كيف تشكَّلت الكواكب؟

تتلاصق تكتلات صغيرة من المادة ضمن القرص مع بعضها لتُشكِل كتلاً أكبر. في النهاية تنمو هذه الكتل لتصبح كواكب.

 

لطالما تَسَاءل علماء الفلك والفلاسفة لقرونٍ عديدةٍ عن آلية نشوء نظامنا الشمسي وكواكبه، واليوم بعد أن تعلمنا الكثير حول هذا النظام تزامناً مع تطور التلسكوبات وإرسال المسابر الفضائية لاستكشافه، تعلمنا الكثير عن نظامنا الشمسي؛ مما وفر لنا الأدلة عن كيفية اتّخاذ النظام الشمسي لشكله الحالي.


فهل كانت أفكارنا هذه صحيحةً؟



يمكننا فقط رؤية النتيجة النهائية لعملية تشكُّل الكواكب دون رؤية العملية نفسها، ولا تُوجَد لدينا أمثلة أخرى لندرسها، فمازلنا بالرغم من المعلومات التي اكتسبناها حول نظامنا الشمسي نتساءل عن وجود أنظمة كوكبية أخرى، وإذا ما تشكَّلت بنفس آلية تشكُّل نظامنا. تساعدنا الاكتشافات التي حققها تلسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope على إدراك الأجزاء الرئيسية للغز تشكُّل الكواكب.

الآن... أين نحن من حلّ هذا اللغز؟


تتشكّل النجوم وكواكبها، وفقاً لما نعرفه حتى الآن، من سحابةٍ منهارة من الغبار والغاز موجودة ضمن سحابةٍ أكبر تدعى السّديم (nebula). تسحب الجاذبية المادة الموجودة في السحابة المنهارة وتُقرِبها من بعضها لتجعل مركز السحابة مضغوطاً أكثر فأكثر، وهو الذي بدوره يزداد سخونةً؛ لتصبح هذه النواة الكثيفة والحارة نواةً لنجمٍ جديد.


في هذه الأثناء تتسبب الحركاتُ الكامنةُ في السحابة المنهارة في تحريكها بعنف، وتبدأ معظم أجزاء السحابة بالدوران في نفس الاتجاه حالما تصبح مضغوطة جداً، وتتشكل في النهاية هذه السحابة الدائرية على شكل قرص يُصبح أنحفَ مع استمراره بالدوران، بشكلٍ يشبه نوعاً ما كتلة من عجينة يتم تدويرها لتتشكل على شكل بيتزا. تعدّ هذه الأقراص التي يدعوها العلماء بالأقراص حول النجمية (circumstellar) أو الكوكبية الأولية (protoplanetary) مكان ولادة الكواكب.


تتحرك المادة الموجودة في القرص أثناء دورانه حول النجم في نفس الاتجاه، وفي النهاية تبدأ بالالتصاق معاً بشكلٍ يشبه إلى حد ما التصاق الغبار المنزلي مع بعضه لتشكيل ما يُسمى بأرانب الغبار (dust bunnies)


تَجرف هذه الكتل الصغيرة الموجودة في القرص أثناء دورانها المادة المحيطة بها، وتنمو أكثر فأكثر، لتبدأ بعد ذلك الجاذبية البسيطة لكتلٍ بحجم الصخور أو أكبر بسحب الغبار والكتل الأخرى، ومع ازدياد حجمها فإنها تجذب المزيد من المادة وتكبر أكثر، وستبدأ بعد وقتٍ قريب الكواكب الصغيرة أو الكويكبات (planetesimals) بالتشكُّل.


تكون معظم المادة صخريّة في الجزء الداخلي للقرص، حيث يستحوذ غالباً النجم المتطور على الكثير من الغاز الأصلي ثم يصرفه خارجاً؛ مما يؤدي لتشكُّل كويكبات صغيرة صخرية قريبة من النجم. يتبقى مع ذلك المزيد من الغاز في الجزء الخارجي من القرص، فضلاً عن الجليد الذي لا يتبخر أثناء نمو النجم، والذي يسمح للكويكبات الأبعد عن النجم بأن تجمع كمياتٍ إضافية من المادة لتتطور إلى كويكبات عملاقة من الجليد والغاز.


يبدأ كل كوكب مع نموّه بالتخلص من المادة الموجودة في مساره مُنتزِعاً الحطام القريب وبطيء الحركة مع الغاز، بينما يقذِف المواد الأخرى خارج طريقه بفعل جاذبيته، في النهاية تنقص كمية الحطام في مسار مرور الكويكب حول النجم والذي -المسار- يصبح صاف نسبياً.

تتشكَّل المئات من هذه الكويكبات في ذات الوقت لذلك فهي تتقابل حتماً، فإذا كانت مسارات هذه الكويكبات تتقاطع في ذات الوقت تماماً، وكانت الكويكبات تتحرك بسرعةٍ كافية بالنسبة لبعضها البعض، فإنها تتحطم حيث أنها ستتصادم ناشرةً الحطام في كل مكان. أما إذا كانت حركتها بالنسبة لبعضها البعض بطيئة، فستسحبها الجاذبية إلى بعضها البعض رويداً رويداً، مُشكِّلةً اتحاداً ومُندمِجةً في جسمٍ أكبر حجماً. إذا كانت الكويكباتُ المُشارِكة في الاصطدام بعيدةً عن بعضها البعض، فقد لا تتفاعل فيزيائياً لكن يمكن أن يسحب اصطدامهم الثقاليّ كلاً منهم بكل تأكيد، وستبدأ هذه الأجسام المخالفة باعتراض مسارات المرور الأخرى ممهدة لمرحلةٍ من الاصطدامات الإضافية واللقاءات الأخرى للنوع الصخري.


بعد مرور ملايين السنين، تخلّصت التصادمات التي لا تُحصى بين الكويكبات من الكثير من حطام القرص وبنت أجساماً أكبر حجماً وأقل عدداً وهي التي تسود مناطقها الآن؛ حيث يكون النظام الكوكبيّ قد وصل إلى مرحلة النّضج.


تجميعُ الأدّلة


أما السؤال الذي يتبادر إلى ذهننا الآن حول كيفيّة معرفتنا بما سبق، فيمكن أن نجيب عليه بأن الرؤية الاستثنائية لتلسكوب هابل كشفت لنا دليلاً في الأقراص الموجودة حول النجوم، وسيساعد هذا الدليل في تجميع قصة كيفية تشكًّل الكواكب.

الخلاصة


حتى وقتٍ قريب، كان لدينا نظام كوكبي وحيد فقط لدراسته وهو نظامنا، من خلاله كانت محاولتنا فهم كيفيّة تشكُّل الكواكب. لكن خلال أقل من عقدين من الزمن استطاع تلسكوب هابل الفضائي مع التلسكوبات الأخرى فتح نافذةٍ على لغز كيفية تشكُّل الكواكب. تُظهِر لنا قدرة تلسكوب هابل على رؤية السُّدم القريبة عن كثب وتقصّي المناطق الموجودة حول النجوم القريبة، والأنظمة الكوكبيّة قيد التشكيل، والظروف التي تتشكل فيها الكواكب، بل حتى الكوكب الذي يدور حول نجمٍ آخر.

لقد استبدلت اكتشافات هابل لكوكبٍ بدور حول نجم فم الحوت (Fomalhaut) تخميننا السابق بالدليل المباشر على إمكانية كون بعض المعالم الغريبة المُشاهَدة في الأقراص ناتجةً عن تطوّر الكواكب.


عزّزت المفاجآت التي توصل لها هابل في بعض الأوقات أفكارنا، بينما بينت لنا في أوقاتٍ أخرى أشياءً لم نتخيلها أبداً، وهي تساعدنا دائماً على تحسين إدراكنا لكيفية تشكُّل الكواكب.


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الكوكب الدقيق (planetesimal): هي تجمعات غير مصقولة من مواد صخرية التحمت ببعضها لتكوّن الكواكب.
  • كوكب سيّار أولي أو كوكب أولي (protoplanet): هي أجنة كوكبية أولية وُلدت داخل الأقراص الكوكبية وعانت من عملية الانصهار الداخلي لتُنتج هياكلها الداخلية المتباينة.
  • السديم (Nebula): عبارة عن سحابة بين نجمية مكونة من الغبار، والهيدروجين، والهليوم وغازات مؤينة أخرى.
  • الغبار (Dust): ليس الغبار الذي يقوم أحدهم بإيجاده حول المنزل فقط (الذي هو في العادة عبارة عن ذرات دقيقة من خلايا الجلد ومواد أخرى)، ولكن بالإضافة إلى ذلك، هذا الغبار في الفضاء عبارة عن الحبيبات شاذة الشكل مكونة من الكربون و/أو السليكون ويبلغ عرضها ميكرون واحد تقريباً، ويمكن إيجادها بين النجوم. يُمكن الاستدلال على وجود الغبار بشكلٍ أساسي عبر قدرته على الامتصاص، الأمر الذي يؤدي إلى تشكل أقسام كبيرة مظلمة في مناطق من مجرتنا درب التبانة ونطاقات مظلمة في كافة أرجاء المجرات الأخرى.

اترك تعليقاً () تعليقات