الفيزياء الشاذة للماء في حالة التبريد الفائق

قد يكون العلم معقداً، لكن على الأقل هناك بعض الأشياء الصلبة، صحيح؟ مثل الماء تحت درجة حرارة الصفر (32 درجة فهرنهايت)، أو ما نعرفه باسمه الصريح: الجليد. 

لكن من الممكن في الواقع أن يتم إخضاع الماء السائل للتبريد الفائق (Supercool) حتى يصل إلى ما دون نقطة تجمده (freezing point)، وتصير الأمور عند تلك المرحلة جنونية (انظر إلى الفيديو المرفق بالمقال)، لكن لا يملك العلماء طريقة جيدة لرصد هذا الطور للماء لأنه يتحول سريعاً إلى جليد. 

على أية حال فقد سمحت تجربة جديدة للباحثين بالحصول على معلومات أولية حول البنية المجهرية للماء فائق التبريد (Supercooled Water). 

 

 

الوصف: الماء فائق التبريد



ماء في كل مكان:


بصرف النظر عن وجوده في كل مكان فوق سطح الكوكب، وفي أجسامنا وفي الكون أيضاً، فإن الماء يُعتبر مادة غريبة جداً، فهو يُسبب التآكل، وشكله الصلب يطفو فوق شكله السائل، ويمتلك توتراً سطحياً مرتفعاً جداً. وإذا ما بردته بسرعة كبيرة إلى درجة كافية، فقد تحصل على نوعين مختلفين تماماً من الشكل السائل حيث يحصل التغير الطوري -يُمثل هذا التغير العتبة الموجودة بين الماء السائل وفائق البرودة- في نقطةٍ ما بالقرب من 228 درجة كلفن (-49 فهرنهايت)؛ لكن لا يزال ذلك حتى الآن مجرد نظرية.

قد تكون فكرة الأشكال المتعددة للماء مألوفة لأولئك المعجبين بالمادة الخيالية ice-nine التي ابتكرها كورت فونيغوت Kurt Vonnegut، وهي عبارة عن ترتيب مُبتكر، ولكنه مستحيل -كما تبين لاحقاً-، لجزيئات الماء يسمح له بالتجمد عند درجة حرارة الغرفة.

المسألة هي أنه من الصعب الحصول على كمية كافية من الماء السائل فائق البرودة لاختباره بدقة جيدة. وفي الحقيقة فإن العلماء يشيرون إلى وجود الماء السائل تحت درجة حرارة 232 درجة كلفن (-42 فهرنهايت) بمصطلح الأرض المحرمة (No-man’s Land) لأنه من الصعب جداً الوصول إلى هناك.

إلا أن العلماء قد تمكنوا مؤخراً من إيجاد طريقة لسبر "الماء السائل الكتلي" عند درجات حرارة منخفضة جداً، وذلك وفقاً لورقة علمية ظهرت في مجلة الطبيعة Natureرابط الورقة العلمية 
 

قياس القطرات:


إليك كيف يعمل الأمر. يُطلق موزع القطرات قطرات صغيرة من الماء إلى حجم فارغ يقوم بدوره بتبريد الماء مباشرة عبر عملية التبخر (Evaporation)؛ لكن تبقى كمية معتبرة من الماء داخل بعض القطرات حتى يتمكن العلماء من دراستها. 

يتم إطلاق شعاع من الأشعة السينية الشديدة والآتية من نبضات ليزرية قصيرة جداً من رتبة 50 فمتوثانية على شعاع قطرات الماء وبشكلٍ عمودي. بعد ذلك يستطيع العلماء قياس التركيب البنيوي للقطرات عبر دراسة نمط الانعراج (Diffraction pattern) الناتج عندما تقوم إحدى تلك النبضات بمواجهة قطرة ما من قطرات الماء فائق التبريد.

وقد أثبت العلماء حتى الآن أن الماء السائل الذي تصل درجة حرارته إلى 227 كلفن (-51 فهرنهايت) يبقى مستقراً لوقتٍ طويل بما يكفي لإجراء هذه العملية، مما يعني أنهم دخلوا وبثقة مجال الأرض المحرمة. 

وتشير الأرصاد الأولية إلى أن بنية الماء تتغير قليلاً عند درجات الحرارة فائقة البرودة، حيث أن الماء أكثر ترتيباً، لكنه مع ذلك يظل سائلاً. أما معرفة الأشياء الأخرى التي سيكتشفها العلماء في الأرض المحرمة وكيف سيساعدنا ذلك في الحصول على فهمٍ أفضل لواحدة من أكثر مواد الكون وفرة، فهو أمرٌ متروكٌ للمستقبل، وكل ما علينا القيام به هو الانتظار.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات