إذا كنت تعيش فى نصف الكرة الشمالى، فحاول تأمُل النجوم فى بدايات فصل الخريف، لكن احذر فقد يكون مظهرها في مثل هذا الوقت من السنة خدّاعاً بعض الشيء. فخلال أوقات معينة من هذه الفترة، قد تُحجب النجوم والكواكب ودرب التبانة نتيجة بزوغ القمر بطورٍ مكتملٍ وجميل عدة مرات. أما إذا كنت من عُشاق مراقبة القمر نفسه فإنك بالتأكيد أسعدُ حظاً.
السبب في ذلك أنه وفى أثناء تلك الفترة "شهر أكتوبر/ تشرين أول" سوف يحظى محبو تأمل سماء الليل بفرصة مشاهدة ما يعرف "بقمر الصيّادين". وهي ظاهرة تحدث نتيجة تغيُّرٍ طفيف على القمر المكتمل. ولطالما تم اعتبار "قمر الصيّادين" حدثاً مهماً فى التراث التقليدي، وأيضاً كموضوع ينال اهتمام الفلكيين.
التعريف:
تُعرف الظاهرة أيضاً بالقمر المتورِّد أو الدموى، ويطلق مصطلح "قمر الصّيادين" عادةً للإشارة إلى القمر المكتمل الذى يظهر خلال شهر أكتوبر. يسبقه فى الظهور "قمر الحصاد"، وهو القمر المكتمل الأقرب حدوثاً من يوم الاعتدال الخريفي "والذى يأتى فى الثانى والعشرين أوالثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول".
عادة ما يظهر قمر الصيّادين خلال شهر أكتوبر، عدا مرة كل أربع سنوات حيث لا يظهر حتى حلول شهر نوفمبر/ تشرين ثاني. وتعود تسميته بهذا الاسم إلى شعوب أمريكا الشمالية الأوائل، الذين كان صيادوهم يستغلون هذه الفترة من فصل الخريف لتعقب فرائسهم من الغزلان التي تكون قد تغذت جيداً خلال فصل الصيف، فيقومون باصطيادها وتخزينها كطعام استعداداً للشتاء القادم.
الخصائص :
عادة ما يظهر القمر مُتأخراً 50 دقيقة كل يوم عن اليوم السابق له، لكن الأمور مختلفة بالنسبة لقمر الصيّادين "كما هى أيضاً بالنسبة لقمر الحصاد". حيث يبزغ هذان القمران عادةً بفارق 30 دقيقة عن الليلة السابقة لهما، وذلك يعنى أن غروب الشمس وبزوغ القمر ليسا متباعدين.
توفر هذه الظاهرة فترات مطوّلة من الضوء خلال هذا الوقت من السنة، وهذا هو السبب الذي يُفسر استغلالَ الصيّادِين والمزارعين لهذين القمرين فى إتمام أعمالهم.
يُعزا ذلك الاختلاف فى التوقيت بين غروب الشمس و بزوغ القمر إلى مدار القمر، حيث أن الزاوية التى يصنعها القمر مع الأفق تكون أصغر خلال هذا التوقيت من السنة. وقمر الصيّادين ليس أكبر أو أكثر إضاءةً من باقى الأقمار المكتملة. وبالتالى، فإن الاختلاف الوحيد بينه وبين باقى الأقمار المكتملة هو أن الوقت بين غروب الشمس و بزوغ القمر يكون أقصر.
التاريخ :
لأن اقتراب حلول الشتاء كان يُنذر باحتمالية حدوث المجاعة فى عصور ما قبل الصناعة، فإن قمر الصيّادين كان يحظى بإجلالٍ خاص، فقد اعتُبر تاريخياً يوماً مهماً يَحتفل به سكان شمال أوروبا، والكثير من شعوب وقبائل أمريكا الأصليين.
وعلى نحوٍ تقليدىّ، كان صيادو أمريكا الأصليين يستخدمون القمر المكتمل فى أكتوبر لتعقب الغزلان و مراقبة الثعالب ليلاً أثناء تحضريهم للشتاء القادم. ونظراً لأن الحقول عادة ما يتم حصادها فى نهابة سبتمبر و بداية أكتوبر، فإنه من السهل على الصيّادين رؤية الثعالب وباقى الحيوانات التى خرجت لتتغذى على الحبوب التى تساقطت أثناء الحصاد.
حظي قمر الصيّادين بأهمية مماثلة فى أوروبا، وقد كان يعتبر ظهوره أيضاً بمثابة وقتٍ أساسي للصيد خلال فترة ما بعد الحصاد وما قبل الشتاء، حيث تكون الظروف مواتية للعثور على الفرائس. ومع ذلك، فإن المصطلح لم يتم استخدامه من قبل الأوروبيين إلا بعد أن تواصلوا مع السكان الأصلييين لأمريكا إبان استعمارهم لها.
كانت أولى الإشارات التى تم تسجيلها لقمر الصيادين قد بدأت فى القرن الثامن عشر. وقد استشهد قاموس أكسفورد الإنجليزى فى مدخله عن قمر الصيّادين، بالطبعة رقم 1710 من بريتيش أبوللو British Apollo، التي ورد بها أن الاسم كان مقترناً بـ "سكان الريف". و يتم حالياً الإشارة للأسماء بانتظام في المصادر الأمريكية ، حيث تكون غالباً مقترنة بالسكان الأصليين لأمريكا.
فى الهند ، يتم الاحتفال بمهرجان "شاراد بورنيما" للحصاد، والذى يقام عند انتهاء موسم الرياح الموسمية، فى يوم القمر المكتمل فى شهر "أشفين" القمرى (سبتمبر - أكتوبر). ويكون هناك احتفال تقليدي بالقمر خلال هذا التوقيت والذى يُعرف باحتفال كاومودى (kaumudi) والتى تعني ضوء القمر.
حقائق مثيرة :
أحياناً يُعتقد خطأً أنّ قمر الحصاد هو قمر الصيّادين، وذلك لأنه كل أربعِ سنوات أو نحوٍ من ذلك، يأتى قمر الحصاد فى أكتوبر بدلاً من سبتمبر. ويظهر قمر الصيّادين فى نوفمبر بدلاً من أكتوبر، كما أسلفنا سابقاً. غالباً، يتم إعطاء اسمٍ للقمر المكتمل فى كل شهر، وتختلف المسميات تِبعاً للمصدر.
من الأقمار المكتملة الأخرى، قمر الذئب فى يناير/كانون الثاني، وقمر الفراولة فى يونيو/حزيران، وقمر سمك الحفش فى أغسطس/آب، وقمر الثلج فى ديسمبر/ كانون أول، والقمر الوردى فى إبريل/نيسان، ولكلٍ منهم صفاته المختلفة المعتمدة على موقع ومسار الشمس فى وقت حدوثه .
يتم ربط قمر الصيادين أيضاً بالاحتفال. ففى نصف الكرة الشمالى، تقيم قبائل السكان الأصليين لأمريكا و غرب أوروبا عيداً في هذا اليوم. و لم يتم الاحتفال بهذا العيد -عيد قمر الصيّادين- منذ القرن الثامن عشر. ومع ذلك يعتبر عيد قمر الصيّادين مهرجاناً سنوياً فى مدينة لافاييت فى ولاية إنديانا الأمريكية، والذى تتم إقامته فى أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر من كل عام و ذلك منذ سنة 1968.
