خلال الأعوام الأخيرة، حضّر باحثون موائعَ مغناطيسيةً، وهي تمتلك خواص الميوعة للمادة السائلة والخواص المغناطيسية للمادة الصلبة. تحتوي الموائع المغناطيسية جسيمات صغيرة (بقطر يصل إلى 10 نانومترات تقريباً) من مادة صلبة مغناطيسية معلقةٍ في وسطٍ سائل.
اكتُشفت هذه الموائع في الأصل في ستينات القرن الماضي في مركز أبحاث ناسا NASA Research Center، حيث كان العلماء يدرسون طرقاً مختلفة ومحتملةً للتحكم بالسوائل في الفضاء؛ ومباشرةً بعد ذلك صارت فوائد المائع المغناطيسي (magnetic fluid) واضحة؛ إذ يُمكن التحكم بموقع المائع بدقة من خلال تطبيق حقل مغناطيسي، وعبر تغيير شدة الحقل يُمكن إجبار الموائع على التدفق.
حضّر الباحثون موائعَ مغناطيسية تحتوي جسيمات صغيرة من المعادن الحديدية المغناطيسية (ferromagnetic metals) مثل: الكوبالت، والحديد، بالإضافة إلى مركبات مغناطيسية مثل فريت المنغنير والزنك \(ZnxMn1 - xFe2O4 \). لكن حتى الآن، فإن معظم العمل على الموائع المغناطيسية يجري على تلك الموائع المغناطيسية التي تحتوي على جزيئات صغيرة من المغنيتيت (magnetite)، أو برمزه الكيميائي \(Fe3O4 \).
كيف تعمل؟
يُمكن تحضير الموائع المغناطيسية الحاوية على المغنيتيت عبر الجمع بين كميات مناسبة من ملح الحديد ثنائي التكافؤ \(Fe (II)\) وملح الحديد ثلاثي التكافؤ \(Fe(III)\) داخل محلول قاعدي، مما يؤدي إلى الحصول على الأكسيد مختلط التكافؤ\(Fe3O4 \)، الذي يترسب من المحلول وفقاً للمعادلة:
\(2 FeCl3 + FeCl2 + 8 NH3 + 4H2O --> Fe3O4 + 8 NH4Cl \)
على أية حال، يجب أن تبقى جسيمات المغنيتيت صغيرة من أجل أن تظل معلقة داخل الوسط السائل. وللحفاظ عليها صغيرة، يجب التغلب على تفاعلات فاندر فالس والتفاعلات المغناطيسية لمنع الجسيمات من التكتل (agglomerating)، وتُعتبر الحركة الحرارية لجسيمات المغنيتيت ذات القطر الأصغر من 10 نانومترات، كافيةً لمنع التكتل الناجم عن التفاعلات المغناطيسية.
تكون قوى تجاذب فاندرفالس بين جزيئين أشد ما تكون عندما يقترب الجزيئان من بعضهما على مسافة قريبة؛ ولذلك، لمنع التكتل جراء تلك القوى والتفاعلات المغناطيسية، يجب الحفاظ على مسافة فاصلة بين الجسيمات.
يُمكن الحصول على مسافة الفصل تلك عبر إضافة خافض توتر سطحي (surfactant) إلى الوسط السائل؛ إذ تستطيع خافضات التوتر تلك توليد إما قوى تنافر فراغية أو قوى تنافر كهربائية ساكنة بين الجسيمات المغناطيسية.
على سبيل المثال، يُمكن استخدام حمض الأولييك المقرون (cis-oleic acid) مع الموائع المغناطيسية ذات الأساس الزيتي كمُخفض توتر سطحي يُنتج قوى تنافر فراغية.
مُخفض التوتر السطحي هو سلسلة هيدروكربونية طويلة برأس قطبي ينجذب إلى سطح جسيم المغنيتيت، ولذلك يتشكل غطاء من مخفض التوتر السطحي على السطح. تلعب السلسلة الطويلة دور وسادة طاردة (repellent cushion)، وتمنع الاقتراب الكبير بين جسيمات المغنيتيت.
الخطوة الأولى:
\(A. 2 FeCl3 + FeCl2 + 8 NH3 + 4H2O --> Fe3O4 + 8 NH4Cl \)
الخطوة الثانية: إضافة حمض الأولييك المقرون
\(CH3(CH2)7CH=CH(CH2)7COOH \)
الخطوة الثالثة: إزالة الماء
يُمكن استخدام مُخفضات التوتر السطحي الأيونية (Ionic surfactants) مثل هيدروكسيد رباعي ميثيل الأمونيويم كمُخفّض توتر سطحي يُنتج قوى تنافر كهربائية ساكنة في وسط مائي.
تنجذب أيونات الهيدروكسيد إلى سطح كل جسيم مغنيتيت وتشكل طبقة مشحونة سلبياً فوق سطح المغنيتيت.
تنجذب كاتيونات (cations) رباعي ميثيل الأمونيوم إلى الطبقة المشحونة سلبياً، وتشكل بالتالي طبقة إيجابية؛ وعندما تقترب جسيمات المغنيتيت من بعضها البعض، تُحافظ قوى التنافر الموجودة بين طبقاتها المشحونة إيجابياً عليها بعيدة عن بعضها البعض.
الخطوة الأولى:
\(2 FeCl3 + FeCl2 + 8 NH3 + 4H2O --> Fe3O4 + 8 NH4Cl \)
الخطوة الثانية:
استبدل NH4OH الزائد والموجود على سطح Fe3O4 بـ N(CH3)4OH.
تنجذب بعض الموائع المغناطيسية إلى الحقول المغناطيسية، وتتحاذى مع خطوط الحقل المغناطيسي لتشكل صفيفة من القمم المستدقة، كما هو في الصورة التالية:
التطبيقات
على الرغم من أن صفيفة القمم المتشكلة فوق سطح مائع مغناطيسي مذهلة، إلا أن هذه الخاصية لا تتمتع بفائدة محددة. على أية حال، للموائع المغناطيسية مجال واسع من التطبيقات، ويشمل ذلك استخدامها في حلقات المحاور الدوارة.
يُمكن أن يتصرف هذا المائع على أنه حلقة سائلة على شكل حرف O حيث يدخل المحور الدوار إلى حجرة ضغط مرتفع أو منخفض. يجري الحفاظ على موقع المائع المغناطيسي في مكانه عبر استخدام مغانط دائمة، وتشكيل حلقة ضيقة، مما يُحيد معظم قوى الاحتكاك الموجودة في حلقات المحاور الدوارة الميكانيكية التقليدية.
يُمكننا مشاهدة حلقات المحاور الدوارة هذه في مولدات الأشعة السينية ذات المصعد الدوار (rotating anode X-ray generator)، وفي حجرات الفراغ المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات (semiconductor)؛ وتستخدم حلقات الموائع المغناطيسية أيضاً في سواقات الأقراص للحواسيب فائقة السرعة من أجل إقصاء جسيمات الغبار المؤذية، أو الشوائب الأخرى التي قد تتسبب في تدمير رؤس قراءة البيانات للأقراص.
من بين التطبيقات الأخرى للموائع المغناطيسية، نذكر تحسين أداء مكبرات الصوت، إذ تُرسل الطاقة الكهربائية في هذه الأجهزة عبر ملف يقع في مركز مغناطيس دائم ودائري. تُحفز الطاقة الكهربائية حقلاً مغناطيسياً يتسبب في اهتزاز الملف وإنتاجه بالتالي للصوت والحرارة.
بوضع الملف الكهربائي داخل مائع مغناطيسي ثابت الموقع بمساعدة مغناطيس دائم، يُمكن أن يساهم في إخماد حالات الرنين غير المرغوب فيها، ويُقدم أيضاً آلية لتبديد الحرارة الناجمة عن الطاقة الزائدة المُقدمة للملف. يقود العاملان المذكوران سابقاً إلى تحسين أداء وجودة الصوت بالمجمل.
في النهاية، هناك أمل كبير في الحصول على تطبيقات طبية حيوية للموائع المغناطيسية. على سبيل المثال، يُحاول الباحثون تصميم موائع مغناطيسية قادرة على حمل الأدوية إلى مواقع معينة في الجسم عبر استخدام حقول مغناطيسية مُطبقة (applied magnetic feild). وتدرس مجالات بحث أخرى إمكانية استخدامها كوسائط تباين في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).