ملابس الدّراويش تكشف عن أنماط ثابتة

 دوران الدراويش خلال مهرجان جلال الدين الرّومي عام 2007.


حقوق الصّورة: diaz via Wikimedia Commons.


ما الذي تشترك فيه الأقمشة المخروطية الالتفافية التي يرتديها الزّهاد المسلمون مع الغلاف الجوّي للأرض؟ في الواقع هناك اشتراكٌ لابأس به، فقد وجدت دراسةٌ حديثةٌ أنّ تأثير كوريوليس (Coriolis effect)، الذي يفسّرُ على نطاقٍ واسعٍ التّياراتِ الهوائيةَ في الغلاف الجوّي، يشكّل أيضًا العمود الفقري لتفسير الأنماط الثابتة لهذه التنانير الدورانية.

بين الجذب المركزيّ والطّرد المركزي 


عندما يغيّر جسم ما سرعته (قيمتها أو/ و اتّجاهها) فإنّ هناك قوّةً إجماليةً (جاذبةً أو دافعة) تطبّق عليه. إن كان جسم ما يدور بمعدّلٍ ثابتٍ فإنّه يغيّر اتّجاهه بشكلٍ مستمر وبالتّالي فإنّ هناك قوّةً مطبّقةً عليه.

القوّة المطلوبة لتدوير جسم ما، كما هو موضّحٌ في إطارٍ مرجعيٍّ عطاليٍّ (inertial reference frame) (غير متسارعٍ وبالتالي لا يدور) تسمّى بالقوّة الجاذبة المركزية (Centripetal force) وتتجه نحو محور الدوران وتعمل على إبقاء الجسم مسحوبًا إلى الداخل وبالتالي فإنه لا ينحرف عن مساره.

تخيّل نفسك جالسًا على جسم في حالة دورانٍ كسيّارةٍ تدور حول دائرةٍ أو منصّة دائريّة، فحينما تدور حول الدّائرة داخل السيارة فإنّك تنزلق باتجاه الباب وتحسّ نفسك مدفوعًا نحوه.

في هذا الإطار الدوراني تحسّ وكأنّ قوّةً ما تدفعك شعاعيًّا إلى الخارج باتجاه الباب: إنّها القوّة الطاردة المركزية Centrifugal force، لكنّ هذه القوة لا توجد إلا في هذا الدوران حيث لا وجود لإطارٍ مرجعيٍّ عطالي، وعندما تصل إلى الباب فإنّه يعيد دفعك باتجاه محور الدوران.

يدفعك أيضًا الاحتكاك مع المقعد نحو محور الدوران، لكن رغم ذلك فإنّك ربّما تشعر بوجود قوّةٍ تدفعك نحو الباب إلاّ أنّه في الحقيقة لا وجود لها. في الواقع، يحاول جسمك المتحرّك البقاء في حركةٍ غير متغيّرةٍ ما لم تطبق عليك قوة.

في حال كان جسمك رأسيًا في بعض الاتجاهات بالنّسبة للسّيارة، وليكن الشّمال، تبدأ السيارة بالدوران نحو الغرب ويبقى جسمك متجها نحو الشمال حتى يتمكّن شيء ما في السيارة (الاحتكاك مع المقعد أو الدفع من الباب) من تدويرك نحو الغرب. يعيق الباب الاتجاه الطبيعي الذي يريد جسمك التحرك به بسبب الاتجاه الابتدائيّ الذي تحرّكت به.

تأثير كوريوليس


سابقًا من العام 1835، ناقشتْ ورقةٌ تمّ تأليفها من طرف العالم غاسبار-غوستاف دي كوريوليس Gaspard-Gustave de Coriolis ديناميكا عجلة الماء والقوى في مرجعٍ دورانيّ. وقد سمّيت القوى التي شرحها منذ ذلك الوقت بقوة كوريوليس والقوّة الطاردة المركزية. القوة الطاردة المركزية هي شعاع قوّة باتجاه الخارج بينما قوة كوريوليس عمودية على القوة الطاردة المركزية.

بالنّسبة لمشاهد في الإطار المرجعيّ الدورانيّ rotating reference frame، هناك حاجةٌ لكلا القوّتين لشرح حركة الكرة المقذوفة. الإطار المرجعيّ الدورانيّ هو إطارٌ غير عطالي متسارع، وبالتالي فإنّ هذه القوى هي نتيجة لكون المراقب متواجدًا في هذا الإطار سابق الذّكر، وتعتبر بمثابة قوى "فعّالةٍ" أو وهمية لأنّها لا توجد في إطار مرجعيٍّ غير دوراني.

لكن تأثير كوريوليس هو تأثير حقيقي: وهو كيفية ظهور حركة الجسم عندما يظهر في إطارٍ مرجعيٍّ دورانيٍّ. على سبيل المثال: إن كنت (ممثَلًا بالنقطة الحمراء في الصورة) واقفًا على عجلة دوامة الخيل وتشاهد طائرًا يطير في مسارٍ مستقيم (النقطة السوداء). سيظهر أن الطائر يطير في مسارٍ منحن.

في الأسفل نرى توضيحًا لهذا الأمر، حيث تظهِر الصورة العلوية كيف يبدو مسار الطّائر عندما يشاهده شخصٌ واقفٌ على الأرض، أمّا الصورة السفلية فتظهِر كيف يبدو مسار الطائر بالنسبة لشخصٍ واقفٍ على عجلة دوامة الخيل.

بالنّسبة إلى مراقب في الإطار المرجعي الدّوراني، وبسبب تغيّر اتجاه الطّائر، فلا بد من وجود قوّةٍ مطبّقةٍ عليه، فالاتجاه نحو الخارج شعاعيًا من المركز سيكون باتجاه القوة الطاردة المركزية المطبقة على الطّائر، والاتجاه العمودي عليه المتسبب في دوران الطائر سيكون قوة كوريوليس المطبقة على الطائر، لكن لا وجود لهذا الأمر في الإطار المرجعي العطالي.

 

من الإطار المرجعي غير المتسارع (العطالي)، تتحرّك النّقطة السّوداء (الطّائر) مباشرةً عبره، ولكن لاحظ أيضًا الشّخص المراقب (النقطة الحمراء) في الإطار المرجعي الدوراني حيث تبدو النقطة السوداء (الطائر) تتحرك في مسار منحن. حقوق الصّورة: Hubi via Wikimedia Commons
من الإطار المرجعي غير المتسارع (العطالي)، تتحرّك النّقطة السّوداء (الطّائر) مباشرةً عبره، ولكن لاحظ أيضًا الشّخص المراقب (النقطة الحمراء) في الإطار المرجعي الدوراني حيث تبدو النقطة السوداء (الطائر) تتحرك في مسار منحن. حقوق الصّورة: Hubi via Wikimedia Commons


بعبارةٍ أخرى، إذا كنت في إطارٍ دورانيٍّ فإنّك تعتبر نفسك ثابتًا، وأيّ شيءٍ يطير في مسارٍ مستقيمٍ يظهر وكأنّه يتحرّك في مسارٍ منحنٍ.  لكن الآن إذا أخذنا بعين الاعتبار دحرجة كرةٍ في مسارٍ مستقيمٍ وقت وجودك في دوامة الخيل الدورانية فستظهر الكرة وكأنّها تتحرّك في مسارٍ مستقيمٍ بالنّسبة لشخصٍ يرى دوامة الخيل من فوق، ولكن سيبدو هذا المسار منحنيًا إذا تمّت المشاهدة في دوامة الخيل.

هذه الحالة مختلفةٌ عن نظيرتها الأولى التي شرحناها، فقبل أن تُدفع الكرة فإنّ لديها فعلًا نفس الحركة الدورانيّة مثل التي لدى دوامة الخيل. طبقًا لقوانين نيوتن، يجب على الكرة أن تحافظ على الحركة الدورانية مع الحركة الناتجة عن الدفع. يمكنك مشاهدة مقطع الفيديو حول هذا الأمر أسفل المقال.

وبشكلٍ مماثلٍ، فإنّ دوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشّرق يأثّر في أنماط الطّقس عبر العالم، فأي شيء على الأرض يدور معها، وبالتّالي فإنّ له حركةً في هذا الاتجاه.

تدور السحب عكس عقارب السّاعة في النّصف الشّمالي من الكرة الأرضية، ومع اتّجاه عقارب السّاعة في النصف الجنوبي، ونفس الشّيء بالنّسبة لاتّجاه للعواصف مثل الأعاصير الحلزونيّة (cyclones) والأعاصير المداريّة (herricanes). 


تنتج هذه الاتّجاهات من الهواء القريب من السطح والمتحرّك في اتجاه دوران سطح الأرض وحركة الهواء في الأعلى المتفاعل معه. السرعة من الغرب إلى الشرق على مستوى خط الاستواء هي أكبر من تلك التي على القطبين لأن لديها مسافة أكبر لتتحرك، لكن تدور الأرض في مجملها بنفس المعدّل. للتّوضيح أكثر يمكنك الاطّلاع على الفيديو في نهاية المقال.


 


 

التنانير الملتفّة


إذًا، ما علاقة كلّ ما سبق بالتنانير الملتفّة؟ للإجابة على هذا السؤال نحتاج فهمًا أفضل لكيفية عمل هذه التنانير. تُصنع التنانير من أقمشةٍ غير مطويّةٍ على شكل مخروط. عندما لا تدور فإنّها تتدلّى نحو الأسفل مثل الستائر، وفي حالة دورانها فإنها ترتفع فوق الأرض قليلًا. وأثناء الدوران، فإن نموذجًا من ثلاث أو أربع قممٍ حادّة تنفصل بأحواض واسعةٍ منبثقة.


يدور كلٌّ من النّمط والقماش، لكنّ دوران النّمط هو أبطأ من دوران القماش المهتزّ. عندما تشاهد هذا الفيديو بدقة يمكنك رؤية القماش المهتزّ يدور بسرعة أكبر من القمة الحادة. 

أنشأ باحثون من جامعة المكسيك، جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا وجامعة لورين في فرنسا نموذجًا رياضيًا بسيطاً للتّحقّق من هذه الظّاهرة مع إهمال بعض العوامل على غرار تمدّد القماش، طاقة انحنائه، التوزّع غير المتساوي للكتلة والتفاعل مع الهواء. 


وقد استعملوا شكلًا مخروطيًّا لتنورة بنصف قطر 1م في النهاية. عندما يدور أسفل التنورة بـتواتر 1 هيرتز (دورة واحدة في الثانية) فإنّه سيشهد تسارعاتٍ أكبر بأربع مرّاتٍ من التسارع الناتج عن الجاذبية.



يعطي هذا التسارع الكبير الباحثين سببًا مبرّرا لإهمال سحب الجاذبية الأرضية للقماش، وباستعمال هذا النموذج البسيط والذي يبقى غير خطي، يأمل الباحثون في العثور على المعادلات التي تُنتج هذه الأنماط المماثلة لتلك التي تشاهَد في التنانير الملتفّة.


لكنّهم تفاجأوا بعدم إمكانيتهم إعادة إنتاج الأنماط المشاهدة ما لم يشمل ذلك الحركة النّسبية بين قماش التنورة والنموذج المتشكّل، وهنا تظهر قوى كوريوليس على القماش كعامل أساسيٍّ في تشكيل النّمط المشاهد.

عبر تعديل معاملات نموذجهم الرياضي المحدّث ليشمل الحركة النسبية بين قماش التنورة والنمط المتشكل، فإنّ باستطاعتهم إعادة إنتاج أنماطٍ ثابتة تُظهر ثلاث قممٍ حادّةٍ مماثلةٍ جدًّا لتلك التي تلاحظ على تنورة الدرويش الملتفّة. 


يظهر في الأسفل مثالٌ على أحد الحلول لنموذجهم الرياضي المعدل، حيث يمثّل المخروط الملوّن التنورة، أمّا الخط الأسود المثبّت في أعلى أو قمّة النمط المتشكل فإنّه يدور حول المحور العمودي على طول المخروط، والخط الأحمر مثبّتٌ على قماش التنورة.

 

يتموضع كلا الخطين الأحمر والأسود في نفس المكان في الشّكل الأوّل (من اليسار إلى اليمين) في الصّورة أدناه، أمّا في الشّكل الثّاني فيمكنك رؤية قماش التنورة يدور أسرع من الأنماط الثابتة ويتوضح ذلك من خلال الدوران الإضافي للخط الأحمر مع بقاء الخط الأسود الثابت على قمة النمط.

يستمر القماش في الحركة بمعدلٍ ثابتٍ أكبر من النمط الثابت وبالتالي فإنّ الزاوية بين الخطوط تزداد مع الزمن كما يظهر في الشّكلين المتبقّيين.

لقطاتٌ مأخوذةٌ في أزمنةٍ مختلفةٍ (تتزايد من اليسار إلى اليمين) للأنماط الدورانية والقماش لنموذجٍ بسيطٍ عن تنورة مخروطية دورانية غير متمدّدة.  حقوق الصّورة: J.Guven/JA Hanna/M.M.Muller
لقطاتٌ مأخوذةٌ في أزمنةٍ مختلفةٍ (تتزايد من اليسار إلى اليمين) للأنماط الدورانية والقماش لنموذجٍ بسيطٍ عن تنورة مخروطية دورانية غير متمدّدة. حقوق الصّورة: J.Guven/JA Hanna/M.M.Muller

التطلّع قدمًا 

مثلما نوّه الباحثون في ورقتهم، فلدى تشكُّل النمط في التنورة المهتزّة عدة تشابهات، لكن أيضًا بعض الاختلافات مقارنة بتشكّل الأنماط في الغازات والسوائل الدورانية، حيث يسمح دوران السائل أو الغاز للمادة بالتحرك في كامل حجم الدوران.

 

في حالة التنورة، النمط والتدفق محدودان بالسطح كما ستكون الحال في خيط دوراني. يتضمّن هذا الأمر قيودًا قويّةً حول المعادلات التي تصف حركة القماش الدوراني.

بالنسبة لأحد الباحثين وهو جاي غوفن J.Guven، فإنّهم "يحاولون حاليًا فهم التنوع المذهل للأنماط المتوقعة من المعادلات"، وقد شرحوا في ورقتهم بأنّهم خطّطوا لتنقيح نموذجهم بإزالة مختلف التبسيطات التي استعملوها.


على سبيل المثال، فقد خطّطوا لتضمين تأثيرات الجاذبية على القماش وكذا طاقة انحنائه، وكما يصرّح غوفن "فإنّ هذه العوامل مهمّةٌ إذا كنتَ مهتمًا بنمذجة حركة المواد الأقل أهميّة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

اترك تعليقاً () تعليقات