كما تابعنا في الاجزاء الخامسة (الاول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس) من السلسلة عن مصام الهادرونات الكبير نقدم لكم الجزء السادس.
يا للهول!
أمِلَ العلماء بوضع مصادم الهادرونات الكبير في الخدمة عام 2007، لكن فشل مغناطيس رئيسي أبطأ من سير الأمور، فقد عانى مغناطيس ضخم صنعه مختبر فيرمي من إخفاق حرج خلال اختبار إجهاد، وعزم العلماء على أن الإخفاق نتج عن خطأ في التصميم لم يأخذ بالحسبان الإجهادات اللاتزامنية التي يمكن أن تخضع لها المغانط.
ولحسن حظ الباحثين أصلح المهندسون العطل بسرعة جيدة، لكن ظهر عطل آخر على شكل تسرب للهيليوم، ولهذا تم تأجيل وضع مصادم الهادرونات الكبير في الخدمة حتى عام 2009. [المصدر: Professional Engineering].
حوسبة بيانات مصادم الهادرونات الكبير
مع وجود 15 بيتابايت من البيانات (15 مليون غيغابايت) تجمعها كواشف مصادم الهادرونات الكبير كل عام، أمام العلماء مهمة هائلة! كيف تعالج هذا الكم الهائل من المعلومات؟ وكيف تعلم أنك تنظر إلى شيء هام ضمن هذه المجموعة الضخمة من البيانات؟ فحتى استخدام كمبيوتر فائق ليعالج هذا الكم من المعلومات قد يأخذ آلاف الساعات يستمر المصادم أثنائها بمراكمة المزيد من البيانات.
حلت مختبرات سيرن هذه المسألة باستخدامها ما سمته "شبكة حوسبة مصادم الهادرونات الكبير"، وهي عبارة عن شبكة حواسيب مرتبطة ببعضها البعض، وكل حاسوب منها يمكنه تحليل مقدار من البيانات بمفرده، وحالما ينهي حاسوب ما عملية التحليل الخاصة به يمكنه إرسال النتائج إلى حاسوب مركزي ليتلقى مقداراً جديداً من البيانات.
وطالما يستطيع العلماء تقسيم البيانات إلى مقادير محددة، سيعمل النظام بشكل جيد، ويطلق على هذا المدخل في قطاع صناعة الحواسيب اسم الحوسبة الشبكية Grid Computing.
ركز العلماء في سيرن على استخدام تجهيزات غير مكلفة نسبياً لتنفيذ حوسبتهم، فبدلا من شراء مخدمات بيانات ومعالجات ذات تصاميم عصرية باهظة، تركز سيرن على شراء عتاد صلب عادي يمكنه أن يعمل بشكل جيد ضمن شبكة؛ ومنهجهم هذا مشابه جدا للاستراتيجية التي تستخدمها شركة غوغل، فمن الأفضل من حيث الكلفة شراء الكثير من العتاد الصلب المتوسط عوضا عن شراء القليل من القطع والتجهيزات المتقدمة والممتازة.
وعبر استخدام نوع خاص من البرمجيات تدعى ميدوير Midware (العتاد المتوسط)، ستكون شبكة الحواسيب قادرة على تخزين وتحليل البيانات لكل تجربة تجرى في مصادم الهادرونات الكبير. وبنية النظام مرتبة على شكل عقد Tiers:
- العقدة 0 (Tier-0): وهي نظام حوسبة سيرن والذي يعالج البيانات أولا ويقسمها إلى مقادير من أجل العقد التالية.
- العقدة 1 (Tier-1): تتألف من اثني عشر موقعا في بلدان مختلفة وستتلقى بيانات من سيرن عبر اتصالات حاسوبية خاصة بذلك، وهذه الاتصالات ستكون قادرة على نقل البيانات بسرعة 10 غيغابايت في الثانية، ومواقع العقدة 1 ستعالج البيانات وتقسمها أيضا لترسلها نحو أدنى الشبكة.
- العقدة 2 (Tier-2): لها أكثر من مئة موقع وستتصل بمواقع العقدة 1 معظم هذه المواقع جامعات ومؤسسات علمية، كل موقع سيحوي حواسيب متعددة متاحة لمعالجة وتحليل البيانات؛ وحالما تنتهي كل مهمة معالجة ستعيد هذه المواقع دفع البيانات رجوعا إلى أعلى نظام العقد. وعن الاتصال بين العقدة 1 والعقدة 2 فهو عبارة عن اتصال شبكة قياسي، وأي موقع تابع للعقدة 2 يستطيع الوصول إلى أي موقع تابع للعقدة 1، والسبب وراء ذلك هو إتاحة الفرصة لمؤسسات البحث والجامعات للتركيز على معلومات وأبحاث محددة.
وبالطبع مثل هذه الشبكة الكبيرة تواجه تحديات جمة أحدها هو أمن البيانات، حيث تجزم سيرن أن هذه الشبكة لا تسطيع الاعتماد على جدران الحماية Firewalls بسبب حجم مرور البيانات في النظام، ويعتمد النظام بدلاً عن ذلك على إجراءات تحديد الهوية وتصريح الدخول لمنع الدخول غير المصرح به إلى بيانات مصادم الهادرونات الكبير.
يقول بعض الناس أن القلق على أمن البيانات نقطة جدل، لأنهم يعتقدون أن مصادم الهادرونات الكبير سينتهي بتدمير العالم بكامله!
فهل هذا ممكن حقا؟ اكتشف ذلك في الجزء السابع.