العلماء يدرسون الغلاف الجوي للزُّهرة من خلال صور العبور

التُقطت هذه الصورة لكوكب الزهرة من قبل التلسكوب البصري الشمسي هينود. وهي تظهِر كوكب الزهرة في بداية رحلته عبر قرص الشمس. كما يظهَر غلافه الجوي كحافة رقيقة متوهجة على الجهة العلوية اليسرى لقرص الكوكب.

المصدر: JAXA/NASA/Hinode.
 


قامت اثنتان من بعثات الفيزياء الشمسية التابعة لناسا بوضع برامج علمية كوكبية ضمن جدول أعمالها. وقد استعانت مجموعة من العلماء بعبور كوكب الزهرة (وهو حدث نادر للغاية يعبر فيه كوكب الزهرة تماما بين الأرض والشمس بحيث يبدو للناظر من الأرض كنقطة سوداء تتحرك بثبات على قرص الشمس الساطع) لإجراء قياسات عن كيفية امتصاص غلاف الزهرة الجوي لأنواع مختلفة من الأشعة الضوئية. وهو ما قد يقدم للعلماء دلائل دقيقة حول العناصر الموجودة في طبقات الغلاف الجوي لهذا الكوكب. إنّ جمع مثل هذه المعلومات لا يزيد من معرفتنا لهذا الكوكب القريب منّا فحسب، بل إنه يمهد الطريق أيضا أمام تطوير تقنيات لفهم الكواكب الموجودة خارج نظامنا الشمسي بشكل أفضل.


التقطت هذه الصورة المُركّبة لعبور كوكب الزهرة بوساطة المرصد الديناميكي الشمسي التابع لناسا في الخامس من حزيران/يونيو 2012، وتظهر هذه الصور الملتقطة التسلسلَ الزمني لعبور كوكب الزهرة أمام قرص الشمس في نفس العام عند الطول الموجي 171 أنجستروم. المصدر: NASA/Goddard/SDO.
التقطت هذه الصورة المُركّبة لعبور كوكب الزهرة بوساطة المرصد الديناميكي الشمسي التابع لناسا في الخامس من حزيران/يونيو 2012، وتظهر هذه الصور الملتقطة التسلسلَ الزمني لعبور كوكب الزهرة أمام قرص الشمس في نفس العام عند الطول الموجي 171 أنجستروم. المصدر: NASA/Goddard/SDO.

يعتبر عبور كوكب الزهرة حدثا نادرا، وذلك لأنه لا يحدث إلا مرتين خلال حياة الإنسان. يحدث العبور مرتين كل حوالي 115 سنة، حيث تفصل ثمان سنوات بين العبورين الأول والثاني خلال هذه الفترة. ولا يعتبر رصدُ مثل هذه الظاهرة الرائعة مذهلا فحسب، بل إنها تشكّل كذلك فرصة فريدة لإجراء الأرصاد العلمية للكوكب الأكثر قربا من الأرض.



قام كلٌ من المرصد الديناميكي الشمسي التابع لناسا ووكالة الاستكشاف الفضائية اليابانية المشتركة إلى جانب بعثة هينود التابعة لناسا بالتقاط صور بعدّة أطوال موجية لكامل حَدَثِ العبور، واستخدم فريق من العلماء بقيادة فابيو ريالي Fabio Reale من جامعة باليرمو هذه الصور لرصد الكوكب المُضاء من الخلف أثناء عبوره أمام قرص الشمس. ومن خلال رصد الغلاف الجوي للكوكب بأطوال موجات مختلفة خلال مساره، اكتشف الباحثون المزيد حول أنواع الذرات والجزيئات الموجودة في غلافه الجوي. وقد نُشر هذا البحث في مجلة Nature Communications في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو 2015.



كما هو الحال على الأرض، فإن كل طبقة من طبقات الغلاف الجوي للزهرة تمتص الضوء بشكل مختلف عن الطبقات الأخرى، حيث تمتص بعض الطبقات أطوالا موجية معينة بشكل كامل، في حين أن الأطوال الموجية نفسها يمكن أن تخترق طبقة أخرى. ومع عبور الزهرة أمام قرص الشمس -الذي يُصدر الضوء في جميع أطوال موجات الطيف الكهرومغناطيسي- فإن العلماء يحصلون على فرصة نادرة لرؤية الأنماط المختلفة من الضوء وهي تُرَشّحُ عبر الغلاف الجوي للزهرة.



تقوم إحدى الطبقات الموجودة في المناطق العُليا من الغلاف الجوي لكوكب الزهرة -والتي تدعى بالثيرموسفير thermosphere- بامتصاص أطوال موجية معينة عالية الطاقة من الضوء. وعند رصد الكوكب أثناء وجوده مباشرة أمام الشمس في إحدى هذه الأطوال الموجية عالية الطاقة، فإن الثيرموسفير ستظهر كامدة وليست شفافة كما تشاهد بالضوء المرئي.



يقول دين بيسنل Dean Pesnell أحد العلماء في مهمة المرصد الديناميكي الشمسي التابع لناسا من مركز غودارد للطيران الفضائي في غرينبلت-ميريلاند: "يعبُر الإشعاع الغلافَ الجوي حيث يتم امتصاصه، مما يؤدي إلى توليد الأيونات وتشكّل طبقة في الغلاف الجوي تدعى بالأيونوسفير ionosphere"، ونظرا لكون الأيونات تأسِر الطاقة الموجودة في هذا الضوء، فإن هذه الطاقة لا تصدر مجددا من الجهة الأخرى، ويصبح الغلاف الجوي للزهرة مُصمتا كالجدار تجاه أطوال موجية معينة، حيث يعترض سبيل الضوء ليمنعه من الوصول إلينا. أما بالنسبة للتلسكوبات، فإن الغلاف الجوي يصبح داكنا كالكوكب نفسه، وبذلك، فإن حجم الزهرة سيبدو متفاوتا حسب الطول الموجي الذي يرصده التلسكوب.



وقد اختار ريالي وفريقه الصور التي التقطت لعبور الزهرة في العديد من أطوال الموجات في مجال الأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية، وقاموا بقياس الحجم الظاهري للكوكب بدقة تصل إلى عدة أميال، كما قام الفريق في كل مجموعة من الصور بحساب درجة حجب الأطوال الموجية المختلفة الناجم عن وجود الغلاف الجوي، حيث يشير هذا الحجب إلى مدى امتصاص كل مجموعة من أطوال الموجات من قبل الغلاف الجوي للزهرة على ارتفاعات مختلفة.



ونظرا لاختلاف امتصاص الضوء من قبل الأنماط المختلفة من الذرات بشكل طفيف، فإن الارتفاع الذي يحدث هذا الامتصاص عنده، يتيح للعلماء معرفة عدد ونوع الجزيئات الموجودة في الغلاف الجوي للزهرة. وتعتبر هذه المعلومات هامة عند التخطيط لإرسال أي بعثات إلى الزهرة، فهذه الجزيئات والأيونات تغير مقدار الاحتكاك الذي تتعرض له المركبة الفضائية أثناء دخولها الغلاف الجوي، مما قد يؤثر على مسارها.



يقول ريالي: "تُعتبر معرفة المزيد من المعلومات حول تركيب الغلاف الجوي أمرا هاما للغاية لفهم آليات الكبح التي تتعرض المركبات الفضائية لها أثناء اختراقها للطبقات العليا من الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، وهي الآلية التي تعرف باسم الكبح الهوائي".



ويتيح شكل غلاف الزهرة الجوي للعلماء كذلك الحصول على مؤشرات هامة حول تأثير الشمس على هذا الغلاف، وفي هذا الصدد، تقول سابرينا سافاج Sabrina Savage، وهي العالمة المشاركة في مشروع بعثة هينود التابعة لناسا: "حين لا يكون الغلاف الجوي متناظرا عند رصده، فإن ذلك يمكن أن يمنحنا المزيد من المعلومات حول تأثير الشمس على الكوكب".



لا يشاهد أثناء العبور إلا الغلاف الجوي المحيط بقرص الكوكب من الجانبين، ورغم ذلك، فإن هذه المناطق تظل مثيرة للاهتمام، حيث أنها المناطق التي ينقلب فيها الليل إلى نهار والنهار إلى ليل على سطح كوكب الزهرة من وجهة نظر الراصد. كما شوهدت في هذه المناطق الانتقالية على الأرض عدة تأثيرات مهمة تحدث ضمن طبقة الأيونوسفير، وقد أظهرت البيانات التي تم الحصول عليها خلال عبور كوكب الزهرة أن هاتين المنطقتين الانتقاليتين تبديان فعليا نفس الخصائص.

يقول بيسنل: "لقد ظهر الكوكب دائريا بالفعل في جميع أطوال الموجات، ولو كان الانتقال من النهار إلى الليل مختلفا عن الانتقال من الليل إلى النهار، لظهر انتفاخٌ في الغلاف الجوي على أحد جانبي الكوكب".

ويمكن لدراسة عبور الزهرة كذلك أن يساعد في تحسين دراسة الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى، حيث تُكتشف مثل هذه الكواكب الخارجية عادة أثناء حالات العبور المشابهة لهذه الحالة، فقد أصبح بإمكاننا الآن تحري التغيرات الضئيلة في ضوء النجم التي تحدث حين يحجب الكوكب جزءا من هذا الضوء لدى عبوره أمام نجمه.


كلما استطعنا أن نرصد الكواكب القريبة منا أثناء عبورها أمام نجومها بشكل أفضل، كلما حصلنا على معلومات أكثر يمكن أن تفيدنا في دراسة الكواكب الخارجية التي لا يمكننا حاليا رؤيتها بتفاصيل كبيرة. وعندما تتطور التقنيات المستعملة في أدوات الرصد، فإننا سنصبح قادرين على جمع معلومات أفضل حول الأغلفة الجوية لمثل هذه الكواكب الخارجية أيضا.



يستطرد ريالي قائلا: "قد يتم في المستقبل إرسال بعثات تمتلك الدقة الكافية لقياس شعاع الكواكب الخارجية بشكل دقيق في أطوال الموجات المختلفة. وخصوصا إذا كانت هذه الكواكب الخارجية تمتلك أغلفة جوية ثخينة جدا، فإن اختلاف الحجم المُقاس في أطوال الموجات المختلفة سيكون أكبر، وستكون عندها هناك فرصة أفضل لتحري هذا الفرق".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات