الغازات الدافئة تصبّ مياهً باردة على الصناعة النّجمية للمجرة

وفقاً لما أشارت إليه دراسات حديثة، فإنّ البيئة المثالية لخلق نجمة جديدة هى البيئة الكونية الباردة فقد قامت موجة من الغازات الدافئة الموجودة فى مجرّة قريبة -وتلك الغازات ناتجة عن القيام بالتهام مجرة منفصلة- بإطفاء عملية التشكّل النّجمي وذلك عبر تهييّج الغاز المبرّد والمتاح للقيام بهذه العملية.

 

تُوضّح النتائج المميزة بُعداً جديداً لعملية التّطور المجرّي وذلك بفضل المرصد الفضائي هيرتشيل -وهو مرصد فضائي تابع لوكالة الفضاء الأوروبية, وبفضل وكالة الفضاء ناسا التي قامت بدور محوري في هذا البحث، حيث شارك تلسكوبيّ الوكالة الفضائيين سبيتزر وهابل في الدراسة.

 

يسعى علماء الفلك إلى فهم السبب الكامن وراء انقسام المجرّات فى الكون المحلي إلى فئتين رئيسيتين: الأصغر سناً وهي الحلزونية التي تُشكل النجوم (مثل مجرتنا درب التبانة)، والبيضاوية الأكبر سناً وفيها توقفت عملية التّشكل النجمي عن الحدوث.

 

أوضحت الدراسة الحديثة للمجرة NGC 3226 أنّه من الضروري وجود مرحلة انتقالية تجعل من عملية التشكل النجمي أمراً غاية في الأهمية والحرج.

 

يقول فيليب أبليتون (Philip Appleton)، عالم ناسا في مشروع هيرشيل من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا وهو المؤلف الرئيسي للورقة العلمية التي ظهرت مؤخراً في مجلة Astrophysical Journal: "لقد اكتشفنا إمكانيات رائعة بالاعتماد على البيانات الضخمة التى تم تسجيلها عن طريق تلسكوبي وكالة ناسا سبيتزر وهابل والتلسكوب الفضائي هيرشل, إذ كوّنت هذه المعلومات مجتمعة صورةً عن مجرّة بيضاوية شهدت تغيّرات ضخمة فى الماضي القريب جراء التّصادمات العنيفة مع جيرانها".

 

لا تُعدل هذه التصادمات من الهيكل واللون فقط، وإنما تغيّر أيضاً حالة الغاز الموجود فيها، ما يجعل من عملية تكون نجوم أخرى أمراً صعباً على المجرّة.

 

تُعتبر المجرة NGC 3226 قريبة نسبياً، حيث تبعد حوالي 50 مليون سنة ضوئية فقط عن مجرتنا, وينبع من هذه المجرّة بضعة حلقات غازية ومرصّعة بالنجوم, وتجري هذه الخيوط النجمية أيضاً بين المجرة وبين المجرة المرافقة NGC 3227, وتقترح هذه الجريانات من المواد احتمالية وجود مجرّة ثالثة قبل زمن ليس بالبعيد، حيث ظلّت تلك المجرة موجودة حتى قامت المجرة NGC 3226 بتمزيقها ناثرةً أجزاء المجرة الممزّقة في جميع أنحاء المنطقة.

 

تتمدد قطعة واضحة من هذه البقايا الفوضوية على طول مائة ألف سنة ضوئية وتمتد مباشرة إلى قلب المجرة NGC 3226, وينتهي هذا الذيل الطويل على شكل ريشة منحنية داخل قرص مكون من غاز الهيدروجين الدّافئ وحلقة من الغبار, ويُعتقد أنّ مكونات هذا الذيل هي بقايا المجرة المفتتة التي سقطت داخل المجرة NGC 3226، حيث سُحبت نحوها بفعل جاذبيتها.

 

فى كثير من الحالات، تُحفز عملية إضافة المواد إلى المجرات على هذا النّحو جولات جديدة من عمليات ولادة النجوم ويُعزا الفضل فيها إلى تبلور الغازات والغبار معاً. ورغم اتفاق البيانات الآتية من التلسكوبات الثلاثة على أنّ عملية التّشكّل النّجمي في المجرة NGC 3226 بطيئة نسبياً، إلا أنّه على ما يبدو فى هذه الحالة: تسخن المواد التى تسقط داخل المجرة NGC 3226 بشكلٍ شديد جراء تصادمها مع غازات المجرة الأخرى وغبارها لتقوم بالتالي بإخماد عملية التشكّل النجمي بدلاً من إيقادها.

 

كان بالإمكان الحصول على نتائج مختلفة لأنّ المجرة NGC 3226 تحتوي على ثقب أسود هائل فى مركزها, وبناءً على ذلك فإن تدفّق الغاز والغبار قد ينتهي عند إشباع الثقب الأسود، الذي يُطلق بالتالي سيولاً إشعاعية نشطة أثناء توجّه المواد نحو فنائها في هذا الثّقب, لكن هذا الأمر لم يحصل وعوضاً عن ذلك، لا يقوم الثقب الأسود الموجود في المجرة NGC 3226 بالتهام كل المواد وإنّما يُشبعه التهام أجزاء صغيرة منها لتنتشر باقي المواد فى منطقة مركز المجرة.

 

يقول أبليتون :"اكتشفنا أنّه لا يتم وبسهولة سحب الغاز بشكلٍ قمعي نحو مركز المجرّة وبالتالي تغذية الثقب الأسود الذي نعرف بوجوده هناك,وما يحصل في الواقع هو أنّ الغاز يعلق داخل قرص دافئ مُطفئاً بالتالي عملية التشكل النجمي. وربما يقوم بإحباط عملية نمو الثقب الأسود جرّاء الاضطراب الشديد الموجود في هذه المرحلة".

 

تُعتبر المجرة NGC 3226 وسطيّة بين المجرة الزرقاء الشّابة والأخرى الحمراء الكبيرة, وتُشير الألوان إلى ضوء المجرّة الأزرق السّائد والمُنبعث من النجوم العملاقة والشّابة -وهي إشارة على عملية تشكّل نجمي حديثة- في حين يُشير الضوء الأحمر الذى تُصدره النجوم الناضجة إلى غياب النجوم الزرقاء الجديدة.

 

توضح هذه المجرّة الوسطية كيف تستطيع المجرات التى تُصدر الغاز والغبار أن تُشع بنجوم جديدة أو على الأقل تمتلك بشكل مؤقت مصانعها الممتازة.


بعد كل شيء، بمجرد أن يغمر الغاز الدافئ المجرّة NGC 3226 ويبرد إلى درجة حرارة مناسبة من أجل عملية التشكّل النجمي، تَحتاج المجرة إلى الحصول على دفعة ثانية, ومن المثير للإهتمام أن رصد الأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئيّ هو أمر يُشير إلى أنّ المجرة NGC 3226، ربما تكون قد صنعت نجوماً أكثر فى الماضي، وربما يكون هذا الأمر سبباً للونها الوسطي الحالي والذي يقع بين اللونين الأحمر والأزرق.

 

تُشير الدراسة الجديدة إلى أن أثار الشباب هذه يجب حقاً أن تظل باقية جراء مستويات أعلى لعملية التشكل النجمي وذلك قبل أن يغزوا الغاز السّاقط المشهد. يقول أبليتون أنّ: "المجرة NGC 3226 ستستمر في التطور وقد تُفرز نجوماً جديدة فى المستقبل, ونحن نتعلم الآن أنّ عملية الانتقال من مجرة شابة إلى مرحلة المجرة المعمّرة ليس بالطريق أحادي الاتجاه وإنّما هو طريق باتجاهين".

 

- المؤلفون الآخرون لهذا التقرير هم:


C. Mundell of Liverpool John Moores University,  England; M. Lacy of National Radio Astronomy Observatory,   Charlottesville, Virginia; V. Charmandaris of University of Creete, Greece; P-A. Duc of CEA-Saclay, France; U. Lisenfeld of University of Granda, Spain; and T. Bitsakis, K. Alatalo, L. Armus and P. Ogle of Caltech. 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات