تقوم المركبة روزيتا (Rosetta) منذ اقترابها من المذنب (67P/) تشوريوموف-جيراسيمنكو 67P/Churyumov–Gerasimenko ووصولها إليه بدراسة خصائص رأس المذنب والبيئة الخاصة به باستعمال أجهزة وتقنيات متعددة، وأحد المجالات المهمة هو دراسة حبيبات الغبار والأجسام الأخرى في محيط المذنب.
كشف تحليلٌ لقياسات من جيادا GIADA، وهو جهاز تحليل ارتطام الحبيبات وتجميع الغبار على روزيتا (Rosetta's Grain Impact Analyzer and Dust Accumulator) وصور من كاميرا أوزيريس OSIRIS في وقت سابق من هذا العام عن وجود مئات من الحبيبات المنفردة، منها ما هو مرتبطٌ بجاذبية المذنب ومنها ما يطير بعيداً عنه. هذه الحبيبات منها ما هو صغير في الحجم ومنها ما هو كبير، حيث يتراوح حجمها من بضعة سنتيمترات إلى مترين. كما شوهدت كتل يصل حجمها حتى أربعة أمتار من قبل بعثة إبوكسي EPOXI التابعة لناسا في محيط المذنب 103P/Hartley 2 بعد تحليق هذه البعثة حول هذا المذنب في 2010.
والآن تضيف دراسةٌ جديدة مبنية على صور أوزيريس معلوماتٍ حول هذه الكشوفات السابقة لقطع المذنبات، وذلك من خلال أرصاد مستمرة تهدف إلى إجراء دراسة ديناميكية، بحيث تقوم وللمرة الأولى بتحديد مدارات أربع قطع من الحطام أكبرها يبلغ حجمه نصف متر ويدور في مدار حول المذنب 67P/C-G.
يشرح بيورن دافيدسون Björn Davidsson، وهو عالم أوزيريس في جامعة أوبسالا Uppsala بالسويد ومؤلفٌ رئيسي للورقة العلمية، معلنًا عن النتائج الجديدة: "استندت الدراسات السابقة إلى عدد قليل من الصور في مجال محدد، وقد كان هذا كافيًا لرصد قطع كتلية والقول بأنها تتحرك، ولكن لتحديد مسارها وتبيان فيما إذا كانت بالفعل مرتبطةً بالمذنب فإننا بحاجة إلى العشرات من الصور الملتقطة على مدى فترة طويلة من الزمن".
ولتتبع حركة حطام المذنب بدقة شديدة، فقد راقب العلماء جزءًا من السماء بواسطة كاميرا أوزيريس واسعة الزاوية (wide-angle camera) أو اختصاراً WAC، والتي تمتلك مجال رؤية يبلغ 12×12 درجة –أي أكثر من 700 ضعف مساحة سطح القمر المكتمل كما يُرى من الأرض. وقد حصل العلماء بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر 2014 على 30 صورةً (صورة لكل دقيقة) بتعرض مقداره 10.2 ثانية لكل واحدة، وذلك من خلال عملية رصد استمرت فترة 30 دقيقةً.
تم الحصول على هذه الأرصاد قبل سويعات من القيام بالمناورة التي من شأنها أن تضع المركبة الفضائية في أول مدار لها حول المذنب، وفي تلك اللحظة كانت روزيتا على بعد ثلاثين كيلومتراً من مركز المذنب.
لاحظ دافيدسون وزملاؤه بعد معاينتهم للصور وجود أربع قطع من الحطام التي تتراوح أحجامها ما بين 15 و50 سم، والتي كانت تشق طريقها على الخلفية النجمية في سلسلة الصور المتتابعة. تظهر هذه القطع بأنها تتحرك ببطء شديد وتبلغ سرعتها عشرات السنتيمترات في الثانية، وهي موجودة في مدى يتراوح ما بين 4 إلى 17 كيلومتراً من المذنب.
يقول دافيدسون: "هذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من تحديد المدارات الخاصة لمثل هذه القطع حول مذنب. وهذه المعلومات مهمة جدًا لدراسة أصلها، ومساعدتنا على فهم آلية فقدان الكتل من المذنبات". ويبدو أن بعض هذه القطع كانت ترافق المذنب 67P/C-G منذ مدة.

وفي الواقع تبدو ثلاث من هذه القطع وكأنها مرتبطة بجاذبية المذنب، وتتحرك في مدارات على شكل قطع ناقص، متفقة بذلك مع توقعات العلماء. ومع ذلك فإن مسارات الحبيبات المرصودة لمدة 30 دقيقة لم تكن بالطول الكافي لمعرفة مداراتها بشكل دقيق، لذا لا يمكن استبعاد أن هذه القطع هي في الواقع غير مرتبطة بالمذنب، ومداراتها ذات شكل قطع زائد.
أما بالنسبة لأصلها، فإن هذه القطع قد يعود عمرها إلى المرة الأخيرة التي وصل المذنب فيها إلى أقرب نقطة له من الشمس، وذلك في مرور الحضيض (perihelion passage) في عام 2009، عندما سارت مبتعدةً عن النواة من خلال عملية تصعيد (sublimation) قوية للغاية. ولكن بما أن سَحْبَ الغاز لا يكفي لتحريرها من جاذبية النواة، فإنها بقيت في محيط النواة بدلاً من التشتت في الفضاء.
يضيف دافيدسون: "تثبت هذه الدراسة أن المذنبات يمكن أن تقذف بأجزاء كبيرة من المواد وأن هذه الأخيرة يمكن أن تظل مرتبطة بها لفترات طويلة من الزمن، في الوقت الذي يتأرجح فيه المذنب حول الشمس".
من جهة أخرى فإن واحدة من قطع الحطام تتبع مساراً قطعياً زائداً، وبذلك فسوف نراها قريباً تبتعد عن محيط المذنب.
يضيف دافيدسون: "كان مسار الكتلة الرابعة مفاجئاً، فهو يشير إلى أن سحابة الحطام التي تنتمي إليها هذه الأجسام -والمرتبطة بالمذنب منذ آخر حضيض له- قد بدأت بالتلاشي في أيلول/سبتمبر 2014 عندما كان المذنب على بعد 3.4 وحدة فلكية (حوالي 500 مليون كيلومتر) من الشمس". وينتج هذا على الأرجح عن زيادة في النشاط، مما تسبب في إطلاق الغازات من النواة ودفْعِ الكتل بعيدًا عن جاذبية المذنب.
تمتلك واحدةٌ من الكتل الثلاث المرتبطة بالمذنب أيضاً مساراً مثيراً للاهتمام، حيث تبدو وكأنها تعبر نواة المذنب، مما يشير إلى أنها قد تكون انفصلت قبل فترة وجيزة من بدء الأرصاد.

هذه الإمكانية مثيرة للاهتمام و محيرة في نفس الوقت، وذلك لأن المذنب لا يزال على مسافة كبيرة جداً من الشمس في الوقت الحالي مما لا يسمح لأشعة الشمس من أن تسبب ما يكفي من التصعيد و إطلاق كتلة كبيرة من المواد من سطح النواة.
جُمعت عدة مجموعات من صور مماثلة بعد أيلول/سبتمبر الماضي، ويتم الآن تحليلها لدراسة مسارات قطع أخرى مع اقتراب المذنب من الشمس. ومع ذلك فإنه سيكون من المستحيل استعادة وتحديد نفس القطع في صور لاحقة.
أما فيما يتعلق بروزيتا فإن الكتل المنفصلة عن المذنبات التي تم اكتشافها من قبل دافيدسون وزملائه هي من التشتت بحيث لا تشكل خطرًا على عمليات المركبة الفضائية.
ولكن ماذا عن الكتل المذنبية ذات الحجم الأكبر بكثير، والتي تصل أبعادها إلى عشرات الأمتار؟ لقد تم الكشف عن مثل هذه التوابع حول العديد من الكويكبات والأجرام الصغيرة في النظام الشمسي، فهل هناك أي دليل على وجود "صحبة" مماثلة للمذنب 67P/C-G؟
قاد إيفانو برتيني Ivano Bertini من جامعة بادوفا في إيطاليا دراسةً أخرى للبحث عن تلك التوابع حول المذنب، حيث أعلن عن النتائج في ورقة أخرى ستنشر في دورية Astronomy and Astrophysics. استخدم الفريق صوراً ملتقطة بواسطة كاميرا أوزيريس ضيقة الفتحة (narrow-aperture camera) أو اختصاراً NAC في تموز/يوليو 2014، وذلك قبل الوصول إلى المذنب، لتفقد المناطق المحيطة بالمذنب على نطاق واسع وبدقة عالية.
وبعد دراسة متأنية لهذه الصور، لم يجد العلماء أي دليل على وجود مثل هذه التوابع حول 67P/C-G. تشير الحدود العليا التي وضعتها هذه القياسات إلى أنه لم يتم العثور على قطع أكبر من 6 أمتار في الحجم ضمن مسافة عشرين كيلومتراً من النواة، ولا أكبر من متر في الحجم على بعدٍ يتراوح بين 20 و 110 كيلومتر من النواة.
إن العثور على مثل هذه التوابع حول المذنب كان من الممكن أن يمنحنا معلوماتٍ إضافيةً لمعرفة كيفية تشكل هذا الجرم ذي الهيئة الغريبة. ومع ذلك فإن تحليل برتيني ومعاونيه لا يستبعد إمكانية امتلاك 67P/C-G لهذا المرافق في الماضي، والذي من الممكن أن يكون قد ضاع في ضوء الأحداث القاسية التي تُميز حياة المذنب.