ماذا يعني اكتشاف مئات الكواكب الجديدة لعلم الفلك والفلسفة

تسمح لنا التلسكوبات الجديدة بالنظر إلى الفضاء بدقةٍ أكثر من أي وقتٍ مضى، ولِما كشفته القدرة على تغيير عالمنا.

مرصد فضائي 
رسم: ليو إيسبينوزا "Leo Espinosa"

في ليلةٍ سابقة، صوبتُ تلسكوبي على عدة نجومٍ مشابهةٍ للشمس والتي تعرف الآن بامتلاكها كواكب -نجوم كانت غير واضحة أو معروفة مسبقاً كـ (61 Virginis) و (47 Ursae Majoris)- والذي اكتشف أن كلاهما يمتلك على الأقل 3 كواكب تدور في مداراتٍ حولها، و (HD 81040) موطن لعملاق غازي حجمه أكبر بست مراتٍ من كوكب المشتري الضخم.

لم أستطع رؤية الكواكب (مفقودة في إشعاع نجومها)، نادراً ما يمكن اكتشاف الكواكب الخارجية حتى مع أكبر التلسكوبات، لكن يكفي أن أعرف بأنها موجودة وعززت من تجربتي. وأنا أشاهد رقص تلك النجوم الصفراء في العدسة، وجدت نفسي مبتسماً بشدةٍ في الظلام، مثل توم المتخفي Peeping Tom بين النجوم.

عندما كنت صبياً، كان احتمال العثور على الكواكب الخارجية ضئيلاً وبعيداً كالكواكب نفسها. كان للنظريين نظرياتهم، لكن لا أحد يعرف ما إذا كانت الكواكب شائعة أو نادرة فلكياً، وقد أشارت نسختي للموسوعة الفلكية لاروس (Larousse Encyclopedia of Astronomy) لسنة 1959، إلى أنه لم يتم تحديد كواكب للنجوم الأخرى، لكن قد توقعت أن "من المتوقع بشدة أن الأدوات المستقبلية والتطور التقني سوف يكشف عن الكثير من الأشياء المخفية الآن".

وهذا ما حصل، بفضل التلسكوبات الفضائية والكاميرات الرقمية وأجهزة الكمبيوتر عالية السرعة وغيرها من الابتكارات التي كانت تعد حلماً منذ نصف قرنٍ فقط، وقد حدد علماء فلك اليوم موقع مئاتٍ من الكواكب الخارجية والآلاف تنتظر التأكيد، كما تكتشف عوالم جديدة بشكلٍ يوميٍّ تقريباً.
 

هذه الاكتشافات ساهمت في تطور السعي نحو العثور على حياةٍ خارج كوكب الأرض، وساعدت العلماء في فهمٍ أحسن لتطور نظامنا الشمسي وتوفير صورةٍ أدق لكيفية عمل الكون، أو بالأحرى النظام الذي خلقنا.

تقنيتان مسؤولتان عن طفرة إيجاد الكواكب تميز طريقة المرور التعتيم الطفيف الذي يحدث لضوء النجم عند مرور الكوكب من أمامه، بعض عمليات المرور يمكن ملاحظتها من على سطح الأرض -تمكن حتى بعض الفلكيين الهواة من تأكيد وجود كواكب مارة- لكن التقنية المستخدمة جاءت لوحدها بالمزامنة مع إطلاق ناسا للقمر الصناعي كبلر "Kepler" في سنة 2009، التلسكوب الذي يزن طناً واحداً ويملك كاميرا ذات دقة 95 ميغابيكسل، والتي تلتقط صوراً متكررةً لـ 150000 نجمٍ في رقعةٍ واحدةٍ من سماء الجناح الأيسر لكوكبة (Cygnus the Swan). 


وتقوم أجهزة الحاسوب بتمشيط الصور للعثور على أدلةٍ للمرور، وتشير الدرجة التي يتم فيها تقليل ضوء النجم (عادةً كل ألف من الواحد في المئة) إلى قطر كل كوكب، بينما تكشف مدة المرور على حجم مدار الكوكب. وأنا أكتب هذا، فإن مهمة كبلر اكتشفت 74 كوكباً وتنتظر المئات من الكواكب التأكيد قريباً.

يقيس مقياس دوبلر الطيفي التذبذب الخفي للنجوم -تشوهات السطح في الحقيقة، مثل تلك الناتجة عن بالونات القذف بالماء- الناتج عن جذب الكواكب التي تدور في مدارات. عندما يتم سحب كوكبٍ نحونا أو بعيداً عنا، فإن هذا يؤدي إلى زيادة أو نقصان طول أمواج الضوء على التوالي، مثل ما يحدث لصوت صفارات سيارات الإسعاف، حيث تكون أعلى ثم أخفض عندما تسرع بالقرب منا. هذه التقنية كشفت عن 500 كوكبٍ خارجي.

كلا الطريقتين أفضل في العثور على كواكب ضخمة في مداراتٍ قريبةٍ من نجومها -المسماة بكواكب المشتري الحارة (hot Jupiters)- من إيجاد كواكب شبيهةٍ بالأرض والتي تدور في مدارٍ مشابهٍ لمدار الأرض حول الشمس. لذلك، فإن تحديد الكواكب المشابهة لكوكب الأرض قد يستغرق وقتاً، ويمكن أن يأخذ وقتاً أطول قبل أن يتمكن علماء الفلك من التقاط أضوائها الهزيلة المنعكسة والتحقيق فيها، من أجل معرفة الخصائص الكيميائية للحياة كما نعرفها.

ولكن من طبيعة البحث إيجاد أشياء مغايرة لما هو متوقع، وكشف صيادوا الكواكب الخارجية عن كواكب خارجة عن المألوف، مثل الكوكب GJ 1214b المعروف بعالم المياه، والذي يبلغ حجمه ضعف قطر الأرض ويدور حول نجمٍ قزمٍ كل 38 ساعةً ويبتعد عن الأرض 40 سنةً ضوئية، تصل درجة حرارة سطحه الذي يغلي إلى درجة حرارة فرن والبالغة 446 فهرنهايت.


النجم الشبيه بالشمس Kepler-20 -الذي يبعد حوالي 950 سنةً ضوئيةً عنا- لديه 5 كواكب، اثنان منها لديها كتلة مشابهة للأرض، وكلها معبأة في مداراتٍ أصغر من مدار عطارد حول الشمس. الكوكب WASP-17b الذي يبلغ حجمه ضعف المشتري ولكن يمتلك فقط عشر كثافته، ويدور حول نجمٍ على بعد 1000 سنة ضوئية عنا.

قديماً في عام 1959، كان علماء الفلك لا يزالون يتناقشون حول ما إذا كان الكوكب يدور حول نجمٍ ثنائي -زوج من النجوم تدور حول بعضها البعض- تبين أن الجواب هو "نعم" تم العثور على ثلاث من هذه الأنظمة الكوكبية، الكواكب لديها توأم شموس في سمائهم، مثل تاتوين (Tatooine) في حرب النجوم (Star Wars). بوضع هذه الغرابة جانباً، تشد مؤسسة صيد الكواكب الانتباه إلى العدد الحقيقي لنجوم مجرتنا، على عكس العدد الأولي الذي تم الحصول عليه من مراقبة النجوم. 


أبراج النجوم التي نتعلمها كأطفال -اورايون الصياد "Orion the Hunter"، الكلب الأكبر للكلب الكبير "Canis Major the Big Dog"، لايرا والقيثارة "Lyra the Lyre"- التي لا تُنسى بسبب نجومها اللامعة، نجوم عملاقة مثل ريجل "Rigel"، وسايريس "Sirius" وفيغا "Vega". لكن مثل هذه النجوم الكبيرة الساطعة، بالرغم من وجودها إلا أنها نادرة، من أجل كل عملاق مثل سايريس "Sirius" هناك عشرات النجوم الشبيهة بالشمس وحوالي 100 مليون نجم قزم خافت. 


هذا التفاوت راجع إلى أن النجوم القزمة تتشكل بشكلٍ أكثر من النجوم العملاقة، وتستمر لوقتٍ أطول. تحترق النجوم العملاقة بشدةٍ وينفذ وقودها خلال ملايين السنين، أما النجوم المتوسطة الحجم (كالشمس) فتعيش لحوالي 10 بلايين سنة. النجوم القزمة تحرق وقودها بشكلٍ قليلٍ مما يجعلها خالدةً تقريباً، وعلى حسب علم الفلكيين، فإنه لا يوجد نجم قزم من الدرجة "M" التي تشكل منذ زمن بعيد وتوقف عن السطوع.

ما يقارب 80% من نجوم مجرتنا عبارة عن نجوم قزمة، لذا أليس من المرجح إيجاد الحياة على كوكب يدور حول نجم قزم أكثر من على كوكب يدور حول نجم نادر شبيه بشمسنا؟ ربما، ولكن النجوم القزمة خافتة جداً لدرجة أن المنطقة القابلة للسكنى -المنطقة "المعتدلة (Goldilocks)" الباردة بما يكفي لتمنع غليان المياه والدافئة لكي لا يكون الماء متجمداً دائماً- قريبة جداً من النجم، ونستطيع تشبيه هذا بالسبب الذي يستوجب المخيمين بالتجمع بالقرب من نارٍ صغيرةٍ وليس من شعلة متأججة. 


مناطق السكن للنجوم القزمة يمكن أن تكون صغيرةً جداً لدرجة أن الكواكب التي تدور حول النجم تلمس سطحه تقريباً، تدور خلال "سنوات" تدوم عدة أيام أو ساعات فقط. إذا نشأت على كيبلر-42c مثلاً، الذي يدور في المنطقة القابلة للسكن لنجم قزم يبلغ حجمه 13% من حجم الشمس، فسيكون عيد ميلادك كل عشر ساعات و 53 دقيقة.

يمكن أن تكون الحياة على مثل هذه الكواكب محفوفةً بالخطر، حتى النجوم القزمة التي لا تتجاوز حرارة سطحها حرارة كأس من القهوة، يمكن أن تنتج أشعةً سينيةً قويةً مثل أشعة الشمس. إذا كنت تقضي عطلتك على "KOI-961c" واندلع نجمه، فإن الإشعاع يمكن أن يقتلك قبل أن تتمكن من الوصول إلى مأوى، أيضاً هناك احتمالية أن تصبح الكواكب القريبة جداً من نجومها مغلقة الجاذبية، بحيث تصبح جهةٌ من الكوكب جافة والأخرى متجمدة.


حتى وإن كنت راضياً عن مدار كوكبك، فما هي الفرص المتبقية هناك؟ نحن الأرضيون نعيش في المنطقة القابلة للسكنى في نظامٍ منظم، والذي من الواضح أن كواكبه سارت جنباً إلى جنب في نفس المدارات القديمة لفترةٍ طويلة، لكن تثبت العديد من الكواكب الخارجية أنها أكثر فوضوية، فقد وجد علماء الفلك أن الكواكب قد هاجرت إلى مواقعها الحالية من مداراتٍ أصليةٍ مختلفة.

تتشكل النجوم والكواكب معاً، متحجرةً بسبب الجاذبية في قرص دوار من الغاز والغبار مع نجم بروتوني في المركز كصفار بيضة. عندنا، يشتعل النجم وتنفجر مجموعة من الجزيئات بشكل ثابت وتنسف عن سطحه وتجذب معها الغازات الخفيفة كالهيدروجين والهليوم من الجزء الداخلي للقرص، ولهذا السبب، فإن الكواكب الداخلية للشمس (كالأرض) تكون صخرية، بينما الكواكب الخارجية (مثل المشتري) تحتوي على الغازات الخفيفة بوفرة. 


وهذا يعني أن كواكب المشتري الحارة التي تدور بالقرب من نجومها لا يمكن أن تكون قد تكونت هناك، لكن وبالتأكيد قد هاجرت إلى مواقعها الحالية. 
قد تكون مثل هذه الهجرات راجعة إلى تفاعلات بين الكواكب أو بين السحب للنجوم العابرة والسدم. لا تغير الكواكب مداراتها أكثر مما كان معتقداً فقط، بل يمكن حتى أن تلقى من أنظمتها ككل، لكي تهيم على وجوهها إلى الأبد في برد وظلام فضاء ما بين النجوم. 


وقد قدّرت دراسة حديثة لوكالة ناسا، أن مجرتنا تحتوي على عددٍ من الكواكب "العائمة الحرة" (free floating) أكبر من عدد النجوم، ومن شأن ذلك أن يضع عدد العوالم المظلمة والمنفية إلى مئات المليارات. جميع الظواهر المعروفة تقع في مكانٍ ما بين الانتظام الكلي، والتي من شأنها أن تمكن من التنبؤ من سلوكها والفوضى المطلقة، التي لا تسمح بالتنبؤ بسلوكها تماماً. 


قبل صعود العلم، بدت الطبيعة على الغالب فوضوية، وبسبب عدم قدرة الناس على تنبؤ معظم الظواهر الطبيعية، أرجعوا ظهور المذنبات والعواصف الرعدية إلى ما تشير إليه الوثائق القانونية بـ "أعمال الله"، وما أن بدأ العلم بالتطور، ذهب الفلاسفة -بسبب إعجابهم بقوتها التنبؤية- إلى الجهة الأخرى، وتخيلوا بأن كل شيء منظم تماماً. 


جاء العلم ليكون مطارداً بمبدأ "الحتمية الصارمة"، مما يعني إذا كان موقع وحركة كل ذرة في نظام محدد معروفاً، فإنه يمكن للمرء حساب مستقبلها بدقة، وبما أن البشر مصنَّعون من الذرات، فالحتمية الصارمة تلمح إلى أن البشر ليسوا سوى روبوتات عائشة، تم تحديد كل أفكارهم وأعمالهم في بداية الزمن.

يدعم سلوك النظام الشمسي الحتمية الصارمة، يمكن تنبؤ صورة "التصور الكوني" (clockwork universe) المنظمة كما يمكن التنبؤ بعمل آلة ميكانيكية، رجوعاً إلى إيجاد إسحاق نيوتن "Isaac Newton" القوانين الديناميكية التي تحكم حركات كواكب الشمس. 


عندما عدّل الرياضي بيير سيمون دي لابلاس Pierre-Simon de Laplace تصور نيوتن وأعاده لـ "يتنبأ" بدقةٍ تزامن زحل مع النجم غاما فيرجينز Gamma Virginis الذي لاحظه مراقبو النجوم البابليون في سنة 228 قبل الميلاد. وبدا من المعقول أن نستنتج أن كل حدثٍ متفرد، حتى أفكار المرء، ما هي إلا جزء من تصور كوني قطعي دقيق.

لكن كانت لنيوتن نفسه شكوك حول ذلك، وقدر أنه بالرغم من أن الشمس تهيمن على البيئة الجاذبية، إلا أن الكواكب تمارس قوى جذب صغيرة وثابتة على بعضها البعض، واشتبه أن هذه التفاعلات سوف تؤذي القدرة على تنبؤ بتصور النظام الشمسي عاجلاً أم آجلاً، لكنه لم يتمكن من حساب آثارها. وقد كتب: "تعريف هذه الحركات بقوانين دقيقةٍ بسيطةٍ تتجاوز، إذا لم أكن مخطئاً، قدرة أي عقلٍ بشري".

ولقد كان على حق، لقد استلزم استخدام قوة الحوسبة الحديثة لاكتشاف أن جميع أنظمة الكواكب، حتى التي تبدو هادئة كالنظام الشمسي، تعاني من فوضى محتملة. تشير المحاكاة الحاسوبية، على سبيل المثال، أنه قد غيرت جاذبية كوكب المشتري محور القطبية لكوكب المريخ مراراً، وأنها يمكن في يومٍ ما أن تسحب عطارد إلى مدار بيضوي لدرجة أنه يمكن أن يصطدم بالزهرة أو الأرض، (حتى الاقتراب الشديد بين عطارد والأرض يمكن أن يولد ما يكفي من حزمة مد وجزر لتحويل كلا الكوكبين إلى كراتٍ من الحمم البركانية). 


مهموماً بأمر الفوضى، تساءل نيوتن بصوتٍ عالٍ ما إذا كانت القوة الإلهية قد اضطرت إلى التدخل من وقتٍ لآخر للحفاظ على عمل النظام الشمسي بسلاسة. ويقال اليوم بأن فقط عمل القدرة الإلهية يمكن أن ينقذ الحتمية الصارمة.

وبتمنى ليلة سعيدة للنجوم الحاملة للكواكب التي بدت على نحوٍ متزايدٍ مثل موانئ للتوقف، أغلقت المرصد وتوقفت لكتابة بعض الأرقام على قصاصة ورق. تقدر ناسا أن مجرة درب التبانة تحتوي على الأقل 100 مليار كوكب، بدون احتساب العوامات الحرة الوحيدة. 


وإذا حققت "الأدوات والتطور التقني" التي قرأت عنها في 1959 حالةً من التميز تسمح لعلماء الفلك باكتشاف كواكب جديدة كل دقيقة، فإنه سيستغرق 100000 سنة تعيين نصف الكواكب في مجرتنا، والتي هي واحدة من بين أكثر من 100 مليار مجرة. باختصار نحن نقف على بداية عصر عظيم من المغامرة، وسوف نبقى كذلك دائماً ما دمنا نمارس العلم باستمرار.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات