يُقال أنه في القرن العشرين، سخّر الإنسان طاقة الذرة، فقد صنعنا قنابل ذرية وولّدنا كهرباء بالطاقة النوويّة، حتى إننا قسّمنا الذرة إلى أجزاء صغيرة تُسمى بالجسيمات دون الذرية (subatomic particles).
لكن ما هي بالتحديد ماهية الذرة؟ ومن ماذا صُنِعَت؟ وكيف تبدوا؟
أدّت متابعة دراسة بنية الذرة إلى الجمع بين العديد من أقسام الكيمياء والفيزياء في واحدةٍ من أجمل المساهمات التي ربما قدّمها العلم الحديث. في هذه المقالة، سنتابع هذه القصة الرائعة عن الدور الذي لعبته الاكتشافات في مجالات العلوم المختلفة في نظرتنا المعاصرة للذرات. وسنتابع التسلسل في معرفة بنية الذرة، وكيف ستقود تلك البنية إلي التكنولوجيات الحديثة.
- ما هي الذرة؟
إرث العصور القديمة عن الذرة بدأ فى القرن التاسع عشر استُخلِصَت نظرتنا المعاصرة عن الذرة من العديد من مجالات الكيمياء والفيزياء. أتت فكرة الذرة من العلوم والفلسفة اليونانية القديمة ومن نتائج كيمياء كلا القرنين الثامن عشر والتاسع عشر:
• مفهوم الذرة
• قياسات الكتلة الذرية
• العلاقة المكررة أو الدوية بين العناصر الكيميائية.
- مفهوم الذرة
منذ أيام قدماء الإغريق وحتى يومنا هذا، تساءلنا عن مكونات المادة العادية ومما تتكون. ولكي نفهم المسألة، إليك برهان بسيط قادم من كتاب يحمل العنوان: "الكيمياء الإستثنائية للأشياء العادية" (The Extraordinary Chemistry of Ordinary Things)، الإصدار الثالث، لمؤلفه كارل سينيدر (Carl H. Snyde):
- خذ مجموعة من مشابك الورق لهم نفس الحجم واللون.
- قسِّم تلك المجموعة إلي مجموعتين متساويتين.
- إقسم كل مجموعة من المجموعتين الصغيرتين إلى مجموعتين متساويتين مرة أخرى.
- أعد الخطوة رقم 3 حتى تحصل على مجموعات صغيرة كلها تتألف من مشبك ورق واحد، لا يزال هذا المشبك يقوم بنفس وظيفته بمعنى إنه مازال يمكنه مسك مجموعة مفككة من الورق مع بعضها.
- الآن اقطع بالمقص مشبك الورق هذا إلى نصفين، هل يستطيع حينها نصف المشبك القيام بنفس الدور الذي يقوم به المشك الواحد كامل؟
لو فعلت نفس الأمر مع أي عنصر آخر، ستصل إلى إجزاء غير قابلة للتجزئة ولها نفس خصائص العنصر، كالمشبك الواحد. ويُسمى هذا الجزء غير القابل للتجزئة بالذرة.
ابتُكِرَت فكرة الذرة للمرة الأولى على يد الفيلسوف اليونانى ديموقريطوس (Democritus) عام 530 قبل الميلاد. وفي عام 1808، اقترح مدرس لغة إنجليزية وعالم يُدعى جون دالتون (John Dalton) النظرية الذرّية الحديثة. تنص النظرية الذرية الحديثة ببساطة على ما يلي:
- كل عنصر يتكون من ذرات –مجموعة من مشابك الورق.
- جميع الذرات في أي عنصر هي نفسها –جميع مشابك الورق في المجموعة موحدة في الحجم واللون.
- ذرات العناصر المختلفة متباينة في الخصائص والحجم –مثل مشابك الورق المختلفة في الحجم واللون.
- تستطيع ذرات العناصر المختلفة أن تتحد مكوّنة مُركّبات جديدة.
- في التفاعلات الكيميائية، الذرات لا تُصنع ولا تُدمر ولا تتغير-لا تظهر مشابك للورق جديدة، ولاتضيع، ولا تتغير من لون أو حجم لآخر.
- في أي مُركّب، تبقى أنواع وأعداد الذرات ثابتة -أعداد مشابك الورق النهائية وأنواعها تظل نفسها التي بدأنا بها دون تغيير.
شكّلت نظرية دالتون الذرية العمل التحضيري الأساسي للكيمياء في هذا الوقت. تصوّر دالتون الذرات على شكل كُرات صغيرة عليها خطافات. وعن طريق تلك الخطاطيف، تستطيع الذرة أن تتحد مع أُخرى بتناسُب مُحدد.
لكن تستطيع بعض العناصر أن تتحد لتكوّن مُركّبات مُختلِفه (مثل الهيدروجين والأكسجين اللذان يتحدا ليُشكلا الماء أو مركب الماء الأكسجيني. نتيجةً لذلك، لم يستطع البت في مسألة أعداد كل ذرة موجودة داخل جزيئات مواد مُحددة. هل تحتوي المياه على ذرة أُكسجين مع ذرة هيدروجين، أم ذرة أُكسجين مع ذرتي هيدروجين؟
حُلت هذه المسألة عندما عرف علماء الكيمياء كيف يزنون الذرات.
ويُمكننا فيما يلي سرد بعض المصطلحات المهمة:
- الذرة (atom): هي أصغر جزء يُمكنه الحفاظ على خواصه الكيميائية في عنصرٍ ما.
- المركب (compound): مادة يُمكن تحطيمها إلى عناصر جرّاء التفاعلات الكيميائية.
- الإلكترون (electron): جسيم يدور حول نواة الذرة، وهو مشحون سلبياً وتصل كتلته إلى القيمة 9.10∗10^-28 غرام.
- العنصر (element): هو مادة لا يُمكن تحطيمها بالاعتماد على التفاعلات الكيميائية.
- الأيون (ion): عبارة عن ذرة مشحونة كهربائياً، أي تحمل إما شحنة موجبة زائدة أو سالبة.
- الجزيء (molecule): أصغر جزء موجود في مركب ما ويُحافظ على الخواص الكيميائية للمركب (يكون مؤلف من ذرتين أو أكثر).
- النيوترون (neutron): جُسيم موجود في نواة الذرة، لا يحمل هذا الجسيم شحنة كهربائية، وتصل كتلته إلى القيمة 1.675∗10^-24.
- النواة (nucleus): هي القلب المركزي والكثيف من ذرة ما، وهي مؤلفة من النيوترونات والبروتونات.
- البروتون (proton): جسيم موجود في نواة الذرة ويحمل شحنة موجبة. يمتلك كتلة تبلغ 1.673∗10^-24 غرام.
