ما هو اللاشيء، وهل وُلد الكون من لا شيء؟

هل يُوجد مكان ما في الكون، حيث لا وجود لشيء فيه حقاً؟ خذ على سبيل المثال الفجوات بين النجوم والمجرات؟ أو الفجوات بين الذرات؟ ما هي خواص اللاشيء؟
أريد منك أن تأخذ ثانية وتفكر حول اللاشيء. أغلق عينيك، وتصور الأمر في عقلك. ركز، وركز جداً على اللاشيء... من الصعب جداً القيام بذلك، أليس كذلك؟ خصوصاً عندما استمر بالثرثرة إليك.

 

بدلاً من ذلك، دعنا نأخذ بعين الاعتبار الفضاءات الواسعة الموجودة بين المجرات والنجوم، أو الفجوات الكامنة في الذرات والجسيمات المجهرية الأخرى. عندما نتحدث عن اللاشيء في أقاصي الفضاء الواسع، فهو ليس لا شيئاً في الواقع. هل فهمت الأمر؟ إنه ليس باللاشيء... هناك شيء ما موجودٌ هناك.

 

حتى في الأماكن الموجودة في الفضاء بين-المجري، يُوجد مئات أو آلاف الجسيمات في كلٍ متر مكعب. وحتى لو تمكنت من استئجار خادمة "MegaMaid" من متجر القبعة المظلمة وقمت بكنس تلك الجسيمات، سيبقى هناك أطوال موجية من الإشعاع الذي سيتمدد على طول المسافات الواسعة في الفضاء.

 

هناك جاذبية لا يُمكن الإفلات منها في كافة أرجاء الكون، وحقل مغناطيسي ضعيف قادم من كوازار بعيد؛ إنه ضعيف جداً، لكن ليس لا شيئاً، إنه لا يزال شيئاً ما. يُجادل الفلاسفة وبعض الفيزيائيون في أن ذلك اللاشيء ليس هو نفسه اللاشيء "الواقعي". ينظر الفيزيائيون المختلفون إلى أشياء مختلفة على أنها لا شيء، انطلاقاً من اللاشيء الذي يُعتبر الفراغ الكلاسيكي (classical vacuum)، ووصولاً إلى فكرة اللاشيء كمصطلح غير قابل للتمييز.

 

حتى لو تمكنت من إزالة كل الجسيمات، وتجنب الحقول الكهربائية والمغناطيسية، فإن صندوقك سيستمر باحتواء الجاذبية لأنه لا يُمكن تفادي الجاذبية أو إلغاؤها. لا تنتهي الثقالة، وهي قوة جاذبة دوماً، ولذلك لا يُمكنك القيام بأي شيء لحجبها. وفي فيزياء نيوتن، ينتج ذلك عن كونها قوة، لكن الأمر مختلف في النسبية، فكلٌ من المكان والزمن يُمثلان الجاذبية.

 

حسناً، تخيل أنك أزلت كل الجسيمات، والطاقة، والجاذبية... كل شيء من النظام. عندها كل ما سيبقى لديك هو الفراغ الحقيقي (true vacuum). حتى عند السويات الطاقية الأقل، يُوجد هناك اهتزازات في الفراغ الكمومي (quantum vacuum) للكون.

 

هناك جسيمات كمومية تستمر بالظهور إلى حيز الوجود في كافة أرجاء الكون. إذاً، هناك اللاشيء، ثمّ يظهر فجأةً بعض الشيء، وبعد ذلك تتصادم الجسيمات مع بعضها وسيعود اللاشيء إلى الظهور من جديد.

 

إذاً، حتى لو تمكنت من إزالة كل شيء من الكون، سيبقى لديك هذه الاهتزازات الكمومية (quantum fluctuations) المدفونة في نسيج الزمكان (spacetime).

تحتوي ميكانيك الكم جسيمات غريبة مثل الكواركات المشاهدة في هذه الصورة. حقوق الصورة: PASIEKA/SPL
تحتوي ميكانيك الكم جسيمات غريبة مثل الكواركات المشاهدة في هذه الصورة. حقوق الصورة: PASIEKA/SPL

 

هناك فيزيائيون مثل لورانس كراوس (Lawrence Krauss) يجادلون بأن "كوناً من لا شيء" يعني في الواقع "كوناً ممكناً". وهو كونٌ يأتي إلى حيز الوجود إذا أضفت كل الكتل والطاقات الموجودة في الكون، وأيضاً كل الانحناء الثقالي، وكل شيء آخر...

 

يبدو الأمر مشابهاً لكون مجموعها جميعاً مساوٍ للصفر. ولذلك، من المحتمل أن يكون الكون قد وُلد من لاشيء. وإذا كان ذلك صحيحاً، فإنّ ذلك "اللاشيء" هو في الواقع "كل شيء" نراه حولنا، و"كل الشيء" هو لا شيء.

 

ما رأيك؟ كيف ستبدو عندما تفكر بفكرة اللاشيء؟ أخبرنا ذلك في تعليقات!

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الاهتزازات الكمومية (quantum fluctuations): في الفيزياء، يُشير الاهتزاز الكمومي إلى تغير مؤقت في كمية الطاقة المُختزنة في نقطة ما من الفضاء، ويعتمد هذا المفهوم على مبدأ الارتياب الذي صاغه عالم الفيزياء فيرنر هايزنبرغ.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات