ثورة الديناميكا الحرارية الكمومية

يمكن لدمج نظريات علم المعلومات الكمومي مع علم نقل الحرارة والطاقة أن يُفضي إلى تقاناتٍ جديدة.

يقول الفيزيائي المتخصص بالكمّ جوناثان أوبنهايم Jonathan Oppenheim الذي يعمل في جامعة لندن في المملكة المتحدة: "إننا على أعتاب ثالث ثورة ديناميكا حرارية كبرى".


شهد القرن الثامن عشر ابتكار المحرك البخاري والثورة الصناعية، وهما ناتجان عن تطوُّر علم الديناميكا الحرارية: أي علم انتقال الحرارة والطاقة. وفي القرن العشرين أبصرت مجموعة من القوانين الحاكمة للواقع المجهري النور، وعُرفت باسم ميكانيكا الكمّ. وقادت هذه القوانين لاختراع الترانزستور الذي بدوره أوصلنا إلى الثورة الرقمية التي نعيشها. ولكن ما هي التحسينات أو الخطوات التي سنخطوها قدُمًا لو أتيح لنا ضمّ هاتين النظريتين في نظرية واحدة: "الديناميكا الحرارية الكمومية


يُشير أوبنهايم إلى أننا نتجه إلى بناء منظوماتٍ أصغر فأصغر. الأجهزة النانوية الأبعاد والمحركات البيولوجية والحواسيب الكمومية ليست سوى جزءٍ من التقانات التي نسعى لإنجازها.


لكن السؤال كيف تسري قوانين الديناميكا الحرارية في المستوى الكمومي؟ حصل أوبنهايم على منحة FQXi مقدارها 60000 دولار للتحقق من ذلك.


خطر على بال أوبنهايم أن يُفكّر بالميكانيك الكمومي من وجهة نظر الديناميكا الحرارية أثناء تحضيره لرسالة الدكتوراة في جامعة كولومبيا البريطانية في فانكوفر، عندما قرأ كتابًا ألّفه الفيزيائي ريتشارد فاينمان الحائز على جائزة نوبل، يتحدّث فيه عن الحساب ويحمل عنوان Feynman Lectures on Computation. وقال أبنهايم: "بالنسبة لي كان أمرًا جميلًا حقًا، وأصبحت مهتمًا فعلًا بالربط بين نظرية المعلومات والديناميكا الحرارية".


وضع القانون الثاني ذائع الصيت في الديناميكا الحرارية قيودًا على الاتجاه الذي يمكن للحرارة أن تنتقل عبره في المنظومة المغلقة، ما يعني أن الحرارة لن تنتقل من تلقاء ذاتها من الجسم البارد إلى الجسم الحار. لهذا نجد أن أكواب القهوة الباردة لن تسخُن وحدها. ينص القانون الثاني على أن أنتروبية (أي فوضى) المنظومة المغلقة تكون دائمًا في حالة ازدياد. ومن نتائج القانون الثاني أنه من غير الممكن صُنع محركٍ حراري يستخرج الحرارة ويحولها إلى عملٍ نافع.


يُحتمل أن تضع نظريةٌ في الديناميكا الحرارية الكمومية حدودًا للعمل النافع الممكن اكتسابه من الأجهزة ذات المقاييس الذرية. تُمثِّل قواعد الديناميكا الحرارية التقليدية التي تعمل على المقاييس الكبيرة (الجاهرية) نظرةً إحصائيةً على السلوك الجمعي للعديد من الذرات أو الجزئيات مع مرور الزمن. ويتحقق الباحثون من أن هذه القواعد الكُبرى (الجاهرية) يمكن تطبيقها على المنظومات الصغرى (الميكروية)، والتأكد إن كانت قواعد الديناميكا الحرارية لجُسيمٍ منفرد هي نفسها لمجموعة (أو طاقم) من الجسيمات.

الطاقة الحرة


أوبنهايم: "يبدو أن هناك قواعد ديناميكا حرارية خاصة بالأنظمة الكمومية". وبدلًا من التفكير بالقانون الثاني على أنه يشير إلى ازدياد الأنتروبية بشكلٍ مستمر في المنظومات المغلقة، من الأفضل تصوُّره ينص على أن "الطاقة الحرة" دائمة النقصان. والطاقة الحرة هي كمية الطاقة المُستفاد منها في أي منظومة يمكنها تأدية عمل. وأضاف: "هناك العديد من أشكال الطاقة الحرة التي تتناقص جميعها، ولكن في المقاييس الكُبرى جميع هذه الطاقات متكافئة، لهذا يمكننا اعتبارها نوعًا واحدًا من الطاقة الحرة".


أهم ما أظهره الباحثون أنه لا يمكننا تطبيق الفكرة نفسها في النظام الكمومي. فمجالات الطاقات الحرة متباينة تمامًا، وينبغي أن تتناقص جميعها حتى تتوافق مع القانون الثاني. وما عليهم فعله الآن هو إعادة صياغة هذا القانون. مهمتهم الآن هي صياغة هذه القوانين بالكامل.


يقف عمل أوبنهايم على تحديد كيف يمكن أن تحتل قوانين الديناميكا الحرارية الأخرى في النظام الكمومي ذاتَ الأهمية التي يحتلها القانون الثاني. يقول أوبنهايم: "لنأخذ القانون الثالث على سبيل المثال، والذي يقول بأن الوصول إلى درجة الصفر المطلق يحتاج إلى زمنٍ لا نهائي". ويضيف: "وفي العديد من التقانات الكمومية، بما فيها الحوسبة الكمومية، نحتاج إلى القدرة على تبريد النظام قدر الإمكان، لكن القانون الثالث يضع قيودًا دون ذلك. يمكننا بالتقنيات التي نعرفها إعطاء إجاباتٍ عددية وموثوقة تُحدِّدُ إلى أي حدٍ يمكننا تبريد منظومةٍ مكونةٍ من بضعة جسيمات خلال فترةٍ زمنيةٍ محدَّدة".


ويرى الفيزيائي مات لايفر Matt Leifer من معهد Perimeter Institute للفيزياء النظرية من أونتاريو، كندا أنه عملٌ هام. ويقول: "فهو يجمع عددًا من الخيوط التي تتزايد أهميتها في فهمنا للفيزياء الحديثة. فالديناميكا الحرارية ليست الكتاب المنجز عن فيزياء القرن التاسع عشر الذي كنا نظنه".


إن فهم آليات عمل الديناميكا الحرارية على المستوى الكمومي لهُوَ حجر الأساس في ابتكار التقانات المستقبلية. ويضيف: "لكن السعي لفهمها ليس دافعه التطبيق العملي وحسب، بل يمكن أن يسمح لنا بسبر أغوار الأسس العميقة للنظرية الحديثة. ففهم الحدود القصوى لكيفية مداولة عدد صغير من المنظومات الكمومية قد يُساعدنا في فهم أفضل لقوانين الفيزياء الكمومية نفسها".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات