أينشتاين ونيوتن وقصة الجاذبية

لـ ماريان فرايبورغر Marianne Freiberger


هذا المقال هو جزءٌ من المشروعِ الّذي عمِلنا عليه للاحتفال بالسّنة الدّولية لعلمِ الفلك عام 2009، يسألُك المشروع أن تحدِّد مُعظم الأسئلة التي تود الحصول على إجابتها حول الكون، وهذا واحدٌ منها (كيف تعمل الجاذبية؟). أخذنا السؤال للبروفيسور بنغالور ساتيابراكاش (Bangalore Sathyaprakash) من قسم الفيزياء وعلم الفلك في جامعة كارديف، وكان هذا هو جوابه.

الجاذبية وفقاً لنيوتن


يقول ساتيابراكاش: "وفقاً للصورة المبسطة نسبيًا لنيوتن، فإنَّ الجاذبية هي القوة التي تعمل بين جسمين، إذا كان لديك الأرض والشمس على سبيل المثال، تشعر الأرض بالقوة التي تمارسها عليها الشمس، وبدورها تشعر الشمس بنفس القوة، والتي تمارسها الأرض". تُعْطَى القيمة F لهذه القوة بالقانون المألوف، قانون التربيع العكسي.

\(F = G{m_1m_2 \over r^2}\)

حيث G هي ثابت الجاذبية، و r هي المسافة بين مركزي الأرض والشمس، و \(m_1\)، و \(m_2\) هما كتلتاهما على الترتيب.

التفاعل التجاذبي لجسمين كرويين بحسب نيوتن، حقوق الصورة: دينيس نيلسون.
التفاعل التجاذبي لجسمين كرويين بحسب نيوتن، حقوق الصورة: دينيس نيلسون.
 
ربّما تكون القوى الّتي تؤثر على الشّمس والأرض متساوية بالقيمة، لكن الحركة الناتجة ليست نفسَها لكلا الجسمين؛ فحسب قانون نيوتن الثاني للحركة، فإن قيمة التسارع التي تحدث لجسم ما عندما يخضع لقوة ما، تساوي قيمة القوة مقسومة على كتلة الجسم. بما أن كتلة الشمس كبيرة، فالتسارع الذي يحدث للشمس بسبب قوة السحب التجاذبية للأرض ضئيلٌ جدًا بالمقارنة مع التسارع الذي يحدث للأرض ذات الكتلة الأقل بكثير من كتلة الشمس. هذا هو السبب لبقاء الشمس ثابتة، بينما تُجبر الأرض على الدوران حولها.



نُشرت نظرية نيوتن للجاذبية في عام 1687، وهي دقيقة بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بأكثر الأهداف العملية، وبقيت دون منازع لأكثر من 300 عام، ظهرت المشاكل عندما طوّر أينشتاين نظريته في النسبية الخاصة عام 1905.

"حسب نظرية نيوتن، يجري التفاعل التجاذبي بشكل فوري. لنفترض أن الشمس اختفت من الأفق اليوم، لن نلاحظ اختفائها على الفور بمجرد النظر إلى الشمس، لأن الضوء يأخذ بعض الوقت للانتقال، لكن وفقًا لجاذبية نيوتن، سنشعر فورًا بتأثير اختفاء الشمس، حيث أن الأرض ستطير بعيدًا، في اتجاهٍ مُمَاسٍّ لمسارها الأصلي". 

لكنَّ نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين تنص على أنه لا شيء يستطيع الانتقال أسرع من سرعة الضوء، ولا حتى المعلومات. "من الممكن استخدام مقارنة اختفاء الشمس هذه لإنشاء برقيات تجاذبية (نظريًا)، بحيث تستطيع أن تنقل المعلومات على الفور، وهذا الأمر مستحيل وفقًا لأينشتاين، كما أن هذا هو السبب الذي دعى أينشتاين لإعادة صياغة نظرية الجاذبية"، نُشرت الصياغة المعدلة لأينشتاين عام 1916، تحت اسم النسبية العامة.

الجاذبية وفقًا لأينشتاين


يقول ساتيابراكاش: " لا ترى نظرية النسبية العامة لأينشتاين الجاذبية كقوة بعد الآن، بل استبدلت مفهوم القوة، في تفسيرها للجاذبية، بمفهوم الهندسة الخاصة بدراسة الزمان والمكان"؛ فحسب النسبية العامة، تحني الأجسام فائقة الكتلة هندسية الفضاء، والمسارات التي تأخذها الأجسام وتتحرك بها عبر الفضاء هي نتيجةٌ لهذا الانحناء. غالبًا ما يُستخدم تشبيهٌ تكون فيه كرة بولينغ موضوعة على الترامبولين (وهو نسيج مشدود على إطار حديدي، يستخدم مثلَهُ البهلوانُ ليقوم بالقفز)، فتتسبب الكرة في انخفاضٍ في الترامبولين، حانيةً بذلك سطحه، وبالتالي فإن كرة زجاجية موضوعة بالقرب من كرة البولينغ ستتحرك في هذا الانخفاض باتجاه الكرة. ليست حركة الكرة الزجاجية نتيجةً لقوى جذب تمارسها كرة البولينغ عليها، لكنها نتيجةٌ لانحناء السطح التي تتحرك عليه. هذا التشبيه ليس دقيقًا تمامًا، لأن الذي يشكل انخفاضًا في الترامبولين هو جاذبية الأرض وليس جاذبية كرة البولينغ، وذلك عندما توجَّه كرة البولينغ إلى الأرض.

يقول ساتيابراكاش: "علينا الخروج من هذا التشبيه ومحاولة تخيل الفضاء ثلاثي الأبعاد، وكذلك الوقت، على أنهما منحنيان، وبسبب هذا الانحناء تتحرك الكواكب في مدارات منحنية بدلاً من الخطوط المستقيمة".

فقًا لنظرية النسبية العامة لأينشتاين ، فإن الأجسام فائقة الكتلة تحني الزمكان، حقوق الصورة: ناسا
فقًا لنظرية النسبية العامة لأينشتاين ، فإن الأجسام فائقة الكتلة تحني الزمكان، حقوق الصورة: ناسا
في نظامنا الشمسي، السبب في انحناء الفضاء، أو بالأحرى انحناء الزمكان (وذلك ﻷن كليهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا)، هو الشمس، وكذلك، بدرجة أصغر، المشتري، والذي يلي الشمس في الكتلة.

ولأن هذين الجسمين (الشمس والمشتري) يتحركان في الأرجاء، وإن كانت حركة الشمس قليلة جدًا، فإن النتيجة هي نظام ديناميكي يحوي انحناءات مختلفة باستمرار وذلك تبعًا لحركة الأجسام فائقة الكتلة حول الزمكان.

 



"وهنا العبارة الشهيرة التي صاغها جون أرشيبالد ويلير (John Archibald Wheeler): "تحدد الكتلة كيفية انحناء الزمكان، والزمكان يحدد للكتلة كيف تتحرك. تختصر ديناميكيات معادلات أينشتاين، أو كيفية عمل معادلات أينشتاين، بهذه العبارة الشهيرة".

الثقوب السوداء وتموجات الزمكان.


حتى الآن، أثبتت نظرية أينشتاين للجاذبية أنها دقيقة بشكل هائل، وقد اجتازت كل الاختبارات التي خضعت لها، لكن لَم يتم التأكد من اثنين من أهم تنبؤات هذه النظرية. الأول هو وجود الثقوب السوداء سيئة السمعة، وتذهب النظرية إلى أنها تتشكل عند تركز الكثير من الكتلة في منطقة صغيرة من الفضاء، تُمارس هذه الكتلة الكثيفة قوة سحب تجاذبي هائلة، ونستطيع رؤية ذلك بسهولة عن طريق الرجوع إلى قانون التربيع العكسي لنيوتن للحظات.

لنفترض أنك تجلس على سطح دائري كثيف للغاية، ذي كتلة M كبيرة جداً، وذي قطر r صغير جداً ، قوى الجاذبية التي تبقيك على سطح الجسم، حسب نيوتن، لها القيمة التالية:


\(F = G{{Mm} \over r^2}\)


حيث m هي كتلتك. بما أن M كبيرة جداً و r صغيرة جداً، فإن F بدورها كبيرة جداً. يمارس الجسم قوة سحب ثقالية هائلة، وللهروب من قبضته تحتاج إلى أن تتسارع مبتعدًا عنه، باذلًا في ذلك قصارى جهدك. الآن، إذا كان الجسم كثيفًا جدًا بحيث يكون الهروب منه أمرًا مستحيلًا بالنسبة لكل الأشياء، حتى الضوء، عندئذ، يطلق على الجسم الناتج اسم الثقب الأسود. (لنكونَ دقيقين، فالذي يحدد فيما إذا كان جسمٌ ما، ثقبًا أسود أو لا، هو النّسبة بين نصف قطره الثّقالي ونصف قطره الفيزيائي).

تصور فنان لعملية التهام ثقب أسود لنجم. يقترب النجم (الفقاعة الصفراء إلى اليسار) ثم تتمطط (الفقاعة الصفراء في الوسط)، وفي النهاية تفتت إلى حطام نجمي، وبعضها يشكل دوامة في طريقها للثقب الأسود، (الحلقة السحابية إلى اليمين)، حقوق الصورة: مختبر الدفع النفاث لناسا.
تصور فنان لعملية التهام ثقب أسود لنجم. يقترب النجم (الفقاعة الصفراء إلى اليسار) ثم تتمطط (الفقاعة الصفراء في الوسط)، وفي النهاية تفتت إلى حطام نجمي، وبعضها يشكل دوامة في طريقها للثقب الأسود، (الحلقة السحابية إلى اليمين)، حقوق الصورة: مختبر الدفع النفاث لناسا.


كانت فكرة الثقوب السوداء موجودة منذ زمن طويل قبل أينشتاين، كما تم العثور على تجسيد طبيعي لها في وصفه الهندسي للجاذبية. في نظرية أينشتاين، الثقب الأسود هو منطقة من الفضاء حُنيت بعنف، بسبب وجود كتلة كثيفة للغاية فيها، بحيث أن قوانين الفيزياء العادية لا تعمل في جوار هذه المنطقة. بحسب المعادلات الهندسية التي تصف هندسية الزمكان يكون الانحناء الموجود في وسط الثقب الأسود لا نهائيًا. لم يُلاحظ أي أحد ثقبًا أسود بشكل مباشر، لكن هناك الكثير من الأدلة غير المباشرة على أن هذه الوحوش موجودة فعلاً، ويَعتقد الفيزيائيون وجود الثقوب السوداء في مراكز أغلب المجرات.

تقود الفكرة القائلة إن أجسامًا كثيفة كالثقوب السوداء تقوم بنقل كتلتها بشكل مستمر حول زمكان منحنٍ ومنثنٍ، إلى التنبؤ الرئيسي الثاني لنظرية أينشتاين: الأمواج الثقالية (gravitational waves). يشرح ساتيابراكاش: "يكون انحناء الزمكان قرب الثقوب السوداء كبيرًا جدًا، والآن تخيل اثنين من الثقوب السوداء يتحركان حول بعضهما، يكون الانحناء في هذه الحالة كبيرًا لكنه أيضًا متغير، إنها تشبه قليلاً أن تأخذ عصاً وتحركها بشكل دائري في بركة، ما يؤدي إلى توليد موجات في الماء. ولكن في حالة الثقوب السوداء، فنحن نتحدث عن موجات في نسيج الزمكان نفسه"، تتنبأ نظرية أينشتاين أن هذه التموجات، الموجات الثقالية، يجب أن تنشأ عندما تتحرك الأجسام فائقة الكتلة، تمامًا كما يحدث ارتعاش في الترامبولين عندما تقوم بتحريك جسم ثقيل على سطحه. ولكن بالنسبة للثقوب السوداء، فإن هناك أدلة غير مباشرة على أن الموجات الثقالية موجودة، لكن لم يكتشفها أحد بشكل مباشر من قبل.

 لماذا نرصد الموجات؟


صور فنان عن الموجات الثقالية الناجمة عن زوجين من النجوم الضخمة المتصاعدة تجاه بعضها البعض، وفي النهاية يصطدمان، حقوق الصورة: NASA/Dana Berry, Sky Works Digital.
صور فنان عن الموجات الثقالية الناجمة عن زوجين من النجوم الضخمة المتصاعدة تجاه بعضها البعض، وفي النهاية يصطدمان، حقوق الصورة: NASA/Dana Berry, Sky Works Digital.
يمكن  لعدد قليل من الأشياء أن تعطي تأكيدًا أكثر إرضاءً لنظرية أينشتاين في الجاذبية، أكثر إرضاءً من الملاحظة المباشرة للثقوب السوداء أو الموجات الثقالية؛ وذلك لأنها تلخِّص فكرة حني وثني الزمكان.

تخَصَّصَ ساتيابراكاش في الموجات الثقالية وكان على يقين أنها في الحقيقة ستقوده إلى مفتاح الأُحجيتين. "الثقوب السوداء هي سوداء بالمعنى الكهرومغناطيسي؛ فهي لا تصدر أي ضوء ولا أي موجات راديوية وهلمّ جراً، لكنها من الممكن أن تصدر موجاتٍ ثقالية، أفضل مثال هو النظام الثنائي من الثقوب السوداء الموصوف أعلاه. برصدنا للموجات الثقالية، قد يصير بإمكاننا أن نقيس تركيب هندسية الزمكان حول الثقب الأسود بطريقة لن تكون ممكنة في أي تجربة أخرى، ويُعتقد أن معظم المجرات تحتوي ثقبًا أسود في مركزها،كما أن هذه الثقوب ليست جالسة هناك مكتوفة الأيدي، فهي لا تفتؤ تلتهم المواد الأخرى، والثقوبَ السوداء الأخرى الموجودة في المناطق المجاورة لها. عندما يسقط ثقب أسود صغير في ثقب أسود أكبر منه، فإنه يأخذ مدارًا معقدًا للغاية، وعندما يتحرك الثقب الأسود الصغير بشكل دائري، فإنه يأخذ عينة من هندسية الزمكان الموجود في المنطقة، وتقوم إشارات الموجات الثقالية المنبعثة بتشفير هذه الهندسية.

والأهم من ذلك، تتنبأ نظرية أينشتاين أنه عند اصطدام ثقبين أسودين تنتج موجات ثقالية مع كميات هائلة من الطاقة في مُدَّة قصيرة جداً. تظهر هذه الكمية من الطاقة على شكل سُطوع، والتي تَفُوق جميع أضواء النجوم القادمة من كل مجرات الكون. "على الرغم من أن الثقوب السوداء هي سوداء كهرومغناطيسيًا، فإنه من الممكن أن تضيء الكون بأكمله، (وذلك من حيث الموجات الثقالية)، مع أن ذلك لا يبقى إلا فتره قصيرة جداً، ومن هنا يأتي الاهتمام بالموجات الثقالية.


 


الكشف عن الموجات الثقالية


الأدلة الموجودة على الموجات الثقالية هي أدلَّة غير مباشرة، وتأتي من النظام الفلكي المُكتشف في 1974 من قبل جوزيف تايلور (Joseph Taylor ) وراسل هالس (Russell Hulse) والذي يتضمن اثنان من النجوم النيوترونية الكثيفة للغاية.

يقول ساتيابراكاش: "يبلغ قطر هذه النجوم 10 كيلومترات فقط، لكنها تملك نفس كتلة الشمس. حتى إن ما يبلغ حجمه حجم ملعقة من مواد النجم النيوتروني يزن عدة مليارات من الأطنان"، كما هو الحال في الثقوب السّوداء، تُسبب حركة هذه النجوم الكثيفة الموجات الثقالية. ويظهر الآن أن أحد هذه النجوم هو ما يسمى بـ"النجم النابض" (pulsar)، وهو يبعث إشارات راديوية على فترات منتظمة يمكن الكشف عنها من الأرض. باستخدام هذه الإشارات كان لدى تايلور وهاسل القدرة على إثبات أن النجمين يدوران مقتربين من بعضهما.

وحسب نظرية أينشتاين، يمكن أن يحدث هذا فقط إذا خسر النظام طاقة على شكل موجات ثقالية، وإذا كان معدل اقتراب النجمين من بعضهما متطابقًا تماماً مع تنبؤات النظرية.

ولكن هل يمكننا الكشف عن الموجات الثقالية مباشرةً؟ وكيف تظهر لنا هذه الموجات؟

يقول ساتيابراكاش: "تتفاعل الموجات الثقالية مع أي جسيم، مهما كانت كتلته، هذه مشكلة في الواقع، إنها تتفاعل مع كل شيء بشكل ديموقراطي، وهذا يجعل من الصعب جدًا الكشف عنها، لذلك يجب علينا بناء معدات حساسة للغاية. بشكل أساسي، تتسبب التشوهات الصغيرة الناتجة عن الموجات الثقالية بتحريك الكتل، وتسمى المعدات الموجودة حالياً للكشف عن هذه التحركات بـ "كاشفات الموجات الثقالية باستخدام مقياس التداخل الليزري" (Laser Interferometer Gravitational Wave Detectors)"، تشتمل هذه الكواشف على مرايا، والهدف هو الكشف عن التحركات الصغيرة لهذه المرايا التي تسببها الموجات الثقالية باستخدام قياس التداخل.

يقول ساتيابراكاش: "هناك حالياً خمسة أجهزة فاعلة للكشف عن الموجات الثقالية، هناك ثلاث أجهزة في أمريكا تدعى ليغو (Ligo)، واثنان في أوروبا يدعيان فيرغو (Virgo) و (GEO600). إضافة إلى واحد يُخطَط له في اليابان. من المقدر أن تقوم الكواشف بأول الأرصاد لها في العام 2014، والهدف هو بناء مجموعة عالمية من الكواشف، التي يمكن أن ترى المصادر من أي مكان تقريبًا في الكون.

تصور فنان حول Lisa ، حقوق الصورة:NASA/Dana Berry, Sky Works Digital.
تصور فنان حول Lisa ، حقوق الصورة:NASA/Dana Berry, Sky Works Digital.
 هناك مشروعان طَموحان، وهما: هوائي مقياس التداخل الليزري الفضائي (LISA)، وهو مستكشف فضائي من المقرر أن ينطلق بحدود العام 2020، وتلسكوب أينشتاين، الذي من الممكن أن يُبنى بين عامي 2025 و2030 ،وسيكون لكليهما القدرة على اكتشاف أمواج الجاذبية من تصادمات الثقوب السوداء البعيدة في الكون.

وستزود الثقوب السوداء الثنائية والنجوم النيوترونية علماء الفلك بطرق محسنة للتغلب على مشكلة صعوبة قياس المسافات الكونية، وبمقارنة الكثافة المرصودة لموجة ثقالية ناتجة من اندماج الثقوب السوداء ذات الشدة الداخلية (والتي يمكن أن تحسب من الناحية النظرية)، فإنه من الممكن حساب بعد مصدر الموجة عنا.

وبالتالي، فإن عمليات رصد الموجات الناتجة عن عدة اندماجات للثقوب السوداء ستزودنا بمقياس مسافة كوني، وهي علامات مسافية في المكان والزمان، والتي يمكننا قياس المسافات الأخرى بناءً عليها. يساعد هذا على تحديد بعض الملامح الهامة للكون، على سبيل المثال مدى السرعة التي يتوسع بها. يستخدم الفلكيون حاليًا ظواهرَ أخرى، فيستخدمون على سبيل المثال المستعرات الفائقة (supernovae) لبناء مقياس المسافة الكوني، ولكن ساتيابراكاش يقول إن الموجات الثقالية ستزيد الدّقة بشكل كبير.

إحدى الإمكانيات المثيرة هي الكشف عن الموجات التي تنبعث على طول الطريق من الانفجار الكبير. "وربما أُنتِجت موجات ثقالية بعد جزء صغير من الثانية من الانفجار الكبير، وقد سافرت إلينا سليمة من دون أي تلف. عن طريق رصدنا لها، سيكون لدينا إمكانية معرفة أوضاع الكون في وقت مبكر جدًا من حياته. سبق وأن وضعنا، في ورقة من مجلة "Nature" الشهر الماضي، حدودًا للقوة التي يمكن أن تكون عليها هذه الموجات".

لكن ماذا لو لم يستطع أيٌ من أجهزة الكشف المتطورة، التي ستدخل حيز العمل خلال العشرين سنة القادمة، اكتشاف أي موجات؟ هل سيثير ذلك شكوكًا حول وجودها، أو حتى حول نظرية أينشتاين في الجاذبية ككل؟ يقول ساتيابراكاش: "نحن نعلم أن الموجات الثقالية موجودة، لا أعتقد أن أي شخص بكامل قواه العقلية ممكن أن يشك في (أدلة النجم النيوتروني لهالس وتايلور). في الواقع، نال تايلور وهالس جائزة نوبل في الفيزياء في 1993 لاكتشافهما هذا. لكن الأمر الذي يمكن أن يحدث، هو أن يثبُت أن مصادر الموجات الثقالية ليست شائعة جدًا. سيكون الجيل القادم من الكواشف حساساً لمسافة 600 مليون سنة ضوئية، والسؤال هو: هل هذا جيد بما فيه الكفاية. لكن التوقعات الحالية المبنية على النجم النابض الثنائي لهالس وتايلور تقول أننا نرى الأحداث ضمن 600 إلى 700 مليون سنة ضوئية، وهذه هي المسافة التي تهدف المستكشفات المتقدمة إلى تحقيقه.

وإذا كشفنا الموجات الثقالية، هل سيكون لدينا القدرة لوضعها في بعض الاستخدامات على الأرض؟ "ذلك ليس أمراً مستحيلًا، ولكنه غير قابل للتصديق حالياً، ولكن عندما أجرى هيرتز أول تجاربه مع موجات الراديو كان له نفس الرأي - فمن يدري!؟".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا
  • مقياس التداخل (interferometer): عبارة عن أداة تقوم بقياس التداخل (Interferometry)
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات