القوة الخامسة: حقيقة أم خيال؟

هل وجد المختبر المجري حقًا دليلًا على وجود قوة خامسة لقوى الطبيعة؟
المصدر: Jurik Peter/ Shutterstock.com



العلوم والإنترنت بينهما علاقة مضطربة؛ فالعلم يميل إلى المضي قدمًا من خلال تقييم دقيق ومضجر من البيانات والنظريات، وهذه العملية يمكن أن تستغرق سنوات لتتم. ولكن تجد في المقابل لدى مجتمع الإنترنت -بشكل عام- تركيزًا مثل السمكة دوري Dory -دوري سمكة مشتتة الانتباه وضعيفة الذاكرة من فيلم "العثور على نيمو" (والآن في فيلم "البحث عن دوري")- فمدى انتباههم يتشتت بين صورة ساخرة أو صورة للمشاهير أو ربما فيديو مضحك عن القطط.


لذا فالناس الذين يجدون متعتهم في العلوم، يجب عليهم أن يكونوا حذرين للغاية عندما يقرؤون قصة من الإنترنت تزعم أن هناك اكتشافًا علميًا جديدًا. ومثالًا على ذلك، خبر "اكتشاف وجود قوة جديدة للطبيعة". إذا كان هذا صحيحًا، فإن ذلك يعني أن علينا إعادة كتابة الكتب المدرسية.


و كفيزيائي، أود تسليط الضوء العلمي المنضبط على هذا الادعاء. 


القوة الخامسة!

إذًا ما الذي ذكر فيها؟


في هذا المقال في 7 أبريل/ نيسان 2015، على موقع أرخايف (arXiv) للأورق البحثية في الفيزياء، أعلن مجموعة من الباحثين المجريين عن الدراسة التي ركزوا فيها حزمة كثيفة من البروتونات (الجزيئات الموجودة في مركز الذرات) على أهداف من الليثيوم الرقيق، وخلق هذا الاصطدام نواة مثارة من البريليوم-8، والتي بعثت عند تحللها بريليوم 8 العادي وأزواجًا من جزيئات الإلكترونات والبوزيترونات. (البوزيترون هو المادة المضادة للإلكترون).

النموذج القياسي the Standard Model
النموذج القياسي the Standard Model


وزعم العلماء المجريون أن البيانات الخاصة بهم لا يمكن تفسيرها بالظواهر الفيزيائية المعروفة في النموذج القياسي the Standard Model الذي هو بمثابة النموذج الحاكم في فيزياء الجسيمات. ولكنهم زعموا أنه يمكنهم تفسير هذه البيانات إذا وجد جسيم جديد ذو كتلة 17 مليون إلكترون فولت تقريبًا، والذي هو أثقل من الإلكترون بـ 32.7 مرة، ومقتربًا من 2 في المئة من كتلة البروتون. ولكن الجزيئات التي تظهر في هذا النطاق للطاقة (والتي هي نسبة منخفضة نسبيًا وفقًا للمعايير الحديثة) قد دُرست جيدًا من قبل ولم يُكتشف جسيم بهذه الموصفات، لذلك سيكون من المدهش جدًا إذا اكُتشف جسيم جديد ضمن هذا النطاق من الطاقة.


ومع ذلك، نجت قياسات دراسة الباحثين المجريين من مراجعة الأقران (مراجعة الأقران هي عملية تقييم عمل أو نشاط يقوم بها شخص ذو اختصاص وكفاءة في مجال العمل أو النشاط) ونشرت في 26 يناير/كانون ثاني 2016، في مجلة Physical Review Letters، التي تعد واحدة من المجلات الفيزياء المرموقة في العالم. و بهذا المنشور فإنه بلا شك قد تجاوز البحث والباحثون عقبة مثيرة للإعجاب.


حازت قياسات البحث على القليل من الاهتمام، حتى سلطت مجموعة من علماء الفيزياء النظرية من جامعة كاليفورنيا في أيرفين (UCI) الأنظار حول هذه القياسات.


فكما يفعل أصحاب النظريات عادة مع قياسات الفيزياء المثيرة للخلاف والجدل، بدأ فريق أيرفين بمقارنة القياسات مع النتائج التي جمعت من التجارب الأخرى على مدى القرن الماضي أو نحو ذلك، لمعرفة ما إذا كانت البيانات الجديدة تتفق أو لا تتفق مع الدليل المعرفي∗. وفي هذه الحالة، نظر الفريق في حوالي اثنتى عشرة دراسة من الدراسات المنشورة.


الدليل المعرفي: هو مصطلح يستخدم لتمثيل مجموعة كاملة من المفاهيم والمصطلحات والأنشطة التي تشكل مجالًا مهنيًا، كما هو محدد من قبل جهة ذات صلة كهيئة مهنية... المترجمة)

والذي وجده فريق البحث هو أن القياسات لا تتعارض مع أي دراسات سابقة، ولكن رغم ذلك يبدو أن هناك شيئا لم يتم ملاحظته من قبل وهو -هذا الشيء أيضًا- الذي لا يمكن تفسيره من خلال النموذج القياسي.


إطار نظري جديد



وضع فريق بحث أيرفين نظرية جديدة لجعل نتائج الباحثين المجريين منطقية.


النظرية التي وضعها فريق بحث جامعة كاليفورنيا غريبة إلى حد كبير. فهي تبدأ مع فرضية منطقية جدًا ألا وهي أن الجسيم الجديد المحتمل، لم يتم شرحه من قبل النظريات القائمة. وهذا أمر متوقع لأن الجسيم الجديد هذا ذو كتلة صغيرة جدًا، لذا كان من السهل أن يتم اكتشافه إذا كان يخضع لقوانين الفيزياء المعروفة حاليًا.

ولكن هذا جسيم جديد يخضع لقوانين فيزيائية جديدة، أو ربما هناك قوة جديدة هي السبب.


علماء الفيزياء يتحدثون بصفة دائمة عن أربع قوىً معروفة أساسية: (قوة الجاذبية، والقوي الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية، والقوى النووية الضعيفة)، وقد أطلق على هذه القوة الجديدة القائمة علي الافتراض اسم "القوة الخامسة".


القوة الخامسة لديها تاريخ حافل بالنظريات والاكتشافات غير المؤكدة؛ فبالعودة إلى عقود سابقة، تختفي أو تظهر قياسات وأفكار عن هذه النظريات مع ظهور معلومات جديدة. 


ولكن من ناحية أخرى، هناك أسرار لا يمكن تفسيرها بالفيزياء العادية، على سبيل المثال المادة المظلمة dark matter. بينما تم تمثيل المادة المظلمة على أنها شكل واحد من الجسيمات الهائلة والمستقرة التي تخضع لقوى الجاذبية وليس لأي قوة من القوى الأخرى المعروفة، إلا أنه ليس هناك سبب يدعو إلى عدم خضوع المادة المظلمة إلى القوى التي تخضع لها المادة العادية. إذًا المادة العادية تخضع لقوى لا تخضع لها المادة المظلمة، وبالتالي فإن الفرضية ليست ساذجة إلى هذا الحد.

 

ليس هناك سبب يدعو إلى عدم خضوع المادة المظلمة إلى القوى التي تخضع لها المادة العادية. ففي هذا العنقود المجري أبل 3827(Abell 3827)، رُصدت المادة المظلمة وهي تتفاعل مع نفسها خلال اصطدام المجرات. المصدر: ESO
ليس هناك سبب يدعو إلى عدم خضوع المادة المظلمة إلى القوى التي تخضع لها المادة العادية. ففي هذا العنقود المجري أبل 3827(Abell 3827)، رُصدت المادة المظلمة وهي تتفاعل مع نفسها خلال اصطدام المجرات. المصدر: ESO

 

هناك العديد من الأفكار حول القوى التي تؤثر على المادة المظلمة فقط، وأطلق على هذه الفكرة الأساسية مصطلح "المادة المظلمة المعقدة" complex dark matter، ولكن هناك فكرة واحدة مشتركة بين هذه الأفكار ألا وهي أن هناك الفوتون المظلم الذي يتفاعل مع شحنة مظلمة التي تُحمل فقط من قبل المادة المظلمة.


هذا الجسيم عبارة عن تناظر المادة المظلمة لفوتون المادة العادية التي تتفاعل مع الشحنة الكهربائية، مع استثناء واحد وهو أن بعض نظريات المادة المظلمة المعقدة تشبع الفوتونات المظلة بالكتلة، وبذلك يوجد تناقض صارخ مع الفوتونات العادية.


في حالة وجود الفوتونات المظلمة، فإنها يمكن أن تندمج مع المادة العادية (والفوتونات العادية) وتنحلّ إلى أزواج من الإلكترونات والبوزيترونات، وهو ما كانت تبحث فيه المجموعة البحثية المجرية. لأن الفوتونات المظلمة لا تتفاعل مع الشحنة الكهربائية العادية، وهذا الاندماج يمكن أن يحدث فقط بسبب تقلبات ميكانيكا الكم. ولكن إذا بدأ العلماء في ملاحظة زيادة في عدد أزواج الإلكترونات والبوزيترونات، فهذا قد يعني أنهم كانوا يراقبون فوتونًا مظلمًا.


وجدت مجموعة أرفين نموذجًا اشتمل على جسيم "كاره للبروتونات protophobic" الذي لم يُستبعد من القياسات الأولى، وهذا ما يفسر نتيجة الباحثين المجريين. فجسيم protophobic، والذي يعني حرفيا "الخوف من البروتونات"، نادرًا أو أبدًا ما يتفاعل مع البروتونات ولكن يمكن أن يتفاعل مع النيوترونات (محب للنيترونات neutrophilic).


الجسيم الذي اقترحه فريق أيرفين يخضع لقوة خامسة وغير معروفة، والتي هي في حدود 12 فمتومتر، أي حوالي 12 مرة أكبر من البروتون. الجسيم الذي هو كاره للبروتونات ومحب للنيترونات لديه كتلة تساوي 17 مليون إلكترون فولت، ويمكن أن يتحلل إلى أزواج من الإلكترونات والبوزيترونات. بالإضافة إلى شرح قياسات الباحثين المجريين، فإن مثل هذه الجسيمات تساعد في تفسير بعض التناقضات التي وجدت في تجارب أخرى. هذه النتيجة الأخيرة تضيف بعض الوزن لهذه الفكرة.


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات