كوكب الزهرة... رحلة في أعماق السحب

التقطت هذه الصورة لكوكب الزهرة في الخامس من شباط/فبراير عام 1974 بواسطة المسبار الفضائي مارينر-10. قامت ناسا بإضافة الألوان على الصورة لتوضيح معالم السحب بشكل أفضل. المصدر: ناسا.


سنتحدث في هذه المقالة بالتفصيل عن الغلاف الجوي لكوكب الزهرة. وبعد ذلك سنوضح سبب التطور المختلف لكوكبي الزهرة والأرض رغم التشابهات الكبيرة بينهما، كما سنلقي نظرة على البعثات المستقبلية إلى هذا الكوكب. وأخيراً سنتحدث باختصار عن طريقة رصد كوكب الزهرة.

الغلاف الجوي


يتألف الغلاف الجوي لكوكب الزهرة بشكل كامل تقريباً من ثنائي أوكسيد الكربون (\(CO2\)) وبنسبة 96%، بالإضافة إلى النيتروجين (\(N2\)) بنسبة حوالي 3%، مع كميات قليلة من بخار الماء. بالإضافة إلى ذلك فإن الغلاف الجوي للزهرة يحتوي على غازاتٍ كبريتية كاوية وسحبٍ كثيفة سريعة الحركة من قطيرات حمض الكبريت ذات الحجم الميكرومتري، بالإضافة إلى حُلالات هوائية أخرى (aerosols). هذا الغلاف الجوي يعكس إلى الفضاء حوالي 80% من الإشعاع الذي يصل إليه من الشمس، ويدعى ذلك علمياً بالعاكسية (albedo)، حيث تعادل العاكسية المرتفعة لكوكب الزهرة 0.76 (وللمقارنة فإن عاكسية كوكب الأرض تبلغ 0.37).

وتفسر هذه العاكسية المرتفعة كذلك لماذا يبدو كوكب الزهرة ساطعاً للغاية في السماء، ولماذا اعتُبر على أنه نجم لفترة طويلة، حيث لا يزال حتى اليوم يُعرف باسم نجمة الصباح ونجمة المساء. إلا أن الغلاف الجوي للزهرة لا يعكس ضوء الشمس فحسب، فالإشعاع الحراري الصادر عن سطح الكوكب عاجزٌ عن النفاذ عبر غلافه الجوي، ويُعتبر ذلك مسؤولاً عن تسخين الكوكب، ما يعرف بتأثير الاحتباس الحراري أو ظاهرة الدفيئة (greenhouse effect).

بنية السحب


تتشكل سحب حمض الكبريت على ارتفاع 45-70 كيلومتراً فوق سطح الكوكب، إلا أن المسبار الفضائي فينوس إكسبرس (Venus Express) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية قد عثر على طبقة من ثنائي أوكسيد الكبريت على ارتفاع 90-110 كيلومتراً، مما يشير إلى وجود دورة للكبريت أكثر تعقيدا مما كان يعتقد سابقا.

صورة بالألوان الزائفة للسحب في نصف الكرة الجنوبي لكوكب الزهرة، والتي التقطت من المسبار الفضائي فينوس إكسبرس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية في السابع والعشرين من تموز/يوليو 2007، وذلك من على ارتفاع يبلغ حوالي 30 ألف كيلومتر وبطول موجي يبلغ 365 نانومتراً. يقع القطب الجنوبي للكوكب في أسفل الصورة، ويقع خط الاستواء في الجزء العلوي من الصورة. المصدر: ESA/MPS/DLR/IDA
صورة بالألوان الزائفة للسحب في نصف الكرة الجنوبي لكوكب الزهرة، والتي التقطت من المسبار الفضائي فينوس إكسبرس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية في السابع والعشرين من تموز/يوليو 2007، وذلك من على ارتفاع يبلغ حوالي 30 ألف كيلومتر وبطول موجي يبلغ 365 نانومتراً. يقع القطب الجنوبي للكوكب في أسفل الصورة، ويقع خط الاستواء في الجزء العلوي من الصورة. المصدر: ESA/MPS/DLR/IDA


وكما تظهر نتائج بعثة فينوس إكسبرس، فإن بنية السحب تتغير حسب خطوط العرض. تتميز هذه السحب في خطوط العرض المتدنية بأنها متفرقة وغير منتظمة، وهو مؤشر على حركة الحمل الحراري، تماماً كما يتحرك الماء لدى غليانه في القِدر. تظهر قطرات الكبريت الحامضي المتشكلة حديثاً كمناطق ساطعة فوق ذرى السحب. وفي خطوط العرض المتوسطة تتخذ السحب شكلاً أكثر شبهاً بالحبال أو الخيوط، والذي يشير إلى حالة من الحمل الحراري الضعيف. أما في خطوط العرض الأعلى فتشاهد طبقة ضبابية أكثف وعديمة الشكل تقريباً.

وعلى الرغم من أن العلماء قد افترضوا وجود البرق في الغلاف الجوي منذ فترة طويلة، إلا أنهم لم يتمكنوا من تأكيد ذلك إلا في عام 2007 بواسطة المسبار فينوس إكسبرس. بالإضافة إلى ذلك فإن الصواعق لا تتولد عن سحب الماء المتكثف كما هو الحال على الأرض أو المشتري أو زحل، وإنما عن سحب حمض الكبريت.

صورة بالألوان الزائفة للسحب في المنطقة الاستوائية لكوكب الزهرة، والتي التقطت من ارتفاع يقارب حوالي 20 ألف كيلومتر (أخذت الصورة بالأمواج فوق البنفسجية ذات الطول 365 نانومتر). المصدر: ESA/MPS/DLR/IDA
صورة بالألوان الزائفة للسحب في المنطقة الاستوائية لكوكب الزهرة، والتي التقطت من ارتفاع يقارب حوالي 20 ألف كيلومتر (أخذت الصورة بالأمواج فوق البنفسجية ذات الطول 365 نانومتر). المصدر: ESA/MPS/DLR/IDA


وعلى الرغم من أن كوكب الزهرة يحتاج إلى حوالي 243 يوماً أرضياً ليتم دورة كاملة حول نفسه، إلا أن طبقة السحب التي تغلفه تلف الكوكب بأكمله خلال أربعة أيام أرضية فقط، والذي يُعتبر تبايناً كبيراً. وقد حصل المسبار فينوس إكسبرس على أفضل التفاصيل الموثقة حتى الآن لحركة الرياح فوق كوكب الزهرة، وأظهر أن سرعات الرياح قد ازدادت بشكل ثابت خلال السنوات الماضية. وقد بلغت السرعة الوسطية للرياح لدى وصول المسبار الفضائي إلى الكوكب في عام 2006 حوالي 300 كيلومتر في الساعة. وفيما بعد أظهرت دراستان منفصلتان من روسيا واليابان في عام 2013 أن هذه السرعة الهائلة قد ازدادت لتصل إلى 400 كيلومتر في الساعة، وذلك خلال فترة عمل فينوس إكسبرس. ولا يزال السبب المسؤول عن ذلك مجهولاً حتى الآن. وبالإضافة إلى هذه القياسات، فقد أمكن اكتشاف نماذج متكررة بشكل دوري مرتبطة بساعات النهار، وفترة دوران الكوكب حول نفسه، وارتفاع الشمس فوق الأفق. وعلى الرغم من السرعة الكبيرة للرياح في الغلاف الجوي، إلا أن الظاهر هو سكون يُسيطر إلى حد كبير على سطح الكوكب، فالصور التي التقطتها المركبة فينيرا (Venera) تظهر على الأقل عدم وجود أي إشارات على التآكل الناجم عن الرياح على سطح الكوكب.

التقط تلسكوب الفضاء هابل هذه الصورة لكوكب الزهرة في الرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير عام 1995. كان كوكب الزهرة في ذلك الوقت يبعد عن الأرض 113.6 مليون كيلومتر. وتبدو السحب قرب المنطقة الاستوائية على شكل حرف Y أفقي. وقد شوهدت بنية مشابهة كذلك من قبل المسابر الفضائية مارينر 10 (Mariner 10)، بايونير (Pioneer)، وغاليليو (Galileo). وتبدو المناطق القطبية ساطعة، حيث تشير المناطق الداكنة إلى تراكيز أعلى من ثنائي أوكسيد الكبريت قرب قمم السحب. تتحرك هذه التشكلات مع الرياح من الشرق إلى الغرب، ولا تحتاج لأكثر من أربعة أيام حتى تتم رحلتها مرة واحدة حول كامل الكوكب. المصدر: ناسا.
التقط تلسكوب الفضاء هابل هذه الصورة لكوكب الزهرة في الرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير عام 1995. كان كوكب الزهرة في ذلك الوقت يبعد عن الأرض 113.6 مليون كيلومتر. وتبدو السحب قرب المنطقة الاستوائية على شكل حرف Y أفقي. وقد شوهدت بنية مشابهة كذلك من قبل المسابر الفضائية مارينر 10 (Mariner 10)، بايونير (Pioneer)، وغاليليو (Galileo). وتبدو المناطق القطبية ساطعة، حيث تشير المناطق الداكنة إلى تراكيز أعلى من ثنائي أوكسيد الكبريت قرب قمم السحب. تتحرك هذه التشكلات مع الرياح من الشرق إلى الغرب، ولا تحتاج لأكثر من أربعة أيام حتى تتم رحلتها مرة واحدة حول كامل الكوكب. المصدر: ناسا.


وقد تمكن المسبار فينوس إكسبرس من رؤية منطقة باردة بشكل غير متوقع في الغلاف الجوي الكثيف لكوكب الزهرة، والتي من المحتمل أن يكون ثنائي أوكسيد الكربون فيها قد تجمد متحولاً إلى جليد أو ثلج. وفي منطقة تقع على ارتفاع حوالي 125 كيلومتر فوق سطح الكوكب، تنخفض درجات الحرارة إلى حوالي 175 درجة مئوية تحت الصفر، وهي برودة لا يوجد لها مثيل في أي نقطة من الغلاف الجوي للأرض، رغم أن كوكب الزهرة يتموضع على مسافة أقرب إلى الشمس. ولم يتم حتى الآن تفسير هذه الاكتشافات بشكل قاطع. قد تظهر الجسيمات الثلجية أو الجليدية من ثنائي أوكسيد الكربون كمناطق ساطعة في الغلاف الجوي، وهو ما تمكن من رصده المسبار فينوس إكسبرس من فترة لأخرى. وبالطبع فإن العلماء ينصحون بتوخي الحذر أمام مثل هذه الافتراضات، فقد تكون مثل هذه الظواهر متولدة عن اضطرابات من منشأ آخر في الغلاف الجوي. وبذلك فسنبقى ننتظر بلهفة التوضيح الذي سيقدمه العلماء لهذه الاكتشافات.

إلا أن المسبار فينوس إكسبرس قد عثر أيضاً على منطقة دافئة تقع على ارتفاع 90-120 كيلومترا فوق النصف المظلم من كوكب الزهرة، حيث تسيطر درجات الحرارة في المجال 30-70 درجة مئوية. وتتألف من ضباب رقيق بفعل حُلالات هوائية متنوعة. ومن الشائع أن يكون البرد هناك شديداً، مما دفع بالعلماء لتسمية تلك الطبقة بالكريوسفير (cryosphere). وفي أغلب الأحيان لم تكن المسابر الفضائية السابقة تبدأ بإجراء القياسات إلا من ارتفاع 60 كيلومترا أو أقل، وبذلك فإن هذه الطبقة لا تزال غير مستكشفة إلى حد كبير.

ولا يقتصر وجود طبقة الأوزون على كوكب الأرض، وإنما يمتلك كوكب الزهرة طبقة مماثلة أيضاً. يتألف جزيء الأوزون من ثلاث ذراتٍ من الأوكسجين. وتشير النماذج الحاسوبية إلى أن طبقة الأوزون تشكل بالفعل جزءاً من الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، وذلك حين يؤدي ضوء الشمس إلى تفكك جزيء ثنائي أوكسيد الكربون وبالتالي تحرر الأوكسجين. وتتمكن ذرات الأوكسجين بعد ذلك من الوصول بفعل الرياح إلى الجهة المظلمة من الكوكب، حيث تؤلف جزيئاتٍ مكونة من ذرتين أو ثلاث ذرات من الأوكسجين. وبالمناسبة فإن كوكب المريخ يمتلك كذلك طبقة من الأوزون، إلى جانب الأرض والزهرة. وتلعب هذه الطبقة دوراً هاماً، ذلك أنها تمتص جزءاً كبيراً من الأشعة فوق البنفسجية الضارة التي تأتي من الشمس. ويعتقد العلماء أن هذه الطبقات تكونت بالدرجة الأولى بفعل الكائنات الحية. وقد تشكلت طبقة الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي للأرض قبل حوالي 2.4 مليار سنة. ولا تزال الآلية المسؤولة عن تشكلها غير معروفة بشكل دقيق، إلا أن العلماء يعتقدون بأن الميكروبات التي تقوم بإنتاج الأوكسجين قد لعبت دوراً مهماً في ذلك. وبذلك فإن علماء البيولوجيا الفلكية يعتقدون بأن وجود ثنائي أوكسيد الكربون والأوكسجين والأوزون في الوقت نفسه يمكن أن يُعتبر إشارة لوجود حياة.

وقد تمكن المسبار فينوس إكسبرس كذلك من الكشف عن عنصر الهيدروكسيل الأساسي في الطبقات العليا من الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، وذلك على ارتفاع عدة مئات من الكيلومترات فوق سطح الكوكب. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إثبات وجود هذا المُركب على كوكب آخر. يتشكل جزيء الهيدروكسيل عند تفاعل جزيء من الماء مع جزيء من الأوكسجين. ويفترض العلماء أن جزيء الهيدروكسيل –والذي يمتلك قدرة عالية على التفاعل– يُساعد على تفكيك المواد الضارة في الغلاف الجوي للأرض، أما على المريخ فمن المفترض أنه يساهم في استقرار ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي بحيث يعيق تحوله إلى أول أوكسيد الكربون. ورغم ذلك فقد تم كذلك إثبات وجود الهيدروكسيل على المذنبات، ولكنه بالطبع يتشكل هناك بآلية مختلفة عما هو الحال عليه في الأغلفة الجوية للكواكب كما يفترض العلماء.

بالإضافة إلى ذلك فقد أتاح المسبار فينوس إكسبرس للمرة الأولى رؤية كيفية تشوه الغلاف الجوي لكوكب الزهرة بشكل مشابه لذيول المذنبات وكأنه قطرة ماء متطاولة. وقد شوهدت هذه الظاهرة في طبقة الأيونوسفير (Ionosphere) على الجهة المظلمة من الكوكب، وذلك بعد 30-60 دقيقة من انخفاض ضغط الرياح الشمسية. وقد بقي الغلاف الجوي ممتداً في الفضاء لمسافة أكبر من نصف قطر الكوكب بمرتين ولمدة يومين أرضيين.

رسمٌ فني لطبقة الأيونوسفير في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة. يظهر الشكل الأيسر هذه الطبقة في الظروف الطبيعية للرياح الشمسية، أما في الشكل الأيمن فهي تظهر في حالة انخفاض ضغط الرياح الشمسية. تشير الخطوط الصفراء إلى التفاعل المتبادل بين الرياح الشمسية والأيونوسفير. وقد أجريت هذه الأرصاد فوق الجهة المظلمة من الكوكب من قبل المسبار فينوس إكسبرس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. المصدر: ESA/Wei et al.
رسمٌ فني لطبقة الأيونوسفير في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة. يظهر الشكل الأيسر هذه الطبقة في الظروف الطبيعية للرياح الشمسية، أما في الشكل الأيمن فهي تظهر في حالة انخفاض ضغط الرياح الشمسية. تشير الخطوط الصفراء إلى التفاعل المتبادل بين الرياح الشمسية والأيونوسفير. وقد أجريت هذه الأرصاد فوق الجهة المظلمة من الكوكب من قبل المسبار فينوس إكسبرس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. المصدر: ESA/Wei et al.


والأيونوسفير هي إحدى طبقات الغلاف الجوي المؤلفة من غازات ذات شحنة كهربائية ضعيفة، والتي يتحدد شكلها واستقرارها بالحقل المغناطيسي الداخلي للكوكب بشكل أساسي. وبالمقارنة مع الغلاف الجوي فوق كوكب الأرض والذي يمتلك حقلاً مغناطيسياً قوياً نسبياً، تعتبر هذه الطبقة مستقرة، رغم أن ظروف الرياح الشمسية تختلف. بالمقابل فإن كوكب الزهرة لا يمتلك مثل هذا الحقل المغناطيسي الداخلي الشامل. وبذلك فإن شكل طبقة الأيونوسفير يعتمد بدرجة كبيرة على التأثيرات المتبادلة بين هذه الطبقة وبين الرياح الشمسية. وحسب هذه النتيجة فإن الغلاف الجوي لا يتأثر بفترات زيادة الفعالية الشمسية فحسب، وإنما أيضاً بالفترات التي تضعف فيها الرياح الشمسية.

وقد خلفت هذه القياسات نقاشاً علمياً حول تأثير الرياح الشمسية على نقل بلازما الأيونوسفير من النصف المضيء إلى النصف المظلم من الكوكب. تتدفق هذه المادة في الأحوال العادية ضمن قناة ضيقة في طبقة الأيونوسفير. ولكن لا يزال من غير المعروف ما الذي يحدث تحت ظروف الضغط المنخفض من الرياح الشمسية. فهل تتسع هذه القناة بفعل انخفاض الضغط أم تضيق بفعل نقص كمية الطاقة المتوفرة التي تنقلها البلازما عبر القناة؟ يبدو أن التأثير الأول مرجح أكثر من الثاني. وقد افتُرض كذلك وجود تأثير مشابه على المريخ.

وحسب أرصاد المسبار فينوس إكسبرس في عام 2007، فإن الغلاف الجوي لكوكب الزهرة يتشتت بدرجة أكبر على الجهة المظلمة من الكوكب. وفي السنة اللاحقة اكتشف العلماء بمساعدة المقاييس المغناطيسية الموجودة على المسبار أن بخار الماء يتطاير كذلك من الجهة المضيئة. وقد كان العلماء قد افترضوا ذلك منذ فترة طويلة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتمكنون فيها من قياس هذه الظاهرة، وذلك بواسطة المسبار الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.

مقارنة أحجام الكواكب الصخرية الأربعة في مجموعتنا الشمسية. من الأيسر إلى الأيمن: عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ. المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية.
مقارنة أحجام الكواكب الصخرية الأربعة في مجموعتنا الشمسية. من الأيسر إلى الأيمن: عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ. المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية.
وأخيراً فإن علم الكواكب المقارن يشير إلى أن كوكبي المريخ والزهرة يخسران غلافيهما الجويين بآليات متشابهة رغم اختلاف حجميهما وبعديهما عن الشمس. ويتشابه الكوكبان في أن أياً منهما لا يمتلك حقلاً مغناطيسياً داخلياً شاملاً يمكن أن يحمي الكوكب من الرياح الشمسية. بالإضافة إلى ذلك فإن كثافة الأيونوسفير على ارتفاع 250 كيلومتر تتشابه بشكل كبير بين الكوكبين، رغم أنها تكون بشكل عام أرق في الغلاف الجوي للمريخ وأكثر سماكة في الغلاف المحيط بكوكب الزهرة.

الزهرة والأرض: لماذا هما توأمان مختلفان؟


يمكننا باختصار أن نعتبر بأن الأرض والزهرة يمتلكان الكثير من الخصائص المتشابهة مثل الحجم والكتلة والكثافة وتسارع الجاذبية وطبقة الأوزون والهيدروكسيل في الغلاف الجوي. ولكن هنا يطرح السؤال نفسه: لماذا يختلف إذاً هذان الكوكبان الصخريان عن بعضهما البعض بهذا الشكل؟ حسب رأي فريق ياباني من العلماء من جامعة طوكيو بقيادة كيكو هامانو Keiko Hamano فإن هذا التطور المتباعد يتعلق بالدرجة الأولى بالمسافة الفاصلة بين كل كوكب وبين الشمس، والذي يشكل المعيار الفاصل حسب محاكاة حاسوبية. وحسب رأيهم فإن سطح كوكب الزهرة كان سائلاً لفترة طويلة نسبياً بعد تشكله، وقد جفّ سطح الكوكب بشكل أسرع بعد ذلك بفعل قربه من الشمس. أما على الأرض فقد تصلب السطح بعد فترة أقل امتدت لملايين السنين، والتي برد الكوكب خلالها بشكل أسرع وأمكن لبخار الماء أن يتكثف بشكل أمطار.

ماذا عن المستقبل؟


على الرغم من أن الكثير من المسابر الفضائية قد زارت الزهرة حتى الآن، إلا أن الغموض لا يزال يكتنفُ الكثير من أسرار هذا الكوكب. فعلى سبيل المثال لا نزال نجهل كيفية عمل نظام السحب، أو الدور الذي يلعبه نظام الاحتباس الحراري هناك، أو فيما إذا كانت هناك دورة لثنائي أوكسيد الكربون أو حمض الكبريت في الغلاف الجوي، أو فيما إذا كانت هناك فعالية زلزالية، أو لماذا تبدي بعض المناطق انعكاساً ساطعاً على الصور الرادارية. وبذلك فلا يزال هناك الكثير من الأبحاث التي يتوجب أن على البعثات المستقبلية إلى الزهرة أن تقوم بإجرائها. وقد بدأت مساهمة وكالة الفضاء الأوروبية بالفعل بالمساعدة في هذا الموضوع من خلال بياناتها.

لقد شكلت بعثة فينوس إكسبرس التي انطلقت في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2005 المرة الأولى التي يشق فيها مسبار فضائي تابع لوكالة الفضاء الأوروبية طريقه نحو كوكب الزهرة. وبعد ثمان سنوات من العمل شارفت مستودعات الوقود على الانتهاء في عام 2014. وفي السابع عشر من أيار/مايو 2014 توقف المسبار عن إجراء قياساته الروتينية، ولكن ليس جمع البيانات. وقد قام الفريق المسؤول عن البعثة في مركز التحكم في وكالة الفضاء الأوروبية بتوجيه مسار المسبار في شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2014 بحيث يغوص تدريجياً في الغلاف الجوي.

وقد تمكن المسبار خلال حركته هذه –والتي تعرف باسم الكبح الهوائي (aerobraking)– من جمع بيانات عن الغلاف الجوي للكوكب. وفي النهاية قام العلماء برفع المسار مجدداً. ولكن في الثامن والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2014 فقد مركز التحكم الاتصال بالمسبار، وذلك بسبب نفاد الوقود من على المسبار مما جعل توجيه اللواقط أمراً غير ممكن. ورغم ذلك فقد أمكن الحصول على القليل من البيانات المتفرقة خلال هذه الفترة.

وسيلعب استكشاف كوكب الزهرة كذلك دوراً مهماً في الرحلات الفضائية المستقبلية، حيث يتم التخطيط للعديد من البعثات. ويرغب الاتحاد الروسي بإعادة بريق الإنجازات التي تم تحقيقها في عهد الاتحاد السوفييتي، وذلك من خلال مسبار فضائي جديد يُدعى فينيرا دي (Venera-D)، والذي من المقرر أن يتم إطلاقه في عام 2016.

ورغم أن المحاولة الأولى لوكالة الفضاء اليابانية في الوصول إلى مدار حول كوكب الزهرة كانت قد باءت بالفشل، والتي تمثلت بالمسبار الفضائي أكاتسوكي (Akatsuki)، إلا أن اليابان ستحاول مجدداً الاقتراب من الكوكب في نهاية 2016 وبداية 2017. وفي هذه الأثناء فإن وكالة الفضاء اليابانية تمتلك فرصة أخرى بالاشتراك مع وكالة الفضاء الأوروبية، ألا وهي المسبار الفضائي بيبي كولومبو (BepiColombo)، والذي من المقرر أن ينطلق إلى الزهرة في عام 2016.

ولا يزال كوكب الزهرة محطّ أنظار وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. ففي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2013 تم إطلاق فيسبر (VeSpR)، وهو اختصار لعبارة "صاروخ الدراسة الطيفية للزهرة" (Venus Spectral Rocket). وفي هذا المشروع تم إطلاق تلسكوب للأمواج فوق البنفسجية على متن صاروخ إلى ارتفاع 300 كيلومتر فوق سطح الأرض، والذي قام برصد كوكب الزهرة لمدة أربع دقائق وعشر ثوان فقط قبل أن يعود إلى سطح الأرض. ورغم أن فترة الرصد تبدو قصيرة للغاية، إلا أن الأجهزة البصرية في التلسكوب كانت مجهزة بأدوات الرصد الطيفي، وكانت من الفعالية بحيث أن خمس دقائق من الرصد كانت مكافئة لأربع ساعات من أرصاد تلسكوب هابل الفضائي. ورغم ذلك فلا يبدو حتى الآن أن هناك بعثة محددة إلى كوكب الزهرة في الأفق القريب، رغم وجود اقتراحات مطروحة لإنزال مسبار على سطح الزهرة.

قام المسبار الفضائي كاسيني الذي يدور حول كوكب زحل بتصوير كوكب الزهرة عبر حلقات زحل، حيث يبدو كنقطة بيضاء صغيرة في هذه الصورة. المصدر: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute
قام المسبار الفضائي كاسيني الذي يدور حول كوكب زحل بتصوير كوكب الزهرة عبر حلقات زحل، حيث يبدو كنقطة بيضاء صغيرة في هذه الصورة. المصدر: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute


رصد كوكب الزهرة


يظهر كوكب الزهرة وهو يعبر أمام قرص الشمس في هذا التسلسل الذي تم تجميعه من صور متتالية. وقد تم تصوير هذا العبور من قبل المرصد الديناميكي الشمسي (Solar Dynamic Observatory) الذي يقوم برصد الشمس من الفضاء. المصدر: NASA/SDO.
يظهر كوكب الزهرة وهو يعبر أمام قرص الشمس في هذا التسلسل الذي تم تجميعه من صور متتالية. وقد تم تصوير هذا العبور من قبل المرصد الديناميكي الشمسي (Solar Dynamic Observatory) الذي يقوم برصد الشمس من الفضاء. المصدر: NASA/SDO.
يعتبر الزهرة ثالث أسطع الأجرام في السماء بعد الشمس والقمر، حيث يمكن رصده إما في الصباح أو في المساء. ويتم ذلك في ظروف ملائمة وبواسطة منظار مناسب ثنائي العينين، ويفضل أن يكون مُثبتاً. ويبدي قرص كوكب الزهرة أطواراً مثل القمر، فهو إما أن يكون مُضاءً بشكل كامل، أو أن يبدو كنصف دائرة، أو أن يظهر كهلال.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات