دوران النُجوم حول نَفسِها يَكشِف عَن أعمارها

عندما كنتَ طِفلاً، كان كل عيد ميلاد سبباً للإحتفال؛ لكن مع تقدمك بالعمر، تُصبح أعياد الميلاد أقل إثارة؛ فربما أنت لا تريد الاعتراف بأنك أصبحت أكبر ولاحظت أنك تصبح أبطأ مع تقدمك بالعمر.

لست وحدك – الأمر نفسه صحيح مع النجوم. إنها تتباطأ مع تقدمها بالعمر، وتحتفظ بأعمارها كأسرار. يستفيد علماء الفلك حالياً من الحقيقة الأولى من أجل تعقب النجوم وقياس أعمارها بشكلٍ دقيق.


يقول سورين ميبوم (Soren Meibom) من مركز هارفارد-سيمثسونيان للفيزياء الفلكية (CfA): "هدفنا هو الحصول على ساعة يُمكنها قياس الأعمار الدقيقة والصحيحة للنجوم بالاعتماد على سبينها (دورانها حول نفسها). أخذنا خطوة مهمة أخرى نحو بناء تلك الساعة".

عرض ميبوم اكتشافات فريقه في مؤتمر صحفي في اجتماع الجمعية الأمريكية لعلم الفلك. وتُمثل نتائجهم التوسيع الأول لمثل هذه المراقبات المتعلقة بالنجوم ذات الأعمار الأطول من مليار سنة وتمتد نحو تلك التي يبلغ عمرها حوالي 4.6 مليار عام – وهو قريب من عمر شمسنا. إنَّ القدرة على تحديد أعمار النجوم هي الأساس في فهم كيفية انتشار الظواهر الفلكية التي تتضمن النجوم ومرافقيها مع مرور الوقت.


ترتبط معرفة عُمر النجوم بشكلٍ خاص مع البحث عن إشارات على حياة خارجية موجودة خارج النظام الشمسي؛ فقد تطلب الأمر وقتاً طويلاً حتى بدأت الحياة فوق الأرض بالوصول إلى تعقيدها الحالي؛ وبوجود ساعات نجمية دقيقة، يَستطيع علماء الفلك تحديد النجوم والكواكب التي يصل عمرها إلى عمر الشمس أو أكثر.

يعتمد معدل دوران النجم حول نفسه (سبينه) على عمره لأنه يتباطأ بشكلٍ منتظم مع مرور الزمن –بشكلٍ مشابه لمغزل يدور فوق طاولة. ويعتمد سبين النجم أيضاً على كتلته؛ فقد وجد علماء الفلك أن النجوم الأكبر والأثقل تميل لأن تمتلك معدلات دوران أسرع من النجوم الأصغر والأخف. يُوضح هذا العمل الجديد وجود علاقة رياضية وثيقة بين الكتلة، والسبين، والعمر؛ ولذلك عبر قياس المقدارين الأولين، يُمكن للعلماء حساب الثالث.


يشرح المؤلف المشارك سيندي بارنز (Sydney Barnes) من معهد لايبنز للفيزياء الفلكية في ألمانيا: "وجدنا أن العلاقة الموجودة بين معدل الدوران، والكتلة، والعمر محددة بدرجة كافية جراء المراقبات؛ وبالتالي يُمكننا استخلاص أعمار النجوم المفردة بهامش خطأ يصل إلى 10%".

اقترحت بارنز هذه الطريقة في البداية عام 2003 واعتمدت في ذلك على عمل سابق؛ وسمت الطريقة دراسة الدوران الزمني (gyrochronology) – هذه الكلمة قادمة من الكلمات الإغريقية (gyros) الدوران، و(chrono) الزمن/العمر، و(logo) دراسة.


ولقياس سبين نجم ما، يبحث علماء الفلك عن التغيرات الحاصلة في لمعانه والناتجة عن البقع المظلمة الموجودة فوق سطحه –المكافئ النجمي للبقع الشمسية. على النقيض من شمسنا، فإن النجم البعيد يكون عبارة عن نقطة من الضوء لا يمكن تمييز ما بداخلها، ولذلك لا يستطيع علماء الفلك أن يقوموا بشكلٍ مباشر برؤية بقعة شمسية ما أثناء عبورها القرص النجمي. وبدلاً من ذلك، يراقب العلماء خفوت النجم قليلاً أثناء ظهور البقعة الشمسية وعودته إلى اللمعان بشكلٍ أكبر بعد اختفاء البقعة الشمسية جراء دورانها خارج حقل الرؤية.


من الصعب جداً قياس هذه التغيرات لأن النجم النموذجي يعاني من انخفاض لا يتجاوز 1%، وتحتاج البقعة الشمسية الواحدة إلى أيام من أجل عبور وجه النجم. أنجز فريق العمل باستخدام بيانات المركبة الفضائية كبلر التابعة لناسا والتي تُقدم قياسات دقيقة ومستمرة للمعان النجمي.

وكي يكون العمر المحدد عبر دراسة الدوران الزمني دقيق، يجب على علماء الفلك أن يُعايروا ساعتهم الجديدة عبر قياس فترات دوران النجوم حول نفسها –النجوم التي تمتلك أعمار وكتل معروفة. درس ميبوم وزملاؤه في السابق عنقوداً نجمياً يبلغ عمره مليار عام؛ وتفحص الطريقة الجديدة نجوم ذلك العنقود المعروف بـ NGC 6819 موسعةً بالتالي وبشكلٍ معتبر مجال الأعمار. يقول ميبوم: "تمتلك النجوم الأطول عمراً بقعاً أصغر وأقل عدداً؛ ما يجعل من قياس فترات دورانها أمراً صعباً".


تحقق الفريق من نجوم تمتلك كتلة أكبر من كتلة الشمس بحوالي 80% إلى 140%؛ وكانوا قادرين على قياس فترات دوران 30 نجم وامتدت تلك الفترات على المجال بين 4 إلى 23 يوم مقارنة مع فترة دوران الشمس حول نفسها البالغة 26 يوم.

تمتلك ثمان نجوم مشابهة للشمس فترة دوران تبلغ حوالي 18.2 يوم تقريباً؛ وهو أمر يوضح أن فترة دوران الشمس كانت عند تلك القيمة تقريباً عندما كان عمرها 2.5 مليار عام (قبل حوالي 2 مليار عام).

بعد ذلك، قيم الفريق بضعة سيناريوهات حاسوبية موجودة من أجل حساب معدلات دوران النجوم بالاعتماد على كتلها وأعمارها؛ ليعرفوا بالتالي أي النماذج يُطابق المراقبات بشكلٍ أدق.


يقول ميبوم: "الآن، يُمكننا اشتقاق العمر الدقيق لعدد كبير من النجوم الباردة والموجودة في مجرتنا بالاعتماد على فترات دوران تلك النجوم. هذه أداة جديدة ومهمة، وستساعد علماء الفلك على دراسة تطور النجوم ومرافقيها، ويُمكنها المساعدة أيضاً في تحديد الكواكب ذات العمر المناسب من أجل نشوء وتطور الحياة المعقدة فوقها".

نُشر هذا العمل على الانترنت في موقع مجلة بتاريخ 5 كانون الثاني/يناير؛ وهو جزء من دراسة عنقود كبلر، الذي يعتبر ميبوم الباحث الرئيسي فيه.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات