تتوضع على عمق مئة متر تحت الأرض (328 قدم) أسفل الحدود بين فرنسا وسويسرا آلة دائرية قد تكشف لنا أسرار الكون، أو -وفقا لبعض الناس- قد تدمر كامل الحياة على الأرض بدلا من ذلك! لكنها بشكلٍ أو بآخر الآلة الأكبر في العالم، وسوف تختبر أصغر جسيمات الكون: إنها مصادم الهادرونات الكبير (Large Hadron Collider)، واختصارا LHC.
يعد مصادم الهادرونات الكبير جزءاً من مشروع تديره المنظمة الأوربية للأبحاث النووية المعروفة أيضا بسيرن CERN؛ حيث ينضم هذا المصادم إلى مجمع المنشآت التابعة لمختبرات سيرن قرب جنيف في سويسرا، وحالما يتم تشغيله سيدفع هذا المصادم حزماً من البروتونات والأيونات بسرعة تقارب سرعة الضوء، مسبباً تصادم هذه الحزم مع بعضها البعض، ومن ثم يسجل الأحداث الناتجة عن التصادم، ويأمل العلماء أن هذه الأحداث ستخبرنا بالمزيد عن كيفية نشأة الكون ومما هو مكون.

كما يعد مصادم الهادرونات الكبير أكثر مسرعات الجسيمات طموحاً وقدرة بني حتى وقتنا الحالي، ويضم آلاف العلماء من مئات البلدان يعملون معا -ويتنافسون مع بعضهم أيضا- لتحقيق اكتشافات جديدة، كما يضم على طول محيطه الدائري ستة مواقع تجمع البيانات من تجارب متنوعة قد تتداخل مع بعضها أحياناً؛ وسيحاول هؤلاء العلماء أن يكونوا أول من يكشف عن معلومات جديدة هامة.
أما الهدف من مصادم الهادرونات الكبير فهو زيادة معرفتنا عن الكون؛ وإن كانت الاكتشافات التي يقوم بها العلماء فيه يمكن أن تقود إلى تطبيقات عملية في وقت ما من المستقبل، فليس هذا هو السبب الذي دفع مئات العلماء والمهندسين لبناء مصادم الهادرونات الكبير. إنها آلة بنيت لتوسع إدراكنا، وباعتبار هذا المصادم يكلف مليارات الدولارات ويتطلب التعاون بين دول عديدة، فمن المؤكد أن غياب التطبيقات العملية سيكون غريبا.
ما الذي يبحث عنه مصادم الهادرونات الكبير ؟
في محاولة لفهم كوننا، كيف يعمل وما هي بنيته الحقيقية، طرح العلماء نظرية تدعى "النموذج القياسي" Standard Model. وتحاول هذه النظرية تحديد وتفسير الجسيمات الأولية التي تجعل الكون على ما هو عليه، حيث تجمع عناصراً من نظرية النسبية لانشتاين مع أخرى من نظرية الكم، وتتعامل أيضا مع ثلاث من الأربع قوى الأساسية في الكون وهي : القوة النووية الشديدة (strong nuclear force) والقوة النووية الضعيفة (weak nuclear force) والقوة الكهرومغناطيسية (electromagnetic force)، لكنها لا تتعامل مع تأثيرات الجاذبية وهي القوة الأساسية الرابعة.
كما تطرح نظرية النموذج القياسي عدة تنبؤات عن الكون يبدو العديد منها صحيحاً وفقا للتجارب المتنوعة، لكن جوانب أخرى لهذا النموذج بقيت دون إثبات، وأحدها جسيم فرضي يدعى بوزون هيغز [1] (Higgs Boson Particle) . وقد يجيب بوزون هيغز عن تساؤلات حول الكتلة، أي لماذا تملك المادة كتلة.
رغم ذلك، هذا غيض من فيض فيزياء الجسيمات، وهناك أشياء أخرى غريبة وتتحدى البديهة يمكن أن يكشف عنها مصادم الهادرونات الكبير. مثل ماذا؟ اكتشف ذلك في الجزء الثاني.
ملاحظات
[1] في الحقيقة تم اكتشاف بوزون هيغز.