ساعدت أفكار غاليليو غاليلي Galileo Galilei الثورية واختراعاته على الدخول في عصر العلم الحديث. وربما كان أكثر ما اشتُهر به هو التحسينات واسعة النطاق التي أدخلها على التلسكوبات القديمة، مما مكّنه من دراسة الأجرام السماوية بتفاصيل غير مسبوقة.
تحدى أيضاً المفهوم السائد عن موقعنا في هذا الكون. فقبْل غاليليو، شاع اعتقادٌ على نطاقٍ واسع بين الفلاسفة واللاهوتيين أن الأرض تحتل مركز الكون، كما ظنوا أن الأجرام السماوية تدور حول نقطتنا الزرقاء الباهتة (أي الأرض). بدلاً من ذلك، أيد غاليليو فكرة أن الأرض والكواكب تتحرك حول الشمس الثابتة -وهو اعتقادٌ كان رائده الراهب البولندي كوبرنيكوس Copernicus. أثارت هذه الفكرة شجب الكنيسة الكاثوليكية في البدء، ولكن انتصرت فكرة غاليليو، التي تقول بمركزية الشمس، في نهاية المطاف.
في ذلك الوقت، اعتقد كثيرون أن تحرك الأرض يتناقض مع الخبرة السائدة، كما أنها تناقض "الكتاب المقدس"، وفقاً لرأي الكنيسة. ولكي يبين اتساق تحرك الأرض مع خبرتنا اليومية، قدم غاليليو تجربة ذهنية في كتابه "حوارات بشأن نظامَيْ العالم الرئيسيين''(Dialogues Concerning the Two Chief World Systems) في العام 1632.
هذا وقد تبينت فعالية هذا العمل آنذاك، بل حتى أنه حصل على موافقة البابا على نشر الكتاب. وعلى الرغم من أن تجربة "سفينة غاليليو" الذهنية قد تبدو واضحة في وقتنا الراهن، إلا أن هذه التجربة ساعدت في إضاءة الطريق أمام نظرية آينشتاين المُربٍكة عن النسبية الخاصة.
التجربة
تخيَّلْ غاليليو (على شكل دمية إصبع) وهو يجلس في باطن سفينةٍ بلا نوافذ، ولا يستطيع النظر خارجاً إلى البحر. تزداد سرعة سفينته حتى تأخذ بالسير في سرعة منتظمة. عند تلك اللحظة، سيشعر من في باطن السفينة كما لو أنها كانت راسية في مرفأ هادئ.
عند بلوغ السرعة الثابتة (نحو اليسار في الصورة أعلاه)، يبدأ غاليليو بإجراء تجارب ميكانيكية بسيطة. لنتخيل، على سبيل المثال، أنه يُلقي بالكرة من أعلى قُمرة السفينة إلى الأرض، مسجلاً موقع سقوطها.
إذا كانت السفينة ثابتة في حوض السفن، ستسقط الكرة بخط مستقيم إلى الأرض، تحت المكان الذي كان غاليليو يمسك بها فيه مباشرة. ولكن، ما الذي سيحدث لو كانت السفينة تسير بسرعة ثابتة؟
لقد أجرى غاليليو تجربة مماثلة بالفعل، ووجد أن الكرة ببساطة ستقع مباشرة أسفل الموقع الذي أُسقطت منه، تماماً كما لو كانت السفينة ثابتة. من وجهة نظر غاليليو، الذي كان في باطن السفينة، لم يكن هناك فرق بين سفينة تسير بسرعة ثابتة وسفينة ثابتة.
لكن الاختلافات تنشأ عندما تُؤخذ أطرٌ مرجعيةٌ (reference frames) أخرى بعين الاعتبار. في الصورة أعلاه، يمر الجزء الأمامي من السفينة بسمكة ثابتة (بالنسبة للأرض) في وقت محدد يسمى (\(T_1\)). وبعد ثوان، في الوقت (\(T_2\))، تسقط الكرة على أرض السفينة بينما يمر منتصف السفينة فوق السمكة.
من وجهة نظر السمكة، لم تسقط الكرة عمودياً فقط، بل وتحركت عدة أقدام أفقياً أيضاً. بالمثل، لو كانت لدى غاليليو كوة لينظر من خلالها، سوف يلاحظ أن السمكة تتحرك بالنسبة للسفينة.
هذا يعني أن ليس هناك سرعة ''مطلقة'' (absolute velocity). تختلف قياسات السرعة وفقاً للإطار المرجعي الذي تُقاس بموجبه. على سبيل المثال، لم يكن لكرة جاليليو سرعة أفقية من إطاره المرجعي في سفينة بلا نوافذ. ويبدو أن السمكة سترى أن للكرة سرعة أفقية مساوية لسرعة كل السفينة التي تطفو فوقها.
ولا واحد من القياسين "صحيحاً". فالأمر كله، ببساطة شديدة، نسبي.
فماذا في ذلك؟
لقد استخدم غاليليو هذه التجربة لإثبات أنه ،في الواقع، من الممكن للأرض أن تتحرك دون أن يتعارض ذلك مع إدراكنا اليومي للعالم. وحتى لو كانت الأرض تتحرك، فإن كل شيء على سطحها سيتحرك بنفس السرعة. بالتالي، إن إجراء هذه التجارب في كون الكنيسة الذي مركزه الأرض (geocentric) والكون الذي مركزه الشمس (heliocentric) في ذهن غاليليو، سيكون من المتعذر تمييزه.
لقد عثر غاليليو على نوع من النسبية أصبحَ يحملُ اسمه الآن. وبعد تأمله لعدة تجارب ميكانيكية بسيطة مثل الكرة الساقطة، خلص غاليليو إلى القول: ''لن تجد أي قدر من التغيير في التأثيرات المذكورة، ولن تستطيع أن تعرف بموجب أي منها ما إذا كانت السفينة تتحرك أو أنها واقفة بثبات''.
بعبارة أخرى، إن إجراء التجارب الميكانيكية في إطارين مرجعيين مختلفين يتحركان بسرعة ثابتة بالنسبة لبعضهما البعض (كسفينة غاليليو والبحر) سوف يؤدي إلى نفس النتائج.
كانت تجربة غاليليو الذهنية واحدة من أوائل الإيضاحات المسهبة للأطر المرجعية، على الرغم من أن المصطلح لم يُصاغ إلا في القرن التاسع عشر.
وقد صقل أينشتاين أفكار غاليليو من خلال نظريته للنسبية الخاصة في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، وبوسعك التعرف أكثر على التعارض بين النسبية الغاليلية ونسبية أينشتاين في موسوعة ستانفورد للفلسفة.
لقد وجهت تجارب غاليليو الذهنية البسيطة (والحقيقية) الفكر العلمي لقرون، وبوسعك أنت أيضاً أن تختبر ذلك بنفسك. في المرة القادمة التي تركب فيها سيارة أو قطاراً أو طائرة تتحرك بسرعة ثابتة، انتبه. يجب أن يبدو الأمر وكأنك مستقر. هذا على افتراض عدم وجود أي نوافذ أو اضطرابات تعكر رحلتك وتغير من سرعتك.
براين جاكوبسماير Brian Jacobsmeyer