كيف تعثر على ثقبٍ أسود؟

في الحقيقة، لا تحتاج لأن تكون فلكياً متخصّصاً لكي تعثر على ثقب أسود، ستتعرّف الآن على كيفية العثور على واحد باستعمال حاسوبك المحمول أو هاتفك فقط.

حديقة المجرّات الرّاديويّة (Radio Galaxy Zoo) هي منصّة على شبكة الإنترنت تسمح للأفراد الذين لديهم ميول فلكية بتقديم مساهمات قيّمة لعلم الفلك عبر تحديد مصادر الأشعّة الرّاديويّة القادمة من الثّقوب السّوداء فائقة الكتلة (Supermassive Black Holes) ومطابقة هذه الخصائص بالمجرّات التي تستضيفها.

من خلال المنصّة – التّي أطلقت منذ عام – قام المتطوّعون بالمرور على 1.2 مليون صورة فضائيّة التقطت بواسطة مصفوفة التلسكوبات الكبيرة (Very Large Array) في نيو مكسيكو، ومصفوفة تلسكوب أستراليا المدمج (Australia Telescope Compact Array) ،وتلسكوبي الفضاء سبيتزر (Spitzer)، ومستكشف الأشعة ما تحت الحمراء واسع المجال (Wide-field Infrared Survey Explorer) التابعة لناسا، حيث قام أشخاص عاديون بتحديد 60000 مصدر للأشعّة الرّاديويّة ومطابقتها بالمجرّات المضيفة لها، وهو العمل الذي كان سيتطلّب من عالم فلك منفرد 40 ساعة عمل أسبوعياً لمدّة خمسين سنة.

ووفقاً لدراسة نشرت هذا الأسبوع في النّشرة الشّهريّة للجمعيّة الملكيّة الفلكيّة the Monthly notices of the Royal Astronomical Society فقد أنجزوا ذلك العمل بدقّة كبيرة كالتي يتميّز بها المتخصّصون.

اصطياد الثّقوب السّوداء


الثّقوب السّوداء فائقة الكتلة هي مرتكزات الجاذبيّة في مراكز معظم، إن لم نقل كل المجرّات، ولديها الكثير لتخبرنا عن تطوّر الكون خلال الأزمنة الغابرة. تكمن مشكلتها في أنّها صعبة التعيين بالإضافة لابتلاعها للضّوء والمادّة، لكنها أحياناً تطلق كميات كبيرة من المواد المتشكلة خلال نشأة النّجوم إلى الفضاء الكوني المجاور لها. هذه المواد التي تتوهّج بشكل جميل وساطع في المجال الرّاديوي ضمن الطيف الكهرومغناطيسي هي إشارة منبّهة لوجود ثقب أسود في الجوار.

يبدو هذا الأمر خبراً جيّداً بالنّسبة للعلماء الذين يريدون دراسة الثّقوب السّوداء فائقة الكتلة، لكنّ الكثير من هذه الخصائص الرّاديويّة الحارّة هي غريبة، ذات تركيبة معقّدة بحيث لا يمكن استيعابها بشكل جيّد من قبل خوارزميات الحاسوب ما يدعو إلى الحاجة للملاحظة العينية للإنسان من أجل تحديدها، الأمر الذي يتطلّب التدقيق في عدد ضخم من الصّور الفضائيّة بشكل يفوق طاقة علماء الفلك.

صورة حاسوبية تعرض حديقة المجرات الراديوية، وتوضح الخطوات الثلاثة اللازمة لعمل التصنيف حقوق الملكية: The Radio Galaxy Zoo Project
صورة حاسوبية تعرض حديقة المجرات الراديوية، وتوضح الخطوات الثلاثة اللازمة لعمل التصنيف حقوق الملكية: The Radio Galaxy Zoo Project


مشروع حديقة المجرات الراديوية.


ومن هنا تأتي حديقة المجرّات الرّاديويّة المستلهمة أساساً من المشروع الكبير لحديقة المجرّات (Galaxy Zoo) الذي أطلق عام 2007، حيث توفّر للمتطوّعين صوراً تلسكوبية مأخوذة بالأشعّتين الرّاديوية وما تحت الحمراء للطيف الكهرومغناطيسي، ثمّ يُطلب منهم مقارنة هذه الصّور ومطابقة مصادر الأشعّة الرّاديويّة بالمجرّات التي تستضيفها.

لكن قبل إطلاق العنان للمتطوّعين، عليهم أخذ دروس تدريبية لجعل ملاحظاتهم العينية للمجرّات فعّالة، ففي الورقة العلميّة الجديدة يتحقّق الفلكيون من فعالية هذا التّدريب عبر الطّلب من المتطوّعين ملاحظة 100 صورة ومقارنة ما شاهدوه مع ما شاهده علماء الفلك، فماذا كانت النّتيجة؟

تقول جولي بانفيلد Julie Banfield الفلكية ومهندسة حديقة المجرّات الرّاديويّة: "مع هذه الدّراسة المبكّرة، يمكننا وبكل أريحيّة، إظهار أنّ أيّ شخص من الذين درّبناهم عبر دروسنا هم بكفاءة فريق خبرائنا".

المواطنون يصبحون علماء فلك


مع هذه البداية الواعدة لحديقة المجرّات الرّاديويّة، يأمل الفلكيون في أن يلعب المتطوّعون دوراً أكبر في تحليل قواعد البيانات الرّاديويّة، وخلال المدى ضمن الخمس إلى العشر سنوات القادمة، وسوف يقوم جيل جديد من التلسكوبات والتحسينات بما فيهم مستكشف مصفوفة الكيلومتر المربع الأسترالية (Australian SKA Pathfinder) بإنجاز مسح كامل للسّماء في كل أطياف الضّوء بهدف تحديد 100 مليون مصدر للأشعّة الرّاديويّة، بمعنى أنه سيتوفّر لدينا كمّ كبير من الصّور من أجل التّحليل.

ملامح انبعاث الأشعة الراديوية ضمن المجرات الراديوية الساخنة ملكية الصورة: The Radio Galaxy Zoo Project
ملامح انبعاث الأشعة الراديوية ضمن المجرات الراديوية الساخنة ملكية الصورة: The Radio Galaxy Zoo Project


إنّ علم الفلك هو مجال متاح للهواة المتحمّسين، لكن وكما يشير آدم فرانك Adam Frank الفلكي بجامعة روتشستر University of Rochester سيحتاج الأمر إلى تلسكوبات بالإضافة إلى التّدرب على استعمالها حتى يتمكّنوا من المشاركة، وهنا يكمن التّحول الآن، حيث ستتم الإجابة عن الكثير من الأسئلة العلمية عبر قواعد البيانات الرّقميّة واسعة النّطاق.

يقول فرانك لموقع غيزمودو Gizmodo: "لدينا الكثير من البيانات الرّقميّة حالياً بحيث تثقل كاهل خوارزميات حواسيبنا". وأضاف: "البيانات الكبيرة تكون أكثر فعالية عندما يتوفّر لديك إنسان مدرّب أو موجّه".

ومن جهته، يرى فرانك أن نموّ العلم التشاركي في علم الفلك هو صفقة رابحة للطّرفين.

يقول فرانك: "أعتقد أنّ هذا البرنامج العلمي التّشاركي على الانترنت رائع". ويضيف: "من جهة هو مفيد بشكل لا يصدّق لدفع النّاس للمشاركة. ومن جهة أخرى، هو أكثر مرحاً من مطالبة النّاس بأن يكونوا علماء، وأفضل طريقة لتعليم النّاس كيفية عمل العلم".

إذاً، إن كنت تحلم بالسّفر إلى أقاصي عنقود العذراء المجرّي الهائل (Virgo Supercluster) أو كنت سئمت من قذف الطيور الغاضبة في لعبة Angry birds إلى الخنازير في استراحة الغداء الخاصّة بك، يمكنك الانضمام لحديقة المجرّات الرّاديويّة والبدء بالتّدريب! الكون في الانتظار.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المجال تحت الأحمر (Infrared): هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطول الموجي الأكبر من النهاية الحمراء للضوء المرئي، والأصغر من الأشعة الميكروية (يتراوح بين 1 و 100 ميكرون تقريباً). لا يمكن لمعظم المجال تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي أن يصل إلى سطح الأرض، مع إمكانية رصد كمية صغيرة من هذه الأشعة بالاعتماد على الطَّائرات التي تُحلق عند ارتفاعات عالية جداً (مثل مرصد كايبر)، أو التلسكوبات الموجودة في قمم الجبال الشاهقة (مثل قمة ماونا كيا في هاواي). المصدر: ناسا
  • المجرة (galaxy): عبارة عن أحد مكونات كوننا. تتكون المجرة من الغاز وعدد كبير (في العادة، أكثر من مليون) من النجوم التي ترتبط مع بعضها البعض، بوساطة قوة الجاذبية. و عندما تبدأ الكلمة بحرف كبير، تُشير Galaxy إلى مجرتنا درب التبانة. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات