ما وراء الفيزياء: ما هو السر وراء حياة الجسيمات طويلة العمر!

قد تجيب أنواع نظرية من الجسيمات -إن تمكن العلماء من اكتشافها- عن كل الأسئلة المتعلقة بالكون تقريباً. 

الكون غير مستقر! 


الجاذبية (gravity) ضعيفة جداً، لكنّ القوة الضعيفة (weak force) -التي تسمح للجسيمات بالتفاعل والتحول- فائقة القوة، وكتلة بوزون هيغز (Higgs boson) صغيرة كما يُعتقد، كما أنّ الفهرس الذي يُؤلف الكون غير مكتملٍ بنسبة 96%. 


من الممكن تفسير كل عمليات الرصد للكون دون الذري، بالاعتماد على النموذج القياسي (standard model) الذي يُمثل إطار العمل النظري المتماسك والمليء بالتنبؤات التي يُمكن التحقق منها، ولكن نظراً لهذه الألغاز التي لم تحل بعد، فإن العمليات الرياضية الكامنة وراءها تبدو مربكةً وغير مكتملة، فضلاً عن كونها مليئةً بنقاط الضعف. 

لو وُجد القليل من الجسيمات الإضافية، فإن ذلك قد يساهم في التغلب على الإحباط الموجود، فنظريةٌ كالتناظر الفائق (supersymmetry)، أو المعروفة اختصاراً بـ "سوزي SUSY"، هي نموذجٌ جبارٌ يُقدم العديد من الجسيمات الجديدة في معادلات النموذج القياسي، ويكمل جوانب النقص في الرياضيات تماماً، كما أنه يربط النهايات المفتوحة في هذا العلم، لكن المشكلة الوحيدة في هذا النموذج، هي غياب أي اكتشافٍ لواحدٍ من أولئك الأصدقاء الجدد (الجسيمات) رغم عقودٍ من البحث.

ربما يكمن السبب في عدم اكتشاف علماء الفيزياء لسوزي (أو أي فيزياء وراء النموذج القياسي) في بحثهم باستعمال العدسات الخاطئة. تقول جيسي شيلتون Jessie Shelton، عالمة الفيزياء النظرية في جامعة إيلينوي: "يتواصل استبعاد مجموعةٍ من النماذج الجميلة، ولذلك علينا أخذ خطوةٍ للخلف والنظر بشكلٍ جديدٍ كلياً إلى أبحاثنا، وتحديداً إلى أعمار تلك الجسيمات".

افترض الفيزيائيون سابقاً أن جسيماتٍ جديدةً تنتج في تصادمات الجسيمات، وستتفكك حالاً في النقاط التي تشكلت عندها تقريباً. يستطيع العلماء أسر تلك الجسيمات التي تتصرف بهذه الطريقة -على سبيل المثال بوزون هيغز- في كواشف الجسيمات المبنية حول نقاط تصادمها، لكن ماذا لو كان هناك جسيمات جديدة أعمارها طويلة جداً وتتحرك لمسافة سنتيمترات -أو حتى كيلومترات- قبل أن تتحول إلى شيء آخر يُمكن للفيزيائيين اكتشافه؟ 

هذا الأمر ليس بجديد، فالكواركات القاعية (Bottom quarks) على سبيل المثال، تستطيع التحرك لأجزاء من الميليمتر قبل أن تتفكك إلى جسيماتٍ أكثر استقراراً، وباستطاعة الميونات (muons) أيضاً التحرك لبضعة كيلومترات (بفضل النسبية العامة) قبل أن تتحول إلى إلكترونات ونيوترينات. 

يتنبأ العديد من علماء الفيزياء اليوم باحتمالية وجود أنواع خفية من الجسيمات التي تتصرف بطريقةٍ مشابهة، وهذه الجسيمات طويلة العمر نادراً ما تتفاعل مع المادة العادية، ويُفسر ذلك قدرتها على الإفلات من الاكتشاف حتى الآن. وينص أحد التفسيرات لهذا السلوك الغريب على أن الجسيمات طويلة العمر تُوجد في قطاعٍ مختفٍ من الفيزياء.

يقول هنري لوباتي Henry Lubatti من جامعة واشنطن: "يفصل جسيمات القطاع المختفي عن المادة العادية حاجز كمومي، كما هو الحال بين قريتين تفصلهما سلسلةٌ جبلية. أي يُمكن أن تكون الجسيمات بجوار بعضها البعض، ولكن دون وجود أي تحفيز طاقي ضخم لتجاوز قمة الحاجز، فإنها لن تستطيع التفاعل فيما بينها أبداً". 

قد تتمكن التصادمات عالية الطاقة الناتجة في مصادم الهاردونات الكبير من دفع جسيمات القطاع المظلم تلك، لتتجاوز حاجز الطاقة داخلةً بذلك إلى نظامنا. وإذا ما استطاع مصادم الهادرونات الكبير إنتاجها، فيجب أن يكون العلماء حينها قادرين على رؤية بصمات الجسيمات طويلة العمر في بياناتهم. 

ومن المرجح أن تحلق الجسيمات طويلة العمر، التي ستنتج في مصادم الهادرونات الكبير، بسرعةٍ قريبةٍ من سرعة الضوء، وعلى مسافةٍ تمتد من ميكروميليمترات وصولاً إلى مئات آلاف الكيلومترات قبل أن تتحول إلى مادةٍ عاديةٍ قابلةٍ للقياس، وهذا المجال الهائل يجعل من الصعب جداً على العلماء معرفة مكان البحث عنها، وكيفية القيام بذلك. 

لكن من المرجح أن يكون طول حياة الجسيمات دون الذرية مشابهاً جداً لحياة أي كائنٍ حي، فلكل جسيمٍ معدلٍ حياة وسطية، لكن عمر كل منها على حدى، متغير. وإذا كان بإمكان هذه الجسيمات طويلة العمر التحرك آلاف الكيلومترات قبل التفكك، يأمل العلماء حينها أنهم سيبقون قادرين على أسر بضعٍ من تلك الجسيمات غير المحظوظة، والتي تحولت قبل أن تغادر الكاشف. اقترح لوباتي والمتعاونين معه كاشفاً سطحياً جديداً، يُركب على مصادم الهادرونات الكبير، وسيوسع مثل هذا الكاشف من مجال البجث بعدة رتب. 

ولأن تلك الجسيمات طويلة العمر لا تتفاعل مع الكاشف، فسيكون مسارها مشابهاً لمسار المادة العادية التي تظهر في أي مكانٍ من الكاشف. ويُضيف لوباتي قائلاً: "على سبيل المثال، إذا تفكك جسيمٌ طويل العمر إلى كواركات (quarks) عندما يكون داخل كاشف الميونات، سيحاكي حينها سلوك بضعة ميونات متجمعة معاً. نتحدث هنا عن أحداثٍ كتلك الموجودة في تجربة أطلس (ATLAS)". 


فبعد تسجيل الأحداث، يستخدم العلماء خوارزميات شائعة لإعادة بناء أصول تلك الجسيمات المتعنقدة، لمعرفة فيما إذا كانت نتيجةً لآباء غير مرئيين وطوال العمر، وإذا ما اكتُشف هذا النوع الجديد من المادة، فذلك قد يساعد على الإجابة عن العديد من الأسئلة التي لا تزال عصيةً في الفيزياء. 

تقول شيلتون: "الجسيمات طويلة العمر ليست تنبؤاً لنظريةٍ جديدةٍ وحيدة، وإنما هي ظاهرة تتناسب مع كل أطر العمل الموجودة في فيزياء ما وراء النموذج القياسي". وإضافةً إلى توسيعها لنطاق رياضيات النموذج القياسي، قد تكون الجسيمات طويلة العمر أقارب للمادة المظلمة (dark matter) -الشكل غير المرئي من المادة والذي يتفاعل مع الكون المرئي عبر الثقالة فقط- ويُمكنها أيضاً المساعدة في شرح أصل المادة بعد الانفجار العظيم (big bang). 

يقول لوباتي: "صرف العديد منا وقتاً طويلاً على دراسة مثل هذا الجزء الصغير من الكون، لقد فهمنا الكثير، لكن لا يزال هنالك الكثير مما لم نفهمه، مقدار كبير من الأشياء التي لم نفهمها. وهذا يجعلني أنا وزملائي نتوقف قليلاً للتمعن في كل تلك الأمور".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
  • الجاذبية (gravity): قوة جذب فيزيائي متبادلة بين جسمين.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات