يستمرّ كلٌّ من فريقَي "روزيتّا" و"فيلي" في جمع الأدلّة والبحث المستمرّ عن المسبار فيلي، وذلك بعد رحلته المفاجئة وتركِهِ لموقعه الأساسيّ على المذنّب.
بينما تستمرّ روزيتّا في دراسة المذنّب المتغيّر بشكلٍ مستمرّ، ويحاول فريق المهمّة معرفة مكان المسبار فيلي باستخدام العديد من المعطيات التي تتضمّن الصّور والحقل المغناطيسيّ وأدوات الموجات الراديويّة.
هبط فيلي على موقع الهبوط آغيلكيا-Agilkia على رأس المذنب C-G/67P في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، في تمام الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش، حيث تم التأكّد من هبوط المسبار على سطح المذنّب بعد 28 دقيقة، ولكن للأسف فشل فيلي في الهبوط بشكل صحيح على الموقع المطلوب، وأيضًا لم تكن مسامير الجليد كافية لتأمين ثبات المسبار، ونتيجة لهذه الأخطاء ارتدّ المسبار في رحلة لمدّة ساعتين ليهبط على المنطقة المسماة آبيدوس-Abydos.

حدّدت كلّ من كاميرتي نظام الملاحة في روزيتّا وكاميرا OSIRIS نقطة الهبوط الأولى، كما أظهرت كاميرا ROLIS الموجودة على المسبار موقع الهبوط على بعد 9 أمتار بدقة عالية، ثم تم التقاط صور ارتداد المسبار بواسطة NAVCAM وOSIRIS بعد أن غادر آغيلكيا. حيث تُظهر صورة أخرى من OSIRIS المسبارَ فوق أفق المنطقة المنخفضة المعروفة باسم هاتميت-Hatmehit والتي تقع على رأس المذنّب.

تظهر قياسات الحقول المغناطيسيّة التي وفّرها ROMAP الذي يتواجد بدوره على فيلي، معلومات عن الأحداث التي تلت طيران فيلي فوق المذنب، وهي بذلك تتضمن التوقيت الدقيق لأماكن الاحتكاك مع المذنب. في البداية حلّق المسبار في مسار منتظم ثم ارتطم بشيء على سطح المذنب في تمام الساعة 16:20، وبعدها تعثّر المسبار قليلاً ليلمس المذنب مرة ثالثة عند الساعة 17:25 ثم ليصل إلى مكانه على آبيدوس في تمام الساعة 17:32. ويُعتقد أن فيلي سافر بالمجمل لمسافة تزيد عن كيلومتر واحد بقليل بعد نقطة التقائه الأساسية على آغيلكيا.
أظهرت كل من الصور المجموعة من كاميرتي CIVA و ROLIS الموجودتين على فيلي، بالإضافة إلى المعطيات التي أُرسلت بواسطة معدّاته، حوالي 60 ساعة من العمليات على سطح المذنب، ورسمت لنا صورة عن المكان النهائي لهبوط المسبار، حيث يبدو موقعًا خشن التضاريس، يقابله منحدر كبير مظلَّل.
استمر فريق OSIRIS في البحث عن المسبار عن طريق فحص الصور فحصًا شاملاً ودقيقًا، الأمر الذي أثبت فيما بعد أن المهمّة صعبة، وذلك لصغر حجم المسبار وخشونة تضاريس المنطقة التي هبط عليها، بالإضافة إلى بعد روزيتّا عن المذنب.
تم التقاط الصورة الأكثر دقّة للموقع الذي هبط فيه فيلي في منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، على مسافة 18 كم من سطح المذنب، وذلك بواسطة كاميرا OSIRIS ضيّقة الزاوية، التي تتمتع بدقة تُقدّر بـ 34 سم لكل بكسل، لتظهر جسم المسبار بطول متر واحد وأرجله الثلاثة الرفيعة بطول 1.4متر من منتصفه.
مع الأخذ بعين الاعتبار حجم المسبار وقابلية انعكاس الضوء عنه، جنبًا إلى جنب مع وضعه ودقة عدسات الكاميرات، يعتقد فريق OSIRIS أنّ فيلي سيظهر في الصور بحيث لا يتجاوز حجمه بضع بكسلات، حيث أظهر فحصهم لرأس المذنب أماكن متعدّدة مرشّحة لأن يكون فيلي على سطحها، وتظهر هذه الأماكن على شكل بكسلات مضيئة في الصور كما تبدو في الصور التالية:

فالسؤال إذًا، في أي هذه الأماكن يتواجد فيلي؟ ذلك إن كان يتواجد على أي منها بالفعل.
لحسن الحظ، فقد تم الحصول على معطيات أخرى، حيث إنّ صور OSIRIS تمكّنت من التنبؤ بالمسار الأوّلي لفيلي بعد مغادرته آغيليكا، لكن ذلك حصل فقط حتى موقع ارتطامه الثاني.
إلا أن الحظ يبتسم مرة أخرى لفيلي، فقد تم حصْر مكان هبوط المسبار النهائي باستخدام موجات الراديو بين روزيتا وفيلي كجزء من التجربة CONSERT بعد الهبوط النهائي. فبعد جمع المعطيات بين المركبتين ومعرفة مسار روزيتّا ونموذج شكل المذنب، استطاع فريق CONSERT تحديد موقع فيلي خارج حافة المنطقة المنخفضة "هاتميت"، في منطقة بيضاوية الشكل تقدر مساحتها بـ 16×160 مترًا.

تمثل هذه المنطقة البيضاوية الفرصة الأكبر لتحديد مكان فيلي بناءً على إجراء محاكاة للمواقع عدة مرات، حيث يعتمد مكان هذا الموقع على الشكل المعقّد للمذنّب، وبما أنه يتم تعديل المعلومات حول شكل المذنّب باستمرار، فإنّ المراجعات المستمرة ستستمرّ في تغيير إحداثيات المنطقة البيضاوية بشكل طفيف.
يستبعد هذا الموقع البيضاوي معظم الأماكن المرشّحة لاحتواء فيلي والظاهرة في الفيديو السابق، لكن هناك على الأقل مكان واحد من بين الأماكن المحتملة يقع بالقرب من هذا الموقع البيضاوي، بالإضافة إلى وجود عدّة بقع مضيئة في المنطقة القريبة.

يقول هولغير سيركس Holger Sierks، الباحث الرئيسي في فريق OSIRIS من معهد ماكس بلانك لأبحاث النّظام الشّمسي (MPS): "استطعنا تحديد أماكن عدّة لهبوط المسبار في صور أوسيريس داخل المنطقة التي حدّدها كونسيرت، بالإضافة للمنطقة القريبة أيضًا، وبذلك تجدر الإشارة إلى أنّه بالنسبة لمجال الرؤية أثناء البحث الذي أُجري في كانون الأول/ديسمبر، كانت روزيتّا متوجّهة بمقدار 90 درجة باتجاه الشمس -المذنب حيث كانت في نهاية مدارها، أي أنّ لوحات فيلي الشّمسيّة ربما كانت مضاءة بوضوح، إلا أنها كانت لاتزال محتجبة خلف منطقة التضاريس الصعبة من زاوية نظر روزيتا، ما يجعل رؤيته مستحيلاً."

بالإضافة إلى ذلك، وكما توضّح الصّور، فإن المناطق المضيئة تُعدّ ظاهرة منتشرة على نواة المذنّب، ولا يزال التحدّي الذي يكمن في تحديد مكان فيلي يغدو أصعب فأصعب كلما ازدادت هذه المناطق. فمثلاً، هنالك مناطق صغيرة على النّواة قد تبدأ في اللّمعان تحت ظروف إضاءة مناسبة، أي أنها تظهر في بعض الصّور وتختفي في أخرى، ما يُصعّب عمل الفريق.
ولمراعاة هذا العامل، بدأ فيليب لامي Philippe Lamy من معهد الفيزياء الفلكيّة في مارسيليا LAM ومعهد أبحاث الفيزياء الفلكيّة والكوكبية IRAP في البحث عن مجموعات مميّزة من صور أوسيريس.
كانت الصّور التي يبحث عنها فريق أوسيريس هي تلك الصّور المأخوذة قبل وبعد هبوط فيلي، والتي تخضع لشروط إضاءة متشابهة، ما يقلل فرصة الانخداع باللمعان السطحي لمناطق متعددة في المذنّب. وبهذه الطريقة، قد يكون أي جسم لامع يظهر بعد الهبوط هو فيلي. استطاع الفريق تحديد مكان محتمل لوجود فيلي، وهو يظهر في كلٍّ من صور 12 و13 كانون الأول/ديسمبر، أي بعد شهر من هبوط فيلي في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، لكنّه لا يظهر في الصور الملتَقَطة قبل ذلك التاريخ. يظهر المكان المحتمَل في أعلى يسار المشهد السابق.
يقوم الفيديو التالي بإلقاء نظرة عن قرب إلى المنطقة الظاهرة في الصورة الملتقطة في 13 كانون الأول/ديسمبر.
يلقي مقطع الفيديو هذا نظرة عن قرب إلى صورة تم التقاطها بواسطة كاميرا أوسيريس ضيقة النطاق في 13 كانون الأول عام 2014، حيث تم التقاطها من على بعد 20 كم من مركز المذنّب 67P/C-G. ويظهر عدد كبير من النّقاط اللامعة، حيث يُعتقد أن واحدة منها (على الأكثر) قد تكون المكان الذي يتواجد فيه فيلي، بينما يَجب أن تكون باقي النقاط ذات علاقة بتضاريس سطحية على نواة المذنّب. ينتهي المقطع بإظهار موقع مهم يقع بالقرب من منطقة كونسيرت البيضاوية، حيث لم تتم رؤية هذا الموقع في صور 22 تشرين الأول/أوكتوبر، إلا أنّه يظهر في الصور الملتقطة في كل من 12 و13 كانون الأول/ديسمبر.
Credits: ESA/Rosetta/MPS for OSIRIS Team MPS/UPD/LAM/IAA/SSO/INTA/UPM/DASP/IDA
تُظهر صور إضافية الموقع المحتمل كما يظهر في 22 تشرين الأول/أوكتوبر على مسافة 10 كم من مركز المذنّب "أي ما يقارب 8 كم من السّطح" ثم في 12و 13 كانون الأول/ديسمبر على بعد 20 كم من المركز "18 كم من السطح".

تمّت معالجة صور "ما بعد" الهبوط لتصبح أبعادها مشابهة للصور قبل الهبوط، ما يجعل البقع المضيئة تغطي بكسلات أكثر من المعطيات الأصلية.
يقول فيليب لامي، عضو فريق أوسيريس: "رغم أنّ الصّور قبل وبعد الهبوط ملتقطة بدقّات مختلفة، إلا أن التفاصيل الطبوغرافية تتوافق بشكل جيد، ماعدا نقطة مضيئة واحدة، حيث تتواجد في صور ما بعد الهبوط وتُعتبر مكانًا محتملًا لهبوط فيلي. تَظهر هذه النقطة في صورتين مختلفتين من شهر كانون الأول/ديسمبر، ما يفترض أنها شيء حقيقي على سطح المذنب".
لكن هل هذا هو فيلي بالفعل؟
للأسف من المستحيل أن نتأكد من ذلك.
تُظهر التحليلات التي أجريت في مركز عمليات الملاحة والعلوم الخاصة بـ فيلي (SONC) في CNES أنّ المكان المحتمل يحقّق العديد من الشّروط، منها الإضاءة والوضوح الراديوي في هذا الموقع، لكن من جانب آخر، فإن هذا المكان يقع خارج المنطقة البيضاوية المحدّدة من قبل كونسيرت، ولكن كما قلنا من قبل، فإنّ شكل النموذج يتغير باستمرار التحليل المستمرّ من قبل كونسيرت.

وإذا ما أخذنا بالحسبان المدة الطويلة نسبيًا بين صور ما "قبل" وما "بعد" الهبوط، والتي تصل إلى سبعة أسابيع، فإنّه من الممكن أن يكون هذا الأمر ناتج عن تغيرات فيزيائية في المنطقة على سطح النواة، وقد يكون ذلك بفعل ظهور مواد جديدة. إلا أن قلة الإضاءة في هذه المنطقة تقلل من هذه الاحتمالية، لكنها لا تنفيها تمامًا.
للحصول على تأكيد حول وجود فيلي أو عدمه، فإننا نحتاج لصور ذات دقة أعلى بكثير من هذه، أي عبر التحليق على قرب أكبر من المذنّب، وهذا للأسف غير ممكن في المستقبل القريب. وبذلك فقد يؤجّل التحليق على مسافة أقل من 20 كم من المذنّب لوقت لاحق أثناء المهمة، أي بعد خمود نشاط المذنّب، حيث تزداد إمكانية اقتراب روزيتا من النواة بأمان مرة أخرى.
أما الاحتمال الآخر لمعرفة مكان فيلي، فهو وصول كمية من الطاقة الكافية لإيقاظ الأخير من سباته ليكمل دراساته العلمية لـ 67P، وعندها تستطيع كونسيرت استخدام المعطيات الجديدة لتحديد مكانه.
في هذه اللحظات، يستمر فيلي في سباته، إلا أنّ فريق المهمة يبقى على أمل اقتراب المذنّب من الشّمس حيث سيكون ذلك كافيًا لإعطاء المسبار الطاقة الكافية لإيقاظه ليرسل الإشارات إلى روزيتا.
يقول مدير مهمة المسبار، ستيفن أولاميك Stephan Ulamec: "إنّ الظّروف الملائمة لاستيقاظ فيلي تصبح حقيقية أكثر فأكثر باقتراب المذنّب من الشّمس، ومازال الفريق مستمرًا في التّحضير لعمليات فيلي وأدواته على أمل استيقاظه القريب".
يقول باتريك مارتين Patrick Martin، مدير مهمة روزيتا: "إن تحديد الأماكن المرشّحة لاحتواء فيلي في الصور الأخرى الملتقطة على بعد 20 كم أو أقل، وتحسين إعادة تكوين الطبوغرافية الموضعية، قد يساعدنا في تحديد مكان المسبار".
يضيف مات تايلور Matt Taylor، العالم الرئيسي لمهمة روزيتّا ووكالة الفضاء الأوروبية: "إن لتحديد الموقع بدقّة أهمية علمية كبيرة، خاصة للمدار المشترك ولمهمات كونسيرت على المسبار، لتحديد ودراسة الهيكل الداخلي لنواة المذنّب. تزوّدنا معرفة مكان فيلي بمعلومات مهمة لقياسات المسبار وللعمليات المستقبلية الأخرى. في الوقت الراهن تراقب روزيتا المذنّب من مسافات مختلفة بازدياد نشاط المذنّب".