مافن تتوصل إلى أن المريخ يبدو كمغني روك

لو كانت الكواكب تمتلك شخصيات لكان كوكب المريخ يمثل أحد نجوم موسيقى الروك، وذلك حسب النتائج الأولية للمركبة مافن (MAVEN) التابعة لناسا. تحيط بالمريخ هالةٌ من الجسيمات الهاربة من الغلاف الجوي عند القطبين بشكل يشبه تسريحة الموهوك[1] (Mohawk)، وتُغلفه طبقة من الجسيمات المعدنية في الطبقات العليا من غلافه الجوي، ويضيئه الشفق القطبي بعد كل ضربة يتلقاها من العواصف الشمسية. تقوم مافن كذلك برسم خارطة للجسيمات الهاربة من الغلاف الجوي. وقد تمت مناقشة النتائج الأولى في ورشة عمل خاصة برعاية مافن عُقدت في بيركلي-كاليفورنيا، وذلك بتاريخ 19-21 حزيران/يونيو.

انطلقت مركبة "تطور الغلاف الجوي للمريخ وتطايره" (Mars Atmosphere and Volatile Evolution) أو اختصاراً (MAVEN) في الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2013 من أجل اكتشاف الكيفية التي فقد الكوكب الأحمر من خلالها معظم غلافه الجوي، محولاً بذلك مناخه من كوكبٍ يمكنُ أن يدعم الحياة قبل مليارات السنين إلى آخر باردٍ قاحلٍ كما هو في الوقت الراهن.

محاكاة حاسوبية لتفاعل الرياح الشمسية مع الجسيمات المشحونة كهربائياً (الأيونات) في الطبقات العليا من الغلاف الجوي للمريخ. تمثل الخطوط مسارات الأيونات المنفردة، وتمثل الألوان طاقتها، حيث تُظهر أن منطقة القبعة القطبية (اللون الأحمر) تحتوي على الأيونات الأكثر طاقة. المصدر: X. Fang, University of Colorado, and the MAVEN science team
محاكاة حاسوبية لتفاعل الرياح الشمسية مع الجسيمات المشحونة كهربائياً (الأيونات) في الطبقات العليا من الغلاف الجوي للمريخ. تمثل الخطوط مسارات الأيونات المنفردة، وتمثل الألوان طاقتها، حيث تُظهر أن منطقة القبعة القطبية (اللون الأحمر) تحتوي على الأيونات الأكثر طاقة. المصدر: X. Fang, University of Colorado, and the MAVEN science team


وفي ضوء النجاح العلمي المستمر، سيتم تمديد البعثة مافن بدءاً من تشرين الثاني/نوفمبر لهذا العام وحتى أيلول/سبتمبر 2016. وسيتيح هذا التمديد مُزامنة مهمة مافن مع عملية مراجعة البعثات الكوكبية الواسعة المخطط لها في عام 2016، والتي ستحدد امتدادات المهمة مستقبلاً.

تتحول الذرات الموجودة في الطبقات العليا من الغلاف الجوي لكوكب المريخ إلى أيونات مشحونة كهربائياً بعد أن تحصل على الطاقة بفعل الإشعاع الشمسي والكوني. ونظراً لأن هذه الأيونات مشحونة كهربائياً، فهي تستطيع أن تتحسس القوى المغناطيسية والكهربائية للرياح الشمسية، وهذه الرياح عبارةٌ عن تيار رقيق من الغاز الموصل للكهرباء تُقذف من سطح الشمس إلى الفضاء بسرعة تقارب مليون ميل في الساعة. وتعتبر الرياح الشمسية والنشاطات الشمسية الأكثر عنفاً، مثل الاندلاعات الشمسية (solar flares) والتدفقات الإكليلية الكتلية (Coronal Mass Ejections)، تعتبر قادرةً على اقتلاع الأيونات من الطبقات العليا للغلاف الجوي المريخي من خلال القوى الكهربائية والمغناطيسية المتولدة بدورها عن طريق عدة آليات، مما يؤدي إلى تَرقّق الغلاف الجوي مع الوقت. وتهدف البعثة مافن إلى اكتشاف الآليات الأكثر مساهمة في فقدان الغلاف الجوي، وإلى تقدير معدل تآكل الغلاف الجوي المريخي.

يقول بروس جاكوسكي Bruce Jakosky الباحث الرئيسي في البعثة مافن من جامعة كولورادو: "تقوم مافن بمراقبة القبعة القطبية بحثاً عن الجسيمات الهاربة من الغلاف الجوي"، ويضيف: "قد تلعب كمية المادة التي يخسرها المريخ بهذه الطريقة دوراً أساسياً في تطاير الغازات باتجاه الفضاء". وقد قُدّمت المُشاهدات الأولية لمافن حول هذه الظاهرة في آذار/مارس ضمن مؤتمر العلوم القمرية والكوكبية في هيوستن-تكساس.

أنبأتنا النماذج النظرية أن الحقل الكهربائي المتولد بفعل الرياح الشمسية الوافدة يمكن أن يدفع الأيونات باتجاه هذا القطب أو ذاك، مما يؤدي إلى قبعة قطبية من الأيونات الهاربة. يقول ديفيد برين David Brain من جامعة كولورادو، وهو عالم متعدد التخصصات في بعثة مافن: "عند تتبع مسارات الجسيمات في النماذج الحاسوبية، فإن هذه القبعة تبدو مشابهةً نوعاً ما لتسريحة الموهوك".

وقد كشفت مافن أيضاً عن طبقة ذات عمر مديد في الطبقات العليا المشحونة كهربائياً من الغلاف الجوي للمريخ (الأيونوسفير)، تتألف هذه الطبقة من أيونات معدنية (من الحديد والمغنيسيوم) مصدرها حطام النظام الشمسي (solar-system debris) مثل غبار المذنبات والنيازك. تسخن هذه المادة القادمة مع دخولها للغلاف الجوي، ثم تحترق وتتبخر، حتى أنها قد تتأين.

يقول جاكوسكي: "لقد كشفت مافن سابقاً عن طبقةٍ من الأيوناتِ المعدنيةِ مرتبطةٍ بالغبار القادم من المذنب "Siding Spring" الذي مر على مسافةٍ قريبةٍ من المريخ في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. حين قامت مافن بأول اقتراب كبيرٍ لها من سطح الكوكب في شباط/فبراير وانخفضت في مدارها إلى ارتفاع يقارب 125 كيلومتراً (78 ميلاً) فوق سطح الكوكب، تمكنا مباشرة من تحري الأيونات المعدنية التي لا تزال عالقة في الطبقات العليا من الغلاف الجوي. ونظراً لعدم اقتراب أي مذنب لمسافة قريبة من الكوكب في تلك الفترة (أي فترة انخفاض مافن)، فنحن نتوقع أن تكون هذه الطبقة الموجودة حالياً هي نفس تلك الطبقة ذات العمر المديد".

وقد تمكنت المركبة كذلك من رؤية الكوكب الأحمر وهو يتألق تحت تأثير النشاط الشمسي العنيف، حيث تقوم التدفقات الإكليلية الكتلية الصادرة عن الشمس بإطلاق مليارات الأطنان من المادة الشمسية إلى الفضاء بسرعات تصل إلى ملايين الأميال في الساعة، ونظراً لأن المريخ لا يتمتع بحقل مغناطيسي قوي يَحمِيه، كما هو الحال مع الأرض، فإن الجسيمات الصادرة عن التدفقات الإكليلية الكتلية ترتطم مباشرة بالطبقات العليا من الغلاف الجوي المريخي، مما يؤدي إلى توليد عروض منتشرة من الأضواء تدعى بالشفق القطبي (aurora). عندما ترتطم الجسيمات ذات الطاقة العالية والقادمة من الشمس بالطبقات العليا من الغلاف الجوي، تُحَرّض الذرات الموجودة فيها، وتُصدر هذه الذرات الطاقة مع عودتها إلى الحالة القاعدية [2] (ground state). إن تأثير المجال المغناطيسي (magnetic field) للأرض على نفسها يُركز عروضَ الشفقِ القطبي قرب المناطق القطبية، حيث تُعرف بأضواء الشمال أو أضواء الجنوب، أما الشفق القطبي الذي رصدته المركبة مافن على المريخ فهو أكثر انتشاراً، ويمكن لهذه التأثيرات أيضاً أن تؤدي إلى تسريع هروب غازات الغلاف الجوي إلى الفضاء.
 

وُضعت هذه الخارطة للشفق القطبي على سطح المريخ في كانون الأول/ديسمبر 2014 بواسطة "مقياس الطيف التصويري بالأمواج فوق البنفسجية" (IUVS) الموجود على متن المركبة مافن، حيث تَظهر متراكبةً على سطح كوكب المريخ. وتُظهر الخارطة أن الشفق القطبي كان منتشراً في نصف الكرة الشمالي دون أن يكون مرتبطاً بأي وضع جغرافي معين. وقد رُصد الشفق القطبي في جميع الأرصاد التي أجريت طوال فترة تمتد إلى خمسة أيام. المصدر: جامعة كولورادو.
وُضعت هذه الخارطة للشفق القطبي على سطح المريخ في كانون الأول/ديسمبر 2014 بواسطة "مقياس الطيف التصويري بالأمواج فوق البنفسجية" (IUVS) الموجود على متن المركبة مافن، حيث تَظهر متراكبةً على سطح كوكب المريخ. وتُظهر الخارطة أن الشفق القطبي كان منتشراً في نصف الكرة الشمالي دون أن يكون مرتبطاً بأي وضع جغرافي معين. وقد رُصد الشفق القطبي في جميع الأرصاد التي أجريت طوال فترة تمتد إلى خمسة أيام. المصدر: جامعة كولورادو.


وقد قامت مافن سابقاً برصد الشفق القطبي المنتشر على المريخ، وذلك خلال عاصفة إلكترونية شمسية عاتية حدثت في العام الماضي مباشرةً قبل عيد الميلاد، حيث نُشر هذا الرصد في وسائل الإعلام في منتصف شهر آذار/مارس. وقد تمكنت البعثة اليوم من رصد الشفق القطبي لمرتين إضافيتين بالتوافق مع التدفقات الإكليلية الكتلية في آذار/مارس على حد قول جاكوسكي.

تقوم مافن كذلك بوضع خريطة للجسيمات الهاربة من الغلاف الجوي. يقول برين: "يمكننا كذلك تصميم خرائط منفصلة حسب الضغوط المنخفضة أو المرتفعة للرياح الشمسية، أو حسب التأثيرات الأخرى التي تؤدي إلى تطاير الغلاف الجوي. إن ما سنعرفه حول تفاوت معدلات تطاير الغلاف الجوي سيسمح لنا بتقدير تغيّر معدل التطاير خلال تاريخ النظام الشمسي".

يقع المختبر الرئيسي لإدارة البعثة مافن في مختبر جامعة كولورادو لفيزياء الفضاء والأغلفة الجوية في بولدر. قامت الجامعة بتزويد المركبة بأداتين علميتين، وهي تقود العمليات العلمية للبعثة، بالإضافة إلى العمليات التثقيفية والانتشار الإعلامي. قامت جامعة كاليفورنيا من خلال مختبر بيركلي لعلوم الفضاء بتأمين أربع أدوات علمية للبعثة. يقوم مركز غودارد للرحلات الفضائية التابع لناسا في غرينبيلت-ميريلاند بإدارة مشروع مافن، وقد قام بتأمين أداتين علميتين لهذه البعثة. تم بناء المركبة في مركز لوكهيد مارتين، وهو مسؤول كذلك عن تشغيلها. يؤمن مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا-كاليفورنيا عملية الملاحة من خلال برنامج الفضاء السحيق، بالإضافة إلى العتاد الحاسوبي "Electra" اللازم للاتصالات اللاسلكية.

ملاحظات:



[1] تسريحة الموهوك (Mohawk) هي تسريحة غريبة يتم فيها حلاقة جانبي الرأس مع إبقاء الشعر طويلاً ومنتصباً للأعلى في المنتصف. ظهرت هذه التسريحة في الثمانينات، وهي تنسب إلى قبيلة الموهوك، وهي من قبائل السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية.

[2] الحالة القاعدية/الأرضية (ground state): هي وصف للحالة الأدنى لطاقة الذرات أو الجسيمات.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التدفق الإكليلي الكتلي (Coronal mass ejections): أو CMEs، هي ثورانات مكونة من الغاز والمواد المُمغنطة القادمة من الشمس والتي قد تؤدي إلى أثار مدمرة على الأقمار الصناعية والتقنيات الأرضية.
  • التوهجات الشمسية (solar flares): ثورانات غازية عنيفة تحصل على سطح الشمس.
  • الغلاف الجوي (Atmosphere): هو الغلاف المكون من الغازات المُحيطة بالأرض أو أي كوكب آخر.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات