كنا قد تحدثنا في الجزء الأول من هذه السلسلة عن الحيوانات التي أرسلت إلى الفضاء، وتحديداً في رحلات شبه مدارية، وسنتابع في هذا المقال الحديث عن الرحلات المدارية والحيوانات العظيمة التي ساعدتنا كثيراً في استكشاف الفضاء.
الرحلات المدارية
بحلول نهاية خمسينات القرن العشرين، تم البدء بإرسال الكلاب الروسية إلى مدارات حول الأرض على متن صواريخ R-7، كجزءٍ من برنامج سبوتنك Sputnik وفوستوك Vostok الفضائيين.
وفي 3 نوفمبر/تشرين الأول من عام 1957، أصبحت كلبة الفضاء المشهورة والمسماة "لايكا Laika" أول حيوانٍ يدور في مدارٍ حول الأرض كجزءٍ من مهمة سبوتنك 2، لكن المهمة انتهت بشكلٍ مأساوي وذلك بموت لايكا أثناء الرحلة. ورغم ذلك وعلى النقيض من المهمات الأخرى التي جرى فيها إرسال كلاب في رحلات شبة مدارية، فقد كان موتها متوقعاً سلفاً.
كان يُعتقد أن لايكا ستنجو لعشر أيامٍ كاملة، ولكنها في الحقيقة ماتت بين الساعات الخمس والسبع الأولى من الرحلة! وفي ذلك الوقت، ادعى الاتحاد السوفييتي أنها ماتت دون ألمٍ أثناء وجودها في المدار بسبب نفاذ إمداداتها من الأكسجين، إلا أن مجموعة من الأدلة الأحدث تقترح أنها ماتت نتيجة ارتفاعٍ في درجة الحرارة وشعورها بالذعر.
كان ذلك نتيجة سلسلةٍ من المشاكل التقنية نتجت عن عملية انتشارٍ فاشلة، وأولها حدوث ضررٍ في النظام الحراري أثناء عملية الانفصال، أما ثانيها فقد كانت حدوث تمزقٍ في طبقة العزل الحراري الخاصة بالقمر الصناعي. ونتيجةً لهذين الحادثين المؤسفين، فقد وصلت درجات الحرارة داخل الحجرة إلى أكثر من 40 درجةً مئوية.
استمرت المهمة لـ 162 يوماً قبل تفكك المدار وتناقصه بشكلٍ كامل، والذي أدى في النهاية إلى سقوط المركبة على سطح الأرض. وقد كُرمت تضحية لايكا من قبل العديد من الدول بسلسلةٍ من الطوابع التذكارية، واعتُبرت بطلةً في الاتحاد السوفيتي، وبفضلها تعلمنا الكثير عن سلوك الكائنات الحية أثناء الرحلات الفضائية، إلا أنه كان هنالك جدلٌ يقول أن ما تعلمناه لم يكن مبرراً مقنعاً لتضحيتها.
بعد ذلك وفي 19 آب/أغسطس 1960، أُطلقت مهمة سبوتنك 5 التي حملت على متنها الكلبة بيلكا Belka (السنجاب) والكلبة ستريلكا Strelka (السهم الصغير) بالإضافة إلى أرنب رمادي و42 فأراً وجُرَذان وذباب والعديد من النباتات والفطريات، حيث قضت جميعها يوماً واحداً في مدارٍ حول الأرض قبل عودتها بسلام.
أنجبت ستريلكا ستة جراء، وسُمي أحدها باسم بوشينكا Pushinka (المنفوش)، وأُهدي ذلك الجرو لابنة الرئيس الأمريكي جون أف كينيدي (كارولاين Caroline) من قبل نيكيتا خروتشوف في عام 1961. ومع مرور الزمن، أنجبت بوشينكا من الكلب الخاص بالرئيس كينيدي (شارلي Charlie) كلاباً، ولا يزال أحفادها على قيد الحياة حتى يومنا هذا!
في 9 مارس/آذار 1961، انطلقت المركبة سبوتنك 9 إلى الفضاء وعلى متنها كلب الفضاء شيرنينكو (بلاكي)، بالإضافة دميةٍ وفئرانٍ وخنزيرٍ غيني، وأكملت الكبسولة دورةً مداريةً واحدةً قبل عودتها إلى الأرض والهبوط على سطحها باستخدام مظلة، وتم بعدها استرداد شيرنينكو بسلام.
وفي 25 مارس/آذار 1961، أكملت الكلبة سيفيازداشكا Zvyozdocha (النجمية) -التي تمت تسميتها من قبل يوري غاغارين Yuri Gagarin- مداراً حول الأرض على متن مركبة سبوتنك 10 برفقة دميةٍ فضائية، وكان ذلك قبل يومٍ واحدٍ فقط من رحلة غاغارين التاريخية في 12 أبريل/نيسان 1961، والتي أصبح فيها أول رجلٍ يسافر إلى الفضاء، وقد جرى استرجاع سيفيازداشكا بعد عودتها وهبوطها على سطح الأرض بسلام.
إرثٌ عظيم
يُنظر إلى الكلاب التي شاركت في برنامج التدريب الفضائي السوفيتي، حتى يومنا هذا، كأبطالٍ في روسيا. ووضعت صور العديد منها -لايكا على وجه الخصوص- على الطوابع البريدية التذكارية المتداولة بكثرةٍ في روسيا ودول الكتلة الشرقية، كما تم بناء العديد من النصب التذكارية لكلاب الفضاء في روسيا.
توجد إحدى تلك النصب التذكارية خارج منشأة star city لتدريب رواد الفضاء في موسكو، وقد تم بناؤها عام 1997، حيث تظهر لايكا بأذنيها المنتصبتين وهي تقف خلف رائد فضاء. كما ويوجد نصبٌ آخر يحمل اسم "النصب التذكاري لغزاة الفضاء" بُني عام 1964، ويتضمن منحوتةً للايكا جنباً إلى جنب مع تمثيلٍ لجميع الذين شاركوا في برنامج الفضاء السوفيتي.
وفي 11 أبريل/نيسان من عام 2008، تم الكشف عن نصب تذكاري للايكا في منشأة الأبحاث العسكرية في موسكو، حيث تم تجهيزها لمهمتها الفضائية عام 1957، ويُظهر ذلك النصب (المعروض في أعلى المقال) لايكا وهي تقف مستعدةً داخل هيكل صاروخٍ فضائي.
ماتت أربعة كلابٍ أخرى أثناء مهمات الفضاء الروسية، بمن فيهم الكلب بارز Bars والكلبة ليسيشكا Lisichka (اللذان قُتلا عندما انفجر صاروخ R-7 الخاص بهما بعد انطلاقه بفترةٍ قصيرة).
وفي 28 يوليو/تموز من عام 1960، مات الكلبين بشيولكا وموشكا عندما تم تدمير كبسولتهما الفضائية بشكلٍ متعمدٍ بعد فشل مرحلة العودة إلى الأرض، وذلك لمنع القوى الأجنبية من تفتيش الكبسولة.
مع ذلك، فقد ساعدت تضحيات تلك الكلاب في تطوير إجراءات السلامة وإجراءات إلغاء المهمات التي تم تطبيقها في رحلات الفضاء البشرية لعقودٍ تلت.
