السير بسرعة تفوق سرعة الضوء، هل بلغنا هذا الحد؟

لسوء الحظ، هنالك حدٌ أقصى للسرعة في الكون، ما يعني أننا لن نشهد مركباتٍ تسير بتقنية مُحركات الانحناء (warp drive) في الوقت الحالي.

قبل صدور فيلم "الإمبراطورية تنتقم" The Empire Strikes Back، وقبل إنشاء الاتحاد الفيدرالي للكواكب في سلسلة أفلام ستار تريك Star Trek بوقت طويل، كتب إسحاق أسيموف Isaac Asimov سلسلة روايات الأساس The Foundation، وهي عبارة عن حِكاية ملحمية تحكي قصة انتكاسة وسقوط إمبراطورية المجرات. وقد اشتملت الإمبراطورية التي أنشأها أسيموف في رواياته على 25 مليون كوكبٍ تربط بينها مركبات فضائية في مختلف أرجاء المجرة.

 

أستطيع أن أُوصلك إلى هناك بسرعة! حقوق الصورة: كريغ كورماك.<br /> Image credit: Craig Cormack
أستطيع أن أُوصلك إلى هناك بسرعة! حقوق الصورة: كريغ كورماك.
Image credit: Craig Cormack

 

لكن كيف كانت تعبر تلك المركبات الفضائية المساحات الشاسعة بين النجوم؟ الجواب: من خلال القفز عبر الفضاء الفوقي (hyperspace) طبعاً، كما يشرح أسيموف بنفسه في روايته، الأساس:

يقول أسيموف : "لم يكن بالإمكان التنقل عبر الفضاء العادي بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء العادي، ما يعني أن الوصول حتى إلى أقرب النُظم المأهولة يتطلب السفر لسنوات. لكن من خلال مفهوم الفضاء الفوقي، يُمكن للمرء أن يعبر تلك المنطقة ذات الحجم الهائل، والتي ليست زماناً ولا مكاناً، لا مادةً ولا طاقة، لا شيئاً ولا عدماً، في فترة زمنية ضئيلة جداً لا تتجاوز طول الفترة الزمنية التي تفصل بين لحظتين زمنيتَين متجاورتين".

مهلاً، ما الذي يتحدث عنه أسيموف بحق السماء؟ هل كان مُطّلعاً على نظريةٍ سريةٍ حول السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء؟ لا لم يكن، لكن أسيموف اتبع أحد تقاليد الخيال العلمي المعروفة الذي يقول: عندما تُواجه قصتك عقبةً مستعصية، اختلق شيئاً ما.

 

ليس هناك شيءٌ أسرع من الضوء. حقوق الصورة: باستين هوب.<br /> Image credit: Bastian Hoppe
ليس هناك شيءٌ أسرع من الضوء. حقوق الصورة: باستين هوب.
Image credit: Bastian Hoppe

 

لا يمكنك أن تقهر سرعة الضوء


المشكلة هي أن التنقل بسرعة تفوق سرعة الضوء مستحيل على حد علمنا، ما يجعل فكرة وجود إمبراطورياتٍ مجرّية واتحاداتٍ وكونفدرالياتٍ وأي حضاراتٍ عبر مجريةٍ أخرى مُستحيلة. لكن هذه الفكرة مزعجة للغاية. وللتهرب من حدود السرعة الكونية اختلق كُتّاب الخيال العلمي ما يُعرف بـ "مُحركات الانحناء" و"الفضاء الفوقي" و"الفضاء الجُزئي" (subspace)، وغيرها من الحيل التي تأصّلت ورسخت في أذهان عُشاق الخيال العلمي لدرجة أنها لا تُثير تساؤلهم، أي أنها أصبحت أفكاراً مُسلّماً بها.

الكل يعلم ما تفعله مركبة الأنتربرايز Enterprise عند قيامها بهذه الحركة:

 

 

أو عندما تقوم ميلينيوم فالكون Millennium Falcon بهذه الحركة أيضاً:

 

 

أو عندما حاولت جوبيتر 2 أو عائلة روبينسون، إن صحّ التعبير، الوصولَ إلى ألفا قنطورس Alpha Centauri من دون أيّ مُؤثراتٍ خاصة.

 

حظاً سعيداً.<br /> Image credit: Lost in Space ‘The Derelict.
حظاً سعيداً.
Image credit: Lost in Space ‘The Derelict.

 

الضوء هو الحدُ الأقصى للسرعة الكونية


لماذا لا يمكننا تجاوز سرعة الضوء حقاً؟ تحدّث الناس في الماضي عن حقيقة أن للصوت حاجزاً، لكننا تمكنا من كسر هذا الحاجز. أما كسرُ حاجز سرعة الضوء فسيكون أشدّ صعوبة. فعندما طوّر العلماء نظرية الضوء في القرن 19 جاء معها لغزٌ خاص. فحسب نظريتهم، على كُلّ مُراقِبٍ أن يقيس سرعة الضوء نفسها، حوالي 186 ألف ميل في الثانية. لكن هذا يعني أنك إذا حاولت مطاردة شعاعٍ من الضوء، أيا كانت سرعتك، فسيستمر هذا الشعاع بالابتعاد عنك بسرعة 186 ألف ميل في الثانية. لكن الأمر الأكثر غرابة هو أنك إن كنت تتحرك بسرعة تصل إلى 99٪ من سرعة الضوء، وصديقٌ لك ثابتٌ في مكانه، فإن كل منكما سيرى الضوء يمضي مُبتعداً بنفس السرعة تماماً.

 

كثير من علماء ذلك الزمن لم يصدقوا حقاً هذا التنبؤ الغريب، وسعى عالم الفيزياء الأمريكي ألبرت ميكلسون Albert Michelson (جنباً إلى جنب مع مُعاونه إدوارد مورلي Edward Morley) لقياس الكيفية التي ستتغير بها سرعة الضوء بسبب حركة الأرض عبر الفضاء. ولكن تجربة نيكلسون- مورلي الشهيرة تلك لم تجد أي تغيير على الإطلاق، إذ بدت سرعة الضوء ثابتةً بصرف النظر عما إذا كانوا قد قاسوها في اتجاه حركة الأرض أو في أي اتجاهٍ آخر - وهو مثال نادر على التجارب التي تنتهي بعدم اكتشاف شيء، ليتبيّن لاحقاً كونها أهم من أيّ اكتشاف آخر!

 

والآن لنتحدث عن أينشتاين ونظرية النسبية


عِوضاً عن محاولة دحضِ هذه الفكرة الغريبة، قام ألبرت آينشتاين بتبنيها، حيث بنى نظريةً كاملةً تُسمى النسبية الخاصة (special relativity) تدور حول فكرة أن سرعة الضوء هي نفسها لكل من يقيسها بصرف النظر عن مدى السرعة التي يتحركون بها بالنسبة للضوء. ومن أجل تكييف سلوك الضوء هذا، تنبأت نظرية آينشتاين بأنه يجب على الزمان والمكان أن يتمددا وينقبضا حين يتنقل أحد ما بسرعة متزايدة. ومن رحم النسبية الخاصة خرج حد السرعة الكوني: لا يمكن لأي شيء أن يتجاوز سرعة الضوء.

النسبية هي حجر الزاوية للفيزياء الحديثة برمتها، وليس لدينا أي سبب يدعونا للشك فيها - ليس هناك أبداً من تمكّن من رصد أي جسمٍ يتحرك أسرع من الضوء. في الواقع، لا بد من توضيح ضروري بسيطٍ هنا: حدُّ آينشتاين الأقصى للسرعة هو سرعة الضوء في الفراغ، فالضوء يتباطأ عندما يتحرك خلال مواد مثل الماء أو الزجاج، وبالتالي فمن الممكن تماماً أن يتجاوز هذه السرعة المخفّضة للضوء - إلى حد سرعته في الفراغ، طبعاً. وأي شيء يتحرك أسرع من الضوء خلال الماء أو الزجاج سيُنتج مكافأً ضوئياً لاختراق جدار الصوت يسمى إشعاع تشيرناكوف (cherenkov radiation). وهو ما يُعطي المفاعلات النووية تحت الماء وهجاً أزرقاً جذاباً.

ولكن، ماذا عن محرك الانحناء ذاك...
 

من بين كل المحاولات للتنصل أو الهروب من حد السرعة الذي وضعه آينشتاين، فإن فكرة "محرك الانحناء" التي اقترحها عالم الفيزياء النظرية ميغيل ألكيوبير Miguel Alcubierre هي الأكثر منطقية. إن اقتراح ألكيوبير هذا لا ينتهك حد السرعة الكوني بل يلتف حوله. حاول أن تملأ مقلاةً يُغطيها الدسم بالماء، ثم ضع قطرة من الصابون فيها. سيتطاير الشحم بعيداً باتجاه جوانب المقلاة.

 

تصورٌ لحقل انحناء. تستقر المركبة في فقاعة من الفضاء غير المتغير، بينما ينقبض ما يتقدمها ويتمدد ما يعقُبها.<br /> Image credit: Trekky0623.
تصورٌ لحقل انحناء. تستقر المركبة في فقاعة من الفضاء غير المتغير، بينما ينقبض ما يتقدمها ويتمدد ما يعقُبها.
Image credit: Trekky0623.

 

أما مُحرك ألكيوبير للانحناء فلهُ التأثير نفسه على الفضاء ذاته، إذ بيّن ألكيوبير أنه مع التوزيع المناسب للمادة، يكون بوسعك أن تُقلص الفضاء أمام مركبتك الفضائية وأن تزيد من حجمه خلفها، ما يؤدي إلى تشكّل فُقاعةٍ صغيرةٍ حول السفينة تتحرك بالسرعة التي تروق لك. وبسبب انقباض الفضاء أمام السفينة، فإن السفينة لن تتحرك فعلياً بسرعة أكبر من سرعة الضوء. في الواقع، ستكون السفينة ساكنة بالنسبة لفقاعة الانحناء ولن يشعر من بداخلها بأي تسارع. يا له من ركوب سلس!
 

لكن هناك مشكلة واحدة صغيرة، وهي أنه لا يمكن توليد مُحرك ألكيوبير للانحناء إلا من خلال انتهاك ما يسمى شرط الطاقة الضعيفة (weak energy condition). لا يستطيع العلماء إثبات أن شرط الطاقة الضعيفة صحيحٌ دائماً، لكنّ أي انتهاك له سينتج عنه كثيرٌ من الأشياء الغريبة، مثل كثافات طاقة سلبية أو ثقوبٍ دودية (wormholes) مُحتملة أو آلات زمن. لكننا لم نشهد قط أي انتهاكات فعلية لشرط الطاقة الضعيفة. لذا، فإن فكرة محرك ألكيوبير للانحناء متذبذبة، فهي ليست مستبعدة، لكنها في الوقت نفسه ليست معقولة تماماً.

 

إذن، كيف ستتمكن الإنسانية من الوصول إلى النجوم؟ يبدو أن موضوع السفر بأسرع من الضوء لم يعد خياراً مُتاحاً لنا. لذا علينا البحث عن طريقة أخرى، ولنبدأ العمل من الآن.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات