القوانين مقابل الفوضى في الطبيعة

كنت سيئاً جداً بالفيزياء عندما كنت في المدرسة، وجزء من هذا لأني لم أكن أصدق المعلم أو الكتب، فكلاهما أكد أن الكثير من العالم حولنا يمكن وصفه باستخدام معادلات قصيرة وبسيطة نسبياً؛ فكيف لهذا أن يكون إذا كان الكون الذي نشاهده معقداً بهذا الشكل المذهل؟ خلصت إلى أن المعلمين والكتب ربما قد كانو على خطأ! لكن ما لم أدركه أن لا تناقض في هذا، فعالم يتبع قوانين بسيطة يمكنه أن يكون معقداٌ بشكل لا يصدق، وقوانين الطبيعة يمكنها أن تكون بسيطة، لكن نتائجها يمكن أن تكون واسعة بالقدر الذي تحب.

 حدد النمط


بطريقة ما، كان موقفي من العالم حولي يشبه قليلا موقف البشر الأوائل؛ يشرح جون د. بارو John D.Barrow وهو عالم رياضيات وكونيات من جامعة كامبريدج: " إن نظرت إلى الحقب التاريخية الإنسانية المبكرة، سترى أناساً أثرت فيهم شواذ الطبيعة بشكل كبير -كالزلازل والكوارث وما إلى ذلك- ما جعلها تأخذ طريقها إلى سجلاتهم التاريخية"، ويكمل قائلا: "في النهاية أدرك الناس أنه إن درست انتظامات الطبيعة Regularities ( حقيقة أن الفصول تتوالى بشكل منتظم، وأن للمد والجزر نمطاً معيناً) فبإمكانك استغلالها لمصلحتك؛ ومن هنا بدأ الإنسان بالانهماك في هذه الانتظامات وشرع يكوّن شعوراً يتعلق بفكرة السبب والنتيجة cause & effect القائلة بأنك إن قمت بفعل ما، فلفعلك عاقبة".

 

دراسة الأحداث المتكررة في الطبيعة هي بداية العلم.
دراسة الأحداث المتكررة في الطبيعة هي بداية العلم.

إن عملية رصد هذه الانتظامات هو ما نطلق عليه اسم "علم" Science ، فعلماء الأحياء مثلا يحددون الأمور المتشابهة بين الحيوانات ويصنفونها في مجموعات لتشكل أنواعاً Species أو أنواع فرعية Subspecies، كما يدرس علماء الفلك الحركات المنتظمة للأجرام السماوية، ويستدلون بأن الكواكب تتحرك في مدارات إهليليجية حول النجوم؛ وإن بدا انتظام ما أساسيا فعلاً ندعوه عندها " قانوناً طبيعياً " A Law of Nature.

ولعل أبرز الأمثلة عن قوانين الطبيعة هي قوانين اسحاق نيوتن في الحركة والجاذبية والتي كنت أشعر بالازدراء تجاهها في المدرسة، توصف بأنها قوانين Laws أكثر من كونها قواعد ثانوية أو بحكم قوانين، لأنها تملك صبغة عمومية.


فقانون الجاذبية ينطبق على تفاحة تسقط عن شجرة تماماً كما ينطبق على كواكب تدور حول النجوم، وقوانين الحركة لها نفس العمومية، ومثل هذه القوانين لها قدرة تفسيرية وتنبؤية حيث يمكنها أن تفسر لما نحن ملتصقون بالأرض، كما تسمح لنا بحساب الوقت الذي نحتاجه لنصطدم بهذه الأرض إن قفزنا عن بناء عال!

قانون نيوتن في الجاذبية


قوة الجذب F بين جسمين ذوي كتلة يعبر عنها بالعلاقة :


\(F=G \frac{m1 m2}{r^2} \)
 

حيث m1 و m2 هما كتلتي الجسمين على التوالي، و rهي المسافة الفاصلة بينهما، و Gهي ثابت الجاذبية ويساوي تقريبا


\(6.6710^{11} N(m/kg)^2\)
 

قوانين نيوتن في الحركة


  1. ​ القانون الأول : الجسم الساكن يبقى ساكناً، والجسم المتحرك يبقى متحركاً وبنفس السرعة، ما لم تطبق عليه قوى خارجية محصلتها لا تساوي الصفر.
  2.  القانون الثاني : F = m.a
    حيث F هي القوة المطبقة على جسم، و m هي كتلة هذا الجسم، و a هو التسارع.
  3. القانون الثالث : لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه بالاتجاه.
     
نفضل عموماً القوانين التي يمكن التعبير عنها بشكل بسيط وأنيق، ولسبب ما تبدو الرياضيات أفضل لغة لفعل هذا، فقوانين نيوتن مثلاً يمكن أن تكتب باستخدام القليل من المعادلات سهلة التفسير؛ وحتى نظرية اينشتاين في الجاذبية -التي قامت مقام نظرية نيوتن في الجاذبية- تعتمد كلياً على معادلات بسيطة نسبيا، وكذا تفعل التوصيفات الأساسية الأخرى للطبيعة كمعادلة شرودينغر الموجية أو معادلات ماكسويل.

أما لماذا يجب أن تكون الرياضيات أفضل لغة لقوانين الطبيعة، فهذا أمر فيه شيء من الغموض؛ لكن يبقى ما يسعى إليه العديد من الفيزيائين جاهدين هو أناقة الأسلوب الرياضي أثناء محاولتهم لصياغة قوانين الطبيعة.

 اشعر بالفوضى!

لكن ماذا عن كل الفوضى والتعقيد في العالم؟ إن أخذنا هذه القوانين البسيطة وهذه الانتظامات فقط، ألا نفوت شيئاً ما؟ ليس بالضرورة؛ فالفوضى تأتي عن نتائج قوانين الطبيعة التي يمكنها أن تكون معقدة أكثر بكثير من القوانين بحد ذاتها.


خذ قانون نيوتن مثلاً، يمكنك بسهولة تامة أن تجد حسابياً شكل مدار كوكب بعينه يدور حول الشمس، بأنه منتظم ذو شكل إهليليجي؛ لكنك إن أدخلت جسماً ثالثاً (مع الكوكب والشمس) ستصبح الأمور أكثر فوضى، ففي حين تكون قوانين التأثير المتبادل بينها بسيطة، فنتائجها والمسارات التي تأخذها هذه الأجسام تحت تأثير بعضها بشكل عام معقدة جداً.

 

وفي الواقع لا توجد صيغة رياضية عامة تعطيك الموقع الدقيق لكل جسم عند كل نقطة زمنية محددة؛ والسبب الوحيد الذي يمكننا من القيام بمثل هكذا حسابات عن الكواكب في النظام الشمسي هو أن الكواكب صغيرة جداً مقارنة بالشمس، حيث يمكن إهمال قوى الجذب الثقالي التي تطبقه على بعضها، ولكي تحسب مسار كوكب معين فأنت بحاجة لأن تأخذ قوة الجذب الناجمة عن الشمس فقط بعين الاعتبار.


إذا فالعالم الذي نعيش فيه يبدو بسيطاً ومعقداً بنفس الوقت، فهو بسيط على مستوى القوانين، لكنه معقد على مستوى ما ينتج عن هذه القوانين، مايعني أنه حتى العلماء يختبرون ذلك بأشكال مختلفة.


يقول بارو Barrow: "إن كنت من الأشخاص الذين يقضون يوم عملهم محاولين فهم قوانين الطبيعة، وجمعها مع بعضها، فستميل للاعتقاد بأن الكون بسيط، لأنك تنظر إليه على مستوى القوانين "، ويكمل قائلا: " لكن إن كنت عالم أحياء أو عالماً اقتصادياً أو نفسياً، فإنك تدرس العالم المعقد لنواتج هذه القوانين، وفعلياً أنت لا تتحدث أبداً عن قوانين الطبيعة، فلن يتكلم عالم أحياء أبداً عن قوانين الفيزياء أو قوانين الطبيعة، هم فقط يحاولون إيجاد القوانين الداخلية والأنماط في أجزاء هذا العالم المعقد من الوقائع، وبالتالي فالعالم بالنسبة لهم بالتأكيد ليس بسيطاً".

هكذا نشأ شكي المبكر في الفيزياء، أما عن تعقيد العالم حولنا فلا يحول دون وجود القوانين البسيطة، وفي الواقع فإن الافتراضات القائلة بهذه الأشياء كقوانين للطبيعة أوصلتنا إلى أبعد مما كنا نعتقد.


عن الكاتب


ماريان فريبيرغر Marianne Freiberger هي محررة في مجلة Plus. أجرت مقابلة مع جون بارو في كامبردج في ديسمبر 2015.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات