فيلم

لطالما شغل كوكب المريخ مكانة مميزة ومركزية في خيال الإنسانية وثقافتها لآلاف السنين، حيث دهش القدماء وأعجبوا بلونه الأحمر، وبسطوعه الذي يتعاظم ويبهت في دورات على مر السنين. وقد أدت المراقبات الأولى التي تم التقاطها في وقت سابق بواسطة التلسكوب، ببعض الأشخاص إلى التكهن والافتراض بأن يكون سطحهُ مغطىً بقنوات وممرات يستخدمها ساكنوهُ وقاطنوه في التجارة والنقل.


وفي فيلم حرب العوالم The War of the Worlds افترض الكاتب إتش جي ويلز H.G. Wells وجود حضارة على كوكب المريخ تسعى لاحتلال الأرض والسيطرة عليها. وفي عام 1938، أثار أورسون ويلز Orson Welles الهلع والذعر في نفوس المستمعين، عندما ظنوا في بادئ الأمر أنهم يستمعون إلى تقرير إخباري عوضاً عن تمثيلية إذاعية مقتبسة عن رواية الكاتب إتش جي ويلز.

 

ربما تبدو القصة الحقيقية لحكاية الإنسان مع كوكب المريخ مملة بعض الشيء، إلا أنها بالطبع لا تخلو من الإثارة والسحر، فقد قامت مراقبات التلسكوبات بتحويل هذه النقطة الحمراء الساطعة في السماء، إلى قرص أرقش غامض مما ساهم بتعزيز أحلام اليقظة لدى الكثيرين حول وجود قنوات على سطح المريخ بالفعل.


قبل 50 عاماً أظهرت أول صورة فوتوغرافية تم التقاطها للمريخ بواسطة مركبة فضائية عابرة ما يبدو كغلاف خارجي ضبابي. أما في وقتنا الحالي، وبعد عقود من عمليات البحث والاستكشاف التي أجريت على سطح الكوكب نفسه، أظهرت أن المريخ كان فيما مضى عبارة عن عالم مملوء بمصادر المياه المفتوحة، والتي تعد شرطاً أساسياً وجوهرياً لقيام الحياة.

 

وحتى خلال عصرنا الحالي عصر الإنترنت، لم يتضاءل ذلك الافتتان والإعجاب الذي يكنه البشر نحو الكوكب الأحمر ولو قليلاً. فقد قام مبرمج الكومبيوتر السابق أندي وير Andy Weir، والذي كان يستمتع بالكتابة لمجرد الكتابة كما كان ينشر إنتاجه الأدبي على مدونته الإلكترونية، بالبدء في كتابة سلسلة تتمحور حول رائد فضاء من وكالة ناسا هبط على سطح المريخ وتقطعت به السبل هناك. وقد أدت الشعبية الهائلة التي تمتعت بها كتاباته إلى تحويلها في نهاية المطاف إلى رواية أدبية ناجحة تحت مسمى "المريخي The Martian". كما تم تحويل هذه الرواية بدورها إلى فيلم سينمائي سيتم إطلاقه في دور السينما بحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2015.

 

تدمج رواية "المريخي" بين كل من الروايات الخيالية والواقعية عند الحديث عن كوكب المريخ. وقد تم بناء حبكة الرواية انطلاقاً من عمليات البحث التي قامت بها وكالة ناسا وغيرها لاستكشاف المريخ، وصولاً إلى عقد الثلاثينيات من القرن الحالي، والذي أصبحت فيه رحلات رواد الفضاء التابعين لوكالة ناسا لاستكشاف سطح المريخ والسكن فيه أمراً اعتيادياً وروتينياً. وعلى الرغم من أن أحداث الرواية تدور في المستقبل أي بعد 20 سنة، إلا أن وكالة ناسا قد طورت بالفعل العديد من التقنيات الحديثة التي تظهر في الفلم.

 

المسكن


يمضي بطل الرواية ويتني Watney قدراً كبيراً من وقته على سطح كوكب المريخ في وحدة السكن الخاصة به (ذا هاب)، والتي تعد بمثابة منزله على المريخ بعيداً عن الوطن. وبالطبع، سيحتاج رواد الفضاء الذين سيهبطون على سطح المريخ في المستقبل إلى مثل هذا المنزل، وذلك تجنباً لقضاء أيامهم على كوكب المريخ مستلقين ببذلتهم الفضائية على سطحه المليء بالغبار.

 

في مركز جونسون للفضاء التابع لوكالة ناسا NASA Johnson Space Center، يتم تدريب كل طاقم على القيام ببعثات إلى أعماق الفضاء السحيق تمتد لفترة طويلة من الزمن، وذلك بواسطة نظام المحاكاة التماثلية لأبحاث الاستكشاف البشري Human Exploration Research Analog أو اختصاراً HERA.

 

نظام المحاكاة التماثلية لأبحاث الاستكشاف البشري الموجود في مركز جونسون للفضاء التابع لوكالة ناسا.<br>وكالة ناسا.
نظام المحاكاة التماثلية لأبحاث الاستكشاف البشري الموجود في مركز جونسون للفضاء التابع لوكالة ناسا.
وكالة ناسا.
يعد المسكن الصناعي (ذا هاب) ركناً أساسياً لتسهيل استكشاف البشر للمريخ في فيلم المريخي.<br>شركة فوكس السينمائية.
يعد المسكن الصناعي (ذا هاب) ركناً أساسياً لتسهيل استكشاف البشر للمريخ في فيلم المريخي.
شركة فوكس السينمائية.

 

نظام "هيرا" هو عبارة عن بيئة مستقلة تحاكي النموذج الموجود أو المعتاد في أعماق الفضاء السحيقة. وتتكون وحدة السكن هذه من طابقين يحتويان على أماكن للمعيشة، ومساحات للعمل، ووحدات للنظافة، بالإضافة إلى غرفة معادلة للضغط.
في هذا النموذج، يقوم الخاضعون للاختبار بإجراء مهام تنفيذية، وتحقيق الأهداف المخطط لها مسبقاً، بالإضافة إلى أنهم سيعيشون مع بعضهم البعض لمدة 14 يوماً (ومن المخطط زيادتها إلى 60 يوماً)، وذلك بهدف محاكاة البعثات العلمية التي سيتم إرسالها في المستقبل إلى البيئات المعزولة في الفضاء. وقد قام رواد الفضاء أخيراً باستخدام هذه المنشأة لمحاكاة بعثات محطة الفضاء الدولية ISS.
وبناءً على ما ذُكِر سابقاً، نستطيع القول أن هذه الدراسة التي تعتمد على المحاكاة توفر لنا بيانات ومعلومات قيمة جداً عن العوامل البشرية، والصحة السلوكية، والتدابير المضادة. بالإضافة إلى أنها ستساعد في توسيع آفاق فهم وإدراك وكالة ناسا لكيفية إدارة البعثات الفضائية المرسلة إلى أعماق الفضاء السحيقة.


مزرعة النباتات


في الوقت الراهن، تعتمد الطريقة المتبعة لإيصال الطعام إلى رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية، على استخدام مركبات فضائية تقوم بتزويدهم بحمولة الطعام الكافية بما فيها المنتجات الصناعية.


ولكن الحال مختلف على كوكب المريخ، إذ لا يستطيع البشر الاعتماد على بعثات التموين الأرضية التي ترسل إليهم، وذلك على اعتبار أن أسرع البعثات المرسلة، والتي يمكن تشبيهها بخدمة إيصال الطعام السريع لدينا، ستستغرق حوالي 9 أشهر للوصول إلى المريخ. لذا ما يحتاج البشر إليه كي يستطيعوا النجاة على كوكب المريخ هو مصدر دائم ومستمر للطعام، أي ببساطة سيحتاجون إلى زراعة النباتات على سطح المريخ.

 

رائد الفضاء كيل ليندغرين Kjell Lindgren، يقوم بحصاد محصول الخس الذي نما على متن محطة الفضاء بواسطة تجربة نظام زراعة المحاصيل الفضائية Veggie.<br>المصدر: ناسا.
رائد الفضاء كيل ليندغرين Kjell Lindgren، يقوم بحصاد محصول الخس الذي نما على متن محطة الفضاء بواسطة تجربة نظام زراعة المحاصيل الفضائية Veggie.
المصدر: ناسا.
مشهد من فيلم "المريخي"، حيث يقوم فيه رائد الفضاء ويتني بحصاد بعض المحاصيل على المريخ.المصدر: بيتر ماونتن
مشهد من فيلم "المريخي"، حيث يقوم فيه رائد الفضاء ويتني بحصاد بعض المحاصيل على المريخ.المصدر: بيتر ماونتن

 

وبالعودة إلى أحداث رواية "المريخي"، نجد ويتني يقوم بتحويل مقره السكني إلى مزرعة مكتفية ذاتياً، حيث يجعل من محصول البطاطا الطعام الأساسي في المريخ. بينما في الوقت الحالي في المدار الأرضي المنخفض، يعتبر الخسّ هو المحصول الأكثر وفرة في الفضاء. وعلى متن محطة الفضاء الدولية، تعتبر تكنولوجيا زراعة المحاصيل الفضائية المسماة "فيجي" (Veggie)، نظاماً قابلاً للانتشار لإنتاج المحاصيل الغذائية الطازجة. وتستخدم تقنية فيجي الأضواء الحمراء، والخضراء، والزرقاء لمساعدة النباتات على النمو داخل الوسائد، والتي هي عبارة عن أكياس صغيرة تتميز بسطحها القابل للطي (الفتل)، وتحتوي على الأسمدة والوسائل، حتى يتم حصادها من قبل رواد الفضاء.

 

وفي عام 2014، استخدم رواد الفلك هذا النظام في زراعة وإنتاج الخسّ الأحمر (outredgeous lettuce)، وقد تم مؤخراً أخذ واختبار عينات من هذه المحاصيل التي نمت في الفضاء للمرة الأولى. ويعد هذا الأمر خطوة هائلة في مجال الزراعة الفضائية، وتتطلع وكالة ناسا للعمل على زيادة كم ونوع المحاصيل المزروعة لتلبية الاحتياجات الغذائية لرواد الفضاء أثناء البعثات المستقبلية إلى كوكب المريخ.

 

عملية إعادة استخدام المياه


لا توجد أية بحيرات أو أنهار أو محيطات على سطح كوكب المريخ، كما أن عملية إرسال المياه من الأرض ستستغرق أكثر من 9 أشهر، مما يدفع رواد الفضاء إلى السعي لتوفير مصدرهم الخاص من المياه. واستناداً إلى هذه الأسباب كلها، لا يضيّع طاقم "أريس 3" (Ares 3) أي نقطة من الماء باستخدام طرق استعادة المياه الخاصة بهم، كما يتوجب على بطلنا ويتني أن يستخدم براعته كي يتوصل إلى طرق غريبة تؤمن له حاجته من الماء، وتساعده في المحافظة على حياته على سطح الكوكب الأحمر.

 

أما الوضع على متن محطة الفضاء الدولية فهو ببساطة كالتالي: لا يمكن لأي قطرة دموع، أو عرق، أو حتى بول أن تضيع وتذهب سدى، حيث يقوم نظام دعم الحياة والتحكم بالبيئة (Environmental Control and Life Support System) بتدوير واستعادة المياه من أي مصدر كان سواء من البول، أو من غسل اليدين، أو من تنظيف الفم أو من أي مصدر أخر. وتتم عبر نظام استرداد المياه Water Recovery System أو اختصاراً WRS، حيث تتم تنقية وتصفية المياه كي تصبح جاهزة للاستعمال. وقد شرح أحد رواد الفضاء هذا الوضع ببساطة متناهية حين قال: "قهوة البارحة هي نفسها التي سنشربها في الغد".

 

إلا أن السوائل تتسبب أحياناً ببعض المشاكل في الفضاء، حيث يتوجب على نظام استرداد المياه والأنظمة المرتبطة به، أن يأخذوا بعين الحسبان حقيقة أن السوائل تتصرف بشكل مختلف في بيئة الجاذبية الصغرى. فالجزء من نظام WRS المسؤول عن معالجة البول يتوجب عليه استعمال جهاز طرد مركزي في عملية التقطير، على اعتبار أن السوائل والغازات تنفصل في الفضاء بشكل مختلف عن طريقة انفصالها في الأرض.

 

وتواصل وكالة ناسا العمل على تقنيات جديدة تساعد في عملية استعادة المياه. كما يتواصل إجراء عمليات البحث بهدف تنظيم عمل الطبقات متعددة الفلاتر (وهي الفلاتر التي تستخدم لإزالة الملوثات غير العضوية والملوثات العضوية غير المتطايرة) وذلك بهدف جعله عنصراً أكثر ديمومة في النظام. كما أن عملية استعادة المياه تتطلب استرجاع كل نقطة من "حصيلة الرواسب" من بقايا عملية تقطير البول.


وتهدف جميع هذه الأبحاث إلى جعل بعثات الاستكشاف البشري، وطواقمها أقل اعتماداً على عملية الإمداد بالمياه وقطع الغيار المرسلة من الأرض.

 

كرة عائمة من الماء تبدو في نهاية المطاف كعدسة عين السمكة.
— Reid Wiseman (@astro_reid) October 9, 2014

 

وقد تم إحضار التقنية المستخدمة في هذا النظام إلى الأرض، وذلك بهدف استعمالها لتوفير المياه الصالحة للشرب في الأماكن النائية، وفي الأماكن المدمرة بفعل حدوث الكوارث الطبيعية.

 

توليد الأوكسجين


يعتبر كل من الماء، والغذاء، والمأوى ثلاثة عناصر أساسية وضرورية للنجاة في كوكب الأرض، يضاف إليها عنصر رابع نحتاجه بشكل ضروري على الرغم من أنه لا يشغل حيزاً كبيراً من تفكيرنا على اعتبار أنه متاح بوفرة وحرية، هذا العنصر هو الأوكسجين. فعلى كوكب المريخ، لا يستطيع ويتني الخروج ببساطة كي يستنشق بعض الهواء المنعش بهدف الحفاظ على حياته، لذا يتوجب عليه حمل مصدر الأكسجين الخاص به في أي مكان يذهب إليه. وبالطبع كخطوة أولى قبل ذلك، يتوجب على ويتني القيام بتصنيعه، لذا يقوم باستخدام مولد الأكسجين الخاص به (oxygenator) والموجود في منزله، وهو عبارة عن نظام يقوم بتوليد الأكسجين باستخدام غاز ثنائي أكسيد الكربون المنبعث من مولد الوقود للمركبة المستخدمة للصعود إلى المريخ (Mars Ascent Vehicle) أو اختصاراً MAV.

 

وبالعودة إلى محطة الفضاء الدولية، نجد أن رواد الفضاء هناك لديهم نظامٌ لتوليد الأكسجين، يقوم بمعالجة الجو داخل المركبة الفضائية مراتٍ عدة، وذلك حتى يؤمِّن باستمرار الهواء الصالح للتنفس بفعالية وبشكل دائم. يقوم النظام داخل المحطة الدولية بإنتاج الأكسجين بواسطة عملية تدعى التحليل الكهربائي (electrolysis). وتقوم هذه العملية بفصل جسيمات الماء إلى مكوناته أي ذرات الهيدروجين والأكسجين، ومن ثم تقوم بإطلاق الأكسجين إلى الجو، بينما يتم التخلص من الهيدروجين إما بإطلاقه إلى الفضاء، أو إدخاله إلى نظام ساباتير (Sabatier System)، والذي يعمل بدوره على إنتاج الماء من خلال استخدام المواد الثانوية المتبقية في جوّ محطة الفضاء.

 

يتم إنتاج الأكسجين بمعدل كبير من خلال نظام الحلقة المغلقة الجزئي (closed-loop system)، والذي يعمل على تحسين فعالية وكفاءة الطريقة التي يُستخدم فيها كل من الماء والأكسجين. وحالياً، تبذُل وكالة ناسا أقصى جهدها لاسترداد كمية أكبر من الأكسجين من المواد الثانوية المتبقية في الجو، وذلك استعداداً وتحضيراً للرحلة إلى كوكب المريخ.

 

بذلة المريخ الفضائية


لا يشكل سطح المريخ بيئة مناسبة ومريحة بالنسبة إلى البشر، فالطقس على سطحه بارد جداً، كما أنه بالكاد يوجد أي هواء للتنفس. لذا يتوجب على رائد الفضاء الذي سيقوم بعملية الاكتشاف أن يرتدي بذلة فضائية مناسبة، تمكنه من النجاة خارج مسكنه أو منزله خلال قيامه بجمع العينات، أو خلال محافظته على عمل الأنظمة.

 

دعت وكالة ناسا الجمهور إلى التصويت على ثلاثة تصاميم ذات طبقة مغطاة لنموذج البذلة الفضائية المسمى Z-2، والذي يعتبر الجيل الجديد من برنامج تطوير البذلات الفضائية المتقدمة.<br> المصدر: ناسا.
دعت وكالة ناسا الجمهور إلى التصويت على ثلاثة تصاميم ذات طبقة مغطاة لنموذج البذلة الفضائية المسمى Z-2، والذي يعتبر الجيل الجديد من برنامج تطوير البذلات الفضائية المتقدمة.
المصدر: ناسا.
الممثل مات دايمون Matt Damon، والذي يؤدي دور رائد الفضاء مارك ويتني Marc Watney في فيلم "المريخي The Martian". المصدر: جايلز كيت.
الممثل مات دايمون Matt Damon، والذي يؤدي دور رائد الفضاء مارك ويتني Marc Watney في فيلم "المريخي The Martian". المصدر: جايلز كيت.

 

ينفق وتيني قدراً كبيراً من أيامه على المريخ وهو يعمل مرتدياً بذلته الفضائية. وقد ينتهي به الأمر إلى السير لمسافات طويلة على سطح المريخ، لذا يجب أن تكون بذلته مريحة، ومرنة، ويمكن الاعتماد عليها.

 

تعمل وكالة ناسا في الوقت الراهن على تطوير تقنية جديدةً لصناعة بذلة فضائية يمكن استخدامها على سطح المريخ. ويأخذ المهندسون بحسبانهم كل عمل من الممكن أن تؤديه البذلة، من عبور سطح المريخ إلى التقاط عينات من الصخور.

 

ستساعد بذلة الاستكشاف، وبذلة النموذج Z-2، بالإضافة إلى نموذج بذلة الفضاء الجديد الذي تعمل عليه وكالة ناسا، في حل مشاكل فريدة من نوعها لتطوير تكنولوجيا جديدة، ستستخدم ربما يوماً ما في صناعة بذلة فضائية يرتديها أول من يطأ سطح المريخ من البشر.

 

وستستخدم كل بذلة في تحديد الفجوات التقنية المختلفة، أي مميزات يمكن أن تكون غير موجودة في بذلة الفضاء، وذلك في سبيل إكمال مهمة البحث. ويعمل المهندسون المختصون في تصميم البذلات الفضائية على المفاضلة بين المواد المركبة والمتينة وبين والأقمشة، وذلك بهدف خلق توازن جيد بين المتانة والمرونة.

 

ولعلّ أحد أهم التحديات الذي سيواجهها رواد الفضاء أثنا سيرهم على سطح المريخ هو التعامل مع الغبار، حيث يمكن لتربة المريخ الحمراء أن تؤثر على رواد الفضاء وعلى عمل الأنظمة داخل المركبة الفضائية إذا علقت على بذلاتهم وتجمعت عليها بعد القيام بالسير على سطح المريخ. ولمواجهة هذا الأمر، تقدم لنا التصاميم الجديدة لبذلة الفضاء إمكانية وجود منفذ للبذلة suit port في الخلف، وذلك حتى يتمكن رائد الفضاء من القفز بسرعة إلى داخل المركبة الفضائية، بينما تبقى البذلة في الخارج، مما يحافظ على نظافة مركباتهم ومنازلهم.

 

عربة التجول


في اللحظة التي تطأ فيها أقدام البشر سطح المريخ، فإنهم سيبقون هناك لمدة قد تصل إلى أكثر من سنة، بينما ستتحرك الكواكب إلى موقع من شأنه أن يقلل من مسافة رحلة عودتهم إلى الأرض. وقد يكون لهذا الأمر جانبه الحسن، إذ سيمنح العلماء الكثير من الوقت لإجراء التجارب واستكشاف البيئة المحيطة بهم. وبالطبع لن يرغب العلماء بأن تكون هناك قيود وحدود على المسافة التي يريدون استكشافها، لذا سيتوجب عليهم ببساطة أن يستخدموا عربة تجول قوية وموثوقة ومتعددة الاستعمالات للانتقال إلى مسافات أبعد.

 

تعمل وكالة ناسا حالاً على صنع عربة قادرة على التنقل بين التضاريس الصعبة. وسيطلق عليها اسم عربة استكشاف الفضاء متعددة المهام (Multi-Mission Space Exploration Vehicle) أو اختصاراً MMSEV. المصدر: ناسا.
تعمل وكالة ناسا حالاً على صنع عربة قادرة على التنقل بين التضاريس الصعبة. وسيطلق عليها اسم عربة استكشاف الفضاء متعددة المهام (Multi-Mission Space Exploration Vehicle) أو اختصاراً MMSEV. المصدر: ناسا.
عربة التجول التي تم استخدامها في فيلم المريخي، وهي وسيلة مواصلات أساسية على سطح الكوكب الأحمر. المصدر: جايلز كيت.
عربة التجول التي تم استخدامها في فيلم المريخي، وهي وسيلة مواصلات أساسية على سطح الكوكب الأحمر. المصدر: جايلز كيت.

 

خلال أحداث الفيلم، نرى ويتني يقود عربته ويقوم بإجراء بعض الجولات بواسطتها، كما نراه أيضاً يقوم بتجهيزها ببعض التعديلات غير التقليدية لمساعدته على النجاة.

 

في الوقت الحالي، تقوم وكالة ناسا بالتحضير لكل مواجهة قد تصادفها عربة استكشاف الفضاء متعددة المهام MMSEV.


وقد استخدمت هذه العربة في مشاريع البعثة التماثلية التابعة لوكالة ناسا، وذلك لحل المشاكل التي تكون الوكالة على علم مسبق بها، وللكشف عن بعضها الآخر الذي قد يكون مخفياً.


وقد تم تطوير عدد من التقنيات على العربة بحيث تصبح مرنة بما فيه الكفاية كي تدعم المهام المرسلة إلى أحد الكويكبات، والمريخ، وأقماره، و أية مهام أخرى في المستقبل. وقد ساهمت عربة MMSEV التابعة لوكالة ناسا، بمعالجة عدد من القضايا مثل المدى، والخروج والدخول السريعين، والحماية من الإشعاع. وتوجد بعض النماذج من العربة لديها ست عجلات كي تزيد من قدرتها على المناورة. وبالطبع، في حالة وجود إطار مثقوب، تقوم العربة ببساطة برفع الإطار المثقوب ومن ثم متابعة المسير.

 

أجهزة الدفع الأيوني


يقول المثل الدارج: قليل دائم خير من كثير منقطع، وأيونات الدفع تثبت لنا ذلك.

 

في أحداث الفيلم، يعيش طاقم "أريس 3" لعدة شهور على متن سفينة الفضاء هيرمس Hermes، وذلك أثناء سفرهم وانتقالهم من و إلى الكوكب الأحمر. وقد استخدموا في سفرهم جهاز الدفع الأيوني باعتباره وسيلة فعالة جداً للانتقال عبر الفضاء لـ أكثر من 280 مليون ميل.


يعمل محرك الدفع الأيوني بواسطة الشحن الكهربائي لغاز من مثل زينون أو أرغون، ومن ثم دفع الأيونات بسرعة عالية جداً تبلغ 200 ألف ميل في الساعة. تختبر المركبة الفضائية التي تتعرض لقوة مشابهة لهذه ما يشبه التعرض لنسيم لطيف، ولكن من خلال القيام بالتسريع بشكل مستمر على مدى سنوات، فإن تلك المركبات الفضائية ستصل إلى سرعات هائلة جداً. وبالإضافة إلى ذلك، يسمح محرك الدفع الأيوني للمركبة الفضائية بتغيير مدارها لعدة مرات، كما يمكنها من الالتفاف بحدة والانتقال إلى عالم بعيد أخر.

بينما كانت مركبة داون تقوم برحلتها إلى كل من فيستا وسيريس، كانت مركبة جلين (Glenn) التابعة لوكالة ناسا تطور الجيل الجديد من صواريخ الدفع الأيونية لاستخدامها في البعثات المستقبلية. وقد استطاع مشروع صاروخ زينون الثوري (القادم) التابع لوكالة ناسا NASA's Evolutionary Xenon Thruster (NEXT) Project، أن يطور صاروخاً بقدرة 7 كيلو واط أيوني يمكنهُ توفير متطلبات البعثات المستقبلية. المصدر: وكالة ناسا.
بينما كانت مركبة داون تقوم برحلتها إلى كل من فيستا وسيريس، كانت مركبة جلين (Glenn) التابعة لوكالة ناسا تطور الجيل الجديد من صواريخ الدفع الأيونية لاستخدامها في البعثات المستقبلية. وقد استطاع مشروع صاروخ زينون الثوري (القادم) التابع لوكالة ناسا NASA's Evolutionary Xenon Thruster (NEXT) Project، أن يطور صاروخاً بقدرة 7 كيلو واط أيوني يمكنهُ توفير متطلبات البعثات المستقبلية. المصدر: وكالة ناسا.

 

وتسمح هذه التقنية لمركبات الفضاء الحديثة مثل مركبة داون التابعة لناسا (NASA’s Dawn Spacecraft)، بالتقليل من استهلاك الوقود والقيام ببعض المناورات المجنونة. وقد أكملت مركبة داون 5 سنين من التسارع المستمر مع تغيير كلي للسرعة الاتجاهية بما يقارب 25 ألف ميل في الساعة، أي أكثر مما أنجزته أية مركبة فضائية أخرى بواسطة نظام الدفع الخاص بها. وعلى طول طريق رحلتها، ساهمت هذه المركبة في قيام البشر بأول زيارة استكشاف لها إلى الكوكب القزم سيريس (Ceres)، والكويكب فيستا (Vesta).

 

ألواح الطاقة الشمسية


بالطبع، لا توجد محطات وقود أو غاز على كوكب المريخ، ولا توجد أيضاً أية محطات لتوليد الكهرباء كما أن الرياح بالكاد تكون موجودة. لذا عندما يتعلق الأمر بالبعثات البشرية إلى الكوكب الأحمر، يمكن للطاقة الشمسية أن تساعد رواد الفضاء إلى حد بعيد. ففي أحداث الرواية، نرى أن مركبة هيرمس الفضائية تستخدم ألواح الطاقة الشمسية من أجل توليد الطاقة، كما نرى الرائد ويتني يستخدم ألواح الطاقة الشمسية بطرق غير اعتيادية لكي يستطيع النجاة على كوكب المريخ.

 

أما على متن محطة الفضاء الدولية، فتوجد 4 مجموعات من الألواح الشمسية التي تستطيع توليد طاقة كهربائية تتراوح بين 84 إلى 120 كيلو واط، وهي كمية كافية لتزويد 40 منزلاً بالطاقة الكهربائية.


ولا تحتاج محطة الفضاء إلى كل هذه الطاقة، ولكن الكمية الفائضة ستساعد على التخفيف من المخاطر في حال حدوث عطل أو فشل ما. ويعتبر نظام الطاقة الشمسية الموجود على متن محطة الفضاء الدولية موثوقاً للغاية ويمكن الاعتماد عليه، حيث لا يزال يوفر الطاقة اللازمة لعمل المحطة بأمان منذ العام 2000 وحتى الآن.

الألواح الشمسية الموجودة على متن محطة الفضاء الدولية. المصدر: ناسا.
الألواح الشمسية الموجودة على متن محطة الفضاء الدولية. المصدر: ناسا.

 

ستسمح مركبة الفضاء أورايون التابعة لوكالة ناسا للبشر بالوصول إلى آفاق جديدة لم يبلغوها مسبقاً، وستستخدم هذه المركبة نظام الألواح الشمسية في بعثاتها المستقبلية. حيث يمكن للألواح الشمسية أن تخزن الطاقة عند تعرضها لأشعة الشمس، ومن ثم استخدامها لشحن بطاريات أيونات الليثيوم. أما في حال عدم توفر هذه الأشعة الشمسية، على سبيل المثال في حال كانت مركبة أورايون تسافر وراء القمر، فسيكون هناك كمية كافية من الطاقة المخزنة التي ستمكن المركبة من العمل.

 

المولدات الحرارية التي تعمل بالنظائر المشعة RTG


لأكثر من 4 عقود، استخدمت وكالة ناسا بأمان مولدات حرارية تعمل بالنظائر المشعة (Radioisotope Thermoelectric Generators) أو اختصاراً RTG، لتوليد الطاقة الكهربائية لأكثر من 24 بعثة فضائية من بينها بعثة أبولو إلى سطح القمر. أما المركبات الفضائية مثل العربة المتجولة على المريخ كوريوستي روفر (Mars rover Curiosity)، والنموذج الحديث العربة المسماة "المريخ 2020" (Mars 2020 rover)، ستَستَخدِم نموذج الجيل الجديد المطور لتوليد الطاقة الكهربائية.

 

وRTG هي عبارة عن بطاريات فضائية، تقوم بتحويل الحرارة الناجمة عن الانحلال (الاضمحلال) الإشعاعي الطبيعي (radioactive decay) لعنصر البلاتينوم-(plutonium-238) 238، إلى طاقة كهربائية يمكن استخدامها والاعتماد عليها. و تولد RTG المستخدمة في مركبة كوريوستي حوالي 110 واط من الطاقة أو أقل، ويعد هذا الرقم أكثر بقليل من متوسط الطاقة التي يستخدمها المصباح الكهربائي.

 

بالعودة إلى أحداث الفيلم، نجد طاقم أريس 3 يقوم بدفن مولدات RTG التي تعمل بالبلاتينوم، والتي تعد مصدر الطاقة اللازمة لعمل العربة المستخدمة للصعود إلى المريخ، بعيداً عن مسكنهم خوفاً من حدوث أي تسرب إشعاعي.


ومنعاً لحدوث أي حالة تسرب، تشير أحداث الفيلم إلى أن عنصر البلاتينوم- 238 يحتوي على عدة طبقات من المواد الصلبة والمتطورة، وذلك لمنع انطلاقه حتى في ظل حدوث بعض المشاكل والحوادث الخطيرة. تبعث مولدات RTG في معظم الحالات أشعة ألفا، وهي أشعة لا تستطيع السفر والتحرك إلى لبوصات قليلة في الفضاء، كما أنها غير قادرة على اختراق الملابس أو الجلد البشري. ويمكن أن تؤثر سلباً على البشر، في حالة تم تفكيكها إلى جسيمات صغيرة وتبخيرها، ومن ثم استنشاقها أو بلعها.


ويتم تصنيع النظير على شكل السيراميك، لذا فإنه من غير المرجح حدوث حالات استنشاق أو ابتلاع غير مقصودة، ولاسيما أنها لا تذوب في السوائل.

 

في واقع الحال، تعد البيئة الإشعاعية الطبيعية الموجودة على سطح كوكب المريخ، أخطر من الإشعاعات الناجمة عن مولدات RTG. كما تعتبر الإشعاعات المتأيّنة التي تنزل بغزارة على سطح المريخ أكثر خطورة بكثير على صحة الإنسان. وتقوم البعثات الحالية إلى المريخ بتحليل البيئة الإشعاعية الموجودة هنالك، حتى تسنح الفرصة لمخططي البعثات كي يصمموا أنظمة لحماية رواد الفضاء في المستقبل.

 

يحتاج المستكشفون في البعثات المستقبلية إلى وجود مصادر طاقة موثوقة، ومضمونة، ودائمة كي يستطيعوا النجاة في المكان قبل وصولهم. وتتضمن خيارات نظام الطاقة مزيجاً من أنظمة النظائر المشعة الفعالة جداً، والطاقة الشمسية، وخلايا الوقود، والانشطار النووي.

 

الرحلة إلى كوكب المريخ


تعتبر الرحلات الفضائية التي تُقِل بشراً على متنها أمراً خطيراً للغاية. وتعمل وكالة ناسا على إرسال البشر إلى كوكب المريخ في ثلاثينيات القرن الحالي، ولكن هناك العديد من النقاط المهمة التي يجب إجراؤها للتأكد من أن رواد الفضاء سيستطيعون العودة إلى الأرض بسلامة وأمان. وفي معرض تعليقه على هذا الموضوع، يقول رائد الفضاء سكوت كيلي Scott Kelly، الموجود حالياً على متن محطة الفضاء الدولية في مهمة لمدة سنة واحدة: "يعتبر الفضاء مكاناً يصعب التعامل معه، فهامش الخطأ الموجود في أي جانب من جوانب الرحلة يجب أن يكون ببساطة صفر".


إلا أننا سنتعلم الكثير خلال رحلتنا إلى المريخ، وستلعب هذه المعلومات دوراً مهماً في توسيع آفاق إدراكنا وفهمنا للكون. وكل ما سنفعله أو سنكتشفه في المريخ، سنجلبه معنا إلى كوكب الأرض من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات