بالنسبة لأولئك الذين يشعرون وكأنهم عاشوا هذا العام شتاءً لا ينتهي مثل شتاء فيلم فروزن Frozen فقد يشعرون بالسرور عند سماعهم بأن بواكير الربيع ستصل أبكر بأسبوعين من الموعد المعتاد على طول الـ 20-30 سنة الأخيرة في نصف الكرة الأرضية الشمالي، إلا أن لتغير موعد بواكير الربيع تبعاته التي تتجاوز تقليل عدد الصباحات التي عليك أن تستيقظ فيها لإزالة الثلوج المتراكمة على زجاج سيارتك الأمامي. 


تعد الغابات الشمالية إحدى أبرز الأنظمة البيئية التي يفضّلها العلماء كمكان لفهم آثار التغير في دورة التجمد والذوبان، حيث تنمو على شكل حلقة خضراء ضخمة تغطي أقرب منطقة للقطب الشمالي، وتغطي غابات كل من ألاسكا وكندا واسكندنافيا وسيبيريا ما يقارب 15% من سطح اليابسة على كوكب الأرض، وبينما تزداد حرارة القطب الشمالي بشكل أسرع من مناطق جنوب خط العرض، يمكن لاستجابة هذه الغابات للتغير السريع أن يوفر لنا أدلة مهمة على مستقبل الكوكب الأكثر دفئاً. 


إلا أننا لا نعلم إلا القليل عن كيفية تغير الغابات الشمالية، حيث أنها عبارة عن ملايين الأميال المربعة التي لا يشقها طريق معبد ولا توجد فيها أية قرى، يقول جون كيمبل (John Kimball) وهو بروفيسور في الأنظمة البيئية من جامعة مونتانا-ميسولا وعضو في فريق العلوم في مهمة قياس نسبة رطوبة التربة SMAP التي انطلقت في 31 كانون الثاني: "إن ما نعلمه الآن قليل جداً، وهو ينحصر في قياسات موسمية للأرض، حيث أننا نمتلك مجموعة من البيانات طويلة الأمد المأخوذة من مناطق عدة حول العالم عبر الأقمار الاصطناعية، إلا أنها في معظمها بيانات أولية"، الأمر الذي يعني أن كل قياس يحسب المعدل لمنطقة واسعة. فالبيانات مثل فسيفساء مصنوعة من قطع كبيرة، لا تستطيع إظهار الكثير من التفاصيل. 

 

كل ذلك في طريقه للتغيير، فبحلول نهاية نيسان سوف تبدأ "سماب" بمراقبة حالة التجمد أو الذوبان كل يومين في المنطقة الواقعة شمال دائرة العرض 45 (أي بالقرب من دائرة عرض منطقة مينيابوليس). وتنحصر المهمة الرئيسية لسماب بقياس نسبة الرطوبة في الإنشات القليلة من التربة التي تغطي وجه اليابسة في جميع أنحاء العالم، إلا أنها ترصد كذلك ما إذا كانت الرطوبة بشكلٍ متجمد أو سائل، وبذلك ستعمل قياسات رادارات سماب - التي تغطي كل شريحة فيها ما بين نصف الميل والميل ونصف (1-3 كم) - على كشف الكثير من التفاصيل عن المعلومات التي يمتلكها العلماء الآن عن حالة التجمد والذوبان لسطح الأرض.


أما عن السبب الذي يجعلنا بحاجة إلى المزيد من التفاصيل، فيكمن في أنه في القطب الشمالي يمكن لتوقيت ذوبان الثلوج في بواكير الربيع أن يتباين بشكل كبير ضمن المنطقة نفسها، وذلك يعود إلى أن الشمس تكون منخفضة بالنسبة إلى خط الأفق، فبذلك قد يبقى الجزء الشمالي المظلل من التلة متجمداً للعديد من الأيام بعد نمو النباتات مجدداً في الجزء الجنوبي الذي تشرق عليه الشمس، وتعد أسابيع الربيع المبكر هذه حاسمة في فصل نمو النباتات القصير في القطب الشمالي، يقول كيمبل موضحاً: "بمجرد ذوبان الثلوج عن الغطاء النباتي، تبدأ عملية البناء الضوئي، بحيث يمكن الوصول إلى أعلى معدلات البناء الضوئي في غضون أسابيع قليلة بعد ذوبان الثلوج، والذوبان المتأخر قد يعني عملية بناء ضوئي ضعيفة في ذلك الموسم، ولذلك فنحن بحاجة إلى مراقبة ما أسميه مستوى سطح الأرض من أجل رصد أدق للأنماط والتغيرات."


تعمل النباتات أثناء عملية البناء الضوئي على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، وبذلك يبقى الكربون في لحاء النباتات وجذورها وأوراقها، وعندما تموت تبقى معظم البقايا داخل التربة، الأمر الذي يجعل من الغابات المنعزلة "أحواض كربون" كما يسميها العلماء –وهي أماكن تعمل على إزالة الكربون من الجو-، وهكذا، فكلما ازدادت مدة الفصول غير المتجمدة في القطب الشمالي، ازدادت المدة الممنوحة للغابات للنمو والانتشار، ما يزيد من اتساع أحواض الكربون. ومن ناحية أخرى فقد عمل الاحتباس الحراري على زيادة حدوث حالات الجفاف والحرائق في القطب الشمالي، مع العلم أن الغابة إذا احترقت فإنها تطلق كميات هائلة من الكربون في الجو، وبذلك تصبح "مصدراً للكربون" كما يُتفق على تسميتها علمياً. 


وبالتالي فإن التغيرات المناخية حول العالم تدفع الغابات في القطب الشمالي إلى امتصاص وإطلاق المزيد من الكربون. ونظراً لندرة البيانات المتاحة لدينا عن القطب الشمالي، فنماذج عمليات المناطق القطبية لا تتفق مع ما تقدمه هذه التوجهات من نتائج، ولا تتفق أكثر مع النظرة لما يمكن للمستقبل أن يحمله، حيث أن عدم الإجماع لا يعد مؤشراً على وجود اختلاف جوهري في العمليات الفيزيائية المتبعة، وذلك كما يرى جوش فيشر (Josh Fisher) العالم في مختبر الدفع النفاث والعضو في فريق خوارزمية سماب، إنما تكمن المشكلة في أنك إذا وضعت كمية الكربون المنبعثة من القطب الشمالي في وقتنا الحالي في كفة ميزان، ووضعت كمية الكربون الممتص في الكفة الأخرى فستجد أن الكفتين ستتعادلان. 


يقول فيشر: "إن توازن كل من مصدر وحوض الكربون عادة ما يقارب الصفر، ومن السهل جداً أن يرجح الجزء الخاطئ من الصفر". ومع ذلك يمكن للإجابة الخاطئة على هذا السؤال الجوهري أن تستمر في التدفق على شكل سلسلة من الإجابات الخاطئة في دورة من المحاكاة المنمذجة، ويمكن لمشاهدات سماب الدقيقة أن تقدم لصانعي النماذج فهماً أفضل للوضع في يومنا الحالي ولما سيكون عليه في المستقبل. هذا وسيقوم سماب الخاص بمراقبة الربيع بالدوران في الوقت المناسب، لرصد ذوبان الثلوج أول الربيع في الغابة الشمالية، حاملاً معه تفاصيل يحتاجها العلماء، وذلك كما تقول الأميرة آنا في فيلم فروزن "للمرة الأولى منذ الأزل".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات