كيف يعمل مصادم الهادرونات الكبير: الجزء الرابع

كما تابعنا في الاجزاء الثلاثة (الاول، الثاني، الثالث) من السلسلة عن مصام الهادرونات الكبير نقدم لكم الجزء الرابع.


سنبدأ حديثنا في هذا الجزء عن البرودة الشديدة لمغانط المصادم، ومن ثمّ ننطلق لشرح عملية التصادم التي تحصل داخله، لنحاول بذلك تسليط الضوء على الفيزياء المذهلة والكامنة وراءه هذه العملية. 

 ما هو الأكثر برودة من البارد؟


لماذا تبرد المغانط لتنخفض درجة حرارتها إلى ما فوق درجة الصفر المطلق بقليل؟ ببساطة لأن المغانط الكهربائية يمكنها أن تعمل دون أي ممانعة كهربائية عند هذه الحرارة (تتحول إلى حالة الناقلية الفائقة). هذا وتستخدم مختبرات سيرن 10800 طن ( 9798 طن متري) من النتروجين السائل لتخفيض درجة حرارة المغانط إلى 80 درجة كلفن (-193.2 درجة سيليزيوس أو -315.67 درجة فهرنهايت)، ومن ثم تستخدم 60 طن (54 طن متري) من الهيليوم السائل لتبريدها بما تبقى لها لتقارب الصفر المطلق. [المصدر: CERN].

صدم البروتونات


نموذج عن مصادم الهادرونات الكبير في مركز الزوار التابع لسيرن في جنيف. حقوق الصورة : Johannes Simon/Getty Images
نموذج عن مصادم الهادرونات الكبير في مركز الزوار التابع لسيرن في جنيف. حقوق الصورة : Johannes Simon/Getty Images


المبدأ الذي يقوم عليه مصادم الهادرونات الكبير بسيط جداً: أولا تُطلق حزمتي جسيمات على طول مجريين أحدهما بجهة عقارب الساعة، والآخر بعكس عقارب الساعة، تسرع الحزمتين إلى ما يقارب سرعة الضوء، وثم توجه الحزمتين نحو بعضهما وتراقب ما يحصل؛ طبعاً التجهيزات اللازمة لتحقيق هذا الهدف معقدة جدا. 

يعد مصادم الهادرونات الكبير جزءاً من إجمالي منشأة مسرع الجسيمات التابعة لسيرن، وقبل أن يدخل أي بروتون أو أيون هذا المصادم، تكون قد مرت مسبقاً بسلسلة من الخطوات، لنلقي الآن نظرة على حياة بروتون وهو يمر عبر سلسة عمليات مصادم الهادرونات الكبير.

يجب على العلماء فصل الإلكترونات من ذرات الهدروجين لإنتاج بروتونات أولاً، ثم تدخل البروتونات إلى "ليناك 2" LINAC2 وهي آلة تطلق حزم البروتونات إلى داخل مسرع يدعى "المنشط بي إس " PS Booster (مسرع ينشط البروتونات لتصل إلى مستوى طاقة مناسب) ، وتستخدم هذه الآلات أجهزة تسمى تجاويف الترددات الراديوية (radio frequency cavities) لتسرع البروتونات، وهذه التجاويف تحوي بداخلها حقلاً كهربائياً ذو تردد راديوي يدفع البروتونات إلى سرعات أعلى. 

تولد مغانط عملاقة الحقول المغناطيسية الضرورية لإبقاء حزم البروتونات في مسارها وبقياسها على سيارة. وإن كانت تجاويف الترددات الراديوية مسرعاً، فتكون المغانط كعجلة القيادة. وحالما تصل حزمة بروتونات إلى مستوى الطاقة المناسب يحقنها جهاز التنشيط PS Booster في مسرع آخر يدعى مسرع البروتونات التزامني الفائق SPS فتستمر الحزم باكتساب السرعة، في هذا الوقت تكون الحزم قد انقسمت إلى فروع، كل فرع يحتوي \(1.1 x10 ^{11}\) بروتون، ويوجد حوالي \(2,808\) فرعا في الحزمة الواحدة [المصدر: CERN].

يحقن المسرع SPS الحزم إلى داخل مصادم الهادرونات الكبير بحيث تتحرك حزمة مع عقارب الساعة وأخرى بعكس عقارب الساعة، تستمر الحزم داخل المصادم بالتسارع مستغرقة حوالي 20 دقيقة، وعند أقصى سرعة تقوم الحزم ب 11245 دورة حول مصادم الهادرونات الكبير في الثانية! 

تلتقي الحزمتان عند واحد من الكواشف الستة المتوضعة على امتداد مصادم الهادرونات الكبير، وفي ذلك الموضع سيكون هناك 600 مليون تصادم في الثانية [المصدر: CERN]. وعندما يتصادم بروتونين ينقسمان إلى جسيمات أصغر، بما فيها جسيمات دون ذرية تدعى الكواركات (Quarks) وقوة مخففة تدعى غلون (Gluon)، والكواركات غير مستقرة بشدة وستتفكك في جزء من الثانية. 


تجمع الكواشف المعلومات عن طريق تعقب مسار الجسيمات دون الذرية ومن ثم ترسل البيانات إلى شبكة من الأنظمة الحاسوبية، بالطبع لن يتصادم كل بروتون مع بروتون آخر، فحتى مع وجود آلة متطورة مثل مصادم الهادرونات الكبير، فمن المستحيل توجيه حزم الجسيمات الصغيرة بحجم البروتونات بحيث يتصادم كل جسيم مع جسيم آخر، أما البروتونات التي لا تصطدم فتستمر متحركة في الحزمة إلى القسم المخصص ﻹخماد الحزمة، فهناك قسم مصنوع من الغرافيت سيمتص الحزمة، ومثل هذه الأقسام قادرة على امتصاص الحزم إذا حصل خطأ ما في مصادم الهادرونات الكبير.

لدى مصادم الهادرونات الكبير ستة كواشف متوضعة على طول المحيط الدائري. ما الذي تقوم به هذه الكواشف؟ وكيف تعمل؟ اكتشف ذلك في الجزء الخامس.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • Doping (التنشيط): هي عملية إدخال مواد إضافية -غالباً ما تكون شوائب (impurities)- في معدن لتغيير خصائص التوصيل لديه. فيمكن أن تكون الموصلات فائقة التوصيل المُطعّمة (Doped superconductors) أكثر كفاءة من نظرائها النقية. فبعض تجاويف المسرّع مصنوعة من النيوبيوم (niobium) المُطعّم بذرات النيتروجين. ويُدرس ذلك لاستخدامه في تصميم المغانط فائقة التوصيل كذلك.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات