العلوم الزائفة وموقف العلماء منها

إذا تحدث أحدهم بإسهاب حول العلوم الزائفة pseudo-science، فهل على العلماء الشعور بالقلق من إضفاء الشرعيّة لمثل أولائك الأشخاص عبر الدخول في نقاشٍ معهم؟


حقوق الصورة (Shutterstock).


أثار البرنامج التلفزيوني Catalyst الرائد في العلوم والصحافة، والذي تقدمه محطة إيه بي سي نيوز ABC، غضب المجتمع العلمي مرةً أخرى. وفي سياقٍ مماثلٍ للتقرير المثير للجدل الذي قدّمه البرنامج عام 2013 حول الصلة بين العقاقير المخفّضة للكوليسترول (statins 1) والكوليسترول ومرض القلب، لفت الأنظار نحو موضوع شبه علمي يشكّل خطراً جديداً مفترضاً.

إنّها الحلقة التي تحمل العنوان "Wi-Fried" التي أثارت الأسبوع الماضي (من تاريخ نشر المقال في المصدر) المخاوف حول الزيادة غير المسبوقة في "تلوث الهواء الإلكتروني" المحيط بنا في حياتنا اليومية، مستغلةً بذلك العديد من المخاوف المثيرة القديمة.


وهنالك بالفعل العديد من الانتقادات القوية من الحجج والأدلة، لذا ليس هدفنا استكشاف أين وجدوا العلم مخطئاً. وبدلاً من ذلك، نحن مهتمون باستخدام الحلقة كمصدر إلهامٍ لإعادة النظر حول السؤال المستمر عن علاقة العلماء بالمجتمع: كيف ينبغي على المجتمع العلمي أن يستجيب لقضايا من هذا القبيل؟

هل ينبغي على العلماء الغوص والانخراط وجهاً لوجه مع أولئك الذين يعتقدون أن العلم يقوم بشيء سيء؟ أم أنّ عليهم اجتناب اشتباكٍ كهذا وإصلاح العلوم السيئة وفقاً للحقيقة في محافل أخرى؟ أم أنّ عليهم الانسحاب من الاشتباك تماماً وترك الأمور تأخذ مجراها؟

هنالك العديد من الأمثلة عما يمكن للعلماء فعله، لكن لتبسيط الأمور سنركز هنا فقط على الردود على حلقة "Wi-Fried" من قبل اثنين من الأساتذة البارزين وهما: سايمون شابمان Simon Chapman وبرنارد ستيوارت Bernard Stewart، وكلاهما رفض المشاركة في حلقة إيه بي سي، واستخدام هذه القضية للنظر فيما يجب على العلماء القيام به.

فقط قل لا

 


وفي مقابلةٍ حول قرارهما بعدم المشاركة، أعرب كل من العالمين بشكلٍ مستقلٍ عن قلقهما حول الدليل واللهجة والتوازن في حلقة "Wi-Fried"، وقال شابمان: "إنّها تتضمن العديد من الادعاءات التي هي ببساطة خاطئة، والتي من شأنها أن تجعل المشاهدين خائفين دون داع".

ووصف ستيوارت الحلقة قائلاً: "إنّها مفلسة علميّاًً" و"دون استحقاقٍ علمي". وأضاف: "أعتقد أن لهجة التقرير كانت خاطئة، وأعتقد أن المُراسل لم يكن منصفاً بين الطرفين، وأقول كلمة (الطرفين) هنا على مضض".

وبالفعل، في مثل هذه الحالات، يقترح العديد أن الظهور على وسائل الإعلام جنباً إلى جنب مع مجموعة المفكرين المهمّشين هذه والعلم السيء، فإنّ الخبراء بذلك يقدمون لهم شرعيةً ومصداقيةً لا مبرر لها.

ومع استمرار العمل بهذا المنطق، فإنّ الاشتراك بموضوعٍ كهذا يعني تأييداً مطلقاً للعلم الرديء والمنطق السيء، ويساهم في التصعيد غير المُبرَر للمخاوف العامة.

لكن هل حقّاًً الأمر بهذه البساطة؟


إنّ المخاوف التي عبر عنها كل من شابمان وستيوارت حول البرنامج بالإمكان استخدامها على قدم المساواة للجدال بأنّ ذات الخبراء في موقفهم قد توجب عليهم الموافقة لإجراء المقابلة، فقط لتقديم موقفٍ سليمٍ علميّاًً لمواجهة الادعاءات المشكوك فيها.


وعلى هذا المنوال، بإمكانك المجادلة بسهولة أنّه على الخبراء الظهور في أي مكان وزمان تظهر فيه ادعاءاتٌ زائفة، وذلك من أجل دحضهم وعزلهم على الفور.

من ناحية أخرى، إذا رفض الخبراء العلميون التعامل مع الحجج (المفلسة علميّاًً)، فإنّ هذا الأمر بإمكانه إرسال رسالةٍ قويةٍ مفادها: الادعاءات الهامشيّة لا صلة لها بالموضوع، حتى أنها لا تستحق إضاعة الوقت لدحضها، وهذا يعني أن عليهم عدم التورط في هكذا نوع من قصص العلم الشعبيّة.


ومن ناحية أخرى، فإنّ رفضهم المشاركة يمكن إعادة تأطيره لوصف الخبراء بأنهم بعيدون ومتعجرفون، وحتى خائفون، ما يلقي ظلالاً من الشك على حقيقة الموقف العلمي، لذلك ولتجنب هذا الانطباع، فإن على العلماء الاشتراك.لكن انتظر، هنالك المزيد.

إن المشاركة في هذه الأنواع من البرامج العلمية الشعبية من شأنه أن يلطخ سمعة الخبير، لكن عدم الظهور يعني إضاعة الفرصة لإفشال الضرر المحتمل الناجم عن الادعاءات الهامشيّة المزيفة وغير العلمية.

ولكن ماذا عن التزام الخبراء في الدفاع عن علمهم، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، والمساعدة في ضمان أنّ الناس لن يتم تضليلهم بالأدلة الضعيفة والمنطق المفتقد للمصداقية؟ هل من الأفضل الاشتراك مباشرة في عروض وسائل الإعلام المشبوهة مثل Wi-Fried، أم أنّ على الخبراء ذوي الصلة إيجاد أماكن أخرى؟

هل يتوجب على العلماء الانخراط في مواضيع مناهضةٍ للعلم؟


حسناً، يعتمد هذا على اعتقادهم فيما قد يحققونه، وإذا ما برز شيء ما في كل هذا التغيير في الآراء حول ما يجب على العلماء فعله في مواقف مماثلة، فإن هذا ما سيكون: غالبية الأنصار سواء كانوا مع أو ضد اشتراك العلماء، يبدون مقتنعين أن التمثيل الشعبي للعلوم سيغيّر من سلوك الناس.


لكن نادراً ما يكون هنالك دليلٌ قوي مُقدّم ضمن الحجج الكثيرة التي توحي بوجوب إشراك العلماء في هكذا نقاشات، وبالعودة إلى برنامج Catalyst كمثال، حيث هنالك دراسة وحيدة، أبعد ما تكون عن الإقناع، في العام 2013، أشارت أنّ للبرنامج ذات النوع من التأثير.


إذا كنت حقّاًً تريد اتخاذ قرارٍ سليمٍ ومبني على الأدلة حول ما يتوجّب على الخبراء فعله في مواقف كهذه، فلا تبدأ بالعلم الذي تتم مناقشته، في حالة برنامج Catalyst، عليك أن تبدأ بالبحث عن علاقة العرض التلفزيوني مع جمهوره.

  •  ما هي أنواع الناس الذين يشاهدون Catalyst؟
  •  لماذا يشاهدونه؟
  •  إلى أي مدى تتأثر مواقفهم بالعرض التلفزيوني؟
  •  إذا تأثرت مواقفهم فعليّاًً، كم يدوم هذا التأثير؟
  •  إذا دام هذا التأثير، هل سيؤدي هذا بالناس إلى تغيير سلوكهم وفقاً لذلك؟

وبالطبع، فإنّنا نشيد بدوافع الناس الذين يتجهون لوضع الأمور العلميّة في وضعها الصحيح، وبالتحديد أولئك الذين يشعرون بالقلق وبإخلاص تجاه الصالح العام.


ولكن لنفترض ببساطة، ودون دليل دامغ، أن برامج مثل Catalyst تدفع الناس نحو تفسيراتٍ سلوكية سيئة، هي مضللة في أحسن الأحوال، أما في أسوئها، فإنها في الحقيقة علم سيء.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • قسم استكشاف الكون (EUD): قسم استكشاف الكون، ويقع في مركز غودارد-ناسا لرحلات الفضاء. يقوم العلماء، والمهندسون والتقنيون الذين يعملون هناك بدراسة الفيزياء الفلكية الخاصة بالأجسام التي تُصدر أشعة كونية، وأشعة اكس و إشعاع غاما. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات