نظرية النسبيّة وثورة إينشتاين

"قد تتجسد الفكرة الأكثر أهمية في النسبيّة الخاصة في أن الزمن والمكان ليسا خلفية مقدسة وثابتة للكون، وإنما أشياء قد تتغير من نقطةٍ لأخرى ومن شخصٍ لآخر". ويأخذنا هذا المقال المذهل إلى أماكن رائعة تُوضح لنا أصل النسبية العامة والنسبية الخاصة وعلاقة هذه النظريات بالعلم والواقع. 



أثناء العقود الأولى من القرن العشرين، نشر موظف في مكتب براءات اختراع سويسري يُدعى ألبرت إينشتاين نظرية النسبية وغيَّر وجه الفيزياء وعلم الفلك إلى الأبد.
من الممكن اعتبار نظرية النسبية (Theory of relativity) أكثر التطورات نجاحاً في تاريخ العلم إذا ما أخذنا بالاعتبار توافقها مع النتائج التجريبية وقدرتها على التنبؤ بظواهر جديدة، يُمكن فقط لميكانيك الكم (Quantum mechanics) المنافسة على ذلك النجاح.


فسَّرت نظرية إينشتاين فورَ صدورها بعضاً من أهم المسائل في الفيزياء وعلم الفلك في تلك الحقبة، واستمرت بشرح التطورات الجديدة التي لم تكن موجودة قبل 90 عام، ويشمل ذلك: التأكيد على وجود الثقوب السوداء (Black holes)، والمراقبات الحالية الحاصلة في علم الفلك (Cosmology).

يتطلب قبول نظرية النسبية العامة من قبلنا رمي كل أفكارنا السابقة المتعلقة بالكون جانباً، بالإضافة إلى معظم ما ندعوه "الحسّ الفطريّ". مثلاً، إن المكان والزمن اللذين ربطهما الإنسان بكوكب الأرض يظهران كخلفية ثابتة وغير متغيرة تحصل داخلها كل أحداث الكون، وهو أمر بعيد جداً عن الحقيقة.


يستطيع الفضاء الفارغ (الانكماش والتوسع والانحناء) ويعتمد الأمر على مدى قربك من جسم فائق الكتلة وعلى معدل تغيّر مرور الزمن أيضاً. قد يتغير كل من المكان والزمن وفقاً للراصد، فمثلاً ستظهر عقارب الساعة أصغر وتدق بسرعة أبطأ كلما تحركت الساعة بسرعة أكبر بالنسبة لك.

 

  • تطبيقات النسبية

نحتاج إلى النسبية العامة كلما قمنا بدراسة أجسام إما (أ) متحركة داخل حقل ثقالي قوي (Strong gravitational field)، أو (ب) بسرعة قريبة من سرعة الضوء. إذا كان (ب) صحيحاً و(أ) لا، يُمكننا الاعتماد على نسخة أبسط من النظرية وتُعرف بالنسبية الخاصة (Special relativity). تاريخياً، طور إينشتاين هذه النظرية في البداية، في حين أتت النظرية الأكثر شمولاً "النسبيّة العامة" (General relativity) في وقتٍ لاحق.


خلال الحياة اليومية على الأرض، نجد أن كلا الحالتين (أ) و(ب) خاطئتان، ولذلك ليس علينا القلق بخصوص النسبية على الإطلاق. مع ذلك، تستطيع تأثيراتها أن تبقى مهمة عندما تكون هناك حاجة إلى دقة عالية جداً. فعلى سبيل المثال، يتضمن أحد أهم تطبيقات النسبية نظام تحديد المواقع (GPS)، الذي لن يعمل على الإطلاق إذا لم نأخذ بالحسبان التأثيرات النسبية. "إذا كنت من مستخدمي هذه التقنية، فإنك استفدت مباشرةً من نظرية النسبية لإينشتاين".

 

  • التحرك في حقل ثقالي قوي 

يكمن أحد الجوانب المذهلة جداً في نظرية النسبية في قيامها وبشكلٍ كامل بتغيير طريقة فهمنا للجاذبية. عرف العلماء خلال فترة طويلة من الزمن أن الجاذبية أمر استثنائي. خذ مجموعة من القطع الخشبية الصغيرة والكبيرة، وأسقطها من فوق طاولة، ستجد أنها ستسقط جميعها بالسرعة نفسها، وستصدم الأرض في نفس اللحظة، قم بلصق قطعة معدنية بكل قطعة منها، واجذبها باستخدام مغناطيس، ستجد حينها أنها ستتحرك بسرعات مختلفة. ومن ثمَّ حاول سحبها باستخدام حبل، ستكتشف أنه عليك ممارسة جهد أكبر كلما كانت الأجسام أكبر. لماذا وُجدت هذه الجاذبية؟ وهي لوحدها فقط قادرة على سحب كل شيء نحو الأرض وبنفس المعدل؟

تصور فني لمجس الجاذبية B الذي يدور حول الأرض ويقيس الوصف رباعي الأبعاد للكون. حقوق الصورة ناسا
تصور فني لمجس الجاذبية B الذي يدور حول الأرض ويقيس الوصف رباعي الأبعاد للكون. حقوق الصورة ناسا


أجاب إينشتاين عن هذا السؤال بطريقة ثوريّة. فوفقاً له، الجاذبية ليست قوة تُمارس على الأشياء، وإنما هي عبارة عن انحناء في المكان والزمن (Curvature of space and time) ينتج عن وجود جسم فائق الكتلة بالجوار (مثل الأرض).

عندما يقوم شيء ما بالتحرك مارّاً بجسم ضخم، سيظهر وكأنه يُسحب نحوه، لكن هذا الأمر غير ما يجري في الواقع. ففي الحقيقة، يقوم الجسم بالتحرك على طول نفس الخط المستقيم الذي كان يتحرك فوقه في الفضاء الفارغ، لكنَّ هذه الخطوط المستقيمة ستظهر الآن منحنية جراء قيام الجاذبية بحني استمرارية "الزمكان".

 

  • "المكان المنحني". تشبيه بسيط

إذا لم يكن النص في الأعلى منطقياً بالنسبة لك، وهذا من غير المرجح! خذ بعين الاعتبار التشبيه التالي المتعلق بالمكان المنحني والذي تستعمله بشكلٍ أكبر: "إنه سطح الأرض!".

حقوق الصورة الأصلية: WorldAtlas.com
حقوق الصورة الأصلية: WorldAtlas.com

افترض أنك موجود في إيثاكا-نيويورك (موطن جامعة كورنل)، وتُريد السفر إلى روما-ايطاليا الواقعة شرق إيثاكا تقريباً، وعلى بعد يصل إلى ربع الطريق حول العالم، قد تعتقد بأن أفضل طريق للذهاب إلى هناك هو البدء بالتوجه شرقاً والمحافظة على الحركة بشكلٍ مستقيم حتى الوصول إلى روما، كما هو موضح باللون الأحمر على الخريطة التالية:


في الحقيقة، إذا بدأت بالتوجه شرقاً واستمريت بالحركة المستقيمة، سينتهي بك الأمر مسايراً للمسار الأزرق، وستجد نفسك في مكانٍ ما في غرب إفريقيا بالقرب من خط الاستواء! (إذا لم تصدق هذا الأمر، حاول القيام بذلك مع كرة وجزء من شريط. قم بمد الشريط بشكلٍ شديد بحيث يُمكن إجباره على أن يكون مستقيماً، وبعد ذلك وجهه من الشرق إلى الغرب على طول نيويورك، سيعبر الجزء المتبقي من الشريط إفريقيا، وخط الاستواء، كما هو الحال تماماً مع المسار الأزرق الموجود في الخريطة).

- ماذا يجري هنا؟
- لا شيء معقد في الحقيقة


كما نعرف، سطح الأرض كروي، لكن عندما تُحاول تمثيله على خريطة ثنائية الأبعاد، سيتسطح. وفي عملية التسطح هذه، تبيَّن أن تتغير، فبعض الخطوط التي تظهر مستقيمة (مثل الأزرق) هي في الواقع منحنية، في حين تبدو خطوط أخرى مستقيمة على الرغم من كونها في الواقع منحنية (المسار الأحمر في الخريطة).

وفقاً لإينشتاين، يحصل الأمر نفسه بالقرب من الأجسام فائقة الكتلة، لكن هذا الإنحناء يُصيب شيئاً رباعيّ الأبعاد (المكان الذي نعيش فيه، وبعد إضافي هو الزمن) بدلاً من كونه ثنائي الأبعاد كسطح الأرض.

تُوضح الصورة حلقة اينشتاين المعروفة بحذاء الحصان وهي مُصورة بوساطة تلسكوب هابل الفضائي. حقوق الصورة: ناسا
تُوضح الصورة حلقة اينشتاين المعروفة بحذاء الحصان وهي مُصورة بوساطة تلسكوب هابل الفضائي. حقوق الصورة: ناسا


ينحني المكان والزمن بالقرب من جسم فائق الكتلة، لكننا غير قادرين على قياس هذا الأمر مباشرةً بسبب محدودية رؤيتنا وقدرتنا على مشاهدة الأشياء الموجودة في الأبعاد الثلاثية فقط، وبالتالي، تفترض عقولنا أن المكان مسطح، وخلال عملية صناعة هذا الافتراض، تتغير الأشياء، ونتيجة لذلك، تظهر الأشياء المتحركة على خطوط مستقيمة كأنها تتحرك على مساراتٍ منحنية، ويتم جذبها من قبل الجسم الضخم القريب وذلك وفقاً للخريطة التي وضعناها داخل رؤوسنا.


حالما يصير هذا المشهد مألوفاً بالنسبة لك، ستصبح هذه الطريقة بالنظر إلى الجاذبية أمراً طبيعياً جداً! "هل سبق وشاهدت رواد فضاء في مدار حول الأرض؟ هل يظهرون وكأنه يتم جذبهم من قبل شيء ما؟

 

لا، لا يبدو ذلك، إنهم يختبرون انعدام الوزن (Weightlessness)، وإذا لم ينظروا إلى خارج النافذة لمشاهدة الأرض تحتهم، قد يستنتجون منطقياً أن سفينتهم تطفو في الفضاء الفارغ بعيداً عن جاذبية الأرض". وفقاً لإينشتاين، هذا استنتاج منطقي جداً ومثالي لأنَّ الحالتين متكافئتان! فسواء أكانت الحركة في الفضاء أو في مدار حول الأرض، فإن رواد الفضاء يتحركون على نفس المسار المستقيم. في الحقيقة، كنا سنختبر ظاهرة انعدام الوزن أيضاً لو لم تكن غائبة عن سطح الأرض، وبفضل الجاذبية نستمر بالسقوط على مساراتٍ مستقيمة نحو مركز الأرض. ما نشعر به ليس الجاذبية وفقاً لإينشتاين وإنما ببساطة "دفع الأرض لأقدامنا".

 

  • تأثيرات الزمكان المنحني

يمتلك الزمكان المنحني المتنبأ به من قبل إينشتاين بعض العواقب المذهلة، والكثير منها تم تأكيد صحته عبر الاختبارات التجريبية، وربما تكون قدرة الجاذبية على "حني" الضوء عند مروره في مكان منحنٍ بالقرب من جسم فائق الكتلة واحدةً من أشهر تلك النتائج والتأثيرات. حيث رُصد هذا المفعول للمرة الأولى من قبل آرثر أدينغتون في العام 1919، الحدث الذي قفز بإينشتاين إلى العالمية.

تُوضح الصورة جاذبية العنقود المجري Abell 2218 وقيام هذه الجاذبية بخلق عدسات عملاقة. صُورت الصورة باستخدام تلسكوب هابل الفضائي. حقوق الصورة: ناسا
تُوضح الصورة جاذبية العنقود المجري Abell 2218 وقيام هذه الجاذبية بخلق عدسات عملاقة. صُورت الصورة باستخدام تلسكوب هابل الفضائي. حقوق الصورة: ناسا


الآن، تُعتبر النتائج الأصلية لأدينغتون مثيرة للجدل، لكن أثبتت التكنولوجيا المتطورة صحة تنبؤات إينشتاين، حيث أنه في السنوات الأخيرة لم يقم علماء الفلك بتأكيد قدرة الجاذبية على حني الضوء فقط، وإنما اكتشفوا أدلة قوية جداً على وجود الثقوب السوداء -وهي أجسام تحني الضوء بشكلٍ كبير إلى درجة لا يُمكنه الإفلات منها-.


تجسّد نجاح آخر لنظرية إينشتاين في إصلاحها لبعض المشاكل الخطيرة التي كانت موجودة في فهم علماء الفلك في أيامه لمدار عطارد "أقرب الكواكب إلى الشمس". حيث اعتقد بعض الناس بوجود كوكب آخر غير مرئي ويُؤثر على مدار عطارد، لكنَّ إينشتاين برهن على أن كل المشاكل تختفي في الحال حالما تُؤخذ نظرية النسبية بالحسبان.

هناك تأثيرات أخرى مهمة تتنبأ بها النسبية جراء "انحناء الزمن". يُظهر هذا التأثير نفسه عبر التسبب في جعل الزمن يمر بشكلٍ أبطأ بالقرب من الأجسام فائقة الكتلة. (إذا ما قمت بالنظر إلى شخص وهو يسقط في الثقب الأسود، ستشاهد أن الزمن قد توقف تماماً لديه، وسيُعاني من "التجمد" والتلاشي).


يُؤثر تباطؤ الزمن الناجم عن الجاذبية على تردد الأمواج الضوئية، وبالتالي على ألوانها. فمثلاً يصير الضوء أكثر زرقةً عد اقترابه من جسم فائق الكتلة، وأكثر حمرةً عند ابتعاده عنه. رُصد هذا المفعول للمرة الأولى في العام 1960 من قبل روبرت باوند (Robert Pound) وغلن ريبكا (Glen Rebka)، اللذان أطلقا أشعة غاما على قمة مبنى ومن ثمَّ قاسا التغير الحاصل في لونها كلما أصبحت أكثر بعداً عن الأرض.


خلال السنوات الأخيرة، تعرضت نظرية النسبية لاختبارات جدية أثناء محاولة علماء الفلك فهم علم الكون وأصل البُنى الهائلة الموجودة فيه. علماء الفلك مهتمون أيضاً بنتائج تجربة LIGO والكواشف الأخرى، التي تُحاول رصد الأمواج الثقالية (Gravitational waves) التي تنبأت بها نظرية النسبية، وقد يكون بإمكانها إعطاء طريقة جديدة بالكامل للنظر إلى الكون.

 

  • التحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء 

نُوقش سابقاً أكثر الجوانب أهمية في نظرية النسبية، لكن الجزء الأول من النظرية (النسبية الخاصة) طُوّر دون أخذ تعقيدات الجاذبية بعين الاعتبار.

في الحقيقة، طوّر إينشتاين نظرية النسبية الخاصة استجابةً لحل مسألة بسيطة واجهها فيزيائيو ذلك العصر. تتطلب المسألة لحلها أن يكون لديك معرفة بالرياضيات أكثر بقليل مما هو موجود في المرحلة الثانوية. لم تكن إسهامات إينشتاين الرياضية لامعة وقتها، بل استعداده للأخذ بعين الاعتبار أفكار رماها معظم الناس واعتبروها سخيفة دون التفكير بها حتى.

 

  • ثبات سرعة الضوء

في القرن التاسع عشر، فسر فيزيائيون قوانين الكهرومغناطيسية على أنها بحاجة إلى "جملة مرجعية مفضلة" وكونية، أي جملة يتحرك داخلها الضوء. وبشكلٍ مشابه لما شعرتَ به عند مرور الرياح بك أثناء حركة السيارة بالنسبة للهواء، اعتقد الفيزيائيون أن الأمر نفسه سيحصل مع الضوء الذي يتحرك بسرعة أكبر قليلاً (أو أقل قليلاً) ويعتمد الأمر على حركة الأرض عبر الفضاء بالنسبة للوسط غير المرئي الذي دُعي حينها بالأثير (Ether) أو الوسط الذي يتحرك الضوء فيه.


في ثمانينات القرن التاسع عشر، برهنت تجارب أجراها ألبرت ميكلسون وإدوارد مورلي على وجود شيء غريب، فقد بدا لهما أن الأثير غير موجود على الإطلاق!


أثناء حركة الأرض حول الشمس يتغير اتجاهها، وبالتالي فإن سرعتها بالنسبة للأرض يجب أن تتغير أيضاً، لكن عندما قام مورلي وميكلسون بقياس سرعة الضوء بشكلٍ حذر جداً وباتجاهات مختلفة وعند أزمنة مختلة على مدار العام، وجدا أن السرعة هي ذاتها دوماً. كانت النتائج غريبة جداً في ذلك الوقت!


تخيل أنك تريد قياس سرعة شاحنة على طريق سريع أثناء قيادتك لسيارتك عليه ولكن في مسارٍ ثان، ولنقل أن الشاحنة تتحرك بسرعة أكبر قليلاً من سرعتك، لذلك ستشاهدها وهي تمر عبرك -ستبدأ بتجاوز عجلاتك الخلفية ومن ثمَّ الباب الخلفي-. لكن فجأة، تُقرر أن تضغط المكابح. وبدلاً من تغيّر الأمور، تستمر الشاحنة بفعل الأمر ذاته، لكن في هذه المرة مع بابك الأمامي. تقوم الآن بزيادة سرعتك، ومع ذلك لا تُصبح الشاحنة خلفك، بل تستمر في تجاوزك مروراً بعجلاتك الأمامية، في النهاية، تُوقف سيارتك بالكامل وتخرج، لكن مع ذلك تستمر الشاحنة بتجاوزك.


يبدو الأمر مشابهاً لتظليل الشاحنة لكل حركة من حركاتك، لكنك بعد ذلك تقارن ملاحظاتك مع صديق كان يقود سيارة على مسارٍ ثالث -على الجانب الآخر من الشاحنة-. صديقك تعتقد أن الشاحنة كانت تُظلل كل حركاتها على الرغم من أنها كانت تقود بسرعة مختلفة كلياً عن سرعتك، فهي توقفت عند نفس اللحظة التي توقفت فيها، وأبطأت عند نفس اللحظة، وأسرعت عند نفس اللحظة! يبدو ذلك مستحيلاً؟


ربما، لكنَّ تجربة مورلي وميكلسون برهنت على أن هذا الأمر هو ما سيحصل تماماً لو أن الشاحنة تصرفت مثلما هي الحال مع أشعة الضوء.

 

  • حل إينشتاين البسيط

بحث الكثير من الفيزيائيين عن طرق معقدة لاستبعاد نتائج مورلي وميكلسون، لكن إينشتاين قام بشيء مختلف تماماً. ببساطة، قَبِل تلك النتائج وتساءل عن العواقب المحتملة لو أنَّ الضوء يتبع هذا السلوك الغريب حقاً.


أدرك إينشتاين أنه من أجل بقاء سرعة الضوء ثابتة عند النظر إليها من قبل كل الراصدين، فإن الأشياء الأخرى التي طالما افترض الآخرون صحتها ستتغير.
فكلما تحرك شخصان بسرعة أكبر بالنسبة لبعضهما البعض، كلما اختلفا أكثر حول الضوء (أو الشاحنة في المثال السابق) وزاد اعتقاد كل منهما بأن شيئاً ما حصل بشكلٍ خاطئ مع الشخص الآخر. برهن إينشتاين أن تلك الأشياء هي الزمن والطول -سيرصد كل شخص من الإثنين الشخص الآخر وقد انكمش طوله في اتجاه الحركة وساعته أصبحت تدق بشكلٍ أبطأ-.


على الرغم من غرابة تلك النتائج، إلا أنها لا تطرح أي تناقضات مع قوانين الفيزياء الأخرى. في الحقيقة، تقوم هذه النتائج بتعزيز فهمنا لها. "إذا قبلنا بصحة النسبية الخاصة، تبيَّن أن الكهرومغناطيسية لم تعد بحاجة إلى أي نوع من الجملة المرجعية المفضلة كي تعمل داخلها".

 

وعوضاً عن ذلك، تعمل الكهرومغناطيسية بشكلٍ صحيح في أي إطار مرجعي تختاره -لا يُوجد أفضلية لجملة مرجعية على أخرى، والسرعات التي تتحرك بها تلك الجمل المرجعية بالنسبة لبعضها البعض هي نسبية، أي النقيض تماماً للمطلق.


بعد مراقبات إينشتاين البسيطة، اكتسبنا الكثير من الرؤى الأقوى والأكثر عمقاً. ومن أهمها تكافؤ الكتلة والطاقة (المُعبّر عنه في معادلة إينشتاين الشهيرة: E=M∗C^2)، وأيضاً حقيقة أنه ليس بإمكان المعلومات التحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء. تم تأكيد هذه الأفكار وأفكار أخرى في مسرعات الجسيمات (Particle accelerators) الموجودة في كافة أنحاء العالم، بالإضافة إلى العديد من التجارب الأخرى.


قد تكون الفكرة الأكثر أهمية والقادمة من النسبية الخاصة هي أن الزمن والمكان ليسا خلفية مقدسة وثابتة للكون، وإنما أشياء يُمكن أن تتغير من نقطةٍ لأخرى ومن شخصٍ لآخر. إنها الرؤية التي عبّدت الطريق أمام نظرية النسبية العامة وتفسيرها الجذري للجاذبية، الأمر الذي لا زلنا نشعر بتداعياته حتى يومنا هذا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا
  • النسبية العامة (General Relativity): هي النظرية الهندسية للجاذبية. تم تطوير هذه النظرية من قبل البرت اينشتاين، و هي توسعة و مزج مع النسبية الخاصة. تقوم هذه النظرية بتوسيع مفهوم نظرية النسبية الخاصة، لتشمل جمل الإحداثيات التي تتحرك بتسارعٍ معين وتقدم هذه النظرية مفهوم التكافؤ بين قوى الجاذبية وقوى القصور الذاتي، كما أن لهذه النظرية مجموعة من النتائج التي تتعلق بكل من هذه المواضيع، كانحناء الضوء جرّاء وجود الأجسام فائقة الكتلة، و طبيعة الثقوب السوداء، و نسيج الزمان والمكان. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات