المنشأ العضوي للبترول

البترول هو مادة تنشأ طبيعيًا وتتألف من مركبات عضوية غازية وسائلة أو شبه صلبة. أما المركبات العضوية فهي جزيئات الكربون المرتبط بالهيدروجين (الهيدروكربونات)، وبدرجة أقل، بالكبريت والأكسجين أو النتروجين. أبسط أشكال هذه المركبات هي الميتان الذي يتألف من ذرة كربون واحدة ترتبط مع أربع ذرات من الهيدروجين (الشكل رقم1).

 

وأكثرها تعقيدًا هي الأسفلتينات Asphaltenes والتي تضم أكثر من 136 ذرة كربون ترتبط بأكثر من 167 ذرة هيدروجين، وثلاث ذرات نتروجين، وذرتي أوكسجين وذرتي كبريت (الشكل رقم1). ويشار إلى الغاز البترولي باسم الغاز الطبيعي، ولا ينبغي الخلط بينه وبين العبارة المختصرة التي تصف الوقود المكرر (البنزين gasoline).

 

وغالبًا ما يتألف الغاز الطبيعي من هيدروكربونات بسيطة ذات ذرة كربون وحيدة فقط وحتى خمس ذرات (تدرجًا من الميتان وحتى البنتان بالترتيب كما هو موضح في الشكل رقم 1). ويعرف النفط السائل باسم النفط الخام crude oil ويتألف من طيف واسع من الهيدروكربونات الأكثر تعقيدًا وكميات ضئيلة من الأسفلتينات (الشكل رقم 1). أما النفط شبه الصلب فهو القار tar، والذي تهيمن على تركيبه هيدركربونات أكثر تعقيدًا بالإضافة للأسفلتينات.


بعض الأمثلة على المركبات العضوية في النفط، من أبسطها وهو الميتان وحتى أكثرها تعقيدًا وهو الأسفلتينات.
بعض الأمثلة على المركبات العضوية في النفط، من أبسطها وهو الميتان وحتى أكثرها تعقيدًا وهو الأسفلتينات.


يتشكل النفط في أحواض رسوبية، وهي المناطق حيث تنخسف القشرة الأرضية وتتراكم الرواسب في الانخماص الناتج؛ ومع استمرار انخفاض الحوض الرسوبي، يستمر تجمع الرسوبيات بملء هذا الانخفاض؛ وينتج عن ذلك سماكات متعاقبة من الطبقات الرسوبية، تتصلب فيها الطبقة السفلى في نهاية المطاف لتتحول إلى صخور رسوبية بسبب خضوعها إلى ضغوط أكبر ودرجات حرارة أعلى في هذه الأعماق.

 

هذا وتختلف خصائص الطبقات الرسوبية المتراكمة، ويعود ذلك إلى تغير مصادر وظروف ترسيب الرواسب عبر الأزمنة الجيولوجية الموافقة لانخفاض الحوض الترسيبي وامتلائه. ومن المهم جدًا لتكوين البترول أن تحوي طبقة رسوبية واحدة على الأقل في وقت ما أثناء تراكم الرسوبيات على بقايا نباتات أو كائنات دقيقة ميتة.


لقد تمددت محيطات العالم وانحسرت عن سطح القشرة الأرضية عبر الأزمنة الجيولوجية، الأمر الذي ساهم في ترسب الطبقات الرسوبية لتشكل الاحواض الرسوبية؛ وقد سبب التعقيد في ظروف الماء الراكد في بعض المحيطات المتوسعة إلى استنزاف الأوكسجين من طبقات الماء السفلى (نقص الأكسجين anoxic)، مما سمح بالاحتفاظ بأجزاء من العوالق المتحللة (كالطحالب والمجدافيات والبكتريا والعتائق)، والتي تحيا عادة في طبقات الماء العليا الغنية بالأوكسجين، كطبقات مترسبة غنية بالمادة العضوية (الشكل رقم 2)؛ وربما قد تطورت الأهوار والمستنقعات أيضًا من هامشية إلى محيطات تغطي أحواض رسوبية. وفي ظروف الترسيب هذه، قد يحدث إثراء للطبقات الرسوبية بالنباتات البرية المتحللة (كالأشجار والشجيرات والأعشاب).

 

الشكل 2: تكون طبقة رسوبية غنية بالمواد العضوية.
الشكل 2: تكون طبقة رسوبية غنية بالمواد العضوية.


وحين تُغطى هذه الطبقات الرسوبية الغنية بالمادة العضوية بطبقات الرواسب المتوضعة فوقها في الأحواض الرسوبية، تنضغط الرواسب لتتحجر في نهاية المطاف إلى صخور تعرف بالطفل الصفحي (صخر مكون من صلصال أو طين ويتميز بسهولة انفلاقه إلى طبقات)، وحجر الجير القيري أو الفحم.

 

وتعرف الكائنات الدقيقة المنتجة للميتان بمولدات الميتان methanogens والتي يمكن أن تزدهر في ظل ظروف محددة في طبقة الرواسب الغنية بالمادة العضوية خلال الفترة الأولى من دفنها.


تستهلك هذه الكائنات الدقيقة أجزاء من المادة العضوية كمصدر للغذاء وتولد الميتان كناتج ثانوي؛ وهذا الميتان الذي يشكل عادة الهيدروكربون الأساسي في الغاز الطبيعي، يفتقر إلى نيوترون في نواة ذرة الكربون (نظير الكربون)، الأمر الذي يجعل من السهل التمييز بين الغاز الطبيعي الحيوي(الغاز الذي تنتجه الكائنات الدقيقة والميتان (غاز الدفيئة) الناتج عن العمليات الحرارية thermogenic gas أمرًا سهلًا في تاريخ الحوض الرسوبي في مرحلة لاحقة.

 

ومن الممكن أن يبقى الميتان الحيوي في الطبقات الغنية بالمادة العضوية أو من الممكن أن يندفع إلى الأعلى عبر الطبقات الرسوبية المتوضعة فوق بعضها البعض وأن يتسرب إلى مياه المحيطات أو إلى الغلاف الجوي؛ وفي حال أعاقت الطبقات الرسوبية غير النفوذة، وتدعى بالكتيمة، الهجرة الصاعدة للغاز الحيوي، فمن الممكن أن يتجمع الغاز في رسوبيات مسامية أساسية، تدعى بالمكامن (الشكل رقم 3).


الشكل 3: أولى مراحل طمر الطبقات الرسوبية في الحوض.
الشكل 3: أولى مراحل طمر الطبقات الرسوبية في الحوض.


وتقدر تجمعات الغاز الحيوي الهامة اقتصاديًا بأنها مسؤولة عن 20% من الغاز الحيوي المنتج عالميًا؛ وقد يبقى الميتان الحيوي محتجزًا في الطبقة الرسوبية الغنية بالمادة العضوية طوال مدة تحجرها، ويسهم في تراكمات اقتصادية وهي ميتان طبقة الفحم والغاز الصخري.


من الممكن أن يمتد دفن طبقات الصخور الغنية بالمواد العضوية في بعض الأحواض الرسوبية ليصل إلى أعماق تتراوح بين 6000 و18000 قدمًا (1830 إلى 5490 مترًا)؛ وعند هذه الأعماق، تتعرض طبقات الصخور الغنية بالمادة العضوية لدرجات حرارة تتراوح بين 150 إلى 350 درجة فهرنهايت (66 إلى 177 درجة سيليزيوس) لعدة ملايين أو لعشرات الملايين من السنين؛ وتتعرض المادة العضوية في هذه الصخور الغنية بها لما يشبه عملية الطبخ أثناء فترة التسخين هذه، وتتفكك أجزاء منها حراريًا إلى النفط الخام والغاز الطبيعي (غازات الدفيئة) (الشكل 4).


وتنطوي العملية الكلية التي ينتج بها النفط عن طبقات الصخور الغنية بالمادة العضوية على توافق مناسب بين درجة الحرارة والزمن ويشار إليها باسم النضوج الحراري. 

 

الشكل 4: الطمر المستمر للرسوبيات والطبقات الصخرية في الحوض.
الشكل 4: الطمر المستمر للرسوبيات والطبقات الصخرية في الحوض.


وفي حال كان المصدر الأصلي للمادة العضوية تغلب عليه النباتات العليا (كالأشجار والشجيرات والأعشاب) سيغلب الغاز الطبيعي على البترول الناتج مع كميات أقل من النفط الخام؛ وفي حال كان المصدر الأصلي للمادة العضوية هو العوالق (كالطحالب والمجدافيات والبكتيريا) فسيكون النفط الخام هو التركيب المهيمن على البترول الناتج مع كميات أقل من الغاز الطبيعي الناتج. وتعد طبقات الصخور الغنية بالمواد العضوية والتي خضعت لهذه العملية التي ينتج عنها النفط، صخورًا منضجة حراريًا ويشار إليها باسم الصخور المصدر.


أما الصخور الغنية بالمادة العضوية والتي لم يتم إنضاجها حراريًا فتعرف بالصخور غير الناضجة حراريًا؛ وقد تسمى هذه الصخور "الصخر الزيتي" في حال أدى التسخين الصناعي لها إلى درجات حرارة مرتفعة (~1000ºF/~538ºC) في مفاعلات على السطح أو قرب السطح إلى كميات من النفط ذات مردود اقتصادي جيد (التقطير بالمعوجة retorts) . وحدث هذا النوع من التقطير للصخر الزيتي في اسكوتلندا بين الأعوام 1860 وحتى 1960 وما يزال قائمًا حتى الآن في إستونيا والبرازيل.


وتكون كثافة النفط أقل من كثافة الماء الذي يشغل المسامات والفراغات والشقوق في الصخور المصدر والصخور المغطية والطبقات المترسبة؛ تجبر اختلافات الكثافة هذه النفط الناتج على الهجرة نحو الأعلى ليطفو حيث تعمل المكامن المغلقة في التركيبات المناسبة كمصائد (صخور حابسة) تقوم بتركيز وتجميع النفط.

 

وقد لا يهاجر بعض الغاز الطبيعي الناشئ خارجًا من الصخر المصدر، ولكنه عوضًا عن ذلك يبقى في المسامات المجهرية الدقيقة وينحل في المادة العضوية العائدة لصخره المصدر؛ وقد ثبتت الجدوى الاقتصادية لهذا الغاز الطبيعي الذي تحتفظ به الصخور كمصدر يشار إليه بالغاز الصخري. ويعد طفل البارنيت الصفحي Barnett Shale في حوض فورت وورث الرسوبي في تكساس مثالًا جيدًا لهذا النوع من التجميع.


وقد لا يصادف البترول طبقة حابسة في بعض الأحواض فيتابع طريقه نحو الأعلى عبر طبقات الماء التي تغطيه أو الجو على شكل تسرب للبترول. ويفقد النفط الخام الذي يهاجر إلى السطح أو يغدو قريبًا منه كمية هامة من الهيدروكربونات في عملية التبخر والغسيل المائي وتحلل الأحياء الدقيقة مخلفًا فضلات من القار غنية بالهيدروكربونات المعقدة والثقيلة والأسفلتينات (الشكل 5). وتتراوح كميات القار من تسربات محلية صغيرة كالموجودة في حفر القار في لابريا/ كاليفورنيا؛ أو أن يمتد حدوثها إقليميا كالموجودة في رمال القار أثاباسكا في ألبرتا.

 

الشكل 5: طمر أعمق لطبقات الصخور في حوض ترسيبي.
الشكل 5: طمر أعمق لطبقات الصخور في حوض ترسيبي.


وقد يصل العمق الذي تدفن فيه الصخور المصدر إلى أعماق أكبر من 20000 قدم (61000 متر) في بعض الأحواض الرسوبية؛ وعند هذه الأعماق، تكون درجات الحرارة أعلى من 350ºF (177ºC) وتكون الضغوط أعلى من 15000 psi (103MPaa) الأمر الذي يؤدي إلى تحول المادة العضوية المتبقية إلى المزيد من الغاز الطبيعي والكربون المتخلف الذي يعرف باسم الفحم؛ ومن المحتمل في بعض الأحيان أن يتفكك النفط المحتجز في مكامن عند هذه الأعماق إلى الغاز الطبيعي والفحم.

 

أما الفحم، والذي يدعى أيضًا بالبايروبيتيومين pyrobitumen، يبقى في المكمن الأصلي في حين أن الغاز الطبيعي الناتج يمكن أن يهاجر نحو الأعلى إلى المصائد الأقل عمقًا في طبقات الصخور المغطاة ضمن الحوض؛ ويعد كل من حوض ساحل الخليج الذي يمتد في البحر مقابل لويزيانا وحوض أناداركو الذي يتوسط القارة الأمريكية مثالان جيدان لهذه الأحواض العميقة.


أما الدفن الذي تصل فيه درجات الحرارة والضغوط إلى 600ºF (316ºC) و 60,000 psi (414 MPa) على الترتيب، فتمثل فيه هذه الشروط ظروفًا يتحول فيها الفحم المتبقي إلى الغرافيت، ويترافق ذلك مع إصدار لغاز الهيدروجين الجزيئي؛ وتكون الصخور المتحولة الناتجة ألواحا صخرية غرافيتية، وشيست ورخام. وتشير اعتبارات ترموديناميكة إلى أن على الماء المتبقي في هذه الصخور التفاعل مع الغرافيت ليشكل إما الميتان أو ثاني أوكسيد الكربون، ويعتمد ذلك على كمية الهيدروجين الجزيئي الموجودة.


هذا ولا تتجاوز حاليًا أعمق الآبار في الأحواض الرسوبية عمق 32000 قدمًا (9760 مترًا)؛ ولذا تبقى أهمية توليد الغاز الطبيعي في ظل هذه الظروف القاسية أمرًا غير مؤكد. وتختلف الأحواض الرسوبية بشكل كبير في الشكل والحجم والعمق في جميع أرجاء القشرة الأرضية (الشكل رقم 6)

 

الشكل 6: مخطط عام للأحواض الرسوبية الرئيسية.
الشكل 6: مخطط عام للأحواض الرسوبية الرئيسية.


ويحدد عدد كبير من المتغيرات وتركيبات مختلفة من هذه المتغيرات فيما إذا كان الحوض الرسوبي يحتوي على الميتان الحيوي والغاز الطبيعي والنفط الخام القار، أو لا يحتوي على النفط؛ إذ لا تحوي جميع الأحواض الرسوبية طبقات صخرية غنية بالمادة العضوية المترسبة عبر تاريخها الترسبي.

 

وكنتيجة لذلك لن يكون من الممكن تقدير كميات البترول في هذه الأحواض بغض النظر عن مقدار عمق الحوض الرسوبي؛ ويمكن لبعض الاحواض التي تضم فعليًا طبقات صخرية غنية بالمادة العضوية ألا تكون مدفونة على أعماق كافية لتوليد الغاز الطبيعي أو النفط الخام عبر الإنضاج الحراري، إلا أنها من الممكن أن تحوي تجمعات من الميتان الحيوي؛ وقد تنضج الطبقات الصخرية الغنية بالمادة العضوية في بعض الأحواض لينتج عنها في الأغلب غازًا طبيعيًا، ويعود ذلك إلى هيمنة البقايا النباتية الأعلى والتي تساهم في تركيبتها العضوية.

 

وبخلاف ذلك، يمكن إنضاج طبقات الصخور الغنية بالمادة العضوية في أحواض أخرى حراريًا لتعطي غالبية في النفط الخام والسبب في ذلك هيمنة البقايا النباتية السفلى المساهمة في تركيبها العضوي. وقد تترسب أكثر من طبقة صخرية واحدة غنية بالمادة العضوية عبر تاريخ الطمر لبعض الأحواض، وقد تكون جميعها أو إحداها أو لا يكون أي منها مترسبة على العمق الكافي لتنضج حراريًا وبالتالي لتنتج البترول؛ وفي أحواض أخرى يكون لديها طبقات صخرية غنية بالمادة العضوية ومطمورة بشكل ملائم لتنتج البترول، يمكن للنقص أو الندرة في الطبقات المانعة والمكامن التي تجمع البترول الناشئ أن يؤدي إلى تسربات من الغاز الطبيعي إلى الجو، أو إلى ضياع الكثير من ترسبات النفط والقار المتحلل في الحوض أو قرب سطح الحوض.


وتعد الأبحاث حول هذه المتغيرات على درجة كبيرة من الأهمية لفهم حدوث التجمعات البترولية المعروفة والتنبؤ من خلالها بأمكنة وجود البترول غير المكتشف حتى الآن في قشرة الأرض؛ ويعتمد البحث بشكل كبير على البيانات التي تُجمع من النتوءات الصخرية والحفر الحاصل تحت سطح الأرض في الأحواض الرسوبية. وهذه البيانات الجيولوجية على درجة كبيرة من الأهمية لفهم تطور الطبقات الصخرية والرسوبية (الجيولوجيا الطبقية) في الحوض وتاريخ ترسبها وتطور الصخور الحابسة (علم تشكل الصخور).


كما يتطلب اتساع الأحواض وبيانات البئر المحدودة وهجرة البترول من مصدره البحوث أيضًا وذلك أولًا: لتأسيس طرق تحديد بصمات الارتباطات الوراثية بين مختلف نماذج البترول ومصادرها؛ وثانيًا: لإجراء تجارب مخبرية تحاكي عملية نشأة البترول والتحويل، للتنبؤ بنوع البترول الناشئ ومقداره وامتداده في ظل ظروف متغيرة تحت سطح الأرض.


وإجمالًا، تسمح معرفة البترول المرتبط وراثيًا وتحديد الصخر المصدر ودرجة الإنضاج الحراري والمسافة التي ينتقلها البترول بهجرته والدرجة التي يتفكك بها البترول قرب السطح، تسمح ببناء نماذج حاسوبية لنشأة البترول وهجرته وتجمعه عبر الزمن ضمن حوض رسوبي متدرج التغير

 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات