التحليل الطيفي النيوتروني: الجزء الثاني

رسم توضيحي لهندسة معادلة براج.


تحدثنا في الجزء الأول عن أنواع النيوترونات وَفْقًا لطاقاتها، وأيضًا عن أسس التحليل الطيفي ومفهوم عملية التشتُّت. وسنتناول في هذا المقال أنواع التشتُّت النيوتروني.

∗ تشتُّت النيوترونات المرن


أحد التطبيقات لتشتُّت النيوترونات المرن هو حُيُود (انعراج) النيوترونات (neutron diffraction) لتحديد هياكل الموادّ الصلبة والسائلة والغازية. بالاستفادة من الخصائص الموجية للنيوترون، فإن حُيُود النيوترونات يُعَدّ مشابهًا جدًّا لحُيُود الأشِعَّة السِّينِيَّة. على سبيل المثال، فإنه يتوافق مع معادلة براج:


\(nλ 2d sin Θ \)
 

حيث λ هو الطول الموجي لدي برولي للنيوترونات.
وd هو المسافة بين المستويات المتجاورة في تشتُّت الجُسَيمات.
وΘ هو الزاوية بين مصدر النيوترونات الداخلة ومستوى تشتت الجُسَيمات.
وn هو عدد صحيح يُسَمَّى "ترتيب الحُيُود". ويستند حُيُود النيوترونات في إنتاج التداخل البَنَّاء إلى الموجات، كما هو مبيَّن في الشكل1.

يتفوق حُيُود النيوترونات ببعض المزايا على حُيُود الأشِعَّة السِّينِيَّة، ولعلّ الأهمّ هو أن النيوترونات تنعكس من الأنوية الذرية لا من سُحُب الإلكترونات، بحيث تُحَدَّد المواقع النووية بالضبط بدقة أكبر ويظهر الهيدروجين بوضوح (ذرات الهيدروجين لا تحيِّد الأشِعَّة السِّينِيَّة جيدًا).

 

تحيد النيوترونات بشكل أفضل عند الزوايا العالية، لا الزوايا المنخفضة، لذلك يمكن سبر زوايا تشتُّت أكبر، وبذلك تزيد ثبات التجربة. ونظرًا إلى الدقة العالية فيمكن أن يُستخدم حُيُود النيوترونات لدراسة سلوك الإجهاد في المواد الصلبة.

يتطلب حُيُود النيوترونات عيِّنات كبيرة الحجم، وهذا يمثل مشكلة، لذلك يُعَدّ حُيُود النيوترونات للبَلْوَرة الأحادية أمرًا نادر الحدوث، العيِّنات المسحوقة هي الأمر المألوف. يُعَدّ بعض النوى الذرية قوية الامتصاص للنيوترونات، بحيث لا تكون مشتِّتات قوية، ويعتمد تشتُّت النيوترونات مقارَنةً بامتصاصها على النظائر، لذلك يمكن ملاحظة النظائر المختلفة حتى لنفس العنصر.

ويمكن كذلك أن يُستخدم تشتُّت النيوترونات المرن لمقياس "الانعكاسية" (reflectometry)، وهي تقنية تُستخدم لدراسة الأغشية الرقيقة، كما هو الحال مع حُيُود النيوترونات، إذ يوفّر مقياس انعكاسية النيوترون معلومات تكميلية مقارنة بمقياس انعكاسية الأشِعَّة السِّينِيَّة.

 تشتُّت النيوترونات غير المرن


الشكل2: رسم تخطيطي لتجربة تشتُّت النيوترونات غير المرن. لاحظ أنها مشابهة لإعدادات التحليل الطيفي العادية.
الشكل2: رسم تخطيطي لتجربة تشتُّت النيوترونات غير المرن. لاحظ أنها مشابهة لإعدادات التحليل الطيفي العادية.

في تشتُّت النيوترونات غير المرن، تتفاعل النيوترونات مع العيِّنة تفاعُلًا يؤدِّي إلى تغيير طاقاتها، والحصول على نشاط إما أكثر وإما أقلّ. على هذا النحو يشتدّ تَشابُه تَشَتُّت النيوترونات غير المرن مع الأشكال الكلاسيكية من التحليل الطيفي. والواقع أن إعدادات التجربة مشابهة أيضًا، كما هو مبيَّن في الشكل2. يُستخدم بعض أشكال تشتُّت النيوترونات غير المرن أحادي اللون monochromator.

في وقت انطلاق التشتُّت تُقطع النبضات النيوترونية متعددة الألوان أو يوحَّد لونها ثم ترسل خلال عينة. تحيِّد العيِّنة بعض النيوترونات التي تمتلك أطوالًا موجية معيَّنة (أي طاقات معيَّنة) وعند زوايا معيَّنة. ثم تُقاس الزوايا بكاشف حسَّاس للموقع، ولكن يُحدَّد الطول الموجي -ومِن ثَمَّ الطاقات- عن طريق قياس مقدار الوقت الذي تستغرقه إشارات النيوترون للوصول إلى الكاشف. وهذا يبين سرعة النيوترون، الذي يُستخدم في علاقة دي برولي للحصول على الأطوال الموجية للنيوترونات المحادة. ثم يمكن استخدام معادلة براج لمعرفة المعلومات الهيكلية للعيِّنة.

التشتُّت المرتدّ للنيوترونات هو الأسلوب الذي يُعيَّن من خلاله "الحُيُود" بطريقة تجعل زوايا موحِّد اللون والمحلِّل قريبة من 90 درجة. تتوجَّه النيوترونات السريعة نحو عيِّنة، وجزءٌ منها يتشتَّت مرتدًّا بالقرب من المصدر. ولأن النوى الصغيرة أفضل في تشتُّت النيوترونات السريعة، فإن الزيادة في التشتُّت المرتدّ تشير إلى وجود كمِّية أعلى نسبيًّا من الذرات الصغيرة مثل الهيدروجين. يُستخدم التشتُّت المرتدّ للنيوترون من أجل الحصول على المياه في المناطق القاحلة وللبحث عن متفجرات في الألغام غير المنفجرة، وله تطبيقات واضحة في أمن المطارات.

التحليل الطيفي لصدى الغزل للنيوترونات (Neutron spin echo spectroscopy) هو شكل غير عاديّ من أشكال التحليل الطيفي الذي يعتمد على السبق لغزل النيوترون precession (العدد الكمّيّ المغزلي=½)، وفي النهاية هو نوع من قياسات وقت الانطلاق. يمر الشعاع المستقطب من النيوترونات الباردة متعددة الألوان من خلال المجال المغناطيسي، حيث يعيَّن عدد "بداريات لارمور" (Larmor precessions) للنيوترونات تبعًا لطول وقوّة المجال المغناطيسي. ثم يُشَتَّت شعاع من عيِّنة وتحدَّد البداريات الناتجة بعد التشتُّت باستخدام مجال مغناطيسي ثانٍ.

يُعَدّ الفرق في عدد بداريات لارمور مؤشِّرًا على التغيير في السرعة -ومِن ثَمَّ التغير في الطاقة- للنيوترونات. في هذه الحالة فإن قياس تغيير الطاقة ليس مباشرًا، بل هو قياس يعتمد على الوقت، ويمكن تحليله عن طريق تحويل فورييه Fourier transform لتحويله إلى مجال الطاقة، وهذا هو الطيف (spectrum). يُقاس صدى الغزل للنيوترونات بنانو إلكترون فولت.

يسمح التحليل الطيفي للنيوترون في المحور الثلاثي للتغييرات في ثلاثة أبعاد من خلال قدرته على تدوير العيِّنة (عادة تستخدم البلورة الأحادية)، وموحّد اللون، والكاشف بشكل مستقلّ. وتشمل الطاقات المكشوفة أوضاع الفونون للموادّ الصُّلْبة، ومن الممكن أيضًا دراسة الأنظمة غير المتبلورة، والبروتينات، والتحركات الكلية للبوليمرات والجزيئات البيولوجية، وعمليات نقل الطاقة في السوائل والغازات.

وقد أصبحت هذه التقنية مفيدة جدًّا في دراسة الحالات المكثَّفة من المادَّة التي منحت مطوِّريها جائزة نوبل عام 1994 في الفيزياء


قُدّمت جائزة نوبل في الفيزياء 1994 "للإسهامات الرائدة في تطوير تقنيات تَشَتُّت النيوترونات للدراسات من المادَّة المكثَّفة"، وهي مشتركة بين بيرترام بروكهاوس Bertram N. Brockhouse "لتطوير التحليل الطيفي النيوتروني" وكليفورد شال Clifford G. Shull "لتطوير تقنية حُيُود النيوترونات".

وقد لُوحِظَ هذا الإنجاز في الآونة الأخيرة في الجدول الزمني لأحداث التحليل الطيفي في تاريخ التحليل الطيفي. ويزعم شال في إضافته لموسوعة ويكيبيديا أن هذه هي أطول فترة بين تنفيذ العمل الفردي (1946) ومنح الجائزة حتى الآن.


عن الكاتب


ديفيد دبليو بول، أستاذ الكيمياء في جامعة ولاية كليفلاند في أوهايو، وقد طُبع عديد من مقالاته الأساسية على شكل كتاب نشرَته SPIE Press باسم "أساسيات التحليل الطيفي The Basics of Spectroscopy"، وهو متاح في موقع الناشر. وقد نشر كتابه "Field Guide to Spectroscopy" في مايو 2006، وهو متاح أيضًا على موقع الناشر. ويمكن التواصل معه من خلال البريد الإلكتروني: [email protected] أو موقعه على الإنترنت academic.csuohio.edu/ball.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التحليل الطيفي (Spectroscopy): التحليل الطيفي ببساطة هو علم قياس شدة الضوء عند الأطوال الموجية المختلفة. وتُسمى المخططات البيانية الممثلة لهذه القياسات بالأطياف (spectra)، وهي المفتاح الرئيسي لكشف تركيب الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية. المصدر: ناسا
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات