حلقات زحل: هل هي أقل من أن تُرى بالعين؟


الحلقة B هي الحلقة الأقل نفاذية للضوء ضمن حلقات زحل الرئيسية، والتي تظهر تقريباً باللون الأسود في هذه الصورة الملتقطة من طرف المركبة كاسيني من الجانب غير المضاء لمستوى الحلقة.


حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute


يبدو بديهيًّا احتواء المادة المعتمة opaque material على المزيد من المواد مقارنة بالمادة الشفافة translucent substance. على سبيل المثال، تحتوي المياه الموحلة على الكثير من جزيئات الأوساخ العالقة أكثر من الماء الصافي. وبالمثل، فإنك تعتقد أنه في حلقات زحل فإن المناطق الأكثر عتامَةً تحتوي على تراكيز عالية من المواد أكثر من تلك الأماكن التي يبدو أن الحلقات فيها أكثر شفافية.


لكن هذا الأمر البديهي لا ينطبق دائماً على أرض الواقع، وذلك وفقاً لدراسة حديثة للحلقات باستخدام بيانات المركبة كاسيني Cassini التابعة لناسا. وعلى نحوٍ مدهشٍ وجد العلماء من خلال تحليلاتهم علاقة ضئيلة بين ما تبدو عليه كثافة الحلقة – من حيث نفاذيتها وانعكاسيتها- وبين كمية المواد التي تحتويها.

 

هذه الصورة تم اقتصاصها  من مشهد شامل (بانورامي) لنظام الحلقات الرئيسية التابعة لزحل، ويتضمن أسماء معالم الحلقات الرئيسية. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute
هذه الصورة تم اقتصاصها من مشهد شامل (بانورامي) لنظام الحلقات الرئيسية التابعة لزحل، ويتضمن أسماء معالم الحلقات الرئيسية. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute


تتوافق النتائج الجديدة المتعلقة بالحلقة B التابعة لزحل، وهي الحلقة الأكثر سطوعًا والأكثر عتامَة بين حلقات زحل مع الدراسات السابقة والتي وجدت نتائج متشابهة لحلقات زحل الرئيسية الأخرى.


وجد العلماء أن نفاذية الحلقة B تختلف بقدر كبير عبر عرضها، فالكتلة- وتعني كمية المادة- لا تختلف كثيراً من مكانٍ لآخر. قاموا بوزن المركز الأكثر عتامةً لهذه الحلقة للمرة الأولى –من الناحية التقنية قاموا بتحديد كثافة الكتلة في عدة أماكن- وذلك من خلال تحليل كثافة الموجات الحلزونية. هذه معالم حلقة على نطاق ممتاز نتجت عن الجاذبية التي سحبت الجسيمات من أقمار زحل، ومن جاذبية الكوكب نفسه. بنية كل موجة تعتمد أساسًا على كمية المادة في جزء الحلقة حيث تقع الموجة.

وقال ماثيو هيدمان Matthew Hedman وهو المؤلف الرئيسي للدراسة وعالم مشارك في مهمّة كاسيني من جامعة ايداهو، موسكو: "في الوقت الحاضر، يظلُّ سبب امتلاك بعض المناطق نفاذية مختلفة رغم أن لديها نفس الكمية من المواد غامضًا، فقد يكون أمراً متعلقاً بحجم أو كثافة الجسيمات المفردة، أو ربما له علاقة ببنية الحلقات".


شارك فيل نيكلسون Phil Nicholson العمل مع ماثيو، حيث يَشغل فيل منصب الباحث المشارك في مهمة كاسيني في جامعة كورنيل، إيثاكا، نيويورك وقال نيكلسون: "قد يكون المظهر خادعاً، و التشبيه الأفضل هو تخيّل كيف يمكن لمرجٍ ضبابيٍّ أن يكون أكثر عتامَة من بركة سباحة، رغم أنّ البركة أكثر كثافة وتحتوي كمية أكبر من الماء".

إن البحث عن كتلة حلقات زحل له أهمية تطبيقية في معرفة أعمارها. ومن شأن حلقةٍ أقل كتلة أن تتطور بشكل أكبر من حلقة تحتوي الكثير من المواد، لتصبح أكثر عتامة بواسطة الغبار القادم من النيازك والمصادر الكونية الأخرى وبشكلٍ أكثر سرعة. وهكذا فإن الحلقة B الأقل كتلة ربما تكون هي الأحدث- مئات الملايين من السنوات بدلاً من بضعة ملياراتٍ.

وقالت ليندا سبيكلر Linda Spilker العالمة في مشروع كاسيني في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، في باسادينا بولاية كاليفورنيا: "من خلال وزن قلب الحلقة B للمرة الأولى، أصبحت هذه الدراسة ذات معنى في سعينا للحصول على عمر وأصل حلقات زحل. هذه الحلقات رائعة جدًا ومذهلة، ومن الصعب بالنسبة لنا أن نقاوم غموض معرفة نشأتها".

 

بعض أجزاء الحلقة B أقل نفاذية للضوء بعشر مرات من الحلقة A، لكن كتلة الحلقة B تفوق وزن الحلقة A بنحو الضعفين أو ثلاثة أضعافٍ فقط. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute
بعض أجزاء الحلقة B أقل نفاذية للضوء بعشر مرات من الحلقة A، لكن كتلة الحلقة B تفوق وزن الحلقة A بنحو الضعفين أو ثلاثة أضعافٍ فقط. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute


وبينما تمتلك الكواكب العملاقة (المشتري، زحل، أورانوس، ونبتون) في نظامنا الشمسي أنظمة حلقات خاصة بها، فزحل يختلف بشكلٍ واضح. إن تفسير سبب كون حلقات زحل أكثر سطوعاً واتساعاً هو تحدٍ مهم في سعينا لفهم ومعرفة تشكلها وتاريخها. بالنسبة للعلماء، فإن كثافة المواد الموجودة في كل جزء من الحلقات هي عاملٌ حاسمُ لرد تشكلها لعملية فيزيائية.


اقترحت دراسة مبكرة قام بها أعضاء فريق مطياف الأشعة تحت الحمراء الخاص بكاسيني، إمكانية تواجد مواد أقل في الحلقة B مما اعتقده الباحثون. التحليل الجديد هو الأول في القياس المباشر لكتلة الحلقة وإثبات أن هذا هو مربط الفرس.


استخدم هيدمان ونيكلسون تقينة جديدة في تحليل البيانات وذلك في سلسلة من المُراقبات بواسطة مطياف رسم الخرائط بالأشعة المرئية وتحت الحمراء التابع لكاسيني كما ظهرت عبر الحلقات باتجاه نجم ساطع. ومن خلال جمع الملاحظات المتعددة، استطاعوا تحديد موجات الكثافة الحلزونية في الحلقات والتي لم تكن واضحةً في القياسات الفردية.

وجد التحليل أن الكتلة الإجمالية للحلقة B قليل بشكل غير متوقع. "كان ذلك أمراً مدهشاً" حسب قول هيدمان، لأن بعض أجزاء هذه الحلقة أكثر عتامة بعشر مرات من الحلقة المجاورة A. حيث تزن الحلقة B ضعفين أو ثلاثة أضعاف كتلة الحلقة A.


الحلقة B هي أسطع حلقات زحل عند النظر إليها من خلال ضوء الشمس المنعكس. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute
الحلقة B هي أسطع حلقات زحل عند النظر إليها من خلال ضوء الشمس المنعكس. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute


وبالرغم من الكتلة الضئيلة التي وجدها نيكلسون وهيدمان، فإنه لا يزال يعتقد أن الحلقة B تشكل إجمالي كتلة المواد في نظام حلقات زحل. ورغم أن هذه الدراسة تترك بعض الشكوك حول كتلة الحلقة، فإن قياساتٍ أكثر دقة حول كتلة حلقات زحل الإجمالية في طريقها إلينا.

 

وفي وقت سابق، قامت كاسيني بقياس مجال جاذبية زحل، مانِحةً بذلك العلماء الكتلة الكلية لزحل وحلقاته. وفي عام 2017 ستحدد المركبة كاسيني كتلة زحل وحده وذلك من خلال التحليق داخل الحلقات خلال المرحلة النهائية من مهمتها، ومن المتوقع أن يكشف الاختلاف بين القياسين أخيراً كتلة الحلقات الصحيح.


نشرت الدراسة على الانترنت من مجلة ايكاروس Icarus. بعثة كاسيني –هيغنز Cassini-Huygens هي مشروع تعاوني بين وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الايطالية. يدير مختبر الدفع النفاث -وهو فرع من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا- المهمة لمديرية المهام العلمية بوكالة ناسا في واشنطن.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات