غروب الشمس، لماذا يختلف بين الأرض والمريخ؟

حتى الروبوتات لا يمكنها أن تغفل لحظة واحدة عن منظر غروب الشمسٍ الجميل. فقد قام مسبار كريوزيتي (Curiosity) التابع لناسا بتوجيه كاميرته ذات الدقة العالية نحو غروب الشمس في المريخ، لتلتقط أربع صور متتابعة يوم 15 نيسان/أبريل في نهاية اليوم ٩٥٦ من مهمته المريخية. ورغم كون هذا الغروب يشبه نوعاً ما غروب الشمس الأرضي، إلا أن الفحص الدقيق سيُظهر فوارق غريبة بينهما.

 

صورة لغروب الشمس تم التقاطها من "فوهة غيل" Gale بواسطة المسبار كريوزيتي في 15 نيسان/أبريل 2015
صورة لغروب الشمس تم التقاطها من "فوهة غيل" Gale بواسطة المسبار كريوزيتي في 15 نيسان/أبريل 2015

 

يستغرق اليوم المريخي ٢٤ ساعة و٣٩ دقيقة، لذلك فإن شروق الشمس وغروبها يماثلان تقريباً نظيريهما في الأرض. ولذلك، عندما نبني لاحقاً قاعدة على سطح المريخ، فإن رواد الفضاء لن يجدوا صعوبة في التكيّف مع تعاقب الليل والنهار في هذا الكوكب، لكن لو أرادوا السفر عبر الكوكب، لشعروا بالإرهاق الناجم عن فرق التوقيت بشكل أكبر من الأرض.


توفر ظاهرتي غروب الشمس وشروقها في المريخ لوحة مختلفة الألوان أكثر عما هي في الأرض، سنذكر في البداية أن الشمس في المريخ تشع ضوءً يكافئ ضوء يوم أرضي غائم جزئيًا في ساعات بعد الظهر، وذلك لأن متوسط المسافة بين المريخ والشمس هو 14106 مليون ميل، أي ما يعادل حوالي مرة ونصف عن المسافة بين الشمس والأرض، فزيادة البعد عن الشمس تقلل من شدة الإشعاع. كما يتقلّصُ قرص الشمس عن الحالة المألوفة لنا في الأرض، والتي تبلغ 0.5 درجة إلى 0.35 درجة في المريخ. ويمكنك على الأرض أن تغطي بإصبعك الصغير الممتد على طول ذراعك حجماً يعادل حجم شمسين، لكنك ستغطي على المريخ حجماً يعادل حجم ثلاثة شموس.


وبالنسبة للون، يقوم الغبار والجسيمات الدقيقة الأخرى الموجودة في الغلاف الجوي ببعثرة اللونين الأزرق والأخضر القادمين من الشمس عند غروبها أو شروقها، لتعطيها لوناً أصفر وبرتقالي وأحمر، وعندما تنعكس هذه الألوان الخفيفة عن الغيوم، تتضخم ألوان غروب الشمس وتنتشر في السماء، ما يجعلنا نلتقط كاميرا الهاتف ونصوِّر هذا المشهد الرائع.

 

لقطة واسعة لغروب الشمس في "فوهة غوسيف" Gusev، تم التقاطها بواسطة المسبار "روفر" التابع لناسا في عام 2005. نشاهد فيها هالةً زرقاء وسماءً ورديّة اللّون، وذلك بسبب طبيعة غبار المريخ الناعمة
لقطة واسعة لغروب الشمس في "فوهة غوسيف" Gusev، تم التقاطها بواسطة المسبار "روفر" التابع لناسا في عام 2005. نشاهد فيها هالةً زرقاء وسماءً ورديّة اللّون، وذلك بسبب طبيعة غبار المريخ الناعمة

 

تختلف الأمور قليلاً على سطح المريخ، فالغبار الناعم الموجود على الدوام في الغلاف الجوي للمريخ يمتص الضوء الأزرق ويبعثر الألوان الدافئة، ملوناً السماء في الجهات البعيدة عن الشمس بلون يشبه الوردي. في نفس الوقت تقوم جزيئات الغبار التي في اتجاه الشمس ببعثرة الضوء الأزرق أمامها، لتخلق هالة زرقاء اللون بالقرب من مكان غروب الشمس. وإذا كنت واقفاً على سطح المريخ، ستلاحظ هذا الوهج الأزرق فقط عندما تكون الشمس قرب الأفق، حيث يمر عندها الضوء من خلال أكبر عمق للغلاف الجوي والغبار.


أما على الأرض، يُبعثَر الضوء الأزرق القادم من الشمس بواسطة جزيئات الهواء، وينتشر نحو السماء مكوناً قبة زرقاء، وبما أن للمريخ غلاف جوي يعادل ١٪ من الغلاف الجوي الأرضي ، فإننا نلاحظ اللون الأزرق فقط عند النظر من خلال السماكة العظمى للهواء المريخي والغبار، وذلك في وقت قريب من غروب الشمس وشروقها.

 


غروب الشمس من المريخ. تم تصويره بواسطة مسبار أبورتيونيتي (Opportunity) الذي تم إطلاقه في مطلع العام. 

 

يوضح الفيديو في الأعلى غروب الشمس في المريخ، حيث استُخدمت لإنتاجه الصور القادمة من مسبار آخر لناسا هو مسبار أوبرتيونيتي (Opportunity) الذي أكمل حتى الآن أكثر من 10 أعوام متجولاً في أنحاء سطح المريخ. يمكنك أن ترى قليلاً من اللون الوردي عند الشمس وذلك قبل غروبها تماماً كما تظهر في صور مسبار كيريوزيتي، لكن هناك شيء آخر يحدث، أو لا يحدث.

 

تظهر هذه الصورة أول غروب شمس يتم رصده بالألوان بواسطة "كيريوزيتي"، وقد تمت معايرة الألوان وموازنتها لإزالة آثار أدوات الكاميرا، حيث ترى "ماستكام" الألوان كما تراها العين البشرية
تظهر هذه الصورة أول غروب شمس يتم رصده بالألوان بواسطة "كيريوزيتي"، وقد تمت معايرة الألوان وموازنتها لإزالة آثار أدوات الكاميرا، حيث ترى "ماستكام" الألوان كما تراها العين البشرية

 

عندما تغرب أو تشرق الشمس في الأرض، فإنها تُسحق بشكل يشبه سحق البطيخة، والسبب في ذلك هو ظاهرة الانكسار الحاصلة في الغلاف الجوي، حيث يحني الهواء الأكثر سماكة والذي يجاور الأفق ضوء الشمس نحو الأعلى، دافعاً قاعدة القرص الشمسي ضمن النصف العلوي الأقل تأثراً بالانكسار بسبب كونه أعلى قليلاً، وحالما ترتفع الشمس للأعلى بمقدار كافٍ، يقل الانكسار وتصبح دائرة مرة أخرى.

 

في حال نظرت إلى فيديوهات غروب الشمس لكل من مسباري كيريوزتي و أوبرتيونيتي، فلن تلاحظ تغيرًل شكل الشمس. والسبب في ذلك هو أن الهواء رقيق جداً، ما يجعل ظاهرة الانكسار تختلف بشكل كبير عنها في الأرض.

 

شروق الشمس من بحيرة "سوبيريور". يعمل انكسار جوي "يكسر أشعة الشمس" على تسطيح قرص الشمس، مُظهرًا إيّاه بشكل بيضاوي.  المصدر: لاين أندرسون.
شروق الشمس من بحيرة "سوبيريور". يعمل انكسار جوي "يكسر أشعة الشمس" على تسطيح قرص الشمس، مُظهرًا إيّاه بشكل بيضاوي. المصدر: لاين أندرسون.

 

كذلك فإن ظاهرة الشفق تستمر في الكوكب الأحمر لفترة أطول، والسبب أيضاً يعود لكون الغبار المرتفع عالياً ضمن طبقة الستراتوسفير نتيجة العواصف، يستمر في عكس ضوء الشمس لساعتين أو أكثر بعد غروبها.

وكنتيجة لما سبق ذكره فبإمكانك رؤية ظاهرة غروب الشمس في المريخ بشكل مختلف عنها في كوكبنا بسبب الصفات المختلفة للغلاف الجوي. ومازلنا بانتظار أول شخص يرى ويصور غروب الشمس المريخي وينشر لنا تلك الصورة المذهلة على التويتر.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات