابل هذه الميزة من قبل في كواكب ذات كتلة أكبر خارج النظام الشمسي. وقد اكتشف تبخر غلاف جوي ممتد لأول مرة في عام 2003 حول النجم HD209458b. وقد تمت دراسة العناصر الثقيلة أثناء هروبها من العملاق الغازي الساخن WASP-12b في 2010. أجرى المؤلف الرئيسي للورقة الحالية دراسة على الغلاف الجوي المتبخر للكوكب الغازي العملاق الدافئ 55 Cancri b في عام 2012. كما رصد هابل في 2012 أيضًا نفثات قوية من التبخر من الكوكب HD 189733b. وقد أجريت جميع الأرصاد التي ساعدت على تحقيق هذه الاكتشافات بواسطة الأشعة فوق البنفسجية.

[2] على سبيل المقارنة، تقع الأرض فقط على بعد 150 مليون كيلومتر من الشمس، وتدور حولها خلال 365.24 يومًا. أما عطارد، وهو الكوكب الأقرب إلى الشمس، فهو يدور حول الشمس كل 88 يومًا، وتبلغ المسافة الوسطية التي تفصله عن الشمس حوالي 58 مليون كيلومتر.

[3] يمكن لتقنية الأشعة فوق البنفسجية أن ترصد بصمات تبخر المحيطات على أغلب الكواكب الشبيهة بالأرض والأصغر منها، وسيكون من الصعب لعلماء الفلك ملاحظة التغيّر في تبخر المياه مباشرةً على هذه العوالم، لأن التبخر سيكون منخفضًا كثيرًا في الغلاف الجوي (وسيكون بالتالي مختفياً عن أعين التلسكوبات). ولكن عندما تُفكك الإشعاعات النجمية جزيئات الماء محولةً إياها إلى الهيدروجين والأوكسجين، فيمكن لذرات الهيدروجين الخفيفة نسبيًا الهروب من الكوكب. إذا استطاع العلماء رصد هذا الهيدروجين المتبخر من كوكب أكثر اعتدالًا من غليس 436b وأقل كتلة منه، فسيكون ذلك مؤشرًا جيدًا على وجود المحيطات على السّطح.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات