أرض خارقة خلف بلوتو!

وجد علماء الفلك إشارات مقنعة لعالم ضخم غير مرئي يقبع في المجالات المظلمة من حزام كايبر Kuiper Belt.

 

إن عبارة "كوكب جديد تم إيجاده" في هذه الأيام هي بنفس إثارة عنوان كالتالي: "كلب يعض رجلاً" وهو ما يقال، لكن ليس كثيراً، والفضل الكبير يعود لمهمّة كيبلر الفضائيّة، حيث عرّف الفيزيائيون في العقدين الأخيرين حوالي 2000 من العوالم الجديدة التي تدور حول النجوم القابعة على بعد عشرات أو حتّى مئات السنوات الضوئيّة عن الأرض.

 

وبشكل جماعي، هذه العوالم مهمة علمياً، ولكن مع وجود الكثير والكثير في المُتناول فلا توجد حتّى إضافة واحدة للقائمة مرجّحة لأن تكون ذات قدر كبير من الأهمية. ولكن الإعلان عن كوكب جديد اليوم من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology هو مسألة مختلفة تماماً، وذلك لأنّ العالم الذي يصفه لا يدور حول نجم بعيد ما، إنّه جزء من نظامنا الشمسي-المكان الذي قد تعتقد أننا استكشفناه بشكل جيد جداً الآن.

 

من الواضح أنّنا لم نفعل: وفي تحليل تم قبوله للنشر في مجلة The Astronomical Journal، يقدم عالما الكواكب كونستانتين باتيجن Konstantin Batygin ومايك براون Mike Brown ما يصفانه بدليل حالي على كوكب ضخم جداً غير مكتشف، قد يكون بقدر عشرة أضعاف كتلة الأرض، يدور في الظلام الخارجي التابع للنظام الشمسي ما وراء بلوتو.

 

يستدل العلماء على وجوده بسبب الشذوذ في المدارات لبضعة من الأجسام الأصغر التي يستطيعون رؤيتها. يقول غريغ لافلين Greg Laughlin وهو خبير في الديناميكا وتكوُّن الكواكب في جامعة كاليفورنيا، مدينة سانتا كروز Santa Cruz، والذي لم يكن مشاركاً في البحث: "لم أكن بهذه الغاية من الحماس حول شيء ما لفترة من الزمن".

 

عمل فني لما قد يبدو عليه الكوكب التاسع Caltech/R. Hurt (IPAC
عمل فني لما قد يبدو عليه الكوكب التاسع Caltech/R. Hurt (IPAC

 

الجرم السماوي، والذي أطلق عليه العلماء مؤقتاً اسم "الكوكب التاسع"، يقع على مسافة لا تقل عن 30.5 مليار كيلومتر عن الشمس أو ما يقارب ذلك، أو خمس مرّات أكبر من متوسط بُعد بلوتو . على الرغم من ضخامة حجمه، إلّا أنّه سيكون خافتاً جداً، يقول المؤلفون إنّه لمن غير المفاجئ بأنّ أحداً لم يرصده بعد.

 

إن كان موجوداً، يقول براون: "من المؤسف بأننا لا نملك كشفاً فعلياً إلى الآن" ولكن الأدلة قوية كفاية بحيث أنّ خبراء آخرين يأخذون ملاحظات جديّة للغاية. يقول جاد تروخيو Chad Trujillo من مرصد جيميني Gemini Observatory في هاواي: "أعتقد بأنّها مقنعة للغاية". كما أنّ دافيد نيسفورني David Nesvorny، وهو عالم نظري في النظام الشمسي في معهد الجنوب الغربي للأبحاث Southwest Research Institute  او اختصاراُ (SwRI)، في مدينة بولدر الواقعة في كولورادو، معجب بالأمر كذلك، حيث يقول: "هؤلاء الرجال هم فعلاً جيدون" ويتابع قائلاً: "إنّهم يصنعون حالة جيّدة".

 

مدارات غريبة


لم يكن باتيجن وبراون أول من تجادل حول الكوكب الجديد في نظامنا الشمسي. في العام 2014 تجادل تروخيو و سكوت شيبارد Scott Sheppard من معهد كارنيجي للعلوم Carnegie Institution for Science، في مجلة الطبيعة Nature بأنّ اكتشافهما جسماً أصغر بكثير والذي يدعى 2012 VP113، جنباً إلى جنب مع وجود مجموعة صغيرة من الأجسام المعرّفة في السابق خارج النظام الشمسي، تدل على إمكانيّة وجود شيء ما بحجم كوكب هناك، يكمن الدليل مع مداراتها، وخاصّة مع عامل غامض يُدعى "جدال الحضيض الشمسي" argument of perihelion –الذي يمثل العلاقة بين الوقت الذي يَصنع فيه جرم ما أقرب نقطة له إلى الشمس والوقت الذي يمر عبر مستوي النظام الشمسي.

 

إنّ الأجسام التي تعرف عليها تروخيو وشيبارد لديها ذات الجدال حول الحضيض الشمسي، والذي قد يعني أنّها كانت مُقادة عبر الجاذبيّة لعالم ما لم تتم مشاهدته، يقول تروخيو: "لقد لاحظنا شيئاً مثيراً للفضول" وقال أيضاً: "يتوجّب على أحد ما الذهاب لاستكشاف المزيد عن هذا" (مجلّة الأمريكي العلمي Scientific American هي جزء من مجموعة الطبيعة للنشر Nature Publishing Group)

 
العديد من المجموعات قامت بذلك، واتفقت مع أنّ حالة الكوكب المخفي كانت معقولة لكنّها لاتزال حالة فكريّة للغاية. التحليل الجديد يعزّز هذه الحالة بشكل كبير، وعلى أي حال، اتضح انّ التشابه في الجدال حول الحضيض الشمسي حسب قول باتيجن هو: "مجرّد غيض من فيض"

أو
ل شيء قام به هو وبراون، كما يقول، كان تحليل بيانات تروخيو وشيبارد بعيون متيقظة بالكامل. يقول باتيجن :"والذي لاحظناه"، "أنّ المحور الطويل لهذه الأجسام يدور في نفس الرّبع من السماء" وبكلمات أخرى، إنّها تشير إلى نفس الاتجاه.
 
لم تكن تلك النتيجة مضمونة، قد يملك جسمان ما ذات "الجدال حول الحضيض الشمسي" حتى لو كانت مداراتها غير متشابهة فيزيائيّاً. ولكن عندما عيّن براون وباتيجن المدارات لهذه الأجسام الخارجة عن النظام الشمسي، لاحظوا بأنّ أشكال مدارها الاهليليجي كانت مرتبطة بشكل وثيق.
 
يسأل براون: "ألا يجب على شيء كهذا أنّ يكون من الصعب فقده؟" ويتابع قائلاً: "نعم، ستفكر هكذا. إنّها حالة حيث تكون أنوفنا مدفونة في البيانات، لا تخطو للوراء أبداً وتنظر للنظام الشمسي من الأعلى، لم أكن لأصدق بأنني لم ألحظ هذا من قبل" ويضيف: "هذا سخيف".

إنّ اتجاه المدارات كانت تلميحاً قوياً بانّ شيئاً ما كان يقود هذه الأجسام البعيدة بشكل فيزيائي. يقول براون: "في البداية قلنا إنه لا يمكن وجود كوكب هناك-هذا جنون." لذا فإنّهم تفحصوا البديل الأكثر احتمالاً –بأنّ حزام كايبر والمؤلف من الأجسام الجليديّة خلف بلوتو قد شكّل كل أجسامه في مجموعة بشكل طبيعي، بشكل مشابه لما تقوم به المجرّات بسحب نفسها لتشكيل سحب من الغاز بشكل خارج عن جاذبيّة الكون التي نشأت من الانفجار العظيم "the big bang".

أدرك المؤلفون أن المشكلة في هذا السيناريو تكمن بأنّ حزام كايبر يفتقد للكتلة لفعل هذا. في حين التفت العلماء إلى الفكرة "المجنونة" لوجود كوكب ما، وعلى أي حال، ولّدت محاكاتهم النوع الصحيح فقط من المدارات المنتظمة. كما أنهم أيضاً قد كشفوا عن شيء آخر: يجب على جاذبية الكوكب الضخم أن تؤدي إلى مجموعة مستقلّة تماماً من الأجسام والتي مداراتها غير متطابقة فيما بينها ولكنّها منحرفة بحدّة مقارنةً مع مدارات الكواكب –حتّى 90 درجة بعيداً عن مستوي النظام الشمسي أو حتّى أكثر.
 
وهو ما علق عليه باتيجن: "بدا ذلك محيّراً حقّاً". لكن مايك قال لاحقاً: "أعتقد أنني قد رأيت شيئاً كهذا في البيانات." التقط الراصدون، وهم متأكدون بما فيه الكفاية، نصف دزينة أو ما يقارب تلك الأجسام التي تشبه هذا ولم يقدم أحد بتفسيراً جيّداً عن كيفيّة توضعها هناك، أمّا الآن فإن محاكاة براون وباتيجن قد وفّرت واحداً، يقول لوفلين: "إنّ حقيقة أنّهم الآن يرتبون مستجديْن، خطين منفصلين من الدلائل لـ كوكب افتراضي ما (يكمل ضاحكاً) هو شيء يعزز قضيتهم".
 
أجسام حزام كايبر البعيدة (اللون الأرجواني) أجسام بعيدة معامدة (اللون الأزرق) إن جاذبيّة الكوكب الافتراضي "تسعة" قد تفسّر المدارات الغريبة لمجموعتين مختلفتين من الأجسام التي تتوضع خلف بلوتو. تم إنشاء الرسم البياني باستخدام تلسكوب عالمي النطاق. CALTECH/R. HURT (IPAC
أجسام حزام كايبر البعيدة (اللون الأرجواني) أجسام بعيدة معامدة (اللون الأزرق) إن جاذبيّة الكوكب الافتراضي "تسعة" قد تفسّر المدارات الغريبة لمجموعتين مختلفتين من الأجسام التي تتوضع خلف بلوتو. تم إنشاء الرسم البياني باستخدام تلسكوب عالمي النطاق. CALTECH/R. HURT (IPAC


الأرض الخارقة

الكوكب الذي يلائم البيانات بالشكل الأفضل قد يكون في منزلة عشر مرات من كتلة الأرض –وبتصنيفه في ذلك-يدعى فئة "الأرض الخارقة"، والتي تتضمن العديد من الكواكب حول النجوم الأخرى، ولكن لا شيء منها حتّى الآن، في النظام الشمسي الخاص بنا –وأصغر من نبتون، رابع أكبر كوكب معروف يدور حول الشمس، والذي يملك تقريباً 17 مرّة كتلة الأرض. مداره الأكثر احتمالاً هو ممدود للغاية والذي يجلبه لما يقارب الـ 35 مليار كيلومتر عند أقرب نقطة له من الشمس، (يقول براون: "هناك حيث يفعل كل الضرر") وما بين ثلاثة إلى ستّة أضعاف بعيداً عند النقطة الأكثر بعداً.

حتّى عند المسافة الضخمة، فإنّ الكوكب التاسع قد يكون مكتشفاً بالتلسكوبات الموجودة من حيث المبدأ –الأكثر سهولة هي عبر التلسكوب الياباني سوبارو Japanese Subaru Telescope في هاواي، والذي لا يملك فقط مرآة ضخمة لمحاصرة الضوء الخافت، بل أيضاً مجال رؤية واسع الحقل والذي قد يسمح للباحثين بمسح مساحات كبيرة من السماء بشكل فعّال.

 

يقول براون: "لسوء الحظ، لا نملك سوبارو (التلسكوب الياباني)" ويتابع قائلاً: "ما يعني أنّنا لسنا محظوظين لنكون الأشخاص الذين يجدونه، لذا فنحن نخبر الجميع أين ينظرون."


ولحين رؤيته عمليّاً، لا يمكن لعلماء الفلك أن يقولوا بشكل قاطع بأن الكوكب التاسع هو حقيقي. يقول هال ليفسون من معهد الابحاث الجنوبي الغربي: "أنا ميال لأكون مرتاباً جدّاً للادعاء بوجود كوكب إضافي في النظام الشمسي" ويضيف: "لقد رأيت الكثير والكثير من مثل هذه الادعاءات في مهنتي، وكلها كانت مخطئة"، ويقر "أنّ الانتظام المداري هو شيء عبقري". "شيئٌ ما يفتعل هذا، ولكن ماهيّة هذا الشيء يجب استكشافها أكثر قليلاً".


عموماً، وعلى أي حال، علماء الكواكب سعيدون بشكل واضح من إمكانيّة كوننا على حافّة اكتشافٍ ضخم كهذا. يقول شيبارد: "في مراحل نضجي" ويتابع "ظننا بأنّ الكواكب الكبيرة قد تم إيجادها جميعاً، سيكون من المثير والمفاجئ جدّاً لنعلم بأنّنا كنّا مخطئين".

إنّ المزاج العام للمجتمع الفلكي قد أُسر تماماً، يقول لافلين، بشيء ما قاله الفلكي البريطاني جون هيرشيل John Herschel للاتحاد البريطاني لتقدم العلوم في حديث دار في العاشر من سبتمبر/أيلول 1846. قد تم رصد عدم انتظام في مدار أورانوس، مقترحاً بأنّ جاذبيّة كوكب ضخم غير معروف كانت تجرّه.


مُشيراً إلى الأجسام الغامضة، قال هيرشيل: "نحن نراه كما رأى كولومبوس أمريكا من سواحل إسبانيا، إنّ حركته تم الشعور بها على طول الخط بعيد المدى من تحليلاتنا، مع صعوبة الإثبات البصري بالتأكيد". وبعد أسبوعين فقط تم اكتشاف نبتون، تماماً حيث حددت حسابات العلماء النظريين أين يجب أن يكون.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات