بعد استيقاظه من سباته الطويل، والذي استمر لسبعة أشهر، من الممكن لمسبار فيلي (Philae) العودة للعمل معطيًا العلماء الفرصة للخوض عميقاً في الأسرار الوجودية، التي يُعتقد أنها مخبّئة تحت السطح المتجمد للمضيف شيريوموف-جيرامسيمينكو 67P أو 67P/Churyumov-Gerasimenko، كما يعتقد المتحكمون بفيلي.
أدخل استيقاظ المختبر الصغير ونجاته من البرد القارص على المذنب (67p) الفرح على مسؤولي المهمة، بعد أن دخل في السبات منذ 15 نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2014، ومن المأمول الآن أن يعطينا نظرة قريبة عن التغييرات الحاصلة على المذنب أثناء اقترابه من الشمس.
اتصل فيلي يوم السبت لأول مرة منذ انقطاع الطاقة عنه في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، ثم اتصل مرة أخرى لمدة أربع دقائق يوم الأحد.
تُشحن بطارية المسبار، التي تقدر بحجم غسالة كهربائية، بواسطة أشعة الشمس عند اقتراب المذنب منها، بسرعة 31 كم/ثانية (19 ميل/ثانية)، وترافقه المركبة روزيتا في مدارها حول المذنب.
يتحدث مارك ماكاغرين Mark McCaughrean -أحد كبار العلماء الاستشاريين في وكالة الفضاء الأوروبية ESA- عن اتصال يوم الأحد، فيقول لوكالة AFP: "كان الاتصال ضعيفاً وقصيراً، لكننا تمكنا من الحصول على بعض البيانات".
يتحدث ألفارو خيمينيز Alvaro Gimenez -مدير الاستكشافات الروبوتية والعلمية لوكالة ESA- لأحد صحفيي Paris Air Show: "كان الاتصال الأخير قصيراً بالفعل، لكنه تم بالزمن الحقيقي. ونلاحظ كون النظام في تحسّن مستمر، حيث تصله الحرارة المناسبة، وسيعمل بكل تأكيد". عند تحقيق الاتصالات المستقرة مع المهمة، يأمل الفريق إرسال الأوامر إلى الأجهزة العشرة الموجودة على فيلي، للاستمرار في التجارب.
يضيف خيمينيز : "سيتطلب هذا الأمر بضعة أيام، أو أسبوع، أو ربما أقل من ذلك، حتى نبدأ بإجراء التجارب العلمية. فنحن الآن فرحون بالفعل".
كان هبوط المسبار في 12 نوفمبر/تشرين ثاني متعثراً بعض الشيء، فقد اصطدم وارتد فيلي عدة مرات على سطح المذنب ليهبط في منطقة معتمة، محرومة من ضوء الشمس، وبالتالي لن يستطيع شحن بطاريته.
كانت البطارية تحوي طاقة كافية لإرسال البيانات من التجارب العلمية التي استغرقت حوالي 60 ساعة، قبل الذهاب إلى وضع السبات.
أسفر الحادث عن مفاجأة غير متوقعة، فلو عمل فيلي كما يُفترض، وتلقى ضوء الشمس منذ بداية مهمته، فمن المتوقع أن ترتفع درجة الحرارة عليه مؤدية لموته في مارس/آذار 2015.
يقول ماكاغرين: "لم نكن لنستطيع أن نرى المذنب في مرحلته الأكثر نشاطاً، لكننا سنتمكن من ذلك حالياً". بحلول يوم الاثنين، تلقى المسبار ثلاث ساعات من الضوء في كل يوم على سطح المذنب، حسب مركز الفضاء الألماني DLR.
والمذنبات هي كرات ثلجية من الغبار والثلج والغاز، تكوّنت من مخلفات المرحلة التي مرّ فيها نظامنا الشمسي أثناء تشكّله منذ 4.6 مليار سنة.
يتشوق الباحثون لدراسة جزيئات الغازات والجليد التي يقذفها 67P، والمواد الموجودة على سطحه، والأهم من ذلك ما يوجد تحته.
من أين أتينا؟
ربما تجيب نتائج العلماء عن هذا السؤال الجوهري.
فهل المذنبات التي ارتطمت بالأرض عند بداية تشكلها، هي من قدمت لها الماء والأحماض الأمينية، وبالتالي أمّنت البُنى الأساسية للحياة؟
يقول ماكاغرين لـ AFP: "نحن فعلاً نرغب في أن نصل إلى ما تحت السطح، ونرى كيف يبدو ذلك، و ماهي المواد المحتجزة تحت كل ذلك الجليد"، ويضيف: "هذه المواد هي ما تبقى من ميلاد نظامنا الشمسي، والتي يُشكل استكشافها متعةً حقيقية".
إحدى أهم أجهزة فيلي هو المثقاب المصمم للوصول إلى عمق 25 سم (9.8 إنش)، لكن بعد هبوط المسبار بزاوية 45 درجة في مقابل جدار صخري، بقي المثقاب بلا فائدة في الفضاء.
يضيف ماكاغرين: "ما نأمله الآن هو معرفة إن كان بإمكاننا تدوير جسم فيلي، ووضعه في مكان قد يستطيع حفر السطح عنده".
يأمل الفريق أيضاً إطلاق مهمة البحث عن جزيئات الكربون، والاستمرار في حساب قياسات الهيكل الداخلي للمذنّب، بواسطة الأشعة الراديوية المرتدة بين فيلي والمركبة الفضائية الأم.
وحول الاختبارات البسيطة التي ستنفذ في البداية، يتحدث فيليب غودون Philippe Gaudon -مدير مشروع روزيتا لوكالة الفضاء الفرنسية CNES، عنها ويقول: "لن تستهلك كميات كبيرة من الطاقة"، وكمثال عنها نذكر فحص حرارة المذنب. ويضيف: "ويتبع ذلك تشغيل الكاميرات، والمثقاب لاحقاً".
سيبلغ المذنّب 67P أقرب نقطة من مداره إلى الشمس في 13 أغسطس/آب لعام 2015، قبل أن يعود في دورته إلى الفضاء السحيق.
يتطلّع العلماء بفضول لتلك اللحظة للتحقق مما إذا كان المذنب سينجو من هذا اللقاء القريب، حيث أن العنق الضيقة للمذنب الشبيه بالبطة المطاطية يحتوي على شرخ.
يقول ماكاغرين: "يُغلّف الغبارُ السطحَ بشكل كامل، فلو كُسر المذنب من عند العنق في تلك النقطة، لتمكّنا من رؤية المكونات الداخلية بشكل مباشر".