التشابك الكمومي: حب على المستوى دون الذري


عندما نتحدث عن الحب والرومانسية فغالباً ما يخطر في بالنا روابط غامضة وغير مرئية؛ ويوجد مثل هذه الروابط في العالم دون الذري أيضاً، ويعود الفضل في ذلك إلى ظاهرة غريبة وغير مألوفة تُعرف بالتشابك الكمومي (quantum entanglement).

تكمن الفكرة الأساسية لهذه الظاهرة في إمكانية ترابط جسيمين مع بعضهما حتى لو كانت المسافات الفاصلة بينهما تصل إلى ملايين السنين الضوئية، وأي تغيير في أحداهما سيؤثر على الجسيم الآخر. 

اقترح عالم الفيزياء جون بيل John Bell عام 1964 إمكانية حدوث هذا التغيير بشكل لحظي حتى لو كانت الجسيمات بعيدة جدا عن بعضها؛ وتُعد نظرية بيل هذه فكرة مهمة في الفيزياء الحديثة، لكنها تبدو معقولة بدرجة قليلة. وقبل ظهور هذه النظرية بسنوات، بيّن أينشتاين أنه ليس باستطاعة المعلومات التحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء. وفي الواقع، وصف أينشتاين التشابك الكمومي باستخدام عبارة الفعل الشبحي عن بعد (spooky action at a distance).

ووفقاً لمسؤولين من ناسا، ففي النصف الثاني من القرن الماضي، أجرى العديد من الباحثين تجارباً تهدف لاختبار نظرية بيل (Bell's Theorem)؛ لكنها باءت بالفشل لأنه من الصعب تصميم وبناء معدات بالحساسية والكفاءة المطلوبتين. لكن في السنة الماضية تمكنت ثلاث مجموعات من الباحثين من إجراء اختبارات فعالة لنظرية بيل، وكلها وجدت دلائل داعمة للفكرة الأساسية. وقد أُجريت واحدة من هذه الدراسات بقيادة كريستر شالم Krister Shalm، وهو فيزيائي في المعهد الوطني للمعايير والتقنية (NIST) في بولدر-كولورادو. استخدم شالم وزملاؤه شرائح معدنية خاصة ومبردة إلى درجة التجمد، مما يجعلها فائقة الموصلية -أي أنها لا تملك مقاومة كهربائية. 

وفي هذه التجربة يصطدم فوتون بالمعدن ليعيده من جديد موصلاً كهربائياً عادياً على مدار جزء ضئيل من الثانية، وبالطبع يُمكن للعلماء رؤية ذلك أثناء حصوله. سمحت هذه التقنية للعلماء بمعرفة ما إذا كانت قياساتهم لفوتون واحد تؤثر على الفوتون الآخر الموجود في الزوج المتشابك (entangled pair). وقد دعمت نتائج هذا البحث، المنشور في دورية journal Physical Review Letters بقوة نظرية بيل. 

وفي تصريحٍ له، يقول المؤلف المساعد في البحث فرانسيسكو مارسيلي Francesco Marsili، الذي يعمل في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا (JPL) في باسادينا: "تشير ورقة بحثنا، إضافةً إلى بحثين نُشرا العام الماضي، إلى أن بيل كان محقاً؛ فأي نموذج لعالمٍ يحتوي متغيرات مخفية يجب أن يسمح أيضا للجسيمات المتشابكة بالتأثير على بعضها البعض عن بعد". 

ويُضيف مسؤولون في ناسا أن هناك أيضاً تطبيقات عملية لهذا العمل، حيث يمكن استعمال الكواشف النانوية وفائقة الموصلية للفوتونات الأحادية (SNSPDs)، التي استعملتها مجموعة شالم والتي بُنيت في NIST وJPL، في أغراض التشفير (cryptography) واتصالات الفضاء السحيق. 

هذا وقد ساعد مستكشف الغبار الجوي والبيئة القمرية الخاص بناسا (LADEE)، الذي دار حول القمر بين شهري أكتوبر من عام 2013 وأبريل عام 2014، في إثبات إمكانية وجود هذا النوع من الاتصالات. فقد استخدمت تجربة إثبات عمل الاتصالات الليزرية القمرية الموجودة في LADEE أجهزة موجودة على المركبة الفضائية وأيضاً أجهزة أخرى موجودة في مستقبل أرضي مشابهة لـ SNSPDs. وأثبتت التجربة أنه من الممكن بناء مصفوفة اتصالات ليزرية حساسة تمكننا من رفع وتحميل المزيد من البيانات من وإلى مجسات الفضاء البعيدة.



 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات