ماذا يخبئ بلوتو تحت سطحه؟


من السهل أن نشعر بالأسى على بلوتو بعد أن خُفضت مرتبته وأُخرج من تصنيف الكواكب في العام 2006. لكن على النقيض من ذلك، أصبح جسمنا الكوني الهامشي المفضل هذا أكثر إثارة لتوه، بعد أن استقل بذاته.

تُشير الدراسات إلى أن لبلوتو موجات ثقالية غريبة (gravity waves) وقلبًا نابضًا، كما أنّ طريقة تفاعله مع الرياح الشمسية لا تشبه أي شيء شهده علماء الفلك في نظامنا الشمسي. والآن، يبدو أن بلوتو يظهر وكأن له محيطًا جوفيًا جاريًا!

إن أدهشك هذا الأمر بسبب غرابته، فأنت محق. إنه أمر فائق الغرابة! إذ كيف لكوكب يبعد نحو 6 مليارات كم (3,67 مليون ميل) عن الشمس، ألاّ يكون متجمدًا حتى لُبه؟

قض هذا السؤال مضجع العلماء منذ أن حلّق مسبار نيوهورايزنز على علوٍ منخفض فوق بلوتو، في تموز/ يوليو الماضي، واكتشف دليلًا على نشاط تكتوني يثير الإضطراب على سطحه المتجمد، والذي من الممكن تفسيره بافتراض وجود محيط من المياه التي تضرب بعنف أسفل هذا السطح.

والآن، أثبت نموذج جديد ما اشتبه به علماء ناسا، إذ كشف النموذج كيف كان بلوتو سينكمش كخوخة تغضنت من نضجها، لو أن جوفه لم يحتوِ الماءَ السائل، تاركًا لقشرته المتجمدة حيزًا صغيرًا للحركة.

يشرح مادي ستون Maddie Stone في مدونة Gizmodo الأمر قائلًا: "عندما أرسلت نيو هورايزنز أوضحَ ما حصلنا عليه من صور لسطح بلوتو، كان من الغريب أن يغيب عن الصورة ما يشير إليه العلماء ب "المعالم التكتونية الانضغاطية"، التي كان من المتوقع أن تتشكل جراء تجمد الطبقات الداخلية من السائل، لتكون شكلًا أكثر كثافة يُعرف ب "جليد النمط الثاني" (ice II)".

المعالم التي تُفصح عن أسرار بلوتو، المصدر : ناسا - نيو هورايزنز
المعالم التي تُفصح عن أسرار بلوتو، المصدر : ناسا - نيو هورايزنز


كما صرّح عضو في الفريق الذي يقف وراء النموذج من جامعة براون، هو نوح ب.هاموند Noah P.Hammond، للإعلام قائلًا: "سيتسبب تكون جليد النمط الثاني في انكماش حجم بلوتو، وتشكل معالم تكتونية انضغاطية على سطحه".

بعبارة أخرى، أظهرت عمليات المحاكاة، التي أجراها هاموند، أنه لو كان محيط بلوتو السائل جامدًا، فتأثير الضغط الساحق لقشرته الخارجية الثقيلة سيحوله إلى جليد كثيف من النمط الثاني.

وجليد النمط الثاني غريب من حيث أنه يتقلص عندما يتجمد، بدلًا من أن يتمدد مثل الجليد الذي نعرفه! وبالتالي، لو كان لبلوتو محيط جليدي من النمط الثاني تحت قشرته المتجمدة، لأدى ذلك إلى انكماشه بالكامل من الداخل بطريقة ستظهر بوضوح فوق السطح. 

ويكمل هاموند: "بما أن المعالم التكتونية على سطح بلوتو كلها تمددية، وليست هناك معالم انضغاطية ظاهرة، فهذا يشير إلى أن جليد النمط الثاني لم يتشكل. وبالتالي، فمن المحتمل أن يكون المحيط تحت سطح بلوتو قد صمد حتى يومنا هذا".

إذًا، ما الذي يُبقي محيط بلوتو الجوفي المحتمل سائلًا هكذا؟

يعتقد العلماء أن الأمر يعود لنواة الكوكب القزم، التي تغلي وتولد كمية كبيرة من الحرارة، جراء تفكك العناصر النشطة إشعاعيًا بداخلها. وفي حين أن هذا يعني أن بلوتو يبدو أكثر قابلية للحياة مما كنا نظن -أو ربما أقل عدائيةً بقليل لاستضافة الحياة- فإن فرصة وجود حياة تبقى غير كبيرة.

لكن الهام في هذا الاكتشاف، هو حقيقة أن المحيطات السائلة قد توجد على الكواكب القزمة والأقمار، وحتى الكواكب الأكبر، دون وجود القوى المدية التي افترض العلماء أنها ضرورية للمحافظة على مجرى الأمور بشكل جيد.

يشرح كونور غيرين Conor Gearin لـ New Scientist ذلك بقوله: "لدى أقمار الكواكب الغازية العملاقة، من مثل قمر المشتري "جانيميد"، محيطات تحت سطحها، لأن القوى المدية في الكوكب تبقيها مندفعةً دائريًا بقوة. وعلى النقيض من ذلك، فلدى بلوتو محيطًا على الرغم من عدم خضوعه للقوى المدية، كما هو الحال في الكواكب الكبيرة".

يقول فرانسيس نيمو Francis Nimmo من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز: "لست بحاجة للحرارة المتولدة عن القوى المدية لتحصل على محيط، وهذا درس هام"، ويكمل: "وذلك يعني أن الأجسام الكبيرة الأخرى، الموجودة في حزام كايبر، قد تحوي محيطات أيضًا".

بالطبع، لن يَثبت شيء حتى تُنزل إحدى المركبات الروبوتية قوائمها نحو الأسفل لتصل محيط بلوتو، لكن المسألة تبدو قوية جدًا بالنسبة للأجزاء الداخلية من بلوتو.
 

نشرت الدراسة في Geophysical Research Letters ويمكن الوصول إليها مجانًا عبر arxiv.org.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الجاذبية (gravity): قوة جذب فيزيائي متبادلة بين جسمين.

اترك تعليقاً () تعليقات