مشاهدة عنقود مجري هائل من منظور جديد

توصف العناقيد المجرية غالبا بأنها فائقة، وهي علاوةً على ذلك تجمعات هائلة من المجرات، والغاز الحار، والمادة المظلمة، وتشكل البُنى الأكبر في الكون والتي تتكتل بفعل الجاذبية.

تميل عناقيد المجرات إلى افتقارها لإنتاج نجوم جديدة في مراكزها. يملك عنقود المجرات بشكل عام مجرةً ضخمةً في مركزه، والتي تُولد نجوماً بمعدلٍ أبطأ بكثيرٍ من معظم المجرات-بما في ذلك مجرتنا درب التبانة-. تحتوي المجرة المركزية على ثقب أسودَ فائق الكتلة وهو أكبر بآلاف المرات من الثقب الأسود الذي تحويه مجرتنا في مركزها. وبدون التدفئة التي تؤمنها الاندفاعات من هذا الثقب الأسود، فإن الكميات الهائلة من الغاز الموجود في المجرة المركزية سوف تبرد، ما يسمح بتشكل النجوم بتسارع كبير. ويُعتقد أن الثقب الأسود المركزي يتصرف وكأنه ثيرموستات (منظم حرارة)، مانعاً بذلك التبريد السريع للغاز الساخن المحيط، وتشكل النجوم.

وفّرت بيانات جديدة تفاصيلَ أكثر عن كيفية تحدي عنقود المجرات SPT-CLJ2344-4243 لهذه الفكرة. عنقود المجرات هو اسم مستعار لعنقود طائر الفينيق (Phoenix Cluster) للكوكبة التي تم العثور عليها. هذا العنقود حطم عدة أرقام قياسية في الماضي، فقد أعلن العلماء في العام 2012 أن عنقود طائر الفينيق أظهر أعلى معدل تم رصده من تبريد الغاز الحار وتشكل النجوم في مركز عنقود المجرات، وتفُوق قوة إصداره للأشعة السينية كل العناقيد المعروفة. ويُعتبر أيضاً معدل تبريد الغاز الساخن في مركز العنقود، الأعلى الذي تم رصده حتى الآن.

تُساعد عمليات الرصد لهذا العنقود عند كل من الأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية، وعمليات الرصد عند الأطوال الموجية المرئية بواسطة مرصد تشاندرا العامل بالاشعة السينية التابع لناسا، وتلسكوب الفضاء هابل، وتلسكوب كلاي-ماجلان الواقع في تشيلي، تُساعد علماء الفلك على تعميق فهم هذا الجسم الرائع. تَكشف البيانات الضوئية لتلسكوب كلاي-ماجلان خيوطاً ضيقة عند مركز العنقود حيث تتشكل النجوم. يمتد هذا النسيج الضخم من الغاز والغبار والذي لم يُكشف معظمه من قبل، لحوالي 160 ألفاً إلى 330 ألف سنة ضوئية. هذا أطول من الرقعة الكلية لمجرة درب التبانة، ما يجعله أكثر الخيوط اتساعاً والتي تم رؤيتها في عنقود مجري.

هذه الخيوط تحيط بالفجوات الكبيرة -وهي عبارة عن مناطق ذات انبعاث منخفض بالأشعة السينية- في الغاز الحار. يمكن رؤية فجوات الأشعة السينية في هذه الصورة المُركبة والتي تُظهر بيانات الأشعة السينية القادمة من تلسكوب تشاندرا باللون الأزرق، والبيانات الضوئية القادمة من تلسكوب هابل (بالأحمر والأخضر والأزرق). ولتحديد موقع هذه الفجوات الداخلية أنقر فوق الصورة. اعتقد علماء الفلك أن فجوات الأشعة السينية اقتطعت من الغاز المحيط، بفعل الاندفاعات القوية من الجزيئات عالية الطاقة، الصادرة من ثقبٍ أسودَ فائق الكتلة مجاورٍ في المجرة المركزية للعنقود. ومع دوران المادة باتجاه الثقب الأسود، تُطلَق كميات هائلة من الطاقة الثقالية (gravitational energy). أظهرت عمليات رصد (مدمجة راديوية وبالأشعة السينية) لثقبٍ أسود فائق الكتلة في عناقد مجرية أخرى، أن جزءاً كبيراً من هذه الطاقة يتم إطلاقها على شكل دفعات من الانفجارات والتي يمكن أن تدوم لملايين السنين. تُشير قياسات الفجوات التي تم رصدها بالأشعة السينية أن الانفجارات التي أنتجت الفجوات في SPT-CLJ2344-4243، كانت واحدةً من أكثر الأحداث عالية الطاقة التي تم تسجيلها على الإطلاق.

لكن على أي حال، يُعاني الثقب الأسود في المجرة المركزية للعنقود من مشكلة تحديد الهوية، حيث يتشارك بالخصائص مع كلٍّ من أشباه النجوم "quasars" (وهي أجسام مضيئة للغاية تكتسب طاقتها بفعل سقوط المواد على ثقب أسود فائق الكتلة) ومع المجرات الراديوية radio galaxies، والتي تحتوي على اندفاعات من الجسيمات المشحونة، والتي تتوهج عند الأمواج الراديوية، وتكتسب طاقتها أيضاً بفعل ثقوب سوداء فائقة الكتلة. نصف الطاقة الخارجة من هذا الثقب الأسود تأتي على شكل اندفاعات مدفوعة ميكانيكياً على الغاز المحيط (الوضع الراديوي)، ويأتي النصف الثاني من الأشعة الضوئية المرئية، وفوق البنفسجية، والأشعة السينية التي تنشأ في القُرص المتنامي (وضع أشباه النجوم quasar mode). يقترح علماء الفلك أن الثقب الأسود ربما يقبع في عملية تقلُّب بين هذين الوضعين.

توفر فجوات الأشعة السينية الواقعة بعيداً جداً عن مركز العنقود، الموصوفة باسم "الفجوات الخارجية outer cavities"، أدلةً على الانفجارات القوية من الثقب الأسود المركزي منذ حوالي مئة مليون عام -لا تشمل زمن سفر الضوء إلى العنقود-. هذا يقتضي أن الثقب الأسود ربما يكون في الوضع الراديوي، مع انفجارات منذ مئة مليون عام، ثم تبدلت إلى وضع أشباه النجوم ثم تبدلت ودخلت مجدداً في الوضع الراديوي.

ويُعتقد أنَّ التبريد السريع ربما حصل بين هذه الانفجارات ما أدى إلى تشكل النجوم في كتلٍ وخيوطٍ في جميع أنحاء المجرة المركزية بمعدل حوالي 610 كتلٍ شمسية سنوياً. وعلى سبيل المقارنة، يتشكل اثنان من النجوم الجديدة سنوياً في مجرتنا درب التبانة. توفر الخصائص المتطرفة لعنقود طائر الفينيق رؤىً جديدةً للعديد من المشاكل المتعلقة بالفيزياء الفلكية، بما في ذلك تشكل النجوم ونمو المجرات والثقوب السوداء والتطور المشترك للثقوب السوداء وبيئتها.

الورقة التي وصفت هذه النتائج، بقيادة مايكل ماكدونالد Michael McDonald من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تم قبولها للنشر في مجلة Astrophysical Journal وهي متوفرة على الإنترنت. يُدير مركز ماريشال للطيران الفضائي التابع لناسا في هونتسفيل-ألاباما، مشروعَ تشاندرا لصالح مديرية المهام العلمية التابع لناسا في واشنطن. يتحكم مرصد سميثسونيان للفيزياء الفلكية في كامبريدج-ماساشوستس، بالعمليات العلمية والجوية لمرصد تشاندرا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الكوازارات أو أشباه النجوم (quasars): هي عبارة عن مجرات لامعة جداً وبعيدة جداً، ويُعتقد ان لمعانها ناجم عن قيام ثقب أسود فائق الكتلة وموجود في مركزها بابتلاع المادة.

اترك تعليقاً () تعليقات