نجم القُطب:

نجم الشمال، بولاريس، يظهر في هذه الصورة المُتخيلة له كنظام نجمي ثلاثي، حيث اعتمد الفنان الذي قام بإنتاج هذه الصورة على الصور التي التقطها تلسكوب هابل الفضائي لهذا النجم.


جميع حقوق الصورة محفوظة: غريغ باكون/معهد علوم تلسكوب الفضاء


إذا خرجت في يوم من الأيام إلى الشارع وسألت أحدهم بشكل عشوائي ما هو ألمع نجمٍ في السماء؟ ستجد أغلبهم يُجيبك بأنه "نجمُ الشمال أو نجم القُطب"! (The North Star) وهذا يدلُ على أن معظم الناس يعتقدون بأنه إن كان نجم الشمال هو أهمُ نجم في السماء فهذا يعني أنه أكثرها سطوعاً. 

لكن نجم الشمال، والذي يُطلق عليه اسم "بولاريس" Polaris -وهي كلمة لاتينية تعني "في أو بالقرب من القُطب الشمالي"-، هو في الحقيقة واحدٌ من النجوم ذات السُطوع المُتوسط، إذ أن هناك عدة نجوم أخرى ذات سطوع أعلى من سطوعه. بل إن هذا النجم ليس مُدرجاً حتى ضمن قائمة الأربعين نجماً الأشد لمعاناً في الكون، حيث يحتل بولاريس المرتبة الثامنة والأربعين على قائمة أشد النجوم لمعاناً.

ما هو نجم الشمال؟


تكمنُ أهمية نجم الشمال في أن محور الأرض يُشير إليه بشكل مُباشر تقريباً، ولذا فهو لا يُشرق ولا يغرُب أبداً طوال فترة الليل، بل يبقى في البُقعة نفسها فوق الأُفُق الشمالي على مدار العام بينما تدور النجوم الأخرى حوله.

لهذا السبب، يمكنك إيجاد نجم الشمال بسهولة في أي ساعة من الليل وفي أي وقت من العام، حيث يمكن العثور عليه دائماً عند النظر باتجاه الشمال. لكن إن كنت موجوداً في القطب الشمالي فسيكون نجم الشمال فوق رأسك مباشرةً.


مع هذا، فإن بولاريس لن يبقى نجم الشمال للأبد، لماذا؟ تابع القراءة لمعرفة المزيد.


كيفية العثور على نجم الشمال


يقعُ بُولاريس في كوكبة الدُب الأصغر (Ursa Minor)، ويُطلق عليه أحياناً اسم "ستيلا بولاريس" (Stella Polaris). والنجوم السبعة التي نشتق منها شكل الدُب تُعرف أيضاً باسم (Little Dipper) وتعني الدب الأصغر. يقع بولاريس في نهاية مِقبض كوكبة الدُب الأصغر التي تتميز نجومها بلمعانها الخافت، وتحتوي الكوكبة على أربعة نجوم ضعيفة السُطوع لدرجة أن ضوءاً قليلاً من القمر أو إنارة الشوارع يكفي لطمسها من لوحة السماء. 

تحديد موقع نجم الشمال: يقع بولاريس في نهاية مِقبض كوكبة الدُب الأصغر (انظر الجهة السفلية اليُسرى من الصورة) التي تتميز نجومها بلمعانها الخافت مقارنة بنجوم كوكبة الدُب الأكبر (انظر الجهة العلوية اليمنى من الصورة) الصورة من تطبيق "ستاري نايت" Starry Night
تحديد موقع نجم الشمال: يقع بولاريس في نهاية مِقبض كوكبة الدُب الأصغر (انظر الجهة السفلية اليُسرى من الصورة) التي تتميز نجومها بلمعانها الخافت مقارنة بنجوم كوكبة الدُب الأكبر (انظر الجهة العلوية اليمنى من الصورة) الصورة من تطبيق "ستاري نايت" Starry Night


أفضل طريقة لإيجاد بولاريس هو باستخدام ما يُعرف بـ النجوم المؤشرة (Pointer Stars) الموجودة في حَوضِ كوكبة الدب الأكبر (Big Dipper)، ألا وهي دبهي أو ظَهر الدُب الأكبر (Dubhe) ونجم المِرش أو المِراق (Merak). كل ما عليك فعله هو رسم خط بين هذين النجمين ثم مدُّهُ باتجاه الخارج بحوالي 5 مرات وسوف تجد نفسك في محيط نجم بولاريس.

ما يُثير الاهتمام أن كُلاً من كوكبتي الدب الأكبر والأصغر يُقابِلان بعضهما البعض بحيث إذا كانت إحداها مقلوبة تكون الأخرى صحيحة. إضافة إلى هذا، يظهر أن مِقبض كُلٍ منهما يُشير في الاتجاه المُعاكس لاتجاه المِقبض الآخر. بالطبع، تُعتبر كوكبة الدب الأكبر أشدّ سطوعاً من الكوكبة الأخرى حيث تظهر في السماء على شكل مِقلاة ذات مِقبض طويل، بينما يُشبه الدُب الأصغرُ مِغرفة خافتة اللمعان.

معلومات فيزيائية عن بولاريس


يقع بولاريس على مسافة 434 سنةً ضوئيةً من الأرض، ويتمتعُ بلمعانٍ أقوى من لمعانِ شمسنا بحوالي 4000 مرة. يُشِع بولاريس عند القدر الظاهري الثاني للمقياس الذي يستعمله العلماء لقِياس شِدة لمعانِ الأجرام السماوية، إِذ أن الأجرامَ السماوية التي تمتلك قدراً ظاهرياً صغيراً تتمتعُ بلمعانٍ كبيرٍ نسبياً، لذلك فإن ألمعَ النجومِ والكواكب في سماء الليل تتمتعُ بقدرٍ ظاهري يصلُ إلى صفر، أو ما دون الصفر في بعض الأحيان.

يُصنَّف نجم الشمال بأنه نجم نابض (Pulsing star)، أو نجم ملتهب (قيفاوي) (Cepheid) مُتباين، حيث تتباينُ درجةُ لمعان هذا النجمِ بمقدار ضئيلٍ لا يتجاوز عُشر القدر الظاهري على مدى زمني لا يتجاوز الأربعةَ أيام.

إذا كُنت تمتلك تِلسكوباً صغيراً ووجهته نحو بولاريس، فقد يكون بإمكانك رُؤية نجم صغير مُرافق له يُدعى بُولاريس بي Polaris B. يُشع هذا النجمُ عند القدر الظاهري التاسع، ويَطغى عليه لون باهت مائِل إلى الزُرقة. تم اكتشاف هذا النجم الرفيق أول مرة على يد السيد ويليام هيرتشيل William Herschel عام 1780، أي قبل عام مِن اكتشاف هيرتشيل لكوكب أورانوس. 

من جهتهم، يعتقد عُلماء الفلك بأن النجمين –بولاريس إيه وبولاريس بي- تفصلهما عن بعضهما مسافةٌ تُقدر بحوالي 2400 وحدة فلكية [1]. من ناحية أخرى، تُقدر الفترة المدارية لكلا النجمين بعدة آلاف من السنوات.

وفي عام 1929، تم اكتشاف نجم رفيقٍ ثالث وهو بُولاريس سي Polaris C عن طريق دراسة الطيف الخاص ببُولاريس. ومن خلال الدراسة تبين أن هذا النجم الثالث هو قزم أبيض يبعدُ عن بُولاريس إيه مسافة تُقدّر بحوالي 18.5 وحدة فلكية فقط، وهي مساوية تقريباً للمسافة التي تفصل بين كوكب أورانوس والشمس. هذا القُرب الشديد من بُولاريس إيه الساطع يُفسرُ لنا سبب عدم مقدرة العلماء على رؤية بولاريس سي لمدة طويلة. 

استعمال نجم الشمال كدليل


تعتمد رؤيتك لبُولاريس في المنطقة الشمالية من الأرض بشكل رئيسي على خط العرض (latitude) المتواجِد فيه. فعلى سبيل المثال، بالنسبة للناظر المُتواجد في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، يتموضعُ نجمُ الشمال عند الزاوية 41 درجة فوق الأفق الشمالي، وهذه القيمة هي نفسها قيمة خط عرض نيويورك. 

وبما أننا نستعمل طريقة اليد المقبوضة لقياس المسافة فوق الأُفق والتي تُقدر بحوالي 10 درجات، فإن بُولاريس سيظهر على ارتفاع أربع قبضات يد (40 درجة) فوق الأُفق الشمالي بالنسبة للشخص الذي ينظر إليه من مدينة نيويورك. 

أما إذا كُنت واقفاً في القطب الشمالي فسيكون بُولاريس فوقك مباشرة. من جهة أخرى، يظهر بُولاريس مُلاصقاً للأفق عند خط الاستواء (equator). لذا، فكلما سافرتَ أبعدَ باتجاه الشمال فستُلاحظ أن بُولاريس يرتفع بشكل تدريجي نحو الأعلى. أما إذا اتجهت نحو الجنوب، فستلاحظ أنه يبدأُ بالانخفاض تدريجياً إلى أن يختفي تماماً عند عُبورك لخط الاستواء باتجاه نصف الكرة الجنوبي. 


من الحقائق التي يجب عليك أن تتذكرها دائماً هو أن بُولاريس أكثر دِقة من أي بوصلة، والسبب في ذلك هو أن البوصلة تتعرض لتغيرات وتباينات دورية، وهي قادرة على أن تُريك اتجاه خطوط أشد القوى المغناطيسية في بُقعة مُحددة ولفترة زمنية معينة فقط. 

لكن حتى بولاريس نفسه لا يُشير تماماً باتجاه الشمال، حيث أن هناك زاوية انحراف تُقدر بحوالي 0.7 درجة تفصل بولاريس عن النقطة المحورية التي تُشير مباشرة نحو الشمال وتسمى القطب السماوي الشمالي، وهي النقطة التي تدور حولها النجوم يومياً. وفي حال كنت تتساءل عن قيمة الدرجة 0.7 فهي لا تتجاوز العرض الظاهري لقمر ونصف (في مرحلة البدر). 

حُراس القطب


إلى جانب نجم الشمال هُناك نجمان آخران يقعانِ عند مُقدمة حوضِ الدُب الأصغر، وهما الوحيدان اللذان يمكن رؤيتهما بسهولة. يُطلق على هذين النجمين عادة اسم حُراس القُطب (Guardians of the Pole)، لأنهما يتحركان في السماء بشكل دائري حول بُولاريس وكالحرّاس. 

يتمتع هذان النجمان بسطوع واضح، ويحتلانِ المرتبة الثانية من حيث قُربهم من القطب السماوي بعد بُولاريس. من الناحية التاريخية، يذكر المُستكشف الإيطالي الشهير، كريستوفر كُولومبوس، هذين النجمين في سِجل رحلته الشهيرة التي عبر فيها المحيط. وقد استفاد العديد من الملاحين من هذين النجمين في عملية قياس ساعة الليل، وموقعهم في البحر من خلال تحديد هذا الموقع بالنسبة لموقع بُولاريس.

النجم الحارس الأكثر ارتفاعاً في السماء هو النجم المعروف باسم كوكب (Kochab)، ذو القدر الظاهري الثاني واللون البرتقالي. أما النجم الحارس الآخر فيُعرف باسمه العربي فرقد (Pherkad)، وهو ذو سطوع أقل من نجم كوكب، عند القدر الظاهري الثالث. 

بولاريس ليس نجم الشمال الوحيد


هناك مقولة للكاتب الإنجليزي الشهير ويليام شكسبير يقول فيها على لسان يوليوس قيصر: "أنا ثابتٌ كما نجمُ الشمال". لكن الحقيقة هي أن بُولاريس ليس ثابتاً بشكل دائم، بل سيتغير مكانه بالنسبة لمحور الأرض على مدى فترةٍ زمنية تَصلُ إلى عدة قرون، ولن يبقى نجمَ الشَمال للأبد.

هناك ظاهرة فيزيائية تُدعى عَزم الدوران (torque)، وهي المسؤولة عن جعل الجسم يتذبذب أثناء الدوران حول مِحوره، بحيث لا يكون مُشيراً دائماً إلى نُقطة واحدة. الأمر ذاته ينطبق على كوكبنا، فالأرض كُرة تدور حول مِحورها، وهي أيضاً خاضعةُ لقانون عزم الدوران الذي يَنتجُ عن قُوى الجذب التي تتعرض لها الأرض بسبب الشمس والقمر. ونتيجة لهذا، يتعرض محور الأرض للتذبذب في عملية تُسمى الحركة الترنّحية (Precession)، ترسم من خلالها الأرض شكل دائرة في السماء، وهي دليلٌ على التغير التدريجي في اتجاه مِحور الأرض في الفضاء. وعلى هذا الأساس فإن القطب السماوي الشمالي يتغير عبر القرون. 

لا يزال بُولاريس يقترب أكثر فأكثر من القُطب الشمالي، وفي 24 مارس/آذار عام 2100، سيكون النجم أقرب ما يمكن للقطب، ولن يأتي يوم يكون فيه أقرب من ذلك، حيث سيفصله عن القطب حوالي 27.15 دقيقة قوسية [2] (arc-minute) أو أقل من القُطر الظاهري للقمر. 

وبما أن الأرض تحتاج إلى حوالي 25800 سنة لكي يكمل مِحورها ذبذبة واحدة، فقد حظيت العديد من النجوم بشرف كونها نجم الشمال على مدى فترات زمنية مختلفة. 

فعلى سبيل المثال، كان النجم المسمّى ثُعبان (Thuban) الواقع في كوكبة التنين (Draco) نجم الشمال في العام 2600 قبل الميلاد، أي خلال عصر بُناة الأهرامات في مِصر القديمة. من ناحية أخرى، كان النجم الحارس الأشدُ سطوعاً المُسمى كوكب هو نجم الشمال في عصر الفيلسوف اليوناني أفلاطون Plato في العام 400 قبل الميلاد. 

أما في العام 14000، سيُشير محور الأرض باتجاه نجم النسر الواقع (Vega)، وهو واحد من ألمع النجوم في السماء، ولربما سيقوم أحفادنا بإطلاق لقب نجم الشمال على نجم النسر الواقع في المستقبل البعيد.

ملاحظات:


[1] وحدة فلكية (Astronomical Unit) أو اختصاراً AU: تساوي متوسط المسافة بين الشمس والأرض.


[2] دقيقة قوسية (arc-minute): الدقيقة القوسية هي واحدة قياس زوايا تعادل 1/60 من الدرجة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الوحدة الفلكية (Astronomical Unit): هي المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس وتساوي 149 597 871 كيلومتر.
  • السيد ويليام هيرتشيل (William Herschel): اُشتهر السيد ويليام هيرتشيل (William Herschel) بكونه اول فلكي اكتشف المنطقة تحت الحمراء من الطيف الكهرومغناطيسي في العام 1800. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات