ثلاثة آثار محيرة مترتبة على الكون متعدد الأبعاد


رسم تخيلي للكون متعدد الأبعاد.

المصدر: Juergen Faelchle / Shutterstock.


قبل قرن من الزمن تقريباً، بيّن إدوين هابل Edwin Hubble عبر اكتشافه لظاهرة انزياح ضوء المجرات نحو الأحمر في كل الاتجاهات بعيداً عنا، إلى أن الفضاء نفسه يكبر. وعند جَمعِ هذه المعطيات مع المفاهيم التي تم الحصول عليها من مجموعة من الأشكال الهندسية اللا-إقليدية المقترحة، فإن اكتشاف هابل يشير إلى أن الكون موجودٌ ضمن عالم يتجاوز الأبعاد الثلاثة المألوفة لدينا في الحياة اليومية.

والسبب في ذلك هو أن بعض أجزاء الكون تتحرك بعيداً عن بعضها البعض، لكن بدون مركز فيزيائي، أو نقطة وسطية في الفضاء ثلاثي الأبعاد.

فكِّر في بالونٍ يُنفخ ويُرى فقط من وجهة نظر يتزايد فيها سطحه ثنائي الأبعاد، وتخيّل تضخمٍ رباعي الأبعاد يحدث في الفضاء ثلاثي الأبعاد الذي يمكننا رؤيته. يقترح هذا المنظور أنه من الممكن حَنْيُ الفضاء ثلاثي الأبعاد وطويُه أو لفه إلى أربعة أبعاد بنفس الطريقة التي يلتف بها سطح البالون ثنائي الأبعاد إلى بعد ثالث.

نحن لا نرى بأبعاد أخرى ولا نشعر بها. ومع ذلك، تتنبأ الفيزياء النظرية بوجود هذه الأبعاد الإضافية. هذا مثير للاهتمام، لكن، هل هناك آثار عملية لذلك؟ وهل من الممكن أن تصبح جزءاً من الفيزياء التطبيقية؟



محرك الاعوجاج الزمكاني


حين يرغب الفيزيائيون بتوضيح البعد الرابع، يستخدمون مقارنات مثل رسومات لِما يسمى بالمكعب الفائق (hypercube)، بل إنهم استخدموا حتى رواية القرن التاسع العاشر التي تدعى "الأرض المسطحة" (Flatland) للكاتب إدوين أبوت أبوت Edwin Abbott Abbott. تخيّلَت الرواية وجود كائنات ثنائية الأبعاد تعيش في عالم مسطح يمتلك طولاً وعرضاً فقط، ولأن سكان العالم المسطح لا يستطيعون رؤية بعدٍ ثالث، فهُمْ يرون مستوى واحد فقط من الزوار ثلاثيّي الأبعاد. يشبه الأمر الطريقة التي يُصوَّر بها الجسم على شكل شرائح من خلال التصوير الطبقي المحوري (computed tomography) أو الرنين المغناطيسي. إن إجراء مقطعين معترضين عبر الساق تفصل بينهما بضعة ملليمترات، قد يجعل هذين المقطعين يبدوان متشابهين تقريباً. ولكن، عند النظر إلى مقطع آخر يعبر منطقة الخصر أو الصدر، ستظهر صورة مختلفة جداً. بإمكاننا استعمال هذا التشبيه لتخيل بيئتنا ثلاثية الأبعاد كشريحة واحدة من عدد لا نهائي من الشرائح المكونة لبيئة رباعية الأبعاد.

ولكن عند الانتقال إلى أكثر من أربعة أبعاد، تصبح الأمور أكثر غرابة، ومن الصعب جداً تخيلها. النظرية الرئيسية هنا هي نظرية M، وهي نظرية فيزيائية توحد أنواع مختلفة من نظرية الأوتار الفائقة (superstring theory). في نظرية M هناك مجموعة من الأبعاد، إما 10 أو 11، ويعتمد عدد الأبعاد على الشخص الذي يفسر لك النظرية. وبالإضافة إلى الأبعاد الثلاثة المألوفة لدينا، هناك أبعادٌ مضغوطة. كل هذا يرتبط بظاهرة تُسمى بـالأغشية (branes) والتي تهتز كالأوتار، لكنّ الشيء الأكثر أهمية في هذا النقاش هو أنه ليس من الضروري للأبعاد الإضافية أو المضغوطة أن تبقى مختفية.

يقول ريتشارد أوبوسي Richard Obousy أنه من الممكن فكّ الأبعاد الإضافية وإخراجها مثل لعبة المهرج في العلبة. أبوسي هو مدير منظمة Icarus Interstellar، وهي منظمة غير ربحية تُشجّع أبحاث المركبات الفضائية.

ويضيف أبوسي: "إذا تعلّمَت حضارة متقدمة كيفية التعامل مع الأبعاد العليا، قد تستخدمها في التكنولوجيا، من ضمنها محرك الاعوجاج الزمكاني (wrap drive)''. كما وضح أبوسي أن فكرة فك الأبعاد الإضافية المتحكم بها قد يكون لها تأثير مثل ضغط أو مد أحد الأبعاد الثلاثة الكبيرة التي نعرفها. وإذا طُبق تأثير الضغط أمام مركبة فضائية، وتأثير المد خلفها، فمن الممكن عندها الحصول على محرك الاعوجاج الزمكاني.

لكن لم يَأْن الأوان بعد لتبدأ بتوضيب حقائبك لقضاء عطلة في نجم ألفا قنطوروس (alpha Centauri)، وذلك لأن هناك تعقيداً صغيراً جداً اعترف به أبوسي أولاً. إلى الآن، نحن لا نمتلك أي دليل على وجود هذه الأبعاد الإضافية المُفترضة. وربما نحصل في يوم ما، في المستقبل القريب، على بعض الأدلة من المصادم الهادروني الكبير. لكن حتى في ذلك الوقت، سيستمر التخمين حول الإمكانية أن يؤدي ذلك إلى تكنولوجيا محرك الاعوجاج الزمكاني.



السفر عبر الزمن


يُعتبر الوقت عادةً بُعداً من الأبعاد، حتى لو لم يكن بعداً مكانياً، ونحن بالتأكيد نسير على طول محور الزمن بشكل جيد.

لا نمتلك تكنولوجيا العودة إلى الوراء وتغيير التاريخ. لكن لو استطعنا إيجاد طريقة للمرور خلال أبعاد أخرى، وحسب مقارنة البالون، يجب أن يسمح ذلك بوجود نفق من نوع ما للمرور إلى أماكن تبدو بعيدة من وجهة نظر الأبعاد الثلاثة التي ندركها.

مع ذلك، فإن إمكانية المرور إلى فترات زمنية أخرى في المستقبل أو الماضي لا تزال مبهمة. يعلم محبو مسلسل ستار تريك Star Trek أن فلسفة السفر إلى الماضي محيرة للعقل، لأنه باستطاعتك أن تُغيّر التاريخ، وأن تمنع حدوث سلسلة من الأحداث في الماضي، والتي تسببت في وجودك في المقام الأول. ولكنّ السفر عبر الزمن إلى المستقبل -تسريع الحركة الاعتيادية نحو المستقبل- لا يحتاج إلى أي فلسفة. علاوة على ذلك، نعرف كيف نقوم بذلك.

تُسمى هذه الظاهرة بتمدد الزمن (time dilation)، وقد تنبأ بها أينشتاين في نظرية النسبية الخاصة، وسيحدث ذلك إذا سرعنا المركبة الفضائية إلى جزء كبير من سرعة الضوء. عند السفر بسرعة قريبة من سرعة الضوء (c)، فإن الزمن يتباطأ من وجهة نظرك، ويحدِّد كمية هذا التباطؤ متغيّرٌ يُعرف بعامل غاما.

إذا كانت لدينا سفينة تتحرك بسرعة أقل من السرعة c×0.87 بقليل، فإن العامل غاما على مَتنِهَا سيبلغ 2. ومن وجهة نظر الراصدين من الأرض، فإن المسافر سيتحرك بمقدار دقيقتين نحو المستقبل، لكل دقيقة تمر على متن السفينة. وعند سرعة c×0.94، تصبح قيمة غاما 3، وتتزايد بشكل كبير مع اقتراب المركبة من سرعة الضوء. على سبيل المثال، عند سرعة c×0.9992، تصل غاما إلى 25، مما يمكنك من الانتقال إلى المستقبل بشكل ملحوظ إذا حافظت على تلك السرعة لمدة كافية.

عند السفر ذهاباً وإياباً إلى نجم النسر الواقع (Vega) الذي يبعد عنا 25 سنة ضوئية، سيمر عليك، أنت وأصدقاؤك الموجودين على متن المركبة عامين (أي ستتقدم بالعمر عامين، وتتراكم لديك ذكرياتٌ لعامين). لكن، عند الوصول إلى الأرض ستجد أنك قفزت نصف قرن إلى الأمام.

سيحدث هذا حقاً، ونحن متأكدون من ذلك، لأنه بُرهِن على تمدد الزمن باستعمال جسيمات دون ذرية في المسرعات. لا نستطيع الآن القيام بنفس الشيء مع الأشخاص، لكنّ القدرة على الوصول إلى سرعات نسبية ليست سوى مسألة وقت، لأنه من الممكن أن تحدث بمساعدة تكنولوجيا قريبة من الأفق، وهي الاندماج النووي.



ثقوب دودية يمكن العبور خلالها


هناك وسيلة أخرى من وسائل النقل التي أصبحت ممكنة فضلاً للكون متعدد الأبعاد، ألا وهي الثقوب الدودية (wormholes). عندما احتاج كارل ساغان إلى طريقة واقعية ليسافر بها الإنسان لمسافات بين النجوم أثناء كتابة روايته "الاتصال" (Contact)، فقد استشار الفيزيائي النظري كيب ثورن Kip Thorne وعمل ثورن مع اثنين من أفضل طلابه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وتوصل إلى معادلات تُظهر أن هناك فعلاً طريقة للسفر، وهي ثقب دودي مستقر وقابل للعبور، أو حتى نظامٌ يشبه الأنفاق يصل بين مناطق مختلفة في الزمكان.

كان هذا قَبلَ أن يُثبت ميغيل ألكوبيير Miguel Alcubierre أن نظرية النسبية العامة لأينشتاين تسمح بوجود محرك الاعوجاج الزمكاني بأكثر من عقد. لذلك، رأى ساغان في ذلك الوقت أن مفهوم الثقوب الدودية هو المفهوم الوحيد الصحيح علمياً واستخدمه في روايته.

يمكن لحضارة متقدمة أن تبني نظاماً من الأنفاق تعتمد على ثقب دودي يربط بين نقاط مختلفة من نسيج الزمكان، وبشكل أساسي، يتم رسم نقاط المغادرة والوصول في النسيج بحيث تكون قريبة من بعضها البعض في البعد الرابع. إذا استطعنا فعل ذلك، فمن الممكن أن يكون لدينا بوابة دخول قريبة في مكان ما في النظام الشمسي الداخلي بحيث تقود إلى نقطة خروج في نظام شمسي قريب يحتوي على كوكب شبيه بالأرض. هذه هو مفهوم بوابة النجوم في الخيال العلمي.
 

رسم تخيلي للثقب الدودي. المصدر: andrey_l / Shutterstock.
رسم تخيلي للثقب الدودي. المصدر: andrey_l / Shutterstock.


وبسبب النتائج المعقدة رياضياً والمشتقة من معادلات في النسبية العامة تُعرف باسم معادلات أينشتاين للمجال (Einstein field equations)، فإن التكنولوجيا القادرة على طيّ الفضاء، سواءً عبر محرك اعوجاج الزمكان أو الثقوب الدودية القابلة للعبور، تحتاج إلى ظاهرة تُسمى بالطاقة السلبية (negative energy). من الصعب تصوّر ما هي الطاقة السلبية حدسياً، لكن يتناسب وجودها مع منطقة راسخة في الفيزياء معروفة باسم نظرية الحقل الكمومي. لقد تمكن فيزيائيون في الواقع من إنتاج كميات صغيرة جداً من الطاقة السلبية (طاقة الفراغ السلبية) عن طريق استخدام تكنولوجيا البصريات الكمومية وظاهرة تُسمى بتأثير كازيمير (Casimir effect). تُنتج الطبيعة هذه الطاقةَ بكميات كبيرة، ولكن فقط عبر استخدام تراكيز عالية من الجاذبية، وهو ما لا يمكن أن ننتجه صناعياً.

ووفقاً لإريك ديفيس Eric Davis، وهو كبير الباحثين في الفيزياء في معهد الدراسات المتقدمة the Institute for Advanced Studies في أوستن-تكساس، وخبيرٌ في مفهوم الدفع بسرعات أعلى من سرعة الضوء، إن أكثر طريقة واعدة للقيام بذلك هي استخدام جهاز بصري كمومي يُسمى بمرآة فورد-سافيدير (Ford-Svaiter mirror). لم يُبنى هذا الجهاز بعد رغم أن صنعه أمرٌ ممكن، وسيقوم بتركيز طاقة الفراغ السلبية. إذا قمت بذلك مستخدماً مرآة فورد-سافيدير صغيرة، سينتُج ثقبٌ دوديٌ مصغر. يقول ديفيس أنه من الممكن أن يتم تكبير الجهاز بحيث يُنتج ثقوباً دوديةً أكبر وأكبر، وفي النهاية ثقوباً كبيرة كفاية بحيث تستطيع سفينة فضائية العبور خلالها. لكنّ قد يكون البحث خلال الثقوب للبحث عن مخرج صعباً في البداية، رغم أنه من الممكن نظرياً وضع مرايا فور-سافيدير في نقاط مختلفة لخلق موالف نوعاً ما، على سبيل المثال من مكان ما قُربَ الأرض إلى نقطة قُربَ كوكب شبيه بالأرض في نظام شمسي قريب.

بمجرد بناء أول ثقب دودي بنقاط دخول وخروج مستقرة، سنملك طريقةً للتحرك ذهاباً وإياباً بين الأرض وأول وجهة بَيْنجميةٍ لدينا. ويمكننا أن نستكشف النظام الشمسي الجديد، ومما لا شك فيه أننا سنفعل ذلك، خصوصاً إذا امتلك هذا النظام كوكباً صالحاً للسكن نستطيع استعماره. باستطاعتنا أيضاً استخدامه كنقطة انطلاق إلى وجهات أبعد. لذلك، سيكون بإمكاننا شيئاً فشيئاً خلق شبكة من الثقوب الدودية في زاويتنا الصغيرة من المجرة، أو ربما يمكن في مرحلة ما أن تستفيد أنفاقنا من شبكة مشابهة موجودة بالفعل مثلما تخيل ساغان. في تلك الحالة، من الأفضل لنا أن نتأكد من أننا قد تعلمنا القوانين، لأنه قد تكون هناك حركة مرور.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات