أدلة جديدة حول البقع الساطعة الموجودة على سطح سيريس

يظهر هذا التصوير الفني بالألوان الزائفة لفوهة أوكاتور Occator Crater على سطح الكوكب القزم سيريس Ceres، مدى الاختلافات الموجودة في تركيبة السطح.

المصدر: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA


كشفت دراستان جديدتان تم نشرهما في مجلة Nature النقاب عن بعض الأسرار الدفينة للكوكب القزم سيريس، ويعود الفضل في ذلك إلى البيانات الجديدة التي أرسلتها المركبة الفضائية داون التابعة لوكالة ناسا. وتتضمن هذه البيانات رؤى مرتقبة حول المعالم الساطعة والغامضة الموجودة في جميع أرجاء هذا الكوكب القزم.


تمت إضافة ووضع صورة فوهة أوكاتور على نموذج رقمي للتضاريس الموجودة على السطح، وذلك بهدف الوصول إلى مشهد ثلاثي الأبعاد يمكننا من رؤية الفوهة التصادمية.  المصدر: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA
تمت إضافة ووضع صورة فوهة أوكاتور على نموذج رقمي للتضاريس الموجودة على السطح، وذلك بهدف الوصول إلى مشهد ثلاثي الأبعاد يمكننا من رؤية الفوهة التصادمية. المصدر: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA


أشار العلماء في الدراسة الأولى إلى أن هذه المواد الساطعة هي عبارة عن نوع من الملح، بينما أشارت الدراسة الثانية إلى وجود طبقات من الطين غنية بالأمونيا، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات حول طريقة تشكّل سيريس.


حول البقع الساطعة


يمتلك سيريس على سطحه أكثر من 130 بقعة ساطعة، حيث يكون معظمها مرتبطاً بالفوهات التي شكلتها عمليات الاصطدام التي حصلت على سطح الكوكب القزم. هذا وقد كتب مؤلفو الدراسة بقيادة أندرياس نيتوس Andreas Nathues من معهد ماكس بلانك لأبحاث الطاقة الشمسية في غوتنغن بألمانيا، أن المادة الساطعة تتوافق مع نوع من كبريتات المغنيسيوم والتي تسمى بـ هيكسا هايدريت. وهناك نوع آخر من كبريتات المغنيسيوم موجود بشكل شائع ومألوف على سطح الأرض هو ما يُعرف باسم الملح الإنجليزي.


يشير مجموعة من علماء بعثة دون إلى أنه عند وصول ضوء الشمس إلى مكان فوهة أوكاتور، تتشكل هناك طبقة ضبابية رقيقة مكونة من الغبار والماء المتبخر.  المصدر: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA
يشير مجموعة من علماء بعثة دون إلى أنه عند وصول ضوء الشمس إلى مكان فوهة أوكاتور، تتشكل هناك طبقة ضبابية رقيقة مكونة من الغبار والماء المتبخر. المصدر: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA


يشير نيتوس وزملاؤه العلماء باستخدام صور التقطتها كاميرا التأطير الموجودة على متن المركبة داون، إلى أن هذه المناطق الغنية بالأملاح قد نجمت عن عملية تبخر جليد الماء في الماضي. ووفقاً للعلماء، فإن عمليات اصطدام الكويكبات بسطح سيريس قد أدت إلى الكشف عن هذا المزيج المُكون من الجليد والملح.

يقول نيتوس: "تشير طبيعة البقع الساطعة والتي تشكل سمة عامة لها، إلى أن هذا العالم يمتلك تحت سطحه طبقة تحتوي على جليد الماء المالح".




نظرة جديدة على فوهة أوكاتور



يبلغ متوسط قطر سيريس حوالي 584 ميلاً (940 كم) تقريباً، وهو يتصف بسطحه المظلم نوعاً ما حيث يكون سطوعه مشابهاً لسطوع الإسفلت الحديث وذلك وفقاً لكلام مؤلفي الدراسة. تضيف هذه البقع الساطعة مظهراً جميلاً على سطح سيريس، وهي تتنوع من ناحية شدة سطوعها، حيث نرى أن تلك المناطق الأكثر سطوعاً بينها تقوم بعكس أكثر من 50% من ضوء الشمس. إلا أنه لحد هذه اللحظة لم يتم الكشف بشكل قاطع عن وجود جليد الماء على سطح سيريس، وهنا تبرز الحاجة إلى توافر بيانات عالية الدقة للفصل في هذا الأمر بشكل حاسم ونهائي.


هذه الصورة التقطتها المركبة الفضائية دون التابعة لوكالة ناسا، حيث تظهر فيها فوة تدعة بفوهة أوكسو Oxo، والتي يبلغ قطرها حوالي 6 أميال (9 كم).  المصدر: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA
هذه الصورة التقطتها المركبة الفضائية دون التابعة لوكالة ناسا، حيث تظهر فيها فوة تدعة بفوهة أوكسو Oxo، والتي يبلغ قطرها حوالي 6 أميال (9 كم). المصدر: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA


يحتوي الجزء الداخلي من فوهة أوكاتور على أكثر المواد الموجودة على سطح سيريس سطوعاً. يبلغ قطر فوهة أوكاتور حوالي 60 ميلاً (90 كم)، كما يبلغ عرض التجويف الموجود في منتصفها حوالي 6 أميال (10 كم)، أما عمقه فيبلغ حوالي 0.3 ميل (0.5 كم)، وهو مغطى (أي التجويف) ببعض المواد الساطعة. هذا ويمكن رؤية بعض البقع المظلمة (من المحتمل أنها تصدعات) التي تقطع التجويف، بالإضافة إلى بقايا قمة في مركز الفوهة كان يبلغ ارتفاعها حوالي 0.3 ميل (0.5 كم).

يبدو من الواضح أن فوهة أوكاتور هي أصغر المعالم الموجودة على سيريس عمراً، حيث يقدر علماء بعثة داون عمرها بحوالي 78 مليون سنة. تتميز هذه الفوهة بحافتها وجدرانها الحادة، بالإضافة إلى وفرة المدرجات على جوانبها، ورواسب عمليات الانهيار.

 

هذه الصورة عبارة عن خريطة لسطح سيريس، حيث تم إنشاؤها عبر مجموعة من الصور التي التقطتها المركبة دون الفضائية. تظهر في الخريطة أماكن 130 بقعة ساطعة موجودة في جميع أرجاء سطح هذا الكوكب القزم، وقد تم تسليط الضوء الأزرق عليها بهدف تمييزها عن غيرها.  المصدر: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA
هذه الصورة عبارة عن خريطة لسطح سيريس، حيث تم إنشاؤها عبر مجموعة من الصور التي التقطتها المركبة دون الفضائية. تظهر في الخريطة أماكن 130 بقعة ساطعة موجودة في جميع أرجاء سطح هذا الكوكب القزم، وقد تم تسليط الضوء الأزرق عليها بهدف تمييزها عن غيرها. المصدر: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA


يقول مؤلفو الدراسة إن بعض الصور الملتقطة لفوهة أوكاتور تُظهر وجود طبقة ضبابية منتشرة بالقرب من سطحها، بحيث تملأ أرضية الفوهة. ويمكن ربما ربط هذا الأمر بالأرصاد التي أجراها مرصد هيرشيل الفضائي في سنة 2014، والتي كشف بها عن وجود بخار الماء على سطح سيريس. يبدو وجود الضباب جلياً خلال فترة الظهيرة (وفقاً للتوقيت على سطح سيريس)، إلا أنه يختفي عند فترتي الغسق والفجر.

 

وتشير هذه النتيجة إلى أن هذه الظاهرة تتشابه مع النشاط الحاصل على سطح مذنّب، وذلك من جهة وجود بخار ماء يحتوي على جزيئات صغيرة من الغبار وآثار الجليد المتبقية. هذا وبإمكان البيانات التي سيتم الحصول عليها مستقبلاً بالإضافة إلى عمليات التحليل التي ستجرى عليها، أن تلعب دوراً مهماً في اختبار هذه الفرضية، وكشف العملية الكامنة وراء هذا النشاط.

يقول كريس راسل Chris Russell، الباحث الرئيسي في بعثة داون ومقرها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "لا يزال الفريق العلمي في بعثة داون يناقش هذه النتائج، ويتابع عملية تحليل البيانات بغية الوصول إلى فهم أفضل لطبيعة ما يحدث في فوهة أوكاتور".

 

أهمية الأمونيا


في الدراسة الثانية المنشورة عبر مجلة Nature، درس أعضاء من الفريق العلمي لبعثة داون تركيبة سطح سيريس، فاكتشفوا أدلة على وجود طبقات من الطين غنية بالأمونيا. كما استخدموا بيانات مستقاة من مطياف رسم الخرائط بالضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء بهدف تمييز نوع المعادن. ومن الجدير بالذكر هنا أن مطياف رسم الخرائط هو عبارة عن جهاز يستخدم لمعرفة طريقة عكس السطح للأطوال الموجية المختلفة من الضوء، ما يسمح بالتعرف على نوعية المعادن.

ونظراً لأن هذا الكوكب القزم يتصف بجو دافئ جداً، فإن جليد الأمونيا الموجود على سطحه يتبخر عن سطحه حالياً. وعلى الرغم من ذلك، فإن جزيئات الأمونيا يمكن أن تكون مستقرة في حال تم الجمع بينها وبين معادن أخرى (أي عبر رابطة كيميائية).



يثير وجود مركبات الأمونيا احتمال ألا يكون سيريس قد تشكّل في حزام الكويكبات الرئيسي بين كوكبي المريخ والمشتري (حيث يستقر حالياً)، وإنما بدلاً من ذلك في النظام الشمسي الخارجي. وتقول فكرة أخرى بأن سيريس تشكل في مكان قريب من موقعه الحالي، دامجاً المواد التي اندفعت من النظام الشمسي الخارجي بالقرب من مدار نبتون، حيث يكون جليد النتروجين مستقراً حرارياً.

تقول ماريا كريستينا دي سانكتيس Maria Cristina De Sanctis، وهي المؤلفة الرئيسية في الدراسة كما أنها تعمل في المعهد الوطني للفيزياء الفلكية في روما: "يشير وجود الأمونيا التي تحتوي على أنواع مختلفة من المواد إلى أن سيريس يتشكل من مواد تجمعت في بيئة غنية بالأمونيا والنتروجين. وبناءً عليه، فإننا نعتقد أن هذه المواد قد نشأت في النظام الشمسي الخارجي البارد".

وجد العلماء العديد من أوجه التشابه عند مقارنة طيف الضوء الذي يعكسه سطح سيريس إلى النيازك، خاصة عندما ركزوا على دراسة الطيف، أو البصمات الكيميائية للكوندريت الكربوني، وهو نوع من النيازك غني جداً بالكربون ويُعتقد أنه مشابه للكوكب القزم. ورغم ذلك، لا يعتبر هذا الأمر نتيجة جيدة بالنسبة إلى جميع الأطوال الموجية التي رصدها الجهاز حسب كلام الباحثين، حيث وجدوا تحديداً روابط كيميائية مميزة مطابقة للمزيج الذي يحتوي على معادن الأمونيا، وذلك عند دراسة الأطوال الموجية التي لا يمكن رصدها باستخدام التلسكوبات الأرضية.

كما لاحظ العلماء اختلافاً آخر وهو أن نسبة المياه السائبة في الكوندريت الكربوني تتراوح بين 15 إلى 20 بالمئة، بينما تصل نسبتها في سيريس إلى حوالي 30%.

تقول دي سانكتيس: "ربما احتفظ سيريس بالمواد المتطايرة بنسبة أعلى من النيازك، أو أنه عمل على تجميع الماء من المواد الغنية بالعناصر المتطايرة (سريعة التبخر).

تظهر الدراسة أيضاً أن درجات حرارة سطح سيريس أثناء فترة النهار تمتد على نطاق يتراوح بين - 136 درجة إلى - 28 درجة فهرنهايت (بين 180 إلى 240 درجة كالفن). هذا وقد تم قياس درجات الحرارة القصوى في منطقة خط الاستواء على سطح سيريس، ووفقاً لكلام الباحثين فإن درجات الحرارة هناك هي بشكل عام مرتفعة جداً لدعم وجود الجليد على سطح الكوكب القزم لفترة طويلة جداً. ومن المقرر أن تساهم بيانات المسار المقبل الذي ستسلكه المركبة داون في الكشف عن مزيد من التفاصيل حول هذا الأمر.

 

ما هي طبيعة البقع الموجودة في سيريس؟
ما هي طبيعة البقع الموجودة في سيريس؟


وصلت مركبة داون في نهاية هذا الأسبوع إلى مدارها النهائي فوق سطح الكوكب القزم سيريس، وذلك عى ارتفاع يقدر بحوالي 240 ميلاً (380 كم). هذا ومن المخطط أن تبدأ مركبة داون في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول بإجراء مجموعة من الأرصاد من مدارها الحالي، وهذا يتضمن التقاط صور تبلغ دقتها 120 قدماً (35 متراً) لكل بيكسل، إضافة إلى بيانات بالأشعة تحت الحمراء، وأشعة غاما، وأطياف النيوترونات، وغيرها من البيانات عالية الدقة.

يتولى مختبر الدفع النفاث إدارة بعثة داون لصالح إدارة المهام العلمية التابعة لناسا ومقرها واشنطن. وهي مشروع في برنامج الاكتشافات الذي تتم إدارته من قبل مركز مارشال لرحلات الفضاء في هانتشفيل، ألاباما. كما تعتبر جامعة كاليفورنيا مسؤولة عن كامل علوم بعثة داون. وصممت المركبة الفضائية وبنيت من قبل شركة Orbital ATK Inc في دالاس، فيرجينيا. ويعتبر كل مركز الفضاء الألماني، ومعهد ماكس بلانك لأبحاث النظام الشمسي، ووكالة الفضاء الإيطالية، ومعهد الفيزياء الفلكية الوطنية الإيطالية الشركاء الدوليين لفريق البعثة. 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات