هل كان أينشتاين أول من وضع معادلة الطاقة الشهيرة، وما قصة هاسنورل، بوانكاريه وآخرين؟

لم يكن الفيزيائي العظيم أول من قام بمساواة أشكالٍ من الكتلة بالطاقة، ولم يُثبت هذه العلاقة بشكل قاطع أيضاً. 


لا توجد معادلة شهيرة أكثر من\( E=mc^2\)، وعدد قليل من المعادلات أبسط منها. تُعزى الشهرة الخالدة لهذه المعادلة فعلياً وبشكل كبير إلى بساطتها المطلقة: "الطاقة" (energy) أو E لنظام معين تساوي "كتلة" هذا النظام (mass) أو m مضروبة في مربع "سرعة الضوء" \(c^2\). ورسالة المعادلة هي أن كتلة النظام تقيس محتوى الطاقة بداخله، وتخبرنا أيضًا عن شيء أساسي أكثر بكثير. إذا أخذنا سرعة الضوء c كسنة ضوئية واحدة لكل سنة (one light year per year)، فإن عامل التحويل \(c^2\) سيساوي 1. وهذا يجعل الطرفان E=m متساويان، أي الطاقة والكتلة هما نفس الشيء.

وفقاً للتراث العلمي الشعبي، صاغ ألبرت أينشتاين Albert Einstein هذه المعادلة في عام 1905، وفي ضربة واحدة قام بشرح كيفية انبعاث الطاقة في النجوم والانفجارات النووية. هذا إفراط هائل في التبسيط. لم يكن أينشتاين أول شخص يفكر بمساواة الكتلة والطاقة، ولم يثبتها فعلياً. 

سيتعلم أي شخص يحضُر مقرر الكهرباء والمغناطيسية لطلاب السنة الأولى الجامعية أن الأجسام المشحونة تحمل المجالات الكهربائية، والشحنات المتحركة تُنشئ مجالاتٍ مغناطيسيةً كذلك. لذا فالأجسام المشحونة المتحركة تحمل مجالات كهرومغناطيسية. آمن فلاسفة الطبيعة في آواخر القرن 19 بأن الكهرومغناطيسية أساسية أكثر من قوانين نيوتن للحركة وبأنه يجب على المجال الكهرومغناطيسي نفسه أن يوفر أصل الكتلة. 

في عام 1881 قام جي. جي. تومسون J. J. Thomson (والذي اكتشف الإلكترون لاحقاً)، بعمل أول محاولة ليبرهن كيف يحصل هذا عن طريق حساب المجال المغناطيسي الناشئ عن كرة مشحونة متحركة ومن ثم أثبت أن المجال أعطى كتلة للكرة نفسها. 

التأثير قريب جداً من الذي يحدث عندما ترمي كرة شاطئ على الأرض، إذ ستسحب قوة الجاذبية الكرة للأسفل؛ وقوة الجر والطفو من الهواء تعيق سقوط الكرة. ولكن هذه ليست كل القصة. بالسحب أو بدونه، لكي تسقط الكرة يجب عليها أن تدفع الهواء من أمامها عن الطريق وهذا الهواء يمتلك كتلة.

 

الكتلة "الفعالة" لكرة الشاطئ الساقطة تأخذ في الازدياد أكثر من كتلة الكرة في السكون. استوعب تومسون أن مجال الكرة المشحونة (في المثال الأصلي) ينبغي أن يتصرف كالهواء قبل كرة الشاطئ؛ وفي حالته تصبح الكتلة الفعالة للكرة المشحونة هي الكتلة الكلية الناجمة عن المجال المغناطيسي. 

اعتمدت النتائج المعقدة التي حصل عليها تومسون على شحنة الجسم، ونصف قطره ونفاذيته المغناطيسية، ولكن في عام 1889 بسّط الفيزيائي الإنجليزي أوليفر هيفيسايد Oliver Heaviside عمله لكي يبرهن أن الكتلة الفعّالة يجب أن تكون \(m=(4/3)E/c^2\)، حيث E هي طاقة المجال الكهربائي للكرة.

 

حصل كلٌ من الفيزيائي الألماني ويلهيلم وين Wilhelm Wien المعروف بأبحاثه في إشعاعات الجسم الأسود (blackbody radiation)، وماكس أبراهام Max Abraham على النتائج نفسها والتي عُرفت فيما بعد بـ "الكتلة الكهرومغناطيسية" (electromagnetic mass) للإلكترون الكلاسيكي (والذي لم يكن إلا مجرد كرة صغيرة مشحونة). وبالرغم من أن الكتلة الكهرومغناطيسية تتطلب أن يكون الجسم مشحوناً ويتحرك، فإنها وبوضوح لا تنطبق على كل المواد، هذه كانت أول محاولة جادة لربط الكتلة بالطاقة. 

ومع ذلك لم تكن الأخيرة. عندما أعلن الإنجليزي جون هنري بوينتنج John Henry Poynting في عام 1884 عن نظرية شهيرة في "حفظ الطاقة" (conservation of energy) للمجال الكهرومغناطيسي، حاول العلماء الآخرون بسرعة بأن يوسّعوا قوانين الحفظ لتغطي الكتلة إضافة إلى الطاقة.

وبالفعل في عام 1900 ذكر العالم الشمولي هنري بوانكاريه Henri Poincaré بأنه إذا طلب أحد بأن تكون "كمية الحركة" (momentum) لأي جسيم موجود في المجال الكهرومغناطيسي بالإضافة إلى كمية الحركة للمجال نفسه محفوظتان، عندها سيحدث توقع نظرية بوينتنج بأن يتصرف المجال كـ"سائل وهمي" (fictitious fluid) مع كتلة بحيث تكون \(E=mc^2\)، لكن فشل بوانكاريه في ربط الطاقة مع كتلة أي جسم حقيقي.

اتسع نطاق الأبحاث مرة أخرى في عام 1904 عندما صنع فريتز هاسنورل Fritz Hasenöhrl تجربة فكرية تشمل الطاقة الحرارية في تجويف متحرك. نُسيَت اليوم إلى حد كبير إلا من الساخرين من أينشتاين، كان هاسنورل أكثر شهرة في ذلك الوقت من كاتب براءة اختراع غامضة.

 

ثم أصبح أحد علماء الفيزياء الرائدين في النمسا، وكتب ثلاثية من الأوراق العلمية بعنوان "عن نظرية الإشعاع للأجسام المتحركة" (On the theory of radiation in moving bodies) والتي حازت على جائزة، وظهرت آخر ورقتين منها في مجلة Annalen der Physik في عام 1904 وبداية عام 1905. 

في الورقة الأولى كان يتصور تجويفاً أسطوانياً عاكساً تماماً حيث بدأت حلقتان موجودتان في طرفيه بالعمل فجأة -تعمل كسخانات-، لتملأ التجويف بالحرارة العادية، أو بلغة الفيزياء بـ "إشعاع الجسم الأسود" (blackbody radiation).

 

يخبرنا قانون نيوتن الثالث باللغة الحديثة "لكل فعل رد فعل مساوٍ في المقدار ومعاكس في الاتجاه" بأن أي فوتون منبعث من السخانات يجب أن يُصدِر قوة "رد فعل" على السخانات نفسها، ولذا لكي تثبُت الحلقتان في مكانهما يجب على كل واحدة أن تصدر قوة خارجية على الأخرى (نتصور أن القوى الخارجية هذه هي ما تُبقي الحلقتين مربوطتين بالاسطوانة). ولكن بما أن الفوتونات التي تنبعث من كل طرف متطابقة، فإن القوى متساوية في المقدار، على الأقل لشخص يرصد من داخل التجويف.

وبعد ذلك تساءل هاسنورل كيف سيكون شكل النظام أثناء تحركه بسرعة ثابتة بالنسبة لراصد يجلس في المختبر. تخبرنا الفيزياء الأساسية أن الضوء المنبعث من مصدر يتحرك باتجاهنا يميل للون الأزرق، والمنبعث من مصدر يتحرك بعيداً عنا يميل للون الأحمر، إنها "إزاحة دوبلر" (Doppler shift) الشهيرة.

 

ستظهر الفوتونات من أحد الطرفين بإزاحة دوبلر الزرقاء للراصد من المختبر وستظهر الفوتونات من الطرف الآخر بإزاحة حمراء. تحمل الفوتونات الزرقاء كمية حركة أكبر من الفوتونات الحمراء، وبالتالي لكي يستمر التجويف بالحركة بسرعة ثابتة يجب أن تكون القوى الخارجية مختلفة الآن.

 

سمح تطبيق بسيط لـ"نظرية الشغل والطاقة" (work–energy theorem)، والتي تجعل فرق الشغل الناتج عن القوى مساوٍ للطاقة الحركية للتجويف، لهاسنورل باستنتاج أن إشعاع الجسم الأسود يمتلك كتلة تساوي\( m=(8⁄3)E/c^2\)

وفي ورقته الثانية اقترح هاسنورل تجويفاً ممتلئاً بالإشعاع منذ البداية ويتسارع ببطء وحصل على النتيجة ذاتها. وبعد عدة اتصالات مع أبراهام اكتشف هاسنورل أنه وقع في خطأ جبري ومن ثم في ورقته الثالثة قام بتعديل كلا النتيجتين ليحصل على \(m=(4⁄3)E/c^2\).

وسّع هاسنرول أفكاره السابقة عندما أخذ بعين الاعتبار الكتلة المتأصلة في الحرارة إلى ما وراء المجال الكهرومغناطيسي للأجسام المشحونة لتجربة فكرية واسعة تشبه إلى حد كبير تجربة أينشتاين في السنة اللاحقة، والتي أنتجت\( E=mc^2\).

 

وبالطبع كان هاسنورل يكتب مقدمة ما قبل النسبية، وربما يظن أحدهم أن النتائج الخاطئة كانت حتمية. المسألة ليست سهلة جداً. قمنا أنا والفلكي ستيفن بون Stephen Boughn بتحليل دقيق لثلاثية هاسنورل وبإمكاننا القول إن المشكلة لم تكن في الادعاء المعتاد "لقد نسي بأن يأخذ في الحسبان القوى الصادرة من الهيكل نفسه لكي يثبّت أغطية الطرفين في مكانهما".

 

الخطأ الأساسي في أول تجربة فكرية لهاسنرول كان بسبب أنه لم يدرك أنه إذا كانت الأغطية تُصدر حرارة فيجب أن تكون تفقد من كتلتها، وهذا سهو ساخر باعتبار أن ما كان يحاول استكشافه هو مساواة الكتلة بالطاقة. ومع ذلك، كان هاسنورل مصيباً بما يكفي ليجعل ماكس بلانك يقول في 1909: "بأن أول من أشار إلى أن إشعاع الجسم الأسود يمتلك قصوراً ذاتياً هو إف. هاسنرول." إشعاع الجسم الأسود -الحرارة- يمتلك كتلة. 

والمفاجأة الأكبر هي أنه في تجربته الثانية، والتي يكون فيها التجويف ممتلئ بالإشعاع وتكون الأغطية غير مشعة، لم تكن إجابة هاسنرول خاطئة بشكل واضح، وحتى بالنسبة للنظرية النسبية. ورقة أينشتاين الشهيرة لـ  \( E=mc^2\)في 1905 "هل القصور الذاتي لجسم يعتمد على محتوى طاقته؟" (Does the inertia of a body depend on its energy content؟) تأخذ بالإعتبار جسيم نقطي يصدر موجة من الإشعاع ويتساءل، كما فعل هاسنورل، كيف يبدو شكل النظام من منظور إطار مرجعي متحرك؟.

 

كان هاسنورل أكثر جرأة أو متهوراً بعض الشيء عند التفكير بتجويف محدود الطول. أنتجت الأجسام المتمددة تصدعات عديدة وطويلة في النسبية الخاصة، كالحقيقة التي تقول إن الكتلة للإلكترون التقليدي تأتي كذلك بصيغة\( m=(4⁄3)E/c^2\).

 

ولذا باستخدام رياضيات صحيحة معتمدة على النسبية ستحصل على نتيجة تناقض للوهلة الأولى النتيجة المتوقعة والتي يحبها الناس؛ ولا يزال الجدل قائماً حول كيفية حل هذه القضية بشكل سليم حتى هذ االيوم. 

ومن المفاجئ كذلك هو أنه على الرغم من أن أينشتاين هو أول من اقترح العلاقة الصحيحة،\( E=mc^2\)، فهو لم يثبتها فعلياً. على الأقل وفقاً لنسبيته الخاصة. بدأ أينشتاين بتوظيف العلاقات النسبية التي قام باشتقاقها قبل بضعة أشهر (إزاحة دوبلر النسبية) ولكنه أخيراً قام باستبعاد الأجزاء النسبية، تاركاً إجابة من الممكن أن يحصل عليها أي أحد عن طريق الفيزياء الكلاسيكية البحتة، والتي ربما تبقى أو لا تبقى صحيحة عند السرعات العالية والتي تلعب النسبية فيها دوراً. 

وعلاوة على ذلك، على الرغم من أنه ذكر أن استنتاجاته تنطبق على جميع الأجسام وجميع أشكال الطاقة، لم يقدم أينشتاين أي محاولة لاثبات ذلك بالتأكيد. بالرغم من أنه كان على بينة من أوجه القصور في اشتقاقه، وكتب نصف دزينة أخرى من الأوراق على مدى أربعين سنة في محاولة لتصحيح الأمور، ولكن يمكن القول بأنه لم ينجح أبداً. وبطبيعة الحال، أقنعتنا التجارب التي لا تعد ولا تحصى منذ ذلك الحين بصحة نتيجة أينشتاين.

ويتساءل المرء بطبيعة الحال ما إذا كان أينشتاين يعرف بعمل هاسنورل. فمن الصعب أن نصدق أنه لم يكن يعرف، بالنظر إلى أن الجزء الأكبر من الثلاثية الحائزة على جائزة ظهرت في أبرز مجلة آنذاك.

 

بالتأكيد في مرحلة ما تعرّف على هاسنورل: إذ أظهرت صورة شهيرة لمؤتمر سولفاي الأول Solvay Conference في عام 1911 كلا الرجلين مجتمعين حول طاولة مع حضور لامعين آخرين.

وهكذا، على الرغم من أن أينشتاين حقق تقدماً مفاهيمياً واضحاً في مساواة كتلة الجسم مع محتوى طاقته الكلي -سواءً كان يتحرك أم لا، وسواءً كان لديه مجال كهرومغناطيسي أم لا- يمكننا أيضا الاعتراف بحق هاسنورل لإدراكه الذي لا لُبس فيه بأن الحرارة نفسها تمتلك كتلة مساوية، وللفيزيائيين الذين سبقوه لتقديمهم سلسلة بإمكانه الاعتماد عليها.

\(E=mc^2\) هي خاتمة قصيرة لقصة علمية طويلة ومتعرجة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات